أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد يوسف - لحظة خطف















المزيد.....


لحظة خطف


محمد يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1226 - 2005 / 6 / 12 - 03:44
المحور: الادب والفن
    


لحظة خطف
قصة قصيرة :
محمد يوسف
اليوم غريبا من أول النهار ... ولعله أستيقظ باكرا على غير عادته وكأنه يستعيد فى ذلك اليوم ذكريات الزمن الذى تركه ورائه وهرب خارج مصر سواحا فى بلاد الفرنجة وبلاد المعيز والجاز .... حرارة الجو لم يشعر بها فهو نشطا يحضر أشيائه وكأنه ذاهب الى رحلة او لمقابلة مجموعة من الاصدقاء .... فقد كانت تلك المظاهرة هى الوحيدة التى سيحضرها منذ اواخر السبيعينات وكأنه يحاول ان يمحى من ذاكرته لحظات الغياب الطويل عن الوطن .... وأن يخرج من حالة الشتات التى أدخل اليها بسبب المطاردة المستمرة فى محاولة مستمرة من الآمن ان يقبض على الخلايا التحتية التى لايعرف عنها أى شئ فهذا طبيعة تنظيمه الماركسى الذى لقب بالتنظيم الحديدى فمنه الظاهر ومنه الخفى وأعتمد التنظيم على تقسيمات عددية ذات ذوائد متلاحمة مع المجموعة التالية فى التقسيم الجغرافى او حسب طبيعة العمل السياسى ولاتتعامل تلك المجموعة الا مع فرد واحد هو المسئول عنها .... أخذت ذكريات المرحلة تتوارد فى ذهنه الذى بدأ يستعيد نشاطه مع زخم الاحداث والافعال التى تتوارد أمامه فقد انهى للتو اضرابا عن الطعام فى نقابة المحامين وأصطدم بالمتغيرات على الساحة السياسية لعله لم يدركها ولم يحاول أن يدركها فقد كان هائما فى أحلام الماضى عندما كان مجرد طالبا فى كليته يدرس الفنون وينتظم فى تنظيمه مابين احداث جامعة القاهرة ونادى الفكر الاشتراكى ولجنة العمال والطلبة ومجلات الحائط ونشاطه هو من خلال تلك الاسرة الطلابية التى طلب منه التنظيم أن يؤسسها تحت أسم الطليعة وعمل حفلة للشيخ إمام تحت مسمى إحتفالات مولد النبى وأشياء كثيرة بدأت تتزاحم داخل رأسه عن فترة من فترات عمره الذى قارب على العقد الخامس وتصور نفسه مازال ذلك الفتى الذى يتحرك (براحته) بين الجموع .... ويوزع منشورات التنظيم التى تهاجم النظام وأفعاله .... وتواردت على ذهنه (عواطف) تلك الفتاة التى ارتبط بها وكانت هى حاملة اسراره وأوراقه وكتبه والتى تجرى ورائه لحظات الاعتقال غير الطويلة والباحثة عنه فى لحظات الاختفاء الطويلة عندما تهب حملات الاعتقال على النشطاء الماركسيين وماأكثرها فى تلك الآيام .... أخذ يعد الاوراق والآعلام السوداء وأعلام فلسطين فاليوم هو يوم النكبة والاستيلاء على الوطن السليب وقيام دولة الكيان الصهيونى ... ولعل الوطن كله يموج بالمظاهرات بمناسبة العام الثانى للانتفاضة القدس الثانية وأقتربت التهديدات من بغداد وتعالت الصيحات خوفا من الهجمة الامبريالية ... جعلت صديقنا يترك مقر عمله ويجلس فى الشارع وسط الناس فى محاولة لحشد الجماهير فى يوم النكبة .... وجاءت صدفة غريبة ان قابله فى اليوم السابق للمظاهرة محرر ثقافى اطلقوا عليه لقب صحفى الشنطة فهو يحمل شنطتين احداهما سوداء يضعها على كتفيه متخما بالاوراق والكتب التى يقوم بعرضها سريعا والاخرى شنطة بلاستيكية شبيهة بشنط الخضروات ومحلات البقالة وفى تودد غريب جلسا مع أخرين على مقهى البستان وأخذ صاحبنا يعدد فوائد الحشد بالارقام وأن هذا يجعل الحكومة والنظام تسمع صوت الجماهير ولاتكرر خطأ حرب العراق الثانية التى أطلق عليها عملية الصحراء وبالتالى تمنع الحكومة السفن العسكرية من المرور من قناة السويس ... ولم يلتفت صديقنا إلى ذلك الجالس الصامت ولايفعل شيئا الا السمع فقط وغادر صديقنا المقهى مزهوا بطريقته الاستعراضية واحساسا يملؤه الفخر بأنه أقنع الجمع الذى سيحضر المظاهرة نتيجة عرضه التاريخى وتحليله السياسى ... ومضى صديقنا الى ترزيه الذى كلفه بعمل علمين لفلسطين بمساحة عشرة أمتار .... وتوجه إلى ناحية بولاق الدكرور وتسلم مائتين علم أسود .... وتوجه إلى حيث مقر عمله ومقر معيشته للتحضير والترتيب والنوم .... وألقى صديقنا يديه وراء ظهره سارحا فى فضاء الغرفة البيضاء الغارقة فى ظلام الليل الا من بعض الاضواء المنبعثة من الشارع الخارجى . استيقظ صاحبنا على رنين الهاتف فأخذ الهاتف الى جانبه على الارض حيث منامته من على المكتب ونسأل من على الطرف الاخر فأخبره انه (وليد) وسأله صديقنا
- خيرا فى حاجة حصلت ...
فأجاب وليد
- لا والله ياأستاذ انا كنت بسأل وهو أنت هاتروح المظاهرة الساعة كام
فأجاب صديقنا
- والله مش عارف لكن معلهش اصلي لسه نايم وليد مين ...
فأجاب ذلك الذى على الطرف الاخر
- ايه ياأستاذ أنت نسيتنى وليد بتاع نقابة المحامين أنا قابلت حضرتك فى اضراب المثقفين هناك ...
فرد قائلا ...
اه .. اه تذكرتك معلهش أصل لسه مافقتش على العموم أتصل بى بعد شوية أكون صحيت ....
ووضع سماعة الهاتف محاولا النوم مرة أخرى لكن الهاتف لم يتركه الرجوع الى النوم فمازال الوقت مبكرا فالمنبهة لم يرن معلنا الساعة الثامنة صباحا بعد لكن الذى رن مرة اخرى كان الهاتف ثانيا .... فجاء صوته مجيبا صباح الخير ودخل فى نوبة حب لكنها أصرت على العراك وأعلان حالة العصيان العاطفى ولم تستجيب له فى الدخول الى أحضانه بصوتها الدافئ ولم تمل من السؤال انت كنت فين أمبارح باليل ومردتش على المحمول ليه وعايزة أعرف مين كان عندك ... اصلك انت مش هاتبطل وساخة .... وأستطردت فى حالة الصراخ اليومى المبنى على الشك الذى لايذهب بعيدا عن علاقتهما فأخذ محاولا أن يطيب خاطرها ويخبرها بحبه الشديد لها وانها بوجودها أعلن حالة التطهر القصوى لانها اشد من حالة الطوارئ ..... وأخذ يسرد عليها ماذا فعل فى المساء وان كل ماتظنه هو مجرد تهيؤات وانها هى كل شئ فى حياته .... لكنها قاطعته وصرخت بكل عنف الانثى الغاضبة ( اتفضل روح فى داهية ....) ... فشعر بأنه انهى حالة النوم ودخل