أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كامل السعدون - بحر ايجة















المزيد.....

بحر ايجة


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 304 - 2002 / 11 / 11 - 03:52
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

قصة قصيرة

 

 

فاجأتني زوجة أبي التي ورثت مكان أمي بعد وفاتها المفاجئة المبكرة ونحن لما نزل بعد أطفالا ، والتي لم أراها منذ اثنا

عشر عاما ، فاجأتني إذ تلفنت في الصباح الباكر لتقول قبل الأشواق والتحيات " لقد بعت دجاجاتي ونعجتي الجرباء

الوحيدة وبقايا كتبك الجامعية العتيقة وبذلة عرسك الفاشل بل وحتى شهادتك الجامعية ، ماذا ...أصادقه أنتي يا أمي ، تبيعين أشيائي وأنا التي أرسلت لك ورقة بمائتين قبل برهة وجيزة ، لماذا...؟ ما الذي ألزمك على هذا كله ونحن عائدون لا شك في القريب ، إذا ما مات صاحبنا أو تعوق ابنه الثاني أو غير الأمريكان استراتيجيتهم ، وآمنوا إلى إن

ضرعه قد جف ولن ينتج دما ولا حليبا ، لماذا كل هذا … وماذا سأفعل بدون شهادتي وبطاقة هويتي وكتبي وثياب عرسي التي قد استخدمها في عرس آخر قد لا يكون فاشل مثل ذاك الذي سلف ، ثم من أين لك بالبيض والحليب وقد بعتي دجاجاتك ومعزاك ، على الأقل هذه تساعد حين لا أستطيع أن أرسل لك ورقة كل شهرين او ثلاث … "

انفجرت في ترديد حججي واحتجاجاتي دفعة واحدة ، وبلا فواصل ولا نقاط ، وكأنه شريط مسجل ابتلعته نبضة نبضة عبر زمن الهم الطويل ، وتقيأته دفعة واحدة ، في لحظة المفاجأة التي هزتني بعمق ، فأشيائي أثيرة على نفسي ، تماما مثل النهرين والنخلة واللغة العربية ، هذه قدسيات شخصية لا اسمح ببيعها ، ولا أريد حتى أن امتلكها في غربتي ، لأنها ترتبط بهذا الذي اسمه الوطن والذي لا اسمح باستبداله او أست أجاره او نقله ليعيش معي ، أريد أشيائي تبقى هناك وتعيش هناك وتتنفس وتعاني هناك ، وبذات الآن تستقبلني مثل أمي ، ومثل بعضي إذ يستقبل بعضي… لحظة الإياب .

ليس هذا فقط … " أجابت زوجة أبي بحماس استفزازي وقح لم استطع تحمله ، فهببت مذعورة وانفجرت بها وأنا أتلظى من ألغيض " وماذا بعد ، أخشى أن تكوني قد بعتي…

اخرسي عليك اللعنة ، ما لم أبعه وأنت واخوتك صغارا جياعا بعد أن اعدموا أبوكم ، أبيعه الآن وأنا مطمئنة عليك وعليهم في استراليا وكندا ..

هدأت نفسي قليلا ، اعتذرت بإلحاح ، ومع ذلك ضل ضميري يؤنبني ، حتى بعد إن عاد الصفاء إلى أصواتنا ، وأخذ الحديث التلفوني مجراه المرح المعتاد من نكات مرمزة على طاغيتنا العتيد وأولاده وزوجته الشمطاء ،كما تعودنا دائما .

وبخبث المعدان* البريء تركت مفاجئتها الصاعقة إلى نهاية الحديث …

لقد بعت بيتي أيضا وأنا قادمة لك ، لا أستطيع عيش ما تبقى من العمر لو حدي ، قتلني الشوق لكم …وانتم لا تريدون العودة ، وترفضون تدبير أمر سفري إليكم … أذن علي أن اعتمد على الله ثم على نفسي …

لكن يا أمي أنتي تعلمين إننا ، وان كنا بخير هنا ولله الحمد لكن ما نحن فيه ، قد لا يروق لك ، وستفتقدين الصحبة والأقارب وسيختلف عليك الماء والهواء والجو هنا بارد عندي في السويد ، وأخلاق الناس هنا قد تغيظك ، أما عن اخوتي في استراليا وكندا فأنت تعرفين مسؤولياتهم ، حيث إن زوجاتهم أجنبيات وحياتهم قد لا تسرك …و… " قاطعتني بغضب ، هي ذات الحجج الواهية التي تتحججون بها دوما ، انتم لا تحبونني ، ربما تذكرتم أخيرا إنني لست أمكم الحقيقية ،وإني مجرد …

بكيت بحرقة ، كانت دموعي تنثال كالمطر وكان نشيجي يعلو على صوت غضبها وانفعالاتها الحارة ,…

