أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجم عبدالله - خيال مجروح















المزيد.....

خيال مجروح


نجم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 4267 - 2013 / 11 / 6 - 22:03
المحور: الادب والفن
    


خيال مجروح

حينما رحلت الشمس وتركت لنا اذيالها، بدء شبح الليل رويدا رويدا يتسلل مع اصوات البوم، نقيق الضفادع وعواء الذئاب ونباح الكلاب فالسكون قد خيم كل الجوانح، النجوم كأنها تحرس القمر والنهار كأنه يسرق الليل. العيون قد ادركتها النعاس والقلب يصارع العقل في عراك، والخيال يطوف مع كل نبضة، الروح يكاد يخترق الجسد ليلتئم بالجروح. والوحدة تمتص أعصابي بكلمات تموت على الفراق، الليل ينهزم في سبات والنهار يحل من دون سلام، والداء يدوم من دون دواء. حينها فتحت عيني ولم اتذكر من أنا، كمجنون مزقته صاعقة النسيان والتهمته شفاه الموت، كفراشة عضة جناحيها ضفادع الافكار. وانا اتخبط بين الحين والاخر واتهرول شمالا وجنوب، وعلى مسامعي تدق ضجيج المعامل، بكاء الصغار الجياع وخرير مياه النفوس البخيلة وصفير رياح الاحزان يملئ كل خلايا احلامي واروقة لحظاتي. عندها فتحت عيناي لأرى من خلف جبال من الدموع التي تكدست على جفوني، وكحلتها لأتعرف على نفسي فأشلاء افكاري لا تساعدني على التفكير، ودقات قلبي لا تناجيني من الموت لأستلهم المعرفة من الحياة.
اردت الوقوف على جوانحي المكسورة والمغمورة تحت الانقاض لألملم بقايا حطامي المبعثر هنا وهناك. حينها نادتني ذكريات الايام وصرخت فيا من الاعماق، وتركتني في عالم مجهول تتقاذف فيه حمم الاحزان من كل صوب. حينها حملت قلمي المحترق الولهان الذي دهسته اقدام الحروب وافزعتها قوانين الغاب، والذي بدا ينزف جرحا ودما لعلني اتذكر شيئا من مسيرة حياتي الضائعة، وانا اسكب بهواجسي على اشلاء جسدي المتقطع والغارق بين المجازر والويلات، ولكن دون جدوى فقلمي تاب ويأس عن الكتابة، وتركني ورحل خلف الزمان. فتحت عيني بعدما جفت جفوني لأرى ما يجري هناك خلف الافق البعيدة وخلف المحيطات الواسعة بين غابات البشر وخلف بحور الحضارات المتموجة.
فتراء لي بيت مهجور حقير وعتيق، دخلته بفؤادي فلم ارى من شدة الظلام الدامس سوى شمعة فؤاد فقيرة بضوئها الخافض الذي يكاد يضيء جوانحها الجائعة الميتة، والتي ملئتها المجاعة، الاسى، الحرمان، المجازر، الدمار والخراب. حيث يتراء لك بين ثناياها حطام القرى والمدن المهجورة، المحروقة والتي داهمتها نيران الجشع، الحقد، الغطرسة والشوارع المغمورة بالدماء والجثث المترامية هنا وهناك، على الارصفة والتي هرستها عجلات الموت ومزقتها صواعق النوايا المدمرة. ورياح الفقر التي تعصف بالنفوس الباردة والجامدة، وهي تلهو بالضمائر وتشتري الاذهان الجائعة وبقايا اشلاء القلوب المتسولة التي تتقرقع وتتأوه تحت اقدام الاحتلال والعدوان، وصراخها الذي يملئ كل خلايا الغرفة ويجتازها، لتدوي بصداها في الوديان والجبال والسهول. حينها حملت شمعة فؤادي التي تساقطت من الحزن والألم لأرى ما يجري في مخيلتي، عندها تراء لي صورة كانت معلقة على جدارها. بعد ان جمعت كل قواي الفكرية والنفسية وبعد تأمل وتفكير تذكرت تلك الصورة، لقد كانت صورة "خانة." تلك الفتاة الجميلة الصغيرة الرشيقة التي سافرة نحو الشمس، لقد صافحتها عندما كان الليل على الابواب والقمر بدر وصدا صوتها ما يزال يدوي في الوديان، البحار، الافق، القلوب والنفوس الدافئة.
كان يتنهد رنين نبراتها وهي تغني على اوتار نجمة الصباح وهي تبعث بنورها الساطع، الذي ينير كل خلاياي المظلمة وانا استلهم منها الدفء، الحنان والامل.
