أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلمى موسى - في الشرق حتى الكتابة بالخفاء














المزيد.....

في الشرق حتى الكتابة بالخفاء


سلمى موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4296 - 2013 / 12 / 5 - 22:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نعم، أكتب باسم مستعار، بعد تلك الليلة الطويلة التي قضاها والدي يحاكمني على طريقة "محاكم التفتيش" الأوروبية التي بدأت في القرون الوسطى وامتدت حتى أوائل القرن العشرين، على خلفية مقالات لي نشرتُها عبر الحوار المتمدن باسمي الحقيقي. محاكمة وصلت به أن يستجوبني في حقّ أعطاه الله لي (الإيمان أو الكفر) لأن الفقهاء- المتألين على الله في نومهم وصحوهم- أعطوه ذلك الحق. كان قد وصله رابط من "فاعل خير" جاء يناقشه بما تكتبه ابنته. في الشرق حتى حين تكتب الأنثى يُناقش والدها في محتوى ما تكتب وليس هي. لم أكن قد عرضت على والدي شيئا لي ليقرأه من قبل لكنني كنت أعرف أنه سيقرأه يوما. تجادلنا طويلا، كان الحديث قاسيا على كلينا وعلى كل من شهده من العائلة. أمي بكت متوسلة أن ننهيه، وإخوتي حاولوا بلا جدوى إقناع والدي أن مشكلته الحقيقية ليست بما أكتب ولا بالموقع "العلماني" الذي أكتب فيه وإنما بحساسيته المفرطة تجاه ملاحظات بعض الناس وتحفظاتهم حول ما أكتب، لكنه أي والدي حاول جاهدا من غير جدوى أيضا أن يقنعنا أنه يخاف على الله والإسلام مني!! لكنني أنا التي أعرفه جيدا، كنت على يقين أن ما يزعجه ليس ما أعتقده أنا حول الحياة والدين والمجتمع بقدر ما أن أعرض ما أعتقد به على الملأ موقعا باسمي الحقيقي. فالآباء يحمّلوننا أسماؤم وأسماء عائلاتهم كعبءِ ثقيل علينا أن نحافظ على "بريستيجها" الاجتماعي والثقافي حتى لو كلّفنا ذلك أن نعيش وراء أقنعة طوال حياتنا. لا يهمهم حقا إن عشنا منافقين، المهم أن يبقى شكلهم الاجتماعي أبيضا ناصعا. فقد هدأت وتيرة سخطه حينما قلت له ببساطة إذا كان ما يزعجك وجود اسمي على المقالات فلا تقلق، سأكتب باسم مستعار من الآن وصاعدا.، فما يهمني هو أن أقول من أريد لا ما تريده أنت أو "فاعل الخير"!

هي بلادٌ اعتادت أن تمارس حياتها بالسرّ وتجبرك كرها أن تكون مثلها، منافقا متلوّنا كاذبا مهزوزا جبانا. لا يهم إطلاقا بماذا تفكر أو تحلم، أو تريده أنت لحياتك. على والدك أن يقرر ذلك، فتعيش على مقاس القالب الذي صنعه هو لك. يهبك كل شيء بوسعه، إلا شيئا واحدا وهو أن لا تكون أنت، نفسك. أتذكر أنني حلمت بأشياء كثيرة ضاع جلّها لأنني لم أجرؤ حتى أن أذكرها عرضا، لأنها ليست وفق خطة أبي التي رسمها لحياتي ولا تتناسب مع منظومة العادات والتقاليد العفنة التي يقدسونها ويقدمون لها القرابين، أبناءهم. نعم، ناضلت ضد بعض قراراته التعسفية- والحمد لله أني فعلت- وانتصرت، لكن كثيرة هي الأحلام التي ماتت اختناقا في قلبي وبقيت أحلاما.

كنا قد سمعنا أن كتّابا وصحافيين كانوا قد كتبوا بأسماء مستعارة لنفس الأسباب تقريبا، الاقتراب من المحرّمات. لم ترق لي الفكرة حين قررت أن أبدأ بنشر مقالات هنا، فلم اعتد أن أفعل شيئا بالخفاء، وكل تلك المحظورات التي يمارسها الناس بالسر لم تغرني طوال سنين لأنني أردت أن أعيش بوجه واحد وبغير لثام. كم هو صعبٌ أن تعيش بوجه واحد في مجتمعٍ متعدد الوجوه. كم صعب أن تحاول أن تكون صادقا في مجتمع يحترف الكذب والدجل. وكم هو مؤلم أن ينصحك أهلك بالكذب حتى تنجو وينجون هم من مغبة عواقب "شذوذك" عمت هو سائد. قال والدي صراحة أنه يخاف على منزلنا أن يُحرق، أو أن يهاجمني تكفيريّ ما فتعلق العائلة بقضية "رد اعتبار" قد لا يكونون أهلا لها من حيث العدة والعتاد!

كم هو موجعٌ أن تمضي حياتك غريبا في وطنِ لئيم كان مسقطا لرأسك لكنه فشل أن يكون مسقطا لقلبك.

يظنّ معظم أهلنا في الشرق العربي أنهم أسدوا لنا جميلا بإنجابهم لنا في هذه البلاد وأننا محظوظون لأن لدينا مأ نأكله ونشربه وأن التفكير بأبعد من ذلك هو ضرب من من البطر والجحد بالنعمة. كان والدي واضحا، فكّري بصمت لا تقولي ما تفكري به، وإن أردت أن تكتبي فعليك أن تكتبي عن كذا وكذا وكذا. يصرّ الأهل في الشرق العربي أن تكون على ما وجدتهم عليه وما وجدوا آباءهم عليه، لا تفكر، لا تقرأ، لا تبحث. لا تكن شجاعا، لستَ تمتلك المقومات لتكون مصلحا. عليك أن تنتظر معهم أن تأتي معجزة لتنتشلهم من وحلهم الفكري. عليك أن تنتظر معجزة لن تأتِ…



#سلمى_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ثياب القيصر الى خياط المدينة
- رسالة مفتوحة للتيار الديمقراطي في المانيا


المزيد.....




- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلمى موسى - في الشرق حتى الكتابة بالخفاء