أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - يوسف يوسف المصري - حول رأس المال التجاري















المزيد.....


حول رأس المال التجاري


يوسف يوسف المصري

الحوار المتمدن-العدد: 4286 - 2013 / 11 / 25 - 21:05
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حول رأس المال التجاري
---------------------------
هذه مناقشة لاراء بعض من يقولون انهم اكتشفوا اخطاء "مسكوت عنها" في تحليل كارل ماركس لرأس المال التجاري اذ انني ارى ان الاراء التي عرضت هي طحن بلا طحين.
وسوف اقدم مثلا على كون ما يقدم من افكار لنقد ما عرضه كارل ماركس بهذا الشأن هو طحن بلا طحين. ولن اذكر هنا اي اسماء لمن قالوا عما يعرضونه انه"من اخطاء ماركس المسكوت عنها – 2" ولكنني سأقصر نقدي لمحتوى ما كتبه واحد من اولئك. ولا ندري اولا من الذي سكت ولا سبب سكوته فهذا كله افتراض لوجود من يعلم ولا يبوح بما يعلم. ولكن ذلك يتناسى حجم ما كتب في نقد كتابات ماركس اذ يندر ان نجد اي مفكر آخر في العصر الحديث تعرض لانتقادات اكثر مما تعرض له هذا المفكر الكبير.
فما هو بالضبط "المسكوت عنه" من اخطاء ارتكبها ماركس في تناوله لرأس المال التجاري. يقول الكاتب في مطلع شرحه لتلك الاخطاء :
1 – ان ماركس يرى ان انتاج القيمة الزائدة يتم في حقل الانتاج المادي كما يتم في حقل الانتاج غير المادي
اذ يقول الكاتب:
(على الرغم من أن ماركس كان يرى أن إنتاج القيمة الزائدة يتم فى حقل الإنتاج المادى، كما يتم فى حقل "الإنتاج غير المادى"، ويضرب على ذلك مثلاً، فى المجلد الأول من "رأس المال"، حين يقول:"... وإذا ذكرنا مثالاً من خارج نطاق الإنتاج المادى، لوجدنا أن المُعلم فى المدرسة يُعد عاملاً منتجاً حين ينهك نفسه أثناء العمل، من أجل إثراء مالك المدرسة، بالإضافة إلى تعليم الأولاد. أما كون مالك المدرسة قد استثمر رأسماله فى مدرسة للتعليم أم فى مصنع لإنتاج المقانق، فذلك لا يغير من الأمر شيئاً..." أى أن ماركس لديه الوعى بأن إنتاج القيمة الزائدة ليس بقاصر على حقل الإنتاج المادى)
2- ولكن على الرغم من ذلك فان ماركس يجد صعوبة في مناقشة الربح التجاري
اذ يقول الكاتب:
(أن ماركس لديه الوعى بأن إنتاج القيمة الزائدة ليس بقاصر على حقل الإنتاج المادى، أى الرأسمال الصناعى. نقول على الرغم من ذلك إلا أنه وجد صعوبة، على ما بدا لى، حينما إنتقل، فى المجلد الثالث، إلى مناقشة الربح التجارى وبصفة خاصة حين تسائل كيف يُنتج العمال فى قطاع التجارة قيمة زائدة:"ما وضع العمال المأجورين الذين يستخدمهم الرأسمالى التجارى؟)
3 – اين هو وجه الصعوبة الذي يرصده صاحبنا اذن في فهم ماركس لكيفية انتاج العمال للقيمة الزائدة في قطاع التجارة؟
يرد الكاتب على السؤال بقوله :
إذ رأى (اي ماركس) أن العمال فى حقل الإنتاج غير المادى ينتجون قيمة زائدة، وإنما بشكل غير مباشر، إذ بفضل عملهم يحصل الرأسمالى التجارى، أى قطاع الخدمات، على القيمة الزائدة المنتجة فى حقل الإنتاج الصناعى
ثم يتقدم الكاتب في عرض وجهة نظره بقوله :
4
ان ماركس يقول ان الرأسمال الصناعي ينتج القيمة الزائدة من خلال الاستيلاء المباشر على عمل الآخرين (لاحظ المباشر هنا). اما رأس المال التجاري فانه يستولي على جزء من القيمة الزائدة عن طريق "اجبار" راس المال الصناعي على التنازل عن احد اجزاء تلك القيمة له.