فى نوبة صحيان أجبر عليها وحاول أن يستجمع هدوئه ويركز فى اليوم الحدث بالنسبة له وتاريخه .... قام ململما فرشة النوم وأخذ يخفىأثار طريقة النوم مكملا بممارسة كل العادات الرذيلة من الدخول الى الحمام وقراءة الجرائد التى يتركها فى الحمام أخذ يرتدى ملابسه ويحضر إفطاره والشيشة التى يدمن عليها فى الصباح الباكر مع الشاى .... ورن الهاتف مرة اخرى ( انت عارف والله العظيم لو ماقلتش انت كنت مع اى شرموطة تعرفها والله والله مش هاتشوف وشى تانى مرة ..... واستطردت صارخة انا عارفة ياوسخ انك لسه بتروح لمعالى .... فى ستين داهية وخليها تنفعك ...فحاول ان يتلقف منها الحوار قبل أن تنهى المكالمة مرة اخرى مثل السابقة ... والله العظيم موضوع معالى خلص وده كان له ظروفه وأسبابه وأحنا خلصينا من الموضوع ده .... النهاردة فى مظاهرة بتاعة يوم النكبة بمناسبة 25 مايو .... وأمبارح بالليل رحت عند سمير فى بولاق الدكرور عشان كنت كلفته يعمل مجموعة أعلام سوداء .... وبعدين أنت عارفة كويس انى ماليش حد فى الدنيا ديه غيرك والله العظيم انا مابعملش حاجة تزعلك .... بس الحكاية ومافيها ان النهاردة مش عايزك تزعلى .... فصرخت قائلة يعنى انت يامحمد كل الايام اللى فاتت ديه كنت قاعد تخطط للمظاهرة وأنا ماعرفش طيب انا عايزه أعرف انت عايز ايه بالظبط .... طيب انا هاعمل ايه من غيرك ... فأجاب قائلا عشان خاطرى ماتزعليش .... يالله لااله الا الله .... فرفضت فى تكملة العبارة التى تعودا فى انهاء بها مكالمتهما حتى فى لحظات الحميمية وأغلقت التليفون مرة أخرى فى وجهه . خرج الى صالة التحرير ففى ذلك اليوم لم يحضر اى من المحررين الا (هدى) وذلك لارتباطها بميعاد فى السيدة زينيب وجلسا قليلا وأخذا يتجاذبا اطراف الحوار عن العمل والمظاهرة وأثناء ذلك الحوار الرتيب جاء جرس الباب لينقذه من حوار هدى الساذج . قامت هدى لترى من على الباب وسألها مين ياهدى .... فأجابت ده حد بيقول أسمه رامى .... خليه يتفضل ... وقام مرحبا به ... وكان رامى شابا لم يتجاوز الواحد والعشرون يحمل حقيبة دائما مرسوم عليها جيفارا .... أزيك ياريس أنا جيت زى ماطلبت منى عشان الشغل وتذكرصديقنا أنه قابله صدفة ووجده يشتكى من قلة العمل وانه لاتوجد فرصة ولايجد من يقف بجواره فطلب منه أن يحضر الى الجريدة ويرى أ ى عمل مناسبا له .... أيه هو النهاردة مفيش شغل عندكم جاء سؤال رامى باحثا عن المحررين فأجابه لا والله يارامى المحررين النهاردة فى الشارع عشان يغطوا أحداث مظاهرة يوم النكبة .... ياه والله محدش قال لى ... على العموم يارامى أعتبره أول يوم عمل واديك أتعرفت على المكان ولو عايز تيجى معاى المظاهرة أهو تساعدنى لآن معاى حاجات كثيرة .... وماله ياريس أنا تحت أمرك ..... وسأل صديقنا رامى أنت فطرت فأجابه رامى لاوالله لسه ده أنا حتى معايش سجاير .... مفيش مشكلة ياعم رامى أفطر وبعدين نحل موضوع الدخان .... وأخذ رامى يستعرض مجموعة الكتب الموجودة داخل الشنطة الجيفارية عن الثورة الدائمة لتروتسكى وكتاب التنظيم السرى للينين ..... وجاء رنين الهاتف مرة اخرى ايه ياريس الحالة الامنية فى البلد زى الزفت ... مين معايا انا وليد ياريس حاول ماتنزلش دلوقت لانهم بيقبضوا على كل المتوجهين ناحية المظاهرة .... طيب ياوليد قبضوا على حد نعرفه .... لا ياريس احنا حتى قاعديين فى النقابة مستنين الحالة تفك شوية .... هو رامى وصل عنك .... ايوه ياوليد عايز تكلمه .... ماشى ياريس بعد إذنك .... اتفضل يارامى وليد عايز يكلمك .... فسأل رامى فى استغراب ماددا وجهه الى الامام محملا على اسمراره علامة استفهام وليد مين ... وأخذ سماعة الهاتف وأختفت تلك العلامة الاستفهامية المصطنعة عندما بادره قائلا اهلا ياوليد ايوه احنا هاننزل بعد شوية فى سيارة الريس ..... وانتهت مكالمة التحذير .... واخذ يتجاذب اطراف الحديث مع رامى عن مظاهرات زمان فى الجامعة والشوارع وكيف كانت تتحول الى حالة التحام بين الطلبة والعمال وان النظام نجح فى ضرب العلاقة بين العمال والطلبة لانه يعرف أن العمق والحماية لحركات الطلبة هى الحركة العمالية .... وأخذنا نستطرد فى الحوار وأخذ رامى يحدثنى عن مظاهرات جامعة عين شمس وكيف يقفز من على اسوار الجامعة للمشاركة مع المتظاهرين وعرفت أثناء الحوار انه حاصل على دبلوم صنائع ويهوى كتابة الشعر العامى وينتمى لاحد التنظيمات الماركسية التروتسكية .....وجاء الهاتف مرة أخرى وكان وليد مرة اخرى ياريس انت هاتنزل خلاص .... ايوه ياوليد فى حاجة ..... هو ياريس عربيتك لونها ايه .... لونها لبنى ... معلهش ياريس بس عشان أعرفها والرقم فأخبره عن الرقم وعندما سأل عن النوع اجاب .... وانتهت المكالمة مع عبارة خلاص ياريس نبقى نتقابل فى المظاهرة ..... قام صديقنا وهو مازال يتجاذب اطراف الحديث مع الفتى رامى يحضر الاشياء ويحاول ان يجد لها أكياس كبيرة تتحمل وضعها داخلها وقام بربط الاكياس بالحبال حتى لاتسقط اثناء حملها .. .. وأخذ يخطط كيف يدخل المطبوعات والاعلام الى المظاهرة الى على وشك الاندلاع فأخبر رامى انه سيحاول أن يقترب من اقرب خطوط المظاهرة حتى يستطيع رامى تلقى الاكياس المحملة بالمطبوعات والاعلام وإدخالها الى قلب المظاهرة ويذهب هو يبحث عن مكان يضع فيه السيارة ويتوجه الى المكان الذى انزل فيه رامى .... كانت حالة من السذاجة البسيطة الغارقة فى العبط فهو لايعرف من هو رامى ولايدرك مغزى المكالمات المتتالية من ذلك المدعو وليد ... لكنه لم يكن يعرف حقيقة الاشياء فبعد غربة اربعة عشر عاما ضاعت منه اشياء كثيرة وابتعد عن الاحداث والاشخاص والتغيرات ولم يكن له اصدقاء بعد فهو مجرد صحفى قرر العودة الى الوطن وأختلف مع عمله القديم عندما شعر انهم يتعاملون معه على انه مجرد برجوازى سافر وجاء جالبا معه ثروة ووجد ان المحررين الصحفيين الذين جاءوا للتدريب فى