|
سوريا وروسيا والمتغيرات
جورج حزبون
الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 14:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد لفت انتباه العالم الموقف الروسي لوقف العدوان على سوريا ، بعد ان جمعت اميركا اساطيلها واعدة عدتها لاعادة ممارسة نهجها العدواني لتدمير سوريا ، كما كانت دمرت العراق وافغانستان و قبلها فيتنام و سواها ، و لقد اثار الامر عدة تساؤلات ، ابرزها أننا فعلاً نواجه اعادة اصطفاف عالمي جديد في القرن الحادي و العشرين ، ام انها مرحلة ؟! عرف القرن التاسع عشر كونه قرناً اوروبياً استعمارياً ثم كان القرن العشرين قرناً امريكاً بامتياز ، حيث ورثه الامبرطوريات الاخرى و تربعت كأقوى قوة عسكرية في العالم ، حتى سجلت نجاحها في كسب الحرب الباردة ، و دفعها غرور القوة الى اعلان عن نظام عالمي جديد ذا قطب واحد ، مضافاً الى ذلك ان التاريخ قد انتهى بانتصار الفكر الرأسمالي او النيولبرال ، و العسكري ايضاً مما يتيح لاميركا فرض ارادتها كشرطي عالمي . فكان النهوض الروسي ، متواكباً مع الازمة المالية العالمية المتفاعلة في بلدان الراس مال وقاعدته اميركا ، معبرا عن اعادة خلط الاوراق و اصطفاف جديد في العالم ، لعل عنوانه الان هو اسيا ، فهناك صعوداً للصين و الهند و جنوب كوريا مع حضور متواصل لليابان و دول اخرى و باكستان في الفضاء الاسيوي ، و تمثل تحديا اقتصاديا ً لاميركا المتراجعة مالياً وصاحبة اكبر مديونية عالمية ، مما يجعل اميركا تعيد النظر في نهجها بعد ان بدى واضحاً ان القرن الحالي سيكون اسيويا ، و في هذا التحول تجد روسيا بلداً يتقاطع مع اسيا و اوروبا ، و يمتلك من الفوائض الاقتصادية الكثير ليس النفط و الذهب اقلها ، الى جانب قدرات عسكرية متنامية تغذي طموحتها القومية العئدة للظهور منذ اطلقها بطرس الاكبر ، و هذا ما يجعل لروسيا موقعاً سياسياً مهماً فيما يتعلق بالسياسية الدولية . و ان كانت منطقة الشرق الاوسط عرفت انها موفع نفوذ لاميركا و اوروبا ، و موقع مريح للخيرات المنهوبة منه ، عززت بذلك اهمية اسرائيل ، فان المنطقة الان تقترب من ان تفقد هذه الميزات لدى القوى الاستعمارية، فالاكتشافات النفطية الاخيرة في اميركا والعالم ، مع وجود تقديرات باقتراب الاحتياطي النفطي في المنطقة الى مرحلة النضوب ، يلاحظ مثلاً تراجع اميركا نسبة 40% عن مشتريات النفط الخام ، فان الاهمية المتراجعة للمنطقة اصبحت تقتصر على الموقع الجغرافي كحلقة واصلة بين قارات العالم ، و لاهمية اسرائيل الاستراتيجية فيها تمنع اقمة دولة عربية موحدة ،وهذا يشكل ضمانا لابقاء الحال كما هو عليه ، ربما منطقة استهلاكية جيدة ! و لكنها ايضاً منطقة تموج بالطموحات و الصراعات ، و حضور القوميات طامحة من تركيا الى ايران الى اثيوبيا فان اضعاف القومية العربية ، قاسم مشترك بين الجميع ، و بذلك يكون تقسيمها حلاً مثالياً ، و منذ العراق المرشح الان للانقسام اصبحت ليبيا ثم الهاء او تمزيف مصر ، واخيراً الغاء الشام التي عرفت تاريخياً بسوريا كقاعدة قومية عروبية قبل سلخ الاسكندرون ثم سلخ الاردن و اخيراً فلسطين و اقامة اسرائيل . و مع حدود روسيا فانها تحتاج الى تواصل يحمل المنطقة جسراً بالاقتصاد و السياسية و الطموح ، فالحروب السرية لنقل الطاقة والغاز المسال تجعل مرور انابيب روسيا عبر سوريا و ايران وصولاً الى طرطوس مسألة استراتيجية تستحق الدفاع عنها ومنع العربدة الاميركية فيها ، تلك العربدة التي استعانت بالتعاون مع بعض بلدان المنطقة بحركة الاسلام