5
واخيرا يصل الكاتب الى كشف المسكوت عنه بقوله:
هذا التفسير غير صحيح (اي تفسير حصول رأس المال التجاري على حصة من القيمة الزائدة التي يحصل عليها رأس المال الصناعي)
لماذا؟
يجيب الكاتب :
لان الرأسمال التجاري يدخل في حساب الرأس مال الاجتماعي الكلي بعد ان يفقد هويته اثناء الانتاج. ولا ينبغي ان يضللنا تفاوت الدورانات واختلافها من نوع الى آخر من الرساميل.
6
ويستطرد الكاتب مضيفا سببا آخر لاعتراضه على تفسير ماركس بان العامل في قطاع الخدمات لا يخلق قيمة زائدة مباشرة بل انه يساعد في تقليص تكاليف تحقيق القيمة الزائدة" اذ يقول الكاتب :
"وهذا التفسير أيضاً غير صحيح؛ فالعامل، فى قطاع الخدمات، لا يقلص ولا يزيد من تكاليف تحقيق القيمة الزائدة، المنتجة فى قطاع الصناعة، وإنما يخلقها فى قطاعه هو. ولا شأن له بقيمة زائدة منتجة فى قطاع آخر. إلا بقدر كون ما ينتجه من قيمة زائدة هو أحد الأجزاء المتساوية من القيمة الزائدة الإجمالية على الصعيد الاجتماعى".
اي ان الكاتب يرى العامل في القطاع التجاري يولد هو نفسه قيمة زائدة مستقلة تماما عما يولده العامل في القطاع الصناعي.... الا (وهي الا بالغة الاهمية هنا من حيث انها تنقل فهما معينا لدى الكاتب لمعنى القيمة الزائدة اصلا)..الا اذا نظرنا للقيمة الزائدة المستقلة تماما التي ينتجها العامل في القطاع التجاري باعتبارها ليست مستقلة تماما ولا هم يحزنون وانما "كأحد الاجزاء المتساوية" من القيمة الزائدة على الصعيد الاجتماعي.
ويصل الكاتب الى ذروة نقده بمداخلة اخرى يقول فيها:
7
المثل الذى يضربه ماركس، أثناء مناقشته الرأسمال التجارى، هو:" لنفترض ان الرأسمال الصناعى الكلى، خلال سنة، 720 ث + 180 م = 900، والقيمة الزائدة = 100%. ومن ثم فإن الناتج = 720 + 180 + 180. فإذا رمزنا لهذا الناتج أو هذا الرأسمال السلعى الذى تم إنتاجه بالرمز (ب)، فإن ثمن الإنتاج = 1080، ومعدل الربح = 20% ". ثم يدخل ماركس، خلسة، 100 جنيه رأسمال تجارى، ويجعل له حصة مماثلة فى الربح بما يتناسب مع حجمه، على الرغم من أن ماركس صرح، وبوضوح، ان رأسمال التاجر لا يسهم فى إنتاج القيمة الزائدة، ولكنه يعود فيقول:"ان رأسمال التاجر يسهم، كمحدد، فى تكوين معدل الربح العام". وذلك حينما يفترض إضافة 100 جنيه، رأسمال تاجر، إلى الرأسمال الصناعى البالغ 900 جنيه، ومن ثم تبلغ حصة الرأسمال التجارى 1 من 10 من القيمة الزائدة البلغة 180، فيحصل على معدل ربح مقداره18%. والواقع أن الربح المتعين تقسيمه على بقية الـ 9 من 10 من الرأسمال الكلى = 162 فقط، وعند تقسيمه على رأسمال 900= 18%. وبذلك فإن الثمن الذى يبيع (ب) به مالكو الرأسمال الصناعى البالغ 900 إلى تجار السلع = 720 ث + 180 م + 162 ق ز = 1062. ولو أضاف التاجر الربح المتوسط البالغ 18، إلى رأسماله البالغ 100،فإنه يبيع السلع بمقدار يساوى 1062 + 18 = 1080 أى يبيعها بموجب ثمن إنتاجها"... والسؤال هنا: ألم يسهم رأسمال التاجر فى عملية إنتاج القيمة الزائدة، حينما فقد هويته، كرأسمال تجارى، واندمج مع الرأسمال الصناعى؟ إذ ما كانت الإجابة: نعم ساهم رأسمال التاجر فى خلق القيمة الزائدة، فإن تقسيم الرأسمال، حين حساب معدل الربح الوسطى، إلى رأسمال إنتاجى كلى، ورأسمال تجارى، يكون عديم المعنى. فالقانون هو أن الرساميل النشطة فى عملية التداول بصورة مستقلة، لا بد من أن تدر متوسط ربح سنوى شأنه شأن الرساميل الناشطة فى مختلف فروع الإنتاج. فإذ ما در رأسمال تاجر متوسط ربح أعلى من رأسمال صناعى، فإن جزءً من الرأسمال الصناعى يتحول إلى رأسمال تاجر. وإذا در رأسمال التاجر متوسط ربح أدنى، جرت عملية معاكسة، فإن جزءً من رأسمال التاجر يتحول إلى رأسمال صناعى. أى أن المستويات العامة لمعدلات الربح الوسطى تكون تقريباً واحدة أيا كان نوع الرأسمال الموظف
**********
وسأبدأ من هذه النقطة الاخيرة (7) حيث انها تمثل البرهان القاطع – كما يرى صاحبنا – على خطأ ماركس.
يقول الكاتب ان ماركس ضرب مثلا برأسمالي وظف رأسمالا كليا يبلغ 900 جنيه منها 720 على هيئة رأس مال ثابت و180 جنيها على هيئة رأس مال متحرك وانه يجني قيمة زائدة مقدارها 100% من رأسماله المتحرك اي في هذه الحالة 180 جنيها اي ما مجموعه 1080 جنيها. ثم يقول ان معدل الربح هو 20% بمعنى ان الرأسمالي حصل على 180 جنيها مقابل توظيف ما مجموعه 900 جنيه على هيئة رأس مال ثابت ومتحرك.
وبصرف النظر عن ان الكاتب حور ماركس فافترض ان القيمة الزائدة هي المرادف لمتوسط الربح سيتعين علينا مواصلة متابعة المثال على اي حال. فطبقا لما يقوله الكاتب ادخل ماركس "خلسة" 100 جنيه على هيئة رأس مال التاجر. ما هو التناقض الذي يرصده كاتبنا هنا؟ التناقض هو حسب قوله انه " على الرغم من أن ماركس صرح، وبوضوح، ان رأسمال التاجر لا يسهم فى إنتاج القيمة الزائدة، ولكنه عاد فقال:"ان رأسمال التاجر يسهم، كمحدد، فى تكوين معدل الربح العام". نعم. لان ماركس لا يساوي مفهوم القيمة الزائدة بالربح اصلا كما يفعل كاتبنا. ذلك ان كاتبنا مندهش على الآخر من ان ماركس قال ان التاجر لا يساهم برأسماله في توليد القيمة الزائدة ولكنه يساهم في توليد الربح..كيف؟ يصبح هذا تناقضا لو كان المفكر الكبير يساوي بين الاثنين ولكن من ساوى بين الاثنين في دهشته هو كاتبنا نفسه. ولكن ما علينا.
ادخل ماركس اذن خلسة – اي بخفة يد – 100 جنيه كرأسمال للتاجر. ثم اضافه الى رأس المال الصناعي فاصبحت الحسبة 1000 جنيه منها كما رأينا 100 جنيه من التاجر و900 جنيه من الرأسمالي الصناعي تنقسم الى قسمين الاول هو رأس المال الثابت ومقداره الافتراضي 180 جنيه والربح ومقدراه 180 جنيه. ويعني ذلك ان الاستثمار وهو الف جنيه سيحصل على ربح مقداره 180 جنيها اي بواقع 18%. بعبارة اخرى سيذهب 18% للتاجر اي 18 جنيها وسيذهب 162 جنيها للرأسمالي الصناعي.
لغاية هنا عال. واضحة.
بكم اذن سيبيع الاثنان السلعة؟ الحساب يقول انهما سيبيعانها بمبلغ اجمالي قدره 900 جنيه (تخص الرأسمالي الصناعي) + 100 جنيه (وظفها التاجر في عمليات الترويج والبيع) + 162 جنيها ربحا ستذهب للرأسمالي الصناعي + 18 جنيها ستذهب للتاجر ربحا ايضا = 1180 جنيها. اليس هذا منطقيا؟
طيب. ماذا يقول الكاتب اذن.