فترة تواجده بالجريدة تحولوا الى رؤوساء اقسام نظرا لعضويتهم الحزبية لكنه رفض طوال فترة تواجده الدخول الى الحزب على الرغم من حرمانه من التعيين والمرتب وأكتفوا بإعطائه مكافأة كل فترة لاتكفى قوته اليومى ولاإحتياجاته الشخصية لكنه درب على الاكتفاء الداخلى فقد كان من الممكن ان يظل بدون طعام لمدد تتجاوز اكثر من ثلاث ايام وكان يتذكر كيف يحل ذلك الموقف مع خزين أمه المرحومة من سكر وزيت وكيق كان يتقاسم فضلات الطعام مع فئران الشقة وهو يحاول أن يستفيد من ذلك الخزين الامومى فى عمل اى نوع من انواع الفطير بالسكر المقلى فى الزيت مجرد شئ يرحم المعدة الخاوية من صراخ الجوع ..... كل هذا توارد وهو ينظر الى وجه رامى الذى يحمل فى تقاسيماته حالة من الحاجة المفرطة والعوز الشديد اللهجة ... ولايعرف لماذا فى تلك اللحظة تذكر صديقه احمد فايد رفيقه فى النوم على الارض وجمع الاوراق المتبقية من الكتابة ومحاولة ارغام بائع الروبيابيكيا على شرائها ويتم إحضار فطورسخى يتكون من الفول والخبز الساخن .... وكيف كان احمد يهوى التزويغ من الكمسارى بحجة انه صحفى وكان صديقنا يخجل من ركوب الاوتوبيس ويختار ان يأخذها كعابى بعد العمل الى الاكاديمية حيث كانوا مسجليين فى دراسات المعهد العالى للنقد الفنى ...... كل هذا يمر سريعا فى ذاكرته المتعبة المتخمة بالاحداث والايام التى ارهقته ولم يستريح الا عندما طلب منه السفر خارج مصر وبدأت مرحلة اخرى من الايام والترحال .... لعل ماجعله يتذكر كل هذا انه شديد الحاجة مثل ذلك الشاب رامى ..... أفاق على صوت هدى .... ياريس المفروض ميعادى قرب ولازم أنزل .... فأجابها طيب ياهدى كلنا هاننزل يلا بينا .... وبدأت مرحلة أخرى من ذلك اليوم .... أرتدى الجاكت البنى ليكمل شكل البذلة مع الكرافتة القريبة من لون البذلة ..... وبجوار السيارة أثار لون الاعلام السوداء المارة وجاء مصطفى من محل لبيع الاجهزة الكهربائية يحاول أن يلقى بعض النكات ( ايه ياأستاذ هو النهاردة مفيش صحافة رايحين تعزوا .....) . وأخذ مصطفى ذلك الشاب السمين خفيف الظل علما أسود وأخذ يرفرف به فى وسط الشارع .... ولم يدرك صديقنا أن هناك من ينتظره على المقهى المقابل للجريدة .... ووضع الاكياس فى شنطة السيارة وركب رامى بجواره وهدى فى الخلف ..... وفى ميدان السيدة زينيب خرجت هدى من السيارة وسألت طيب ياريس أرجع على الجرنان .... أيوه ياهدى على العموم مشى هاأتأخر ...... وأخذت السيارة فى المسير مخترقة ميدان لاظوغلى .... متجها الى شارع القصر العينى حتى يستطيع أن يجد موقفا للسيارة فى ميدان التحرير وذلك لان المظاهرة أمام مجمع التحرير . كان الشارع مكتظا والمرور متوقفا وحاول أ يسير لكن السيارة تتحرك ببطء شديد ولمح فى مرأة السيارة الامامية ان هناك حركة غريبة فى الخلف لكنه لم يعيرها اى التفاف ولم تستعير انتباهه ... وأستغرق مع الشريط الذى دسه فى مسجل السيارة