أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غياق منهل هادي - هل الشعر في خطر؟















المزيد.....

هل الشعر في خطر؟


غياق منهل هادي

الحوار المتمدن-العدد: 4314 - 2013 / 12 / 23 - 03:34
المحور: الادب والفن
    


كثيرون باتوا يتحسرون-ومنهم انا- على أمة اقرأ التي لم تعد تقرأ كثيرا. وفاتنا ان نسائل من يكتبون عما يكتبون. فالقراءة والكتابة تكمل احداهما الاخرى وتحدد احداهما الاخرى، فجودة المكتوب تجعله مقروءا ووفرة القراءة تحسن جودة المكتوب -في عالم مثالي طبعا-. الجودة هنا لا تعني المطابقة لمعايير توصيفيه نمطية جاهزة بقدر ما تعني الاقتراب من الحاجة الفعلية للمتلقي والقراءة الواقعية لموضوع الخطاب. وهي تعني ايضا أجادة الأدوات الممكنة للوصول للمتلقي اينما وكيفما كان.1 فمن لا يقرأ بمفهوم القراءة التقليدي له وسائله الأخرى للتواصل في هذا العالم وعلى الكاتب كمنتج خطاب ان يوصل خطابه بوسيلة او بأخرى. ان الفشل في الوصول الى الجمهور الواسع فقط لكون الاخير لا يقرأ هو كسل ثقافي بامتياز. وعندما نحاسب انفسنا لآننا لا نقرأ كفاية ينبغي ان نحاسب من يكتبون لأنهم لا يبحثون عن وسائل اكثر اتساقا مع عالمنا المتسارع. ننطلق هنا من فرضية ان الجمهورعلى حق لأنه من غير الممكن كميا واحصائيا أن يكون الملايين على خطأ والاقلية على صواب.
كثيرا ما نسمع من اصحاب الثقافة الفوقية- اسمحوا لي ان اسميهم هكذا- خوفهم مما وصلت اليه الثقافة عموما والادب والشعر خصوصا. مجاميعهم الشعرية المغلقة على فهم بعضهم البعض لم تعد تساوي ما يعادلها ورقا. وباتت تزاحمها في سوق الكتاب روائع الطبخ ودواوين الابراج وكتب الطالع. يشتكون من ان شعرهم النخبوي لم يعد يكترث لأمره احد، ان ما تعكسه هذه الشكوى الرائجة بين بعض المثقفين هو ان ذلك الشعر ما عاد يلقى اذانا صاغية من جمهور فقد الاهتمام بنخبويتهم الفارغة، مع الاعتذار. فهل هذا يعني ان الشعر والادب والثقافة كلها في خطر؟
بدءا فمن البديهي ان ما يمثله الادب والشعر اوسع كثيرا من حدود هذا المفهوم القاصر. فالشعر ليس نمطا ثقافيا ترفيهيا او تمظهر سطحي لموجة ثقافية عابرة في حياة امة ما. هو ليس كتابات يكتبها شعراء ليقرأها بعضهم البعض في احتفال صغير ينتهي ببعض التصفيق وكلمات المجاملة وربما بمقال في صفحة ثقافية ما. هو ليس متغير من متغيرات حياتنا. انه حاجة انسانية ملحة وظاهرة ارتبطت اساسا بالظاهرة اللغوية. الشعر حاجة اصيلة لاستخدام اللغة بطريقة معينة للتعبير عن/او لتوليد مستوى معين من المعنى. من هنا فان وجود وتقدم ورقي الشعر في أي مكان مرتبط باللغة ارتباطا جذريا. والمقصود باللغة هنا هي اللغة الحقيقية كما يفهمها الأنسان العادي. من هنا فان الشعر لا يتراجع بتراجع قراءتنا لأساطين القريض وطلاسم قصيدة النثر المنغلقة على نفسها. الشعر لا يتراجع لأنك تفضل شراء الخبز على شراء مجموعة شعرية. الشعر لا يتراجع لان شباب اليوم يفضل التسكع في الفضاء الالكتروني على التجول المعرفي في مكتبات قصيدة الشعر وصراعات التفعيلة. فعندما تضيق ذرعا بشاعر ما فهذا لا يعني انك تتنكر لحاجتك الانسانية للشعر كنتاج جمالي ووسيلة ابداع.