انه يقول ان الثمن الذي يبيع به مالكو الرأس مال الصناعي للتاجر انتاجهم هو 720 جنيها+ 180 جنيها + 162 جنيها= 1062 جنيه. صحيح. ثم يقول " ولو أضاف التاجر الربح المتوسط البالغ 18، إلى رأسماله البالغ 100،فإنه يبيع السلع بمقدار يساوى 1062 + 18 = 1080 أى يبيعها بموجب ثمن إنتاجها". طيب ازاي يا عم. لقد نسيت ان تحسب ان التاجر لابد ان يضيف المبلغ الذي استثمره في الترويج والبيع اي في العمليات التي يقوم بها.
المعادلة اذن يجب ان تكون كالتالي وليس كما قال كاتبنا:
السعر الذي سيبيع به التاجر السلعة = 1062 دفعها التاجر للمصنع + 18 جنيها ربح للتاجر + 100 جنيه استثمار التاجر في عمليات البيع = 1180 جنيها.
ولكن الكاتب يضع المعادلة على هذا النحو:
السعر الذي يبيع به التاجر السلعة = 1062 دفعها التاجر للمصنع + 18 جنيها ربح التاجر = 1080
ان الكاتب لم يتجاهل ان الرأس مالي الصناعي لابد ان يضيف ما استثمره من رأس مال الى ثمن السلعة ولكنه قرر ان يتجاهل معاملة التاجر بالمثل اي انه قرر ان يجعل من التاجر "مناضلا" اجتماعيا يمكنه ان يستثمر 100 جنيه ثم يتركها لله او للقضية الا لو قرر هذا التاجر ان يواصل الاستثمار دون ان يتسعيد رأس ماله كي يثبت صحة ما يقوله كاتبنا هنا ولو من باب الرجولة ومش مهم 100 جنيه. وهذا يعني انه بعد ان صاغ الكاتب المعادلة "على مزاجه" نجده يصيح باندهاش "ولكن كيف يبيع التاجر السلعة بالثمن الذي دفعه هو نفسه للمصنع كي يشتري تلك السلعة"؟.
ولكن كان اندهاش الكاتب يرجع لانه لا يتسم بخفة اليد التي لدى ماركس فلم يتمكن من ان يضيف ال100 جنيه التي استثمرها التاجر في عملياته. او ربما تعفف عن ذلك لاسباب اخلاقية فقد قيل ان الخلسة عيب.
المشكلة انه على اساس من هذه المعادلة الخاطئة التي "ضبط" بها الكاتب ماركس متلبسا اسس صاحبنا منطقا بأكمله يقول ان افتراض ماركس الخاطئ والمسكوت عنه يتناقض مع قانون معدل الربح لان الربح يذهب الى القطاع الذي يحقق فيه اعلى متوسط لمعدله.
المشكلة يا صديقي انك لم تظهر التاجر هنا باعتباره يربح اقل ولكنك اظهرته انه يخسر بالمرة. فقد دفع المسكين 100 جنيها استرد منها 18 جنيها فقط اي انه خسر 82 جنيها بالتمام والكمال هي ما استثمره. انه لن يهجر التجارة لو كانت معادلتك صحيحة فحسب ولكنه قد ينتحر.
لكن معلش..فهكذا يثبت صاحبنا اخطاء كارل ماركس المسكوت عنها وهكذا يشعر بالحزن لاننا لو قلنا له يا عم على مهلك شويه لكنا من كهنة المعبد ولما حال ذلك دون ان يرتدي كاتبنا ملابسه الحديدية الواقية ويضع خوذته ويرفع رمح هذه المعادلات المفككة ويقرر ان يكشف كل المستور عن اخطاء ماركس المسكوت معها في حرب ضد كهنة المعبد.
ولكن لنتقدم الآن الى ما يقوله ماركس حقا – بعبارات بسيطة ودون "تفلسف" فارغ - مما لم يفهمه كاتبنا باي قدر.
الجوهر في فهم ما يقوله المفكر الكبير هو ان المعادلة التي تحكم رأس المال الصناعي هي كالتالي: فلوس – سلعة – فلوس.