للشيخ امام ( ممنوع من السفر .... ممنوع من الابتسام ) وأخذ رامى يردد بعض المقاطع بصوت عالى وحاول صديقنا أن ينتبه جيدا للطريق حتى يستطيع أن يلحق بالمظاهرة من أولها ..... وتوقفت السيارة مرة اخرى امام مجلس الشورى على جانب من بنك التنمية والائتمان الزراعى وفجأة ودون سابق انذار .... ولعلة لم يرى الحركة القادمة من الناحية اليمنى للسيارة الا وصوت هبد وتخبيط وأصوات عالية وسيارات تحيط به من كافة الاتجاهات واشخاص فى حجم الحيطان تنط من على سقف السيارة لتنزلق الى جوار باب السائق .... وأفاق على أصوات متداخلة ( انزل ياله .... انزل يابن دين الكلب ..... وفجأة وجد من وجد ياقة البذلة وامسك بها بعنف وأخذ يقلب الجاكت على وجهه .... وهو فى حالة من الوجوم والذهول ..... ويردد متسائلا هو فى ايه ... خلاص انا هامشى معاكم .... لكن تلك الكلمات لم ترجهم عما يفعلونه ... فأخذوا يشدونه من ملابسه بشدة وهم يحاولون أن يغموا عينيه بملابسة فأصبح عارى الظهر من كثرة الايدى التى تحاول ان تقلب الجاكت على وجهه .... وسيق عنوة الى سيارة اخرى ...... وتم الاستيلاء على سيارته التى لم تعد سيارة من كثرة التخبيط والترزيع فيها ومحاولات فتح بابه عنوة وبعنف شديد.... أركبوه فى الكرسى الخلفى محاطة بشخصيين لايعرف حجمهم لكنه يحسه فهو على الرغم من ضخامته فهو يشعر بضألته وهو جالس بجوارهم .... ويأتى صوتا من الامام عبر الجهاز الذى يحمله من يجلس فى الامام .... تمام يافندم .... المطلوب معانا نعمل فى سيارته ...... ماشى يافندم ...... والتفت الى زاغدا صديقنا بعنف .... اسكت يابن المتناكة ولا صوت ... وذلك ردا على سؤاله هو عمل ايه لكل هذا ...... وفجأة رن هاتفه المحمول الذى كان يقبض عليه بقوة ... وهم من شدة انشغالعن بعملية خطفه لم يلتفتوا الى مافى يديه .... وبحركة ذكية قام بفتح الهاتف فسمعت حبيته كل الاصوات والسباب والرزع والضرب ........ وهى تحاول ان تصرخ الو رد يامحمد هو فى ايه .... رد يامحمد .... خد منه التليفون سيب التليفون ياكسمك عامل فيها صايع ... بطل شغل الشيوعيين ينعل دين امك ...... غمى عينيه كويس أبن الوسخة ده..... فرد صديقنا فى هدوء ياعم بدل ماتبهدل الجاكتة خد الكرافتة ولفها على عيني لكنه اصر .... فأخذ الفانلة الداخلية خالعة اياها لاأعرف كيف وربط عليها الكرافتة ...... واخذت السيارة فى الاسراع الذىى شعره صديقنا من كثرة التمايل ..... وقجأة توقفت السيارة واخذوا فى سحبه .... اتحرك يابن الوسخة ...... وشعر انه دخل مبنى .... وجاء الصوت غريبا فى طلبه ( اقلع البنطلون ....!!) فرد قائلا طب سيب ايدى .... فأجاب الصوت بس ياكسمك بطل فزلكة خلى ايدك مرفوعة فوق .... وشعر بيد غليظة تتحسس سوستة البنطلون ..... وفجأة شعر ببرودة تتدخل منطقته الحساسة وأحس ان بنطلونه سقط على وجه الحذاء .... وجاء الصوت طالبا مرة اخرى ارفع ايدك فةق رأسك ..... وشعر أن قميصه هو الاخر يرتفع بفعل فاعل ...... وفجأة طلب منه بعد أن أخذ يتحسس اجزاء جسمه الذى اوهمه الرباط المقوى الذى لفه صديقنا حول صدره نتيجة ضربه فى مظاهرات الازهر فكسر ضلعه ..... فأحس من يقوم بالتفتيش انه قد وضع حزاما ناسفا ربما ...... وطلب منه الصوت مرة أخرى أن يفع البنطلون .... فأجاب صديقنا بتهكم .....