|
الحركات الإصلاحية في المدارس القرآنية في أواخرالقرن 18 وبداية القرن 19: جامع الزيتونة التونسي نموذجا
كريمة بوزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 4235 - 2013 / 10 / 4 - 00:13
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الجزء الاول: الإصلاح من الخارج دوافعه وآفاقه
نهضت المساجد و الجوامع منذ تأسيسها بكثير من الأدوار في المجتمع. ففي هذه الفضاءات المقدسة كانت تقام الخطب لتأكّد علاقة الطاعة و الخنوع بين الانسان و ربه، تعقد الإجتماعات لعرض أو فض المسائل الإجتماعية العالقة وفي ذلك تأسيس لعلاقة الانسان بالانسان بما شرع الله، وهناك تؤسس لملامح المجتمع القادم بقيامها بدور التعليم و التثقيف أيضا، وبين هذا وذاك تؤسس لنوع من العقلية و الذهنية الإجتماعية التي من خلالها يمكن السّيطرة على أهم مكونات المجتمع. جامع الزّيتونة ، الواقع في تونس، وككل الجوامع لم يشذ عن هذه القاعدة. فقد قام منذ تشييده لا بالوظيفة التعبدّية فقط بل نهض أيضا بالوظيفة التعليمية. فقد كان قبلة لطلاّب العلم من المغرب والمشرق ممن تيسّر لهم ذلك. ولقد تخرّج منه شيوخ ومفكرون أصبحوا علامة فارقة في الفكر الإسلامي و العالمي من قبيل الإمام سحنون و الشيخ بن عرفة و المؤرخ ابن خلدون. ولعل هذا الجمع لجامع الزيتونة بين الوظيفيتن الدّينية والتعليمية مكّنه من تمثيل مركز ثقل في الحياة العامة وصارمحط أنظار الجميع، وأيضا بؤرة صراع وتجاذبات بين كثيرمن الأطراف والقوى المتباينة المصالح .إذ السيطرة على هذا الجامع هو بمثابة السيطرة على المجتمع. المقال هورصد للمشهد الإصلاحي في جامع الزيتونة كجامعة للعلم والمعرفة في فترة الإحتلال الفرنسي المباشر من سنة 1881 الى حدود فجر الاستقلال ورصد للقوى الرافضة والدافعة لرياح التغييرفيه، وأيضا نتائج إجراءات الإصلاح التي أُحدثت فيه بعد استقلال البلد.
الوضع العام للتدريس في جامع الزيتونة كرّس التعليم الزيتوني في القرن التاسع عشر منهجا تعليما تقليديا بامتياز وهي حال جميع الجوامع في العالم الاسلامي آنذاك. إذ هو ، وكما أكّد شيخ الزيتونة نفسه محمد الطاهر بن عاشور(18879-1972) ، يعتمد على التلقين والحفظ و الإتباع لا الشرح والتأويل والإبتداع، إلى جانب أنه كان يعتمد في عملية التدريس على كتب ومراجع قديمة جدا لا تقدم إفادة للطالب. حتى أن بعض الطلبة وبعد التخرّج و كما بين بن عاشور في كتابه " أليس الصّبح بقريب" غير قادرة حتى على صياغة رسالة بما أن المنهج كان يعتمد على التحفيظ و قوة الذاكرة أساسا لاعلى الإستيعاب والتحليل والنقد. أما المواد المدروسة فكانت كلها تهتم بالمقدس وتحديدا بالفكر الديني الاسلامي مثل التوحيد والتفسير وأصول الفقه. أما المواد الأخرى التي تُعنى بما هو دنيوي أوعلمي مثل الإنسانيات والفيزياء والرياضيات فلا مكان لها في التعليم الزيتوني بكالمه.