السياسي ، و الذي حمل ايدلوجيا ماضوية ، ثم تفكك بفعل اغترابه عن الواقع و عدم القدرة على الحضور ، فكان ان اتجه للعنف كوسيلة ارهابية للحضور ، و استخدم لتقسيم العروبة و التي اصبحت سوريا عنوان هزيمتها و معيار تبديدها ، و هنا الموقف هو منع تدمير وطن و هي الفكرة التي يلتقي معها المخلصون لاوطانهم وقيمهم و عروبتهم ، فجاء الموقف الروسي ليقول بضمير هؤلاء لن نركع و ستقام وحدة ديمقراطية عربية . المشكلة التي تواجهها الامة العربية هي غياب الجهة القادرة على الاستفادة من المتغيرات العالمية ، وقد تكون مصر هي الاقدر الا انها مشغولة بما قدر لها من حراك لمجموعات الاخوان المسلمين المتعددة المشارب ، ولقد ادركت السعودية صعوبة او عدم قدرتها على القيام بهذا الدور او موقع الدولة القائدة ، او حتى الدفاع عن الكيانات المرتبطة معها خليجيا في وجه الطموحات الفارسية ، فكان ان تحركت فورا لدعم مصر 30 يونيو ، وجعلت الحركات السلفية تترك تحالفها مع الاخوان ، لتشكل السعودية لذاتها موقفا تفاوضيا امام اميركا التي تعتقد انها خذلتها في عدم ضرب سوريا ، وفتح حوار مع ايران ، في محاولة يائسة للهروب من مسؤوليتها لتدمير الشام واطلاق عناصر الارهاب الاسلاموي ، وعززت خطواتها ( بالحرد ) عن تبوء مقعدها بمجلس الامن ، دون الادراك ان لاميكا اليوم حسابات مختلفة ، وان الجميع يتغير الا حكام القرون الوسطى ، والذين يمتهنون الكهانة السياسية ، ويتحالفون مع شذاذ الافاق لاعاقة حركة الحياة والتاريخ . فالموقف الاميركي كان واقعيا مدركا ما حوله ، والموقف الروسي كان موضوعيا مدركا ما حوله سواء كانت ظروفا او عامة او مرحلية ، وان منع تدمير سوريا سيظل متراس لاعادة بناء فكر جمعي عربي ، وان الاشخاص متغيرون بالضرورة وليس الاسد مالك لسوريا بقدر ما هو ناظر لها قد يسيء ثم يفصل لكن من قبل الطرف الذي اودعه المسؤولية ، فاتركوا الشعوب تقوم بدورها دون عرقلة فهي ادرى بمصالحا .
#جورج_حزبون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطبقة العاملة العربية وتحالفها مع الطبقة الوسطى
-
القومية العربية يجب ان تكون شعار المرحلة
-
عن روسيا والمتغيرات العالمية والاقليمية
-
لمصلحة من تدمر الشام
-
دمشق تحت القصف الامريكي
-
الفكر الثوري والتعدد
-
المفاوضات الفلسطينية والبعد العربي
-
العروبة هي الحل
-
لماذا تتعارض العروبة مع الاسلام
-
القضية الفلسطينية افاقها وسبل حلها
-
الديمقراطية هي الحل للازمة العربية
-
النكبة والسياق التاريخي
-
اي فكر يراد له التمرير
-
ستنجو العروبة وتفشل المشيخيات
-
عاش الاول من ايار
-
ايار والبطالة
-
كيري وزيارات المنطقة
-
البعد القومي في انتفاضات العرب
-
هل تتجه المنطقة الى المجهول
-
مستقبل العلاقة الاردنية الفلسطينية
المزيد.....
-
لافروف يتحدث عن -قنوات الاتصال- بين روسيا والولايات المتحدة
...
-
زلزال بقوة 7 درجات يضرب كاليفورنيا وتحذيرات من تسونامي
-
نابولي في موسم الميلاد: الزوار يتهافتون على تماثيل ترامب وأج
...
-
غوتيريش يتحدث عن فشل جماعي وأردوغان يدعو الأسد لحل سياسي
-
الجيش الروسي يوجه ضربة صاروخية إلى مطار عسكري في كييف
-
هيئة الأركان الأوكرانية: الوضع على الجبهة لا يزال صعبا
-
-حزب الله- العراقي يهاجم الجولاني في بيان حاد
-
طبيب: الإجهاد يسبب أمراض الغدة الدرقية
-
الجامعة العربية تؤجل اجتماعا وزاريا طارئا لبحث الأوضاع في غز
...
-
الرئيس المصري يبدأ جولة أوروبية من الدنمارك
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|