وانا ايدى مرفوعة ولا اطلب من البنطلون يطلع ..... انت هاتهزر ياكسمك ...يلا يابن المتناكة خلص ...... فقام صديقنا برفع البنطلون درءا لمؤخرته من الاسنهواء ..... وطلب من الجميع الجلوس على الارض ووضع الوجه فى الارض والكوع أيضا على الارض .... وظل الجميع هكذا لفترة لم يحصرها صديقنا وفجأة طلب منه خلع الحذاء وسحبته يد ما طالبة منه التحرك معه ووجد نفسه امام سيارته ( الحاجة ديه بتاعتك ) ايوه بتاعتى أجاب صديقنا .... ووضع العصابة مرة اخرى على عينيه ....فى تلك اللحجظة ادرك انه ليس فى مبنى أمن الدولة لكنه فى قسم عابدين .... فذلك القسم قريب من مقر الجريدة ويعرف معظم من فيه وهم يعلموه من كثرة المرور والسؤال المفاجئ .....بعد قرار محافظ قرار القاهرة بمنع حوالى 36 جريدة من الصدور وطلب بحث وتحرى من المباحث وكانت الزيارات تأتى بدون سابق انذار ...... كل واحد يحط وشه فى الحيط ومايلتفتش قدامه .... جاء الطلب غاضبا بصوت صارخ ولكن هذه المرة بدأت عملية الزغد السريع للترتيب والترهيب واشعار الجميع ان هناك مصيبة ..... وهكذا أنقطعت اخبار الخارج عن الداخل والداخل عن الخارج ... وقامن أمن الدولة بالقبض على رموز قامت بالتخطيط والحشد لهذه المظاهرة .....اتضح ان هناك حالة من الهرج والمرج فى القسم وهناك تضارب بين القسم وأمن الدولة وظهر هذا فى إصرار ضابط القسم ان يتسلم المخطوفين رسميا وتم تسلم المتعلقات الشخصية من صديقنا وذلك الشاب ( رامى) ووضعا فى حجز منفرد كتبا عليها استراحة ..... وحضرت حبيته فى حالة يرثى لها لدرجة انها أرتدت فردتين مختلفتين من الحذاء واحضرت له سجائر وغذاء وبعض لحظات حضرا ضابطين من أمن الدولة وتم تغيير الحجز إلى الدور السفلى فى زنزانة منفردة دون أن يعلم عنا من يحضر للسؤال عليه انهما موجودان بالاسفل ..... لاأعرف ماذا حدث لصديقنا على الرغم من مروره بأوضاع مشابهة لكن ذلك الوضع غريبا عليه فقد تولد شعورا لديه أنه بيع مجانا وأن ماحدث هو مجرد مقلب شربه ونظر إلى ذلك الفتى رامى فوجده مستغرقا فى النوم وكأن ماحدث لم يحدث وهو يعرف النهاية .... إنتاب صديقنا حالة من القلق والضجر دون أن يجد من يعيره أى أهتماما أو أنه موجود أساسا وأخذ ينظر إلى الشباك الوحيد فى تلك الزنزانة وأدرك أن الليل يتسلم نبتشية من أواخر خيوط النهار وأخذ يحسب هل يتم الترحيل ليلا ام انهم ينتظرون ولايعرف ماذا ينتظرون كل هذا توارد داخله فى محاولة لايجاد أجابة وينظر الى ذلك الذى اتى فى الصباح باحثا عن عمل يجده مستغرقا فى نوم ثقيل مصحوبا بشخير