أما ظروف التدريس فحدث ولا حرج. فرغم تلازم الوظيفة الدينية و التعليمية في هذا الفضاء، لم تُخصّص غرف للتدريس ولا حواجز بين الطلاّب والمصلّين بل كان كل شيخ يأخذ ركنا من الجامع ويحلّق حوله جمع من الطلبة الراغبين في أخذ هذه المادة أو تلك، بحيث يصعب على الطلبة التركيز وكثيرا ما كانت الدروس تُنقطع بسبب دخول المصلين او بسبب خروجهم.(1) بالنسبة للمدرسين فهم منقسمون الى قسمين: قسم يتقاضى جراية قارة من بيت المال أو من جمعيات الأوقاف. وهم موزعون بالتناصف بين المذهب الحنفي مذهب الدولة العثمانية و المذهب المالكي. والقسم الآخريتكون من متطوعيين أختيروا من الطلبة النجباء الذين درسوا في الجامع وهم لا يتقاضون جراية قارة وعادة ما كان اختيارهم يخضع لاعتبارات غير علمية. حُصرعدد الطلبة في جامعة الزيتونة سنة 1899 نحو 901 طالب وهم موزعون كالآتي: من تونس العاصمة 194 من السّاحل 152 و من الوطن القبلي 134 من جربة 18 أما البقية فهم موزعون على كافة مناطق تونس. (2) (ص159). يلتحق بالجامع أساسا الطلبة المتميزون ويمكن تصنيفهم أيضا الى صنفين: صنف مبجل وهو ينحدر من عائلات مسيورة من أبناء التجّار أو العاملين في الدواوين والقضاة، أما الصنف الثاني فكان ينحدر أساسا من وسط فقير، وهم على عكس الصنف الأول لا يحق لهم الإلتحاق بالدّراسة في الجامع والتّمتع بالإعفاء من الخدمة العسكرية إلا بعد القيام بعدة إختبارات.
ما يجدر الإشارة اليه هو أن الإدارة يسهرعليها ما سُموا ب" العلماء" هم المتحكمون في قرارات جامع الزيتونة، وهم ينحدرون من عائلات أورستقراطية او إقطاعية غنية متنفذة ممن ورثوا العمل بالجامع، أوهم رجالات الفكرو الثقافة الذين يحتكرون "العلم المقدس" أب عن جد أو علماء أو شيوخ الطرق الصوفية التي لها مرديها في كافة البلاد وبتالي لها تأثير كبير على عامة الشعب. إزاء هذا المشهد العام ندرك للوهلة الأولى أن جامع الزيتونة لا يسيّر نفسه بنفسه بل هو مرتبط عمليا و عضويا بقوى خارجة عنه متنفذة في البلاد. ويمكن الإقرار أيضا أنه رغم إدعاء أن الجامع كان قبلة لكل التونسيين في الدراسة و تحصيل العلم إلا أنه بقي حصنا حصينا تحت إمراة العائلات المسيورة والمتنفذة الذين يحاولون أن يضيقوا الخناق على الطلبة الذين أُطلق عليهم إسم "الآفاقيين" وهم أولائك الطلبة القادمون من المناطق الداخلية والفقيرة الذين استطاعوا التسرّب أو بتعبير منتتي "الإنزلاق" داخل الجامعة رغم كل العراقيل (3). وهم عادة يعشون ظروفا قاسية يسكنون الزوايا أوالحمامات المحاذية لجامع الزيتونة ويعيشون من الصدقات التي كانت تقدم إليهم أو مقابل أعمال بسيطة كانوا يقومون بها لسكّان الحاضرة و غالبا ما كانوا ينقطعون عن الدراسة لعدم تمكنهم من التوفيق بين الدراسة والعمل.(4)
فرنسا بين الدّاعية للإصلاح و المُنقلبة عليه إنتبهت فرنسا الى الدور الذي يلعبه التعليم عامة و التعليم الزيتوني خاصة في تشكيل عقلية الفرد التونسي ومن ثمة رؤيته للعالم والوجود لذلك أرادت التدخل بطريقة ليّنة وذكية لرسم صورة العلاقة بين تونس كمستعمَرة و فرنسا كمستعمِرة في المدى المتوسط و الطويل بحيث تغزو العقلية التونسية تعليميا و ثقافيا. وهي سياسة لينة بالمقارنة مع سياسة العنف التي إنتهجتها في الجزائر. وسعيا منها إلى محاولة تشكيل وعي الأجيال القادمة كما تريده بحيث تستبدل الثقافة التقليدية الحالية بأخرى حديثة ذات رؤية إستعمارية قصد دمج التونسي في النسيج الثقافي الفرنسي العام، حتى تصبح الأجيال القادمة جنود إحتياط ستتصدى هي نفسها لأي مقاومة ضد فرنسا إن وُجدت مستقبلا.(5) لهذا الغرض و في سنة1883 إستُصدر مرسوم يقضي بتنصيب لويس ماشوال* الذي عمل خطة متفقد تعليم في الجزائر.(1) وهذا يعني أنه لن يكون مسؤولا على التعليم العمومي فحسب و لكن أيضا على التعليم الزيتوني ككل بما في ذلك التعليم في جامعة جامع الزيتونة نفسه. تجنّب ماشوال في الأول الصدام مع شيوخ الزيتونة وإتخذ سياسة التّأني والمراحل وأظهر إحتراما لسياسة التعليم الزيتوني وعادات وتقاليد و معتقدات المجتمع التونسي وتجنّب المواجهة المباشرة. وأول ما فعله هوإحداث مدارس عمومية في كامل البلاد التونسية للتعليم. هي مدارس فرنكو-عربية حيث كانت أغلب المواد تدرس باللغة الفرنسية و تقدم المواد العلمية بطريقة بيداغوجية تخالف عما هو موجود في الزوايا والكتاتيب.وشجع أبناء التونسسين على التعلّم فيها جنبا الى جنب مع أبناء المعمّرين . وقد خص أبناء المعمرين تعليم اللهجة التونسية وأبقى اللغة العربية الفصحى و القرآن لأبناء التونسيين. وبعد مجيئه بتسعة أشهر فقط، أنشأ العديد من المدارس العمومية في كل البلاد التونسية.
في الأوّل جلب ماشوال لهذا الغرض معلمين فرنسيين. وبعدها وفي سنة 1884 وبمقتضى مرسوم من الباي، أحدث مدرسة عليا (المدرسة العَلَوِيّة) لتخريج المعلّمين الفرنسيين والتونسيين للتدريس اللغة الفرنسية و المواد العلمية. وافتتح إلى جانب ذلك "المدرسة التأديبية" لتأهيل معلّمين باللغة العربية للمتخرجين من جامع الزيتونة الذين يرغبون في العمل كمدرسين في المدارس العمومية. و هذا العمل مكّنه من غرضين: الأول هو تشريك التونسيين أنفسهم في النهوض بالإصلاح التعليمي و لم لا الوقوف ضد المحافضين الرافضين للإصلاح، وثانيا إعطاء مشروعية للمدارس التي أحدثها حتى يشجع التونسين الذين أحجموا في البداية على السّماح لابنائهم للحاق بهذه المدارس. (2) إن إحداث المدرسة العلوية كانت بالنسبة لمشوال و من ورائه فرنسا تدشينا لتجربة الإستعمار الثقافي الهادئ خلافا لسياسة العنف التي مارستها في الجارة الجزائر. إذ هو يروم دمج الشعب التونسي أو بالأحرى نخبته المثقفة في المجتمع التونسي عبر تشريبه الثقافة الفرنسية.