فالرأسمالي الصناعي يوظف قدرا من المال توظيفا رأسماليا لشراء احتياجات الانتاج ثم ينتج سلعة ثم...يجب عندها ان يسترجع فلوسه والا اصبح مثل تاجر الكاتب اياه. اي انه – اي الرأس مالي الصناعي - يجب ان يبيع منتجاته حتى يسترجع ماله مضافا اليه الربح.
هي اذن عملية واحدة. ولكنها على الرغم من ذلك تنقسم الى حلقات ضمن تقسيم العمل الاجتماعي. فالجزء الثاني من المعادلة التي اشرت اليها توا اي الجزء المتعلق ببيع البضاعة وتحويلها مرة اخرى الى فلوس لا يقوم بها الرأسمالي الصناعي ولكن يقوم به الرأس مال التجاري على الرغم من كونهما مكملين لبعضهما البعض في تحقيق معادلة واحدة.
وفي المقابل فلو نظرنا الى المعادلة التي تحكم الرأس مالي التجاري فسوف نجد انه يدخل السوق لا بسلعته ولكن بفلوسه فيشتري بهذه الفلوس سلعة ثم يبيعها ليعيد ماله مضافا اليه الربح. اي ان المعادلة هنا هي فلوس - سلعة – فلوس.
ولكن اليس من الجائز ان يكون التاجر قد حصل على البضاعة من المنتج بالاجل؟. طبعا من الممكن. ولكن ذلك لا يغير من الامر شيئا اذ سيكون مدينا للرأسمالي الصناعي بما يعادل الثمن الذي باع به هذا الاخير سلعته للتاجر.
الجوهر اذن انه في لحظة معينة وفور تحول فلوس التاجر الى سلعة او الى كمبيالات فان رأس مال التاجر اصبح تلك السلعة ذاتها التي اشتراها. ويفسر هذا ما يقوله ماركس في الجزء الثالث من رأس المال ان رأس المال التجاري هو في واقع الامر السلعة التي ينتجها رأس المال الصناعي ولا شئ غير ذلك.
لدى صاحب المدرسة مثلا حين يوظف مدرسين سلعة اخرى يبيعها. ولدى منتجي افلام السينما سلعة ثالثة وهكذا. الا ان خصوصية رأس المال التجاري هو انه يكمل مهمة رأس المال الصناعي. انهما معا يقومان بتحقيق جزئين مختلفين من المعادلة التي اشرت اليها اي معادلة فلوس – بضاعة – فلوس. رأس المال الصناعي يقوم بالجزء الاول اذ يحول الفلوس الى بضاعة والتاجر يقوم بالثاني اي يحول البضاعة الى فلوس.
لماذا اذن يعتبر ماركس ان رأس المال الصناعي ورأس المال التجاري يقتسمان القيمة الزائدة؟ لهذا السبب بالذات. فاذا فشل التاجر في بيع البضاعة التي حصل عليها من الرأس مالي الصناعي فان المصنع سيتوقف. او اذا حدث حريق في مصنع فان التاجر لن يجد ما يوزعه. انهما في واقع الامر "مؤخرتين في نفس السروال" – وعذرا على التعبير اذ لا اريد ان استخدم المرادف العامي له لانه اسؤ - لا يمكن فصل احدهما عن الآخر. ولهذا السبب يحذر ماركس من تجاهل خصوصية الصلة العضوية بين وظيفتي رأس المال التجاري ورأس المال الصناعي اذ يقول انه كان بوسع المصنع ان يبيع مباشرة و"باي باي" للتاجر ولكن تعقيد التخصص في تقسيم العمل فرض بروز هذا المساحة من عمل رأس المال الصناعي الذي يعتمد كما قلت على معادلة فلوس – سلعة – فلوس. اي انه من الوجهة الوظيفية جزء مكمل للعملية الانتاجية ومن ثم مكمل لرأس المال الصناعي وما الفرق بينهما الا ما هو ظاهر للعامة من الناس. فبدون التاجر ستتوقف العملية الانتاجية كما ان رأس مال التاجر هو نفسه السلع التي انتجها الرأس مالي الصناعي.
ويحذر ماركس الهواة من دارسي الاقتصاد السياسي الرث المنتشر من السقوط في النظر الى الرأس مالين باعتبارهما منفصلين اذ يقول "ما هو الشيء اذن الذي يجعل من رأس المال التجاري يكتسب هذا المظهر من الاستقلال كرأسمال يعمل مستقلا بينما يقوم بعض المنتجين مباشرة بعملية البيع وينظرون الى ذلك باعتباره جزءا من رأس ماله ولكن في مرحلة من مراحل الانتاج خلال تواجدها في نطاق التوزيع؟".
اي بعبارة اخرى لماذا ينظر بعض العامة الى التاجر باعتباره مختلفا عن صاحب المصنع؟.
ويجيب الاستاذ الكبير على سؤاله بنقطتين مهمتين لمن يفهم.
الاولى هي ان السلعة تتحول في الجزء الثاني من المعادلة من سلعة الى فلوس على يد شخص آخر غير صاحب المصنع هو التاجر وان بوسع هذا التاجر عبر عملياته ان يؤثر في السوق. وهكذا فان عمليات التاجر تكتسب مظهرا مستقلا قائما بذاته لمن يرون الامور في ظاهرها.
والثانية هي ان التاجر يقدم رأس ماله هو لانجاز عمليات التجارة التي يقوم بها اي انه من الناحية الفعلية يتبع معادلة تقول فلوس – سلعة – فلوس ولكن الفلوس الاولى هي ذاتها الفلوس الثانية عند المنتج. ولنتذكر مرة اخرى ان المنتج يتبع معادلة فلوس – سلعة – فلوس وان التاجر يتبع معادلة فلوس – سلعة فلوس ولكن الفلوس الاخيرة عن المنتج اي ما حصل عليه لقاء بيع السلعة التي انتجها هي بالضبط ما دفعه التاجر له اي الفلوس الاولى في معادلة التاجر. ولهذا السبب قلت من قبل ان نصف المعادلة تخص صاحب المصنع فيما نصفها الثاني يخص التاجر الا انها معادلة واحدة. ويؤدي انفصال هذه المعادلة ظاهريا الى النظر الى الاثنين التاجر وصاحب المصنع باعتبارهما شيئين مختلفين.
ولتقسيم العمل بين الاثنين فوائده لهما معا بطبيعة الحال. فلو لم يستثمر التاجر رأسماله في تصريف المنتجات لاضطر المنتج ان يفعل ذلك. والمهم هنا هو فهم ان تخلف التاجر عن اداء عمله سيؤدي الى وقف العملية الانتاجية. ولو كان التاجر يرغم صاحب المصنع على الاستثمار في التجارة ايضا لضعفت قدرة صاحب المصنع على الاستثمار في الانتاج اي لتأثر التاجر نفسه سلبا بذلك. واخيرا فان حيوية التاجر تحكم على دورة رأس المال المنتج فان كان يبيع بسرعة في قطاع معين فان ذلك سيؤدي الى زيادة عدد دورات رأس المال في هذا القطاع وان كان يتاجر في عدد كبير من المنتجات فانه سيؤدي الى دورات اكثر في عدد كبير من الصناعات.
هل ما قاله ماركس "لوغاريتمات" مثلا؟
ومع ذلك فلنعد الى القضية التي اثارها صاحبنا اي قضية فائض القيمة.
لقد رأينا ان رأس المال التجاري يكمل معادلة رأس المال الصناعي وبدون احدهما لا يستطيع الآخر ان يعيش. يبدو هذا مختلفا عن المدرسة مثلا. ولكن صاحبنا يضم القطاع التجاري الى ما يسميع القطاع الخدمي. يا عم. اليس ثمة خصوصية في علاقة رأس المال التجاري بالرأس مال الصناعي تجعله مختلفا عن علاقة رأس المال "الخدمي" الموظف مثلا في التعليم او في الترفيه او غيرهما برأس المال الصناعي؟ الخصوصية هذه التي لا يراها صاحبنا رغم ان ماركس نبح صوته وهو يوضحها في الجزء الثالث من رأس المال هي ان الاثنين ضروريان لعملية الانتاج وبدون احدهما فان الآخر باي باي.
وحين نناقش عملية توليد القيمة الفائضة فان علينا ان ندرك اننا نتحدث هنا عن مفهوم اجتماعي في المقام الاول.