وكأنه نائما على سرير منزله ..... أصابته الحالة بأسهال شديد والحمام لايساعد على الراحة ولايوجد ماء يروى الظمأ ..... يفيق مع أصوات المحجوزين فى الحجز المقابل عندما يحضر عسكرى يسأل عن احد او يمر بائع الشاى وتبدأ عملية محاولة إدخال الشاى إلى زجاجات المياه بدلا من الاكواب من بين الحديد الذى يغلف بوابة الحجز وجاء طرق على الباب الحديدى الفاصل بين الحجزيين ... هو انت صحفى يا أستاذ ودطب والنبى انا عندى مشكلة .... هو انتم جايين فى المظاهرات دى الدنيا مقلوبة فوق وبيقول لهم مفيش حد هنا وادرك صديقنا ان هناك مكن يبحث عنهما وأن حبيبته قامت بعمل اللازم .... وحاول ان يستريح قليىلا وأن يخرج من حالة التوتر التى لفته فى غمامة سوداء لكنه لم يستطيع ..... وأخذت الساعات تتوالى واللحظات تتجمع فوق رأسه .....دون أى حراك أو حركة تتدل على أن هناك من يحاول أن يسأل او يوجه لهما أى تهمة ....... وفى تمام الساعة الواحدة صباحا وجد من يستدعيه ووجد نفسه أمام ضابط مباحث القسم الذى طلب منه مغادرة القسم وأستلام متعلقاته وسيارته فسأله صديقنا لكن انا معاى زميل شغال معاى فى الجريدة واضطر للكذب حتى يضفى نوعا من الهيبة علي رامى .... وقبل أن يستكمل استفساره اجاب الضابط ده خرج .........ووقف على باب القسم متنسما روائح الليل وأدار محرك السيارة مغادرا وهو مستغرب مماحدث .



#محمد_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد يوسف يسأل هل مع إرتباط الاقتصاد المصرى بالتمويل الأمريك ...
- مستقبل الاشتراكية
- الوطن المهتوك عرضه
- قصيدة الرحيل فى دائرة القلب
- محمد يوسف يعرض موقف سيد قطب وثورة يوليومن خلال كتابى كتاب ال ...
- محمد يوسف وحوار مع لطفى الشامى يلقى بظلال شفافة على الحركة ا ...
- تاريخ اضرابات الحركة العمالية وذكريات النضال والانتصار مع شو ...
- محمد يوسف يسأل هل للآقتصاد تأثير فى القرار السياسى
- أيها النظام الفاسد عفوا ماذا فعلت بهؤلاء الشباب ..... ؟
- من يصنع الفساد فى مصر ..... ومازال ؟ محمد يوسف يبحث عن ثقافة ...
- هل للدين دور فى صناعة القرار السياسى ؟
- ومازال المشروع الساداتى مستمرا الى اليوم لعبة التعديل أول ال ...
- محمد يوسف عن التحركات المشبوه والتمثليات الساذجة فى تمرير تو ...
- lمن اوراق جريدة الانباء العالمية الثقافية بمناسبة يوم المرأة ...
- رصدلاهم فترة من السجون والمعتقلات في تاريخ الحركة الشيوعية م ...
- حقيقة ايمن نور بين التزوير والتحليق فى سماء السلطة
- حوار مع رمز من رموز الحركة الطلابية احمد بهاء شعبان
- محمد يوسف فى حوار مع علاء الاسوانى بعيدا عن الادب والابداع ي ...
- محمد يوسف وحوار مع النقابى المناضل طه سعد عثمان عن الحركة ال ...
- محمد يوسف فى حوار مع سيد ابوزيد المسنشار القانونى لنقابة الص ...


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد يوسف - لحظة خطف