حسنا يا أمي ، أنا آسفة … إنني فعلا آسفة … إنني والله لم احلم بشيء إلا بالعودة إلى حضنك ، إنني أكاد أموت من الشوق إليك ، ولولا خوفي من أن يبطشوا بي لركبت أول طائرة إلى عمان ، ثم إليك … أنتي لا تعلمين كم هم مرعبين يا أمي وكم هي خسيسة أساليبهم … انتم حتى لا يسمحون لك بالموت الهادئ السريع ، أن سيتي ما فعوه بابي ، الست أنتي ما كان يصور لنا بشاعة القتل البطيء الذي استعملوه معه …

- لهذا لا أريد لأحد منكم أن يأتي ، ولكي أسد عليكم كل باب للعودة ، فإني أريد أن أكون إلى جواركم ، أرعاكم كما كنت ، واخدم أبنائكم ، وانظف بيوتكم وأطهو طعامكم " واستدركت .." هذا إذا رغبتم … إنما يكفيني أن أكون معكم ، وارى نجاحكم وسعادتكم .. " وأجهشت بالبكاء .."

- حسنا يا أمي ، سأتصل بسامي وعدنان ، وسنرى كيف نسفرك إلينا ..س…" قاطعتني بحنق …"

- لن تتصلي بأحد ولا أريد شيء منكم ، إنني لا أستطيع أن انتظر ، إنني أعيش كابوسا لا يكاد يفارقني ، أخشى أن أموت قبل أن أراكم …

- استغفري الله يا أمي ، لازلت بحمد الله بكامل قوتك ، انك حتى لم تصلي الستين بعد ، والأعمار بيد الله .." قاطعتني وهي تنشج "

- لن تقنعيني …بل …أقنعيه إن استطعت

- من يا أمي …. هذا الكابوس الذي يلازمني ، ملك الموت الذي يزورني كل ليلة ، فأهب فزعة مرعوبة ، لا … لا أريد أن أموت دون أن أراكم … لا بد أن آتي بأسرع ما يمكن ، سأسبقه إليكم … سأراكم وأموت في أحضانكم …

اتصلت باخوتي في الحال ..


أمكم تريد أن تأتى ، يجب أن نعمل شيئا لمنعها من التهور ، إنها مصرة … تحركوا بسرعة,..

.وتحركنا بسرعة ، اتصلنا بالأقارب والمعارف ، و"…أمكم غادرت المنزل بعد أن باعته ، لا أحد يعلم أين هي الآن ، لقد رتبت أمورها منذ عدة اشهر واستحصلت على جواز سفر ، وباعت كل شيء ، ولا علم لنا بها الآن …، كانت تتصرف كالمجنونة في الأشهر الأخيرة ، قاطعتنا جميعا…. مسكينة لقد ضمر جسمها وبدا عليها الإعياء ، وكانت تهرول هنا وهناك بين باعة العتيق ، ودائرة الجوازات و… ، و…"

وغابت عنا أخبارها منذ اشهر عديدة ، لا رسالة ولا تلفون ولا …

 

*******

 

قال أحد الناجين من غرق العبارة التركية في بحر ايجه ، أنه لا يستطيع أن ينسى مشهد عجوز في الستين ، كانت تجول هنا وهناك وهي توزع التمر المجفف على النسوة والأطفال المرعوبين ، وكانت تصلي حينا وتزغرد أخرى مشجعة الرجال وشادة لعزيمة النساء . وكانت تردد سنسبقه … سنسبق الموت حتى نصل إلى أحبابنا .

 

*******

 


المعدان : قوم من أهل جنوب العراق ، تميزوا بالشجاعة والجمال وروح الاستقلالية ، وحافظوا على حياة فطرية

في مسطحات مائية كانت غنية بالسمك والطير ، وكانوا ينتجون غذائهم وغذانا من ثروات أرضهم ومائهم الطبيعية التي ورثوها من أسلافهم السومريين في فترة ما قبل الميلاد ، وقد كان المعدان عصيون على التدجين والتبعيث ، وقد برز منهم من برز في كل الميادين .

 

 

أوسلو في العاشر من تموز 2001

 

 



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوابيس سلطانية


المزيد.....




- ترامب عن مهلة الأسبوعين لإيران: الوقت وحده هو الذي سيخبرنا
- خبير عسكري: تحصينات ديمونة قديمة واستهدافه سيطول هذه المناطق ...
- عاجل| وسائل إعلام إيرانية: دوي انفجارات في شرق #طهران ومدينة ...
- ملك البحرين يتلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس المصري
- تعود للقرن الرابع قبل الميلاد.. اكتشاف بقايا -إيمت- المصرية ...
- إسرائيل تعلن إحباط هجوم إيراني على رعاياها في قبرص
- ماذا سيحدث لو دُمرت منشأة -فوردو-؟.. تقرير يكشف النتائج
- إيران تهدد بضرب شحنات المساعدة العسكرية لإسرائيل
- -قصف فوردو-.. إسرائيل تسعى لاستباق هدنة ترامب
- السيسي يؤكد لرئيس إيران موقف مصر من التصعيد الإسرائيلي


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كامل السعدون - بحر ايجة