أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد النعاس - من النافذة














المزيد.....

من النافذة


محمد النعاس

الحوار المتمدن-العدد: 4251 - 2013 / 10 / 20 - 22:40
المحور: الادب والفن
    


• أتذكر، في طفولتي الأولى اهتمامي الشديد بما يدور حولي من أشياء، كنت أدقق في تفاصيل التفاصيل وأندهش جداً من كل ما يستطيع التنفس غيري أنا ابن الإنسان، أتذكر أنني ذات صيف قمت بزراعة حديقة صغيرة من الذرة أعلى سطح المنزل، أصعد كل يوم صباحاً لأسقي نباتاتي الصغيرة وأشاهد نموها البطيء، كنت مأخوذاً بقدرتها على النمو داخل الرمل الذي لا يزيد طوله على قدم ونصف، كانت السيقان الخضراء تنمو وينمو الحبور داخل قلبي الأخضر الصغير الملفوف بعناية بيْدي الله، وكنت أجلس بجانبها الساعات أقوم فقط بملاحظتها وهي تنمو والحديث مع أوراقها التي تزداد طولاً، تلك النشوة الطفولية التي تنشأ داخلك.. كنتُ أملكها في عيني وثغري، وذات عشية صعدت للعلية لأجد نباتاتي الصغيرة قد اجتثت، كنت أرى أكواز الذرة التي بدأت في الخروج إلى عالمنا القاسي ملقاة على الأرضية الخرسانية الحارقة، السيقان التي بلغت طولي كانت مقطوعة الأشلاء ومبعثرة تحتي، كنتُ أبكي؛ أبكي بحرقة حتى أنّ دمعي كان يتبخر على الأرضية الساخنة التي كانت تزداد سخونةً، كانت أولى انكساراتي!

• أتذكر أيضاً تلك السلحفاة الصغيرة التي كانت تسرح وتمرح في جنان البيت، كنتُ أسميها " السيدة ملعقة" تيمناً بشخصية السيدة ملعقة الكارتونية، كانت صغيرة إلى حد يتوجب عليْ يومياً أن أبحث عنها منادياً عليها باسمها لأجدها متسللة تحت دولاب السيارة أو بين الخِرَب وداخل أزهار الدفلى أو تلك النباتات الأخرى التي لا أحفظ اسمها، تتقوقع داخل بيتها الجميل كأنها تختبئ منّي، أمسكها وأضعها على راحة يديْ القلقتيْن ثم أقوم بملاطفتها لكيْ تخرج، أسحب بعض الخضار لأستحثها على الخروج، فتخرج رأسها خائفة ومرتجفة ثم أضعها على حافة النافذة حتى لا تستطيع الهروب مني لكنّ أمي أو أختي الكبرى تلفتانها منه ، ذات مرة، وأنا أطعمها عضت إصبعي، بكيت، بكيت بحرقة حتى أنّ دمعي أزهر الدفلى، كانت هذه ثاني انكساراتي!

• ثالث هذه الانكسارات، كانت مع حيوان آخر، مجموعة من الأرانب اللطيفة بيضاء اللون تحصلنا عليها وأخي هدية من أحد أصدقاء والدي، كنتُ أتحرق شوقاً كل يوم للذهاب للمزرعة فقط لأطعمها البرسيم الذي أقوم بنزعه بالمنجل حيث أقطعها من منتصف الساق لأخلف غضب والدي خلفي، كانت أربعة من الأرانب ألقي البرسيم لأشاهدها تأكل وأمسك بأحدها لأضعه على فخذيْ المرتجفيْن وأمرر يدي على وبره الذي كان يبعث في بعض اللذة الخفية – ذلك النوع من اللذة الجنسية الذي يتأتى لك وأنت بين المراهقة والطفولة- ثم أضعه، وذات صباح صحوت باكراً لأصحب والدي إلى المزرعة، كان أول شيء أفكر فيه هو أرانبي اللطيفة التي وجدتها جثثاً متعفنة ولم يتبقى منها إلا واحد، كان في زاوية وحيداً عليه مسحة من الحزن يحاول أن يأكل ما تبقى من البرسيم، لم أعرف سبب موتها ولكني أتذكر أنني بكيت، بكيت حتى أنّ لذة خفية انبعثت مع دموعي.

• هناك انكسارات أخرى، مع عصفور دوري، مع مجموعة من الحمامات، انكسار حارق مع ألعاب الطفولة، وانكسار آخر انبعث من فرار جرو لي أهداه صديق أبي لي، انكسار عندما ثُقبت كرتي الأولى وعندما تحطمت دراجتي الأولى، وانكسار لا يُحتمَل عندما كنتُ أرى تلك الفتاة الصغيرة تلعب مع غيري من الأولاد دوني... انكسارات لا تحصى لكنها قد تبدو لذيذة.

• الله ما أجمل انكسارات الطفولة!



#محمد_النعاس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤامرة مفضوحة!
- الحياة من وجهة نظر بيضة


المزيد.....




- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...
- مصر.. إحالة بدرية طلبة إلى -مجلس تأديب- بقرار من نقابة المهن ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد النعاس - من النافذة