كريم ناجي
الحوار المتمدن-العدد: 4280 - 2013 / 11 / 19 - 00:16
المحور:
الادب والفن
لا أنكر مكانة الشاعر سعدي يوسف في الأدب العربي الحديث, فهو شاعر جيد له بصمته الواضحة وله أسلوبه و طرائقه, و له محاولاته التجريبية الممتعة, وألاعيبه الفنية المدهشة ولاسيما في المراحل السابقة, وله محاولاته الجريئة التي يقتحم فيها مجاهل و زوايا وميادين قد يتردد الآخرون قبل التفكير بالتوغل فيها.
بعد هذه المقدمة التي أردناها مدخلاً هادئاً إلى موضوع ساخن, نعود إلى مسألتين مهمتين في الموضوع ( التجريب, و المقدس) ومساحة الحرية وحدودها في التعامل معهما. فالتجريب من الأمور المحمودة في الأدب, وبخاصة عندما يؤدي إلى نتائج لا تخلو من جِدّة و إبداع وإدهاش... والتجريب جميل عندما يقوم به أديب بارع يمتلك أدواته و يمتلك معرفة وافية بالأسس والأصول الرصينة المتعارف عليها في الفن الذي ينوي التجريب فيه... ويكون أكثر جمالاً وأهميةً وفائدةً عندما يتجه المبدع نحو البنى والتقنيات والجوانب الفنية لأنها الحقل الذي تتجلى فيه مهارات الأديب المجدد المبدع, وهذا لا يعني أن التجريب غير موجود أو غير مرغوب فيه إذا اتجه صوب الجوانب الموضوعية, أو أنه سيكون عديم الجدوى والفائدة في الأفكار والمضامين.
أما المقدسات فهي متعددة نسبية تختلف و تتنوع من مجتمع إلى آخر, و تتفاوت درجات أهميتها بحسب سعة انتشارها بين الناس و بحسب تسلسها في سلم مقدساتهم, وتأتي الرموز الدينية والقيم الأخلاقية في مقدمة المقدسات عند الأمم. فالنبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يتربع على قمة هرم المقدسات عند العرب والمسلمين جميعاً, على اختلاف بلدانهم و طوائفهم واتجاهاتهم... وهم يمثلون عدداً كبيراً من المجتمع الإنساني. وهو أيضاً رمز ديني و قومي وأخلاقي, فهو النبي المرسل, وهو أبو الأمة و مؤسس كيانها السياسي والحضاري بعد أن كانت قبائل متفرقة, وهذا يكفي للقول بأن الرسول الكريم خارج حدود المساحات الحرة التي يمارس فيها الأديب لعبته الفنية, وتوظيف التراث, و التناصّ, والمشاكسات الأسلوبية والمضمونية...
يتضح من هذا أنني مع و جهة النظر التي لا تقيد الأديب بالدين والأخلاق ولا تقيس جودة نتاجه على وفق ذلك, ولا نريده أن يكون ناسكاً أو واعظاً, ولكن لابد من حدود لكل شيء, ولابد من مستوى من الالتزام ومراعاة مشاعر الآخرين الذين تربطه بهم صلات أخرى غير هذا الرمز المقدس الذي لا يقدسه الشاعر. وأود أن أقول بوضوح أكثر بأن الأديب – وإنْ سلّمنا بحرياته الشخصية- إلا أنه مطالب بمراعاة الأمة والتاريخ والبلدان وهي أمور لا يستطيع نكران انتسابه إليها, ووجود صلات وروابط متعددة معها.
من الواضح أن الموضوع له جوانب متعددة, ومداخل مختلفة, تتفاوت بحسب الزاوية التي ينظر منها الكاتب إلى الشاعر وإلى قصيدته الأخيرة التي نشرها بتاريخ (16/ 11/ 2013), وليس من المناسب الإحاطة به من جميع جوانبه في مقال واحد, لا بد أن أتوقع وجود آخرين يكتبون الآن في الموضوع نفسه, ولذلك جعلت اهتمامي ينصب على ما تقدم وما ذكرته وجهة نظر قابلة للقبول أو الرد, فالحرية لا تعني الانفلات التام, وعدم التزام شخص برمز يقدسه السواد الأعظم من قومه لا يبيح له التجاوز عليه. عدم تقديسك لهذا الرمز شيء والتطاول عليه شيء آخر, فالأول يخصك أما الآخر فهو مشترك بينك وبين الآخرين, وعليك أن تحترمهم, ولا تنسَ القسم الذي يحبك منهم في أقل تقدير, ولا تنسَ أيضاً بأن عدداً غير قليل من عمالقة الأدب العالمي يراعون القيم الأخلاقية. هذه وجهة نظري التي يشاركني فيها عدد غير قليل من محبي الأدب, لا أتعصب ولا أتهجم على أحد, ولكني لست معه, وأراه ليس مضطراً على ما أقدم عليه, وأنه لم يوفق في اتجاهه.
أما الدوافع والأسباب المحتملة فهي جانب مهم أتركه للقاريء الكريم. ولكن ثمة أسئلة تدور في ذهني وفي ذهن غيري عن تلك الدوافع. أَ هي فنية أم فكرية؟ هل يبحث عن إثارة واهتمام؟ أيكون السبب الإفلاس والتراجع الفني, أي أنه لم يعد قادراً على إثارتنا فنياً بجديد يقدمه فلجأ إلى قضايا مثيرة بذاتها؟ فمن الواضح بأن الإثارة هنا ليست بسبب مهارات تجلت داخل النص بل هو خارج النص, أي في الشخصية الموضوع. هل يبحث الشاعر عن معجبين في بقاع بعيدة؟ هل نلمح تقارباً في الثيمة التي تمحور حولها نصه مع القضايا التي يركز عليها الملحدون والكتابات الغربية المسيئة للرسول؟
وفي الختام نتساءل؛ هل كان لفقدان الهوية والسياسة المتعثرة والنظام العربي في هذا الزمن الرديء أثر مباشر أو غير مباشر على الشاعر؟ أقول هذا وفي في ذهني صور بعض الزعماء العرب عندما حاولوا الحصول على نفوذ إقليمي أو دولي عبر التقرب إلى أعداء الأمة أو مجاملة الذين يوجهون الإساءات المتلاحقة إلى رموزنا وتراثنا. فهل أصبح أولئك الساسة قدوة سيئة انعكست آثارها على الأدب والفن.
#كريم_ناجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