إلى جانب ذلك شجعت فرنسا نخبة من المثقفين التونسيين الذين كانوا متأثرين بالحركة الإصلاحية في مصرالتي كان يمثلها محمد عبده (1849-1905) على تـأسيس الجمعية الخلدونية - سيقع التطرق اليها لاحقا-. وقد وقع سن مرسوم للاعتراف بشهائد الجمعية الخلدونية في الإدارات التونسية حتى يقع التشجيع على الدراسة فيها. وبمقتضى هذا المشهد الإصلاحي أصبح في تونس و لأول مرة في تاريخها منذ 1881 نوعان من التعليم: تعليم تقليدي مازال يشق طريقه بمناهج تقليدية وبرنامج لا يستجيب لمطلبات العصرو هو ما نجده في الزوايا و الجوامع، وآخر حديث يعتمد طرق بيداغوجية ومناهج ومواد حديثة بلسان جديد ورؤية جديدة.(6) فمشوال لم يلغي التعليم التقليدي ولم يرفضه و لكن حاول محاصرته أولا في المناطق الداخلية للبلاد و كان يأجّل المواجهة مع التعليم الزيتوني في عقر جامع الزيتونة الى حدود سنة 1898 مشروع مشوال الإصلاحي لجامع الزيتونة و موقف العلماء والشيوخ منه حاول ماشوال منذ أن أُستُقدم الى تونس أن يكوّن علاقات صداقة مع شيوخ الزيتونة و النخبة الدّينية و السياسيّة مثل القضاة وعلماء الدين والأيمة ويتجنب المواجهة المباشرة. وحاول أن يبث أفكاره حول الإصلاح التعليمي هنا وهناك. فوجد في بعض الشخصيات المنفتحة على العلوم الحديثة والتي لها نفس إصلاحي ومتأثرة بالطريقة التعليم التي كانت موجودة قبلا في الصّادقية*. وبعد أن نشر التعليم العمومي في كامل البلاد حاول أن يدخل بعض الإصلاحات داخل جامع الزيتونة نفسه. فدعا الى إنشاء لجنة تبحث في سبل الإصلاح داخل الجامع. تكونت اللجنة بمقتضى مرسوم من الباي سنة 1889 . وكانت متكوّنة من شخصيات متنفّذة نذكر منها الشيخ محمد عبد العزيز أبو عتور(وزير أول) الشيخ محمد بيرم (شيخ الاسلام) أحمد الشريف باشا ( مفتي حنفي) ولويس مشوال والمقيم العام الفرنسي و قضاة من المذهب الحنفي و المالكي.(1)( ص 121 وما يلي)
قدم ماشوال مشروعه الإصلاحي أمام اللجنة مبرزا مساوئ و نقائص التعليم الزيتوني . ومن أبرز النقاط التي أثارها هي كيف لطلبة مختلفة الأعمار والمستويات أن تتلقى العلم في نفس الفضاء؟ لم لا يقع إختصار التعليم في الجامع على التعليم العالي؟ لم لا يقع إحداث تخصص، بحيث يتمكن كل طالب من إختيار التخصص الذي يريده حسب نوعية العمل الذي ينوي القيام به فيما بعد؟ و دعا إلى ضرورة تخصيص كتب مدرسية خاصة لكل مرحلة من التعليم حتى لا يقع إثقال وحشر المواد بكثرة دون إفادة للطالب تذكر. وشجّع على إدراج التخصص بالنسبة للمدرسين على أن يكون ذلك في مادة أو مادتين لا غير. (1 ) (ص 124) هذه النقاط و غيرها كثير تطرق اليها المشروع الماشوالي.و في نهاية حديثه حث الجمع على ضرورة الأخذ بأسباب التعليم الحديث منهجا ومادة إذا أُريد للشعب التونسي أن يصل إلى مصاف الأمم الاوروبية المتحضرة. وتساءل "عن الجدوى التي سيتحصل عليها طالب العلم في هذا العالم من وراء الحفظ والتلقين الآلي للكتاب المقدس؟ لا شئ على الإطلاق". (7) (ص 171).
كانت هذه الكلمات الأخيرة لمشوال كافية أن يثور المحافظون ضد مشروعه الإصلاحي. رأوا فيه لا فقط يهدد اللغة العربية و لكن أيضا الدين الإسلامي بشكل عام. إذ أشادوا بالدور التاريخي الذي قامت به جامعة جامع الزيتونة و لا تزال في المجال العلمي وفي حفض الهوية العربية الإسلامية في تونس وفي العالم الاسلامي في المشرق و المغرب ولا تحتاج مناهجها وموادها إلى أيّ تنقيح أوتحديث . كان المشروع الإصلاحي في أعين المحافظين، بالنسبة لهم ظاهريا، يهدد جامع الزيتونة الذي كان يلعب دورا رئيسا في المحافظة على وحدة المجتمع التونسي، لكن في الواقع كان المشروع يهدد بما لا يدع للشك مواقعهم كشيوخ وعلماء وكعائلات متنفذة في المجتمع التونسي. إذ كانوا يتخذون من جامع الزيتونة البوابة التي من خلالها يمارسون قوتهم و نفوذهم على المجتمع ، لذلك كان يجب الإستماتة في الدفاع على لإبقائه على حاله بكل الطرق وبكل الوسائل. لم يكن موقف المحافظين مقتصرا عند هذا الحد بل رفعوا شكاية ضد ماشوال و أيضا ضد المقيم العام ريني ملّي الذي أيد ماشوال في مشروعه الاصلاحي، إلى وزير الخارجية الفرنسي. و إرضاءا لهم وخوفا من المقاومة الشعبية التي قد تحدث في تونس ضد فرنسا، وقع إعفاءهما من العمل في تونس. خاصة بعد الحملة الإعلامية التي قامت ضد مشوال و مشروعه الاصلاحي في فرنسا ناقدة بشدة موقفه وتشجيعه على تعليم التونسيين جنبا الى جنب مع أبناء المعمرين في تونس منبّهة - وكما جاء في صحيفة "تونس الفرنسية"- إنه "كلما تعلّم السّكان المحليون أكثر كلما إزدادوا في كرهنا". (8) غيرت فرنسا موقفها من الإصلاح التعليمي وغيرت أيضا حلفاءها. إذ بعد أن كانت تدعم الأصوات الحداثية الدّاعية للإصلاح مثل بن عاشور. أصبح المحافظون الأنسب في نظرها طالما أنهم سيحافظون على ولائهم لفرنسا وتضمن عدم تحفيز الشعب لمقاومتها. و أصبحت ترى أن الإبقاء على العقلية التقليدية المتقوقعة على ذاتها أيسر لإحكام القبضة على الشعب طالما أنه سيبقى تحت تأثير وإمرة شيوخ الطريقة والعلماء و العائلات المالكة التي كانت متمسكة بإبقاء التعليم على ما هو عليه.و لكنها اختارت طريقة اخرى للقضاء على اللغة والثقافة العربية بمحاصرتها عبر تشجيع و تعميم التعليم العمومي.
نتائج الجزء الأول
ما يمكن استنتاجه إستنادا إلى ما سبق عرضه هو أن المشروع الإصلاحي المشوالي الذي قدمته فرنسا رغم أهميته بقي محاولة من قوة خارجة عن الفضاء الجامعي الزيتوني ولم يكن حركة واعية منبثقة من وعي ذاتي.وهو ما يجعل إمكانية تحققه صعب إن لم نقل مستحيل، خاصة حينما يكون الدّاعي إلى هذا الإصلاح قوى إستعمارية تريد إرتهان الجامع لمصلحتها على المدى المتوسط والبعيد. ولعل هذه الفكرة ما تفسر لنا السرعة في التراجع عن هذا المشروع المزمع تنفيذه. إذ أن الهدف لم يكن الإصلاح في حد ذاته بقدر ما كان تطويع التعليم ومن ورائه العقلية التونسية لأهداف إستعمارية. ولقد تنبهت فرنسا إلى هذه الصعوبة فنهجت نهجا آخر للسيطرة على جامع الزيتونة عبر تهميشه و إضعاف دوره كما سنرى لاحقا.
شيوخ وعلماء الزيتونة المحافظون الذين رفضوا جملة وتفصيلا أي إصلاح يمكن أن يحدث في الجامع هم من العائلات المتنفذة في المجتمع التونسي وجدوا في الإصلاح التعليمي تهديدا صريحا لمواقعهم اللإجتماعية والإقتصادية لذلك هبوا صفا واحدا ضد هذا المشروع . إن اللقاء أو التوافق بين المستعمِر والطبقة الاقطاعية وشيوخ الدّين حول إبقاء وضع التعليم الزيتوني على ما هو عليه هو في الحقيقة لقاء في المصالح والأهداف. في حين إنحصرت الدعوات المنادية بضرورة الإصلاح في بعض الأصوات ولم تشكل بعد قوة ضغط مهