أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد العثماني - ما بعد الحداثة أم ما بعد الحقيقة !















المزيد.....

ما بعد الحداثة أم ما بعد الحقيقة !


سعيد العثماني

الحوار المتمدن-العدد: 4240 - 2013 / 10 / 9 - 21:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


على كل من يعبر من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين، أن يلتفت لظاهرة غريبة تماما، وهي ظاهرة ما بعد الحداثة. غريبة عن سابقتها المعروفة بالحداثة. ولن يستقيم الكلام ولا يصح أن يقال بأن ما بعد الحداثة ليس إلا امتداد للحداثة، وفي أحسن الأحوال نزعة إصلاحية تحاول تقويم بعض ما سقطت فيه الحداثة من انحرافات. على من يدافع عن هذا الطرح أن يكون مستعدا للدفاع عن الحقيقة من الوجوه الاستعارية والمجازية والتأويل اللامتناهي الذي كشفه نتشه، وأن يكون قادرا على استبعاد الملمح الرمزي التركيبي الخفي للحقيقة الذي قال به فرويد، وأن يدحض الوجه السلطوي للحقيقة الذي أبرزه فوكو، على وعلى…، والقائمة تطول من نتشه إلى ديريدا.
لذا سيكون مقالنا، فتحا لحوار مع بعض المرتكزات العامة لما بعد الحداثة، بغير تقيد بمرجعية محددة، في أفق الوصول أخيرا إلى نتيجة أن ما بعد الحداثة هي الطريق الملكية نحو مابعد الحقيقة.
ليس هناك بعد الحداثة، بغير احتفاء باللغة، إنها احتفاء واحتفال باللغة والعلامات. ومعنى ذلك تجاوز خطاب مبني على فكرة الذات المتمثلة والواقع المتمثل. وهي تجاوز التاريخ والتعاقب والزمنية والارتماء في أحضان اللغة والبنية والتزامن.
إن العودة إلى اللغة، هو عودة إلى المكتوب والأثر والنص، وإعطاء الأولوية لدينامية العلامات، على حساب ثنائية كلاسكية، ذات-نص، دال- مدلول...
يعتبر نتشه وبعده سوسير رائدا ما بعد الحداثة بلا منازع، هذا الأخير ورط أجيالا متعاقبة في فتنة اللغة. النص ليس مجرد فسحة لانفعالات المدلول، بل إن الأمر يمر عبر تفاعلية تتغير سلطتها عبر لعبة تبادل الأدوار، ومنه تبادل القوى. إن الأمر يتعلق ببنية معقدة ذات ثلاث ركائز متشاكلة، مدلول – دال – لغة. ولا يحق، بل من المستحيل تحديد أسبقية هذه الركائز بعضها على بعض، فالوجود هو وجود علائقي تزامني.
إن الذي كان يوجه نظام فكر الحداثة هو نظام بنية المدلول، بنية ثابتة، منتظمة تهوى الاستقرار والوضع النهائي، لكن البحث اللغوي داخل بنية الأثر يكشف استقلالية الدال وسلطته، وأن الأمر لا يتعلق بالثبات بقدر ما يتعلق بولادة مستمرة وبحركة مستأنفة تخشى الانتهاء. فالانتقال هذا، يعني نقدا جدريا وردة فكرية عن الحداثة، ردة على الذات والهوية والعلية...، ونقد العلية معناه نقد الانتظام والسبق والمركز، هذه الأخيرة زعزعها سوسير، عبر زعزعة حتمية العلاقة بين الدال والمدلول، معترفا بوجود ثغرة أو هيمنة وسلطة وعلاقة توجيه وتحكم خارج تلك الثنائية الكلاسكية.
وتدخل الدراسات اللغوية، على الخط يعني شيئا كثيرا، بل يعني كل شيء، حيث كانت الفلسفة تتحرك بين المثالية والمادية، بين الذاتي والموضوعي، الواقع والتمثل، لكن مابعد الحداثة يشك في الواقع الموضوعي، ويرتاب من التمثل، إذ لا نمثل شيئا، وأقصى ما يمكن أن نفعله هو أن نصنع اللغة، أن نتصنعها، أو نكون ضحية لسلطة صيغها ومنطقها الخاص.
لغة الحداثة تنتمي إلى المنظومة الوسائلية، فهي أداة تواصل تميل نحو الشفافية، وكلما تخلصت من سلطة الغموض والالتباس والاستعارات والمجازات والاحاءات، كلما صعدنا عبر مدارج اللغوس نحو الحقيقة. لذا كان هناك واقع بمعزل عن اللغة، كان الفرد بمعزل عن اللغة، كان المجتمع بمعزل عن اللغة، كانت القيم بمعزل عن اللغة، أي أنهم جميعا كانوا قبل اللغة، ففي البداية كان الإنسان وكانت سلطة الذات هي المركز. لذلك كانت الحداثة فلسفة للمركز وفي المركز، ومنه فهي فلسفة في الهيمنة، وسؤال الهيمنة هو سؤال المفاضلة. فالمركز هو السلطة والهيمنة ومنه هو المعيار، يستبعد الهوامش ويستبد بالقلعة.