ناديتها فلم اسمع الا صدا صوتي فغمضت عيني لعلني اتخيلها في الحلم فتحت عيني فلم اراها ولم المح صورتها فقط كان صوتها يرن في آذاني ولكن لم اعرف اين اختفت حينها صرخت بأعلى صوتي حتى استيقظ العالم على صرختي، وفاق الكون من سباته الطويل لقوة صراخي. ولكن خانة لم تسمعني فحملت رأسها بين راحتي يدي فتراء لي وجهها المشرق وكأنها زهرة ربيع نائمة لم يحل الصباح كي تستيقظ من وطئة الليل الطويل وآلام الدهر القاسية. كانت تبتسم وهي نائمة تأملت في عينيها فرأيت فيها الكثير... الكثير...
رأيت فيها الاخلاص, الوفاء، التضحية، الحب، الاخاء، الصداقة، الامان، الدفء، السلام والابتسامة الحقيقية.
رأيت عيناها مرآة تعكس لي حقيقة كل شيء جميل في الحياة وتحيطني بجمال الحرية ومعناها الحقيقي وهي تخاطبني في همس وصمت وتأني.
ها هي الأيام تشهد تلك اللحظات التي غديت فيه فراشة تطير مع الريح، وتتنقل من زهرة لأخرى وأنت تنشرين السلام، المحبة والحب، في كل ارجاء الطبيعة الخلابة والزاهية، تلك الكلمات التي كنت تلفظينها وأنت تقاومين الموت، وتصارعين العدوان والخيانة. وهي تهرع من ساحات الوغى كقطيع الغيوم التي ضربتها الرعد والبرق وشتتها اربا.
ناديتها وقلت لها لم انسى صورة وجهك الهلالي والربيعي الذي كان يشع كالشمس بين سحب الدخان والغيوم. وانت ترسمين لوحة الشهادة بأحرف من دماء وبهواجس لا تعرف الحدود والحواجز. تلك الدقائق مرة كمرور الخيال في الذاكرة وكمرور الأحلام بين ربوع ومضات حية، وهي تنادي القمر، النجوم، الحياة والكون بميعاد سعيد وبداية جديدة تجتمع فيها كل اللحظات والأيام على مسرح التاريخ. لأن التاريخ كالبحر في ذاكرته والحب بمده وجزره يحتضن كل الازمان، الأوطان والثقافات.
من لا يتذكر خانة تلك الزهرة التي تفتحت بين ربوع الشهادة والبطولة، وباتت في صميم قلوب الملايين من الأحباب والأصدقاء، وهي تغني أغنية اللقاء والتسامح والحرية وتغرد كالبابلي في كل الأوقات والأزمان، تاركة أثرا وصدى يدوي بين الأرجاء، لتخاطب الجبال، السفوح وتخاطب الليل، النهار، الحياة والمستقبل بإشراقة الطفولة وبأيمان وعزيمة الثوار والأنصار. عالية كعلو السماء، صافية كصفاء المياه وجميلة كجمال الطبيعة.
خانة الأيام والزمن والكتابة تدونك كشمعة على جدران القلوب وأنت تنيرين دهاليزها المظلمة لتكون نبراسا يهتدى بها طالبي الحرية والجمال.
بماذا أخاطبك بلغة الجبال، أم بلغة الشهادة، أم بلغة المحبة، فكلها لغات الحرية، المحبة، السلام والوفاء وهي اللغة التي ترتقي بنا للسمو والعلو والانتصار.
خانة هاهيا عيناك تتكحل بالشفق والضياء وكأنك تأبين السفر لعالم الخلود والملائكة تاركة عالم النسيان والضياع يركع بين ايديك الطاهرتين ليزوب وينتهي إلى الأبد.
لم أنتهي بعد من سرد كلماتي ألا ودفء روحها ومحبتها ينساب لشراييني وانفاسي، حينها لم يتمالك قلبي نفسه فبكت جفونه دمعا على فراقها ورحيلها. حملتها على كتفي كما احمل جبل من الاحزان، بقدامي التي كانت تتخبط من الالم ولا تعرف الى اين تسير كأنها اعتصمت الحداد لفراقها، وعيناي تبصر في عينيها وحمم الاشواق تتقاذف في خلدي. ودعتني وعانقتني بنظراتها العميقة، بعمق البحار والبريئة كبراءة الطفولة والساكنة كسكون الليل. وهي تسحرني لأفتح عيناي وأرى جمال الحياة، الدنيا والطبيعة من جديد، واتعرف على حقيقة الصداقة والوفاء والفداء، وأقرء اسرار الوجوه والوجود.
وانا اهاجر فراش الاحلام لأسقط على بساط الواقع، وما زالت عيناي تدمع لفراقها المميت.


نجم عبدالله



#نجم_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم لإرادة الشعوب ولا لتسلط الجيش وتحكم الدول
- كل شيء فداء للحرية
- البحث عن المستحيل
- ولد الإنسان ليعيش إنساناً


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجم عبدالله - خيال مجروح