وعن دبي سألوني : ما سر فوزها باستضافة معرض اكسبو 2020 ؟

اياد حلمي الجصاني

الحوار المتمدن-العدد: 4290 - 2013 / 11 / 29 - 12:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تتوارد اخبار الفوز الكبير بتنظيم إكسبو 2020 الذي حققته دبي في مختلف اجهزة الاعلام العربية والغربية مرافقة لقرب احتفال دولة الامرات العربية في بداية ديسمبرمن كل عام بعيدها الوطني 42 لاقامة تجربة الحكم الرشيد في مطلع السبعينيات من القرن الماضي اذ اصبحت دبي اول مدينة في الشرق الاوسط تستضيف هذا المعرض بعدما فازت في ختام التصويت الذي شارك فيه مندوبو المكتب الدولي للمعارض باجتماع عقد في باريس. وتفوقت دبي في التصويت على ساوباولو البرازيلية وايكاترنبرغ الروسية وازمير التركية اذ حصلت دبي على تاييد 116 من اصوات المكتب الذين لهم حق التصويت البالغ عددهم 164 . وتذكر الاخبار " ان فور الإعلان عن هذا الفوز غطت الألعاب النارية سماء مدينة دبي، وبرج خليفة الأعلى في العالم. وأصبحت دبي بهذا الفوز أول مدينة تستضيف المعرض في المنطقة، إذ لم تتم استضافة المعرض من قبل في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا. وخلال العرض التوضيحي الإماراتي الذي اقيم في باريس، أكّدت وزيرة دولة الإمارات ريم الهاشمي، أنّ هناك الملايين في العالم يرون في دبي منارة الأمل، مشيرة إلى أن التناغم الإنساني والثقافي والحضاري الذي يميز مجتمع الإمارات المكون من 200 جنسية من كافة أنحاء العالم تعيش في ظل مجتمع عربي مسلم متسامح يحفظ حقوق الإنسان، كان الميزة الأكبر التي جعلت دبي تفوز في هذه المنافسة. كما أشارت الوزيرة إلى أهمية البنية التحتية المتكاملة والمتميزة من مطارات وشبكات طرق وجسور وموانئ عالمية إلى جانب المواصلات والاتصالات التي تربط دولة الإمارات مع جميع دول العالم دون معوقات أو تعقيدات، بالأضافة إلى موقع المعرض المقترح الذي يقع في منطقة جبل علي في دبي على مساحة أكثر من 20 هكتارا من الأرض والمجاور إلى ميناء جبل علي العملاق ومطار آل مكتوم الدولي الحديث، وتحيط به شبكة من الطرق والجسور والأنفاق المتطورة التي تسهل عملية الوصول إلى المعرض من قلب المدينة أو من كافة أنحاء الإمارات بكل سلاسة وسهولة . ويقول المستثمرون والمحللون الاقتصاديون إن فوز دبي باستضافة "إكسبو 2020" سوف يؤدي إلى انتعاش اقتصادي كبير وازدهار عقاري حيث ستقوم دبي ببناء مدينة متكاملة عرضت تصميمها أثناء عرض ملفها الكامل لإستضافة "إكسبو 2020"، والذي حمل عنوان "تواصل العقول.. وصنع المستقبل" **. ولا شك ان الكثير من القراء يتطلعون معي اليوم بكل اعجاب ودهشة الى ما وصلت اليه مدينة دبي في الخليج العربي من تقدم وعمران لا مثيل له في تاريخ المدن العربية على الاطلاق . ولا يفوتني ان اذكر القارئ الكريم بما كتبته عن دبي وحاكمها الشيخ راشد بتاريخ 20 فبراير الماضي من هذا العام في مقالة نشرتها في صحف متعددة منها الديار اللندنية تحت عنوان: " ما الذي اعجبني عند انعقاد القمة الحكومية لتطوير الخدمات في دبي ؟ " كان محور حديثي فيها لا يدور فقط عن عوامل تحقيق الانقلاب الحضاري الكبير وسر النجاح في نشوء وتطوير مدن الخليج ، وانما عن ما استوقفني واثارني وما شاهدته في قناة دبي التلفزيونية مساء الثلاثاء 12 فبراير من مشهد غاية في الروعة والاخراج مثير للاعجاب والدهشة اكثر مما اشاهده من حين لاخر في نفس القناة من صور الشوارع والحدائق والعمارات الضخمة المتالقة في سماء دبي واسواقها وشواطئها ، كما لو ان مسرحية تجري على مسرح عالمي يتالق بالتمثيل على خشبته نجم سينمائي كبير او احد اكبر المغنين من مشاهير العالم في اوبرا فيينا . وليس غريبا هذا على ما يجري في دبي هذه الايام. لقد