من بين البدائل التي افرزها واقعنا اليوم هو الانتشار الواسع للشعر الشعبي. هذا النوع الادبي القديم بأصالته وانتمائه الصارخ الى التراث الشعبي والجديد بانتشاره الواسع وتعاطيه بسلاسة مع مواضيع الساعة للمتلقي اليومي البسيط. من مزايا الشعر الشعبي الذي تملأ قراءاته - بغثها وسمينها- الفضاء الالكتروني، انه سماعي بالدرجة الاولى- وهنا نذكِر باننا امة سماعية بامتياز، فازدهار شعرنا بعصوره الاولى كان لميزته هذه-. يفضل المتلقي اليوم تصفح مواقع التواصل لسماع قصائد او ومضات شعرية يمكنه تداولها بوسائل مختلفة موفرا الوقت والجهد والمال على القراءة بطريقتها التقليدية. فهاتفك الجوال كفيل بان يحوي أنطولوجيا متنقلة لما تفضله من قصائد و اناشيد واغاني وهلم جرا. ان وجود وانتشار الشعر الشعبي هو بحد ذاته حالة ثقافية صحية، اذ انه يؤكد ان المجتمع ينحت وسائله التعبيرية من واقعه الثقافي ولا يكتفي باستيراد انساق تفكير وابداع خارجية دخيلة. ان ابرز ما يحتاجه هذا التيار الواسع والكم الهائل من الشعر الشعبي هو الارتقاء بمعاييره الجمالية والابداعية وحتى الذوقية. يحتاج الشعر الشعبي الى الانفتاح عليه بصورة جدية على المستوى الاكاديمي والثقافي النخبوي على حد سواء. اكاديميا نحتاج للمزيد من الدراسات والبحوث النقدية والتأصيلية للمنتج الشعري الشعبي الضخم ليس باعتباره جزءا من التراث الشعبي بل كونه نوعا ادبيا حيا ومتجددا. و ثقافيا تحتاج النخبة الادبية من شعراء ونقاد الى الاعتراف بوجود هذا النوع واهميته الشعرية. وهذا لا يعني التسليم منا بان الشعبي هو سيد الساحة الشعرية الاوحد وانما الواقعية في قراءة مشهدنا الثقافي واتجاهات الجمهور والقدرة على تأصيل وتقويم التجربة الشعرية الشعبية.
الشعر ليس في خطر لكنه يتخذ كعادته مسارات جديدة. هو ليس كما الشاعر الفوقي الذي تأخذه العزة بالشعر ليتعالى على الاعتراف بان الواقع لم يعد يطيق امثاله. ما يحدث هو ليس مخاض ثقافي جديد. انه ببساطة ان الجمهور لم يعد يطيق غرور ونرجسية النخبة وان النخبة هي ابعد ما تكون عن مفهوم المثقف العضوي كما روج له العم غرامشي. هذه القطيعة –لو سلمنا بوجودها- تحتم على النخبة اعادة النظر بدورها الطليعي المفترض في قيادة التحولات الثقافية الكبرى. على النخبة ان تنزل قليلا من ابراجها للأخذ بهذا التيار العريض من الشعر غير الموجه. هذا الشعر الذي يشكل جزءا كبيرا من وعي شرائح واسعة من جمهورنا.
لا خوف على الشعر لأنه كفيل بتصحيح وتغيير مساره ذاتيا. الخطر الحقيقي هو على النمط الشعري النخبوي الذي اوغل في العديد من نماذجه في التغريب. على شعراء النخبة الاقتراب اكثر من الجمهور 2(تكاد جدلية ان يفهم الجمهور ما يقال وان يقول الشاعر ما يفهم ان تكون متجذرة في نمط الشعر العربي النخبوي منذ القدم). فالشاعر بطبيعته انسان مرهف الاحساس متمرد، نرجسي حتى النخاع.3 هو لا يكترث لحظة الكتابة بما يقوله الجمهور ولا يمكن والحال هذه ان نطالبه بالنزول الى مستوى ادراكهم البسيط. لكن الاغراق بالغرائبي والابتعاد عن الوضوح يفقد اقوى النصوص الابداعية سمة الوصول المباشر الى القلب.
اقول، لا تنزلوا الى مستوانا ايها الشعراء ولكن ارتقوا بأذواقنا اليكم. رفقا بشعركم نفسه وكفاكم تغريبا ولا تخافوا على الشعر، فله رب يحميه.

1 من هذه الادوات ما تقدمه التكنلوجيا الحديثة من وسائل التواصل المتعددة(الملتيميديا) والتطبيقات الالكترونية الاخرى.
2هنالك اتجاه الشعر من اجل الشعر وهذا الاتجاه لا يكترث للجمهور ولا يتأثر بانتشاره وقراءته وهو خارج مدى التوصيف هنا.
3 يقول أحدهم "كيف لا اكون نرجسيا وانا في بلد الثمانين مليون نخلة" (مقابلة تلفزيونية على هامش مهرجان المربد2013)



#غياق_منهل_هادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الشعر في خطر؟


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غياق منهل هادي - هل الشعر في خطر؟