حتى لا يبدو ذلك صعبا لصاحبنا يكفي ان اعطي مثلا واحدا. لو كلفنا كاتبنا المغرم برصد المسكوت عنه هو نفسه الآن بان يصنع اي شئ وليكن حبلا مثلا فانه سيستخدم مهارات تعلمها طيلة حياته وسيحصل على خيوط ويجدلها ولانه يريد ان يأكل خلال العمل فلابد ان من ان يحمل له موزع الطعام قدرا كافيا يشبعه ثم انه قد يذهب الى المرحاض ليستخدم شبكة الصرف الصحي وبيت الراحة الذي صنعه عمال آخرون وقد يكون عمله في صنع الحبل مستحيلا بدون ذلك بل قد لا نراه ان لم تكن هناك سيارة تحمله الى مكان صنع الحبل. من الذي ولد القيمة المضافة هنا؟ هو ام الجميع؟
ولذا فاننا حين نتحدث عن القيمة المضافة التي ترتبط في صورتها المباشرة بانتاج السلع فاننا نتحدث عن تقسيم عمل اجتماعي يرتكز على انتاج السلع اي احتياجات البقاء للجنس البشري ثم بعد ذلك عن عشرات الوظائف التي وصفها الاقتصادي الفرنسي جان بابتيست ساي بانها "غير منتجة".
الفارق هنا ان رأس المال التجاري على النحو الذي يشرحه ماركس لا يمكن ان يتواجد الا مكملا لرأس المال المنتج.
ولكن ما المشكة الحقيقة في فهم صاحبنا الذي يظهر في النقاط الاولى التي ادرجتها في مطلع هذا الكلام؟
سوف اعرض خلال ايام في ورقة تالية رد ماركس على تقسيم ساي وآخرين للعمل المنتج والعمل "غير المنتج" وعلاقة كل منهما بتوليد القيمة الزائدة اذ قد اثقلت على القارئ والحقيقة على نفسي ايضا لارد على ما قيل حول رأس المال التجاري من زاوية نظر مفكر كبير ولاوضح المسكوت عنه في المسكوت عنه لو جاز التعبير.



#يوسف_يوسف_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما العمل مع -فرمان- مرسي؟
- مساهمة في مناقشة قضية امكانية التطوير الرأسمالي في مصر
- حول ظاهرة الاسلام السياسي
- رحلة -موت العمل- بين روبنسون كروزو و-ماد ماكس-
- سؤال لشباب اليسار : هل كان عصام العريان محقا؟
- الموقف من الانتخابات البرلمانية المقبلة
- ملاحظات على مداخلة الدكتور محمد عادل زكي عن القيمة الزائدة
- ملاحظات حول سلاح التظاهر في ضؤ 24 اغسطس
- الاخوان والليبراليون
- كلمتين لعمال مصر
- قصة قصيرة..حكاية العجوزان ومرسي
- في استكمال نقد تحليلات البعض للثورة المصرية ومهامها
- مفهوم مختلف – عن الماركسية – للثورة السياسية
- هل سيبقى مرسي في القصر الرئاسي اربعة اعوام حقا؟
- ملاحظات على مقال الدكتور شريف يونس عن المشهد الراهن
- تأملات حول الحيرة الانتخابية في مصر وغياب التنظيم الثوري
- لماذا يبدو شعار الجمهورية الديمقراطية الشعبية في طرح المثقفي ...
- في الرد على مقال خليل كلفت عن اسطورة المرحلة الانتقالية في م ...


المزيد.....




- -لا لإقامة المزيد من القواعد العسكرية-: نشطاء يساريون يتظاهر ...
- زعيم اليساريين في الاتحاد الأوروبي يدعو للتفاوض لإنهاء الحرب ...
- زعيم يساري أوروبي: حان وقت التفاوض لإنهاء حرب أوكرانيا
- إصلاحُ الوزير ميراوي البيداغوجيّ تعميقٌ لأزمة الجامعة المغرب ...
- الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة ال ...
- موسكو تطالب برلين بالاعتراف رسميا بحصار لينينغراد باعتباره ف ...
- تكية -خاصكي سلطان-.. ملاذ الفقراء والوافدين للاقصى منذ قرون ...
- المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48.. (1948ـــ 1966)
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - يوسف يوسف المصري - حول رأس المال التجاري