بدأ العرض بافتتاح الشيخ محمد ابن راشد نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء، اكبر المؤتمرات في دبي وهو يزهو فخرا بدعوته لاعمال القمة الحكومية الأولى في دبي ومحورها تحقيق الريادة في الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور وتعد الأولى والأكبر من نوعها في العالم العربي، ناشد الشيخ راشد الحضور قائلا : " أدعوكم يا شباب الوطن للاستفادة من هذه القمة، وما تتضمنه من محاضرات ومناقشات، كي تثروا خبراتكم ومعارفكم في الإدارة والقيادة وغيرها وان تكون دولة الامارات الدولة رقم واحد في العالم وشدد الشيخ أمام الحضور على ": أن سبب نجاح وتقدم الإمارات هو في حب قيادتها وشعبها تراب الإمارات وأكد أن الهدف من القمة الحكومية هو تحقيق السعادة لمجتمع الإمارات من خلال العمل على تطوير التعليم وتحقيق العدالة للجميع وخلق الوظائف للشباب بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية الشاملة " وذكر ايضا :"لقد احتلت دولة الإمارات المرتبة 20 بين الدول الأكثر عطاءً على الساحة الدولية عند قياس نسبة المساعدات التنموية للدولة مقارنة بالدخل القومي الإجمالي (GNI)، والمرتبة الثانية ضمن الدول المانحة غير الأعضاء في لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD/DAC) في العام 2011، حسب البيانات التي نشرتها اللجنة خلال شهر يناير2013. وقد قبلت اللجنة تسجيل ما قيمته 737 مليون دولار أمريكي كمساعدات إنمائية رسمية صافية مقدمة إلى الدول المؤهلة لاستلام المساعدات حسب معايير لجنة المساعدات الإنمائية ". واضاف ايضا " بانه يأتي إلي الامارات في العادة 10 ملايين سائح سنويًا، وهناك 10 دول استراتيجية بالنسبة إلينا نتعامل معها لجذب السيّاح، تضم الدول الخليجية في المقام الأول، وليس من بينها أي دولة من الدول التي تسمى بدول الربيع العربي. " . واشير هنا الى ان النمسا وبالاخص عاصمتها فيينا ذائعة الصيت بليالي الانس في فيينا والمدينة العريقة وهي اجمل مدن اوروبا والعالم ، وصل عدد السياح اليها حسب احصائية عام 2012 الى 6.1 مليون زائر بزيادة قدرها 4.6 مقارنة بالعام 2011.***
ولكن كيف كانت دبي هذه في القرن الماضي ؟ المعروف في تاريخنا الحديث ان قبل منتصف القرن الماضي لم يكن لمنظر شوارع دبي ، مثلها مثل بقية الامارات ، القرية الصغيرة المهجورة على ضفاف الخليج ما يلفت النظر، فازقتها ضيقة وبيوتها الطينية صغيرة كئيبة وسواحلها ليست ذات اهمية وقلما تستحق الوصف ، فلا زراعة ولا نخيل ولا اشجار ولا حتى حدائق عامة . دبي اليوم اصبحت للمشاهد مدينة اشبه بمدينة نيويورك وستصبح قريبا مثل لاس فيغاس في امريكا تفتخر بمراكزها المالية وناطحات السحاب وشبكة شوارعها الحديثة وبنى تحتية متطورة وشبكة مواصلات متطورة ، تشتهر بسواحلها وفنادقها الراقية التي اصبحت ملتقى السواح عشاق المياه الدافئة واسواقها وصالاتها تشهد اضخم معارض الطيران والسيارات وتقام فيها سباقات السيارات والخيل والابل ويلتقي فيها الممثلون والفنانون والفنانات الاجنبيات والعربيات وعارضات الازياء وغيرهم من كل انحاء العالم، واسواقها ينشدها الملايين من الناس والتجارالعرب والاجانب سنويا للاعمال التجارية والتسوق وللتمتع بحرارة شمسها وملذات لا يمكن وصفها في موانئ تعج بملتقى السفن التجارية من كل صوب بالعالم في بلد عربي مسلم تنتشر فيه المساجد في كل مكان . فلا ذكر لارهاب وسيارات مفخخة بالعشرات ولا قصص خرافية عن الفساد او فضائح سرقة اموال الدولة او سيول تغرق المدن او زلازل تضربها كما هو حال بغداد البائسة هذا اليوم غير البعيدة عن دبي ومع كل هذه المعطيات نستطيع القول ان لرجال دولة الامارات العربية المتحدة الحق ان يفخروا بمنجزاتهم ".