لكن، مابعد الحداثة هو قدر التشكيك في المركزية والحضور، أي التشكيك في الهيمنة والمفاضلة كما تفهمهما الحداثة. ليس هناك مركز، ومنه يبدو من العبث التساؤل حول الهوية، لأن كل ما هناك هو اختلاف وتناقض، والحقيقة تتوزع عبر علاقات اختلاف، حيث تتولد من تبادل الأدوار جراء جدل هذه العلائق.
إذا كانت الحداثة تشيد بالعمل الذهني، عبر ربط الحقيقة باللغوس، فإن ما بعد الحداثة تهيم بالنصي وتغرم به. وإذا كانت الحداثة تقول أن في البداية كانت "الذات" فما بعد الحداثة ترى أن البداية كانت للنص والرمز والعلامة. فنحن دوما أمام نصوص، والنص نتيجة لفاعلية ذاتية متجددة. داخلية عبر انفتاح مكوناته وقابلية عناصره للتفكك والتجديد. فالنص دوما يمكن أن يصوغ خلطة جديدة تفرز عناصر جديدة، قابل لأن تتخذ عناصره أشكالا أخرى لا متناهية، إن النصوص تخشى السكون والإستقرار. وخارجية من حيث أن النص نتاج لعوامل متشابكة، فالنص نتيجة للنصوص المقروءة وغير المقروءة (التناص).
إن خطاب الحداثة لا ينفك عن المنهج، ومنه فهو خطاب الوضوح والتمايز والشفافية، أما ما بعد الحداثة فهي تهوى التداخل والتشابك والتفاعل بين العناصر الجزئية. وهذا يعني من ضمن ما يعنيه التقليل، بل السخرية أحيانا، من دعوى الفلسفة الشاملة والكلية، وذلك هو المستنقع الذي تصبته ما بعد الحداثة للحداثة عبر منحذر اللغة.
إذا كانت الحداثة خطاب في المنهج، وهي كذلك، فإن ما بعد الحداثة خطاب في اللغة. وكانت المعرفة تمثلا، لموضوع شفاف وحاضر في الأمام، وفجأة خطر الريب في كل ذلك، وتعرض التمثل والوضوح والموضوع والشفافية للتجريح. لم نعد نخضع لرحمة الذات والدال والموضوع...، بل نحن أمام متوالية من الدوال، لا المدلولات.
ما بعد الحداثة هي ظاهرة فكرية ارتبطت بجملة من الانعطافات والانعراجات، كالانتقال من المدلول إلى الدال، من المعنى إلى العلامة، من العقل إلى الرغبة، من المنطق إلى التأثير، من الحقيقة إلى السلطة...،هذه التحولات أدت إلى رفض النظرية، وفكرة المذهبية، وفكرة الأصل والمبدأ الواحد الأوحد.
ومأساوية ما بعد الحداثة هي رفض الواقع تماما، أو على الأقل التشكيك في وضوحه، وإخضاعه لنسيج ثلاثي، دال، مدلول، لغة. هذا النسيج لا يخضع للتراتبية الحتمية، ولا للسبق العلي، لأنها تزامنية، ليس هناك أسبقية أزلية مؤبدة لأحد العناصر على غيره.
وبالتالي ليس هناك نقطة بدء، البداية مجرد افتراض، فكل بداية قبلها بداية ، وليس هناك نهاية، فكل نهاية بعدها نهاية !
لا توجد إذن حقيقة عارية من اللغة، ولا توجد لغة معصومة من الانحراف. الحقيقة بلاغة واستعارة ومجاز وكناية. الحقيقة هي مجرد عرف، والبلاغة صوت الإثارة. وكل برهنة أو تفسير ليس من أجل الحقيقة، بل خدمة في البلاغة، والنتيجة ليس هناك فلسفة، أي حقيقية وحتى وإن وجدت، فهي شكل من أشكال البلاغة.
ما كانت هذه المواقف إلا أن تسقط الحقيقة من عرشها المتعالي، وتزج بها في علاقات سلطوية محمية بالبلاغة والإثارة. ليست هناك حقيقة للحفظ والتذكر والترديد والتكرار، ليس هناك مادة للحقيقة، بل هناك شكل الحقيقة وفقط. الحقيقة كقطعة نقد ليست جوهرا، بل خاضعة لشروط وتحولات السوق !
ما بعد الحداثة لا يعترف بالحقيقة إلا كموقف قوة داخل موقف التاريخ. تم إنزالها من المعنى إلى القوة والسلطة. والسلطة لا يمكن تمثلها في الأفكار، لان منطقها ينحو إلى التواري والاحتجاب والاختفاء، ومنه فالحقيقة-سلطة يتم تمثلها عبر البراكسيس، أو البلاغة والتأثير. ولما كانت الحقيقة سلطة، وكانت السلطة قوة، وكانت القوة تحضر في علاقات لا في معطيات، فإن كل الخطابات بما فيها الخطاب الفلسفي شكل من أشكال الممارسة السلطوية عبر البلاغة، والبلاغة أو اللغة عامة هي الناقلة للسلطة وهي المنتجة لها والحافظة عليها، وبالتالي فكل بحث عن الحقيقة لا بد أن يكون شكلا من أشكال فنون الحرب



#سعيد_العثماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مازق الانتقال من الواقعي الى الاتراضي


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد العثماني - ما بعد الحداثة أم ما بعد الحقيقة !