وبعد ان ناخذ في الاعتبار ان اكثر القيادات الذكية في دولة الامارات تسيرعلى خطى الاجداد النواخذة والتجارالذين تعلموا العيش بامانة واتباع السياسات الرشيدة وعقلانية رجالات وطنية بمعنى الكلمة ، وثروة توزع بعدالة وتخطيط سليم بخبرات دولية ذات تقنية فائقة التطور وطموح مبني على ارادات قوية ومخلصة واحترام للكفاءات والانسان الخليجي الجديد في عصر النفط بعيدين كل البعد عن الامراض والعقد والاحقاد تجاه جيرانهم كما هي عند الكويتيين مثلا، كل هذا وغيره يدلنا على اسباب هذا الانقلاب الفريد من نوعه في ما حصل في دبي اليوم . ولقد بينت في مقالة سابقة لي " ان ولادة هذه الدول الجديدة جاءت من رحم الاستعمارين العثماني اولا والاوربي الغربي ثانيا في المنطقة العربية وهو بالاساس كان قد أُعد وخطط له حسب اجندات استراتيجية من قبل الحرب العالمية الاولى وما بعدها لتبقى القواعد الاساسية في الارتباط مع القوى الكبرى صاحبة المصالح النفطية والتجارية والاستراتيجية الاخرى فيها والمصدر الوحيد للاسلحة الحديثة ومنتجات مصانعها الى اسواقها الخليجية لاستمرار دورة الدولار وعودته الى خزائن الغرب ". وبينت ايضا :" ان ما يميز هذه الدول الخليجية هو انها كانت ضعيفة البناء من حيث اسس تكوين الدولة بعد ان ظلت محميات منذ زمن دخول القوى الغربية الى المنطقة وبداية الاستعمار في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين ، وظلت تفتقر الى وجود شعب عامل ومنتج فيها او قدرتها على بناء جيش قادر على الحفاظ وحماية حدودها المتنازع عليها والمشكوك فيها اوالتاكيد على عراقة تاريخها القبلي الذي يخلو من حركات التحررالمعروفة لدى بقية شعوب المنطقة العربية ضد القوى الاستعمارية والحكام الطغاة الذين اطاحت بهم ثورات الربيع العربي في السنوات القليلة الماضية . فمن الناحية السكانية هي قليلة العدد ومن اجل بناء شعب فيها، انفتحت لها ابواب الهجرة لدخول اليد العاملة من مختلف البلدان الاسيوية والعربية والشركات الاجنبية لتلعب دورا كبيرا في التوازن السكاني كما حصل في جميع الدول النفطية الصغيرة المطلة على شواطئ الخليج العربي والمملكة العربية السعودية التي تعاني من خطر الجاليات الاسيوية الكبيرة ". واضفت قائلا :"وبالرغم من ان العوامل المسببة لهذا الانقلاب لم تات طبقا للمفهوم الاقتصادي للتنمية حسب قوانين العلوم الاقتصادية والاجتماعية كما حصل في اوروبا منذ قرون واليابان بعد منتصف القرن الماضي وان هذا الرخاء الخليجي لم يات عن وجود اقتصاد قائم او عمليات تنموية حقيقية مرتبة بمراحل انتقالية تدريجية لكنه جاء نتيجة لظهور مصدرمفاجئ واحد الا وهو النفط الذي لعب دورا كبيرا في انقلاب المجتمع الخليجي وفي العلاقات ما بين الدول الامبريالية وتوابعها بالاضافة الى ان السبب الرئيسي هو ان هذه المجتمعات التقليدية في الخليج كانت وما زالت تؤمن بالفكر الراسمالي منذ ان استقرت في ترحالها على ضفاف الخليج وممارسة التجارة في البحرمنذ قرون وحتى عصر النفط . وهذا ما يؤكد على ان الراسمالية الغربية ظلت تزدهر وتنمو ولم يظهر عليها في وقتها الحاضر اي دليل على انحطاطها ذاتيا حتى انها لم تنحرف باتجاه الاشتراكية التي نادى بها كارل ماركس رغم انها توجهت نحو الديموقراطية الاشتراكية . وبعد مرور اكثر من 150 عاما على صدور المنشور الشيوعي الذي اعلن عن انحلالها ، ما زالت الراسمالية اكثر صلابة وقوة من اي نظام آخر ".****
وبعد كل هذا اهدي دبي اليوم تحية تقدير واعجاب بمناسبة فوزها هذا كما اتقدم بكل التهاني الى شعب دولة الامارات العربية المتحدة بمناسبة عيدهم الوطني 42. فهل عرف القارئ بعد كل هذا سر فوز دبي بنجاحها في تنظيم اكسبو 2020 هذا الانجاز التاريخي الذي سيسجل لدبي تراثا حضاريا لا مثيل له يفخر به ابناء الامارات وجميع العرب من بعدهم ؟؟
*باحث اكاديمي وعضو نادي الاكاديمية الدبلوماسية فيينا – النمسا
[email protected]
** صحيفة الاتحاد الاماراتية والعرب اون لاين والحياة اللندنية : دبي تحتضن المستقبل وتفوز بتنظيم اكسبو 2020 ، 28 نوفمبر 2013

*** د . اياد الجصاني : الحوار المتمدن 17 فبراير 2013 .
**** د. اياد الجصاني : دور الدول العربية الهجينة في عودة الكولونيالية الجديدة ، في الحوار المتمدن 25 يونيو 2012 . .

#اياد_حلمي_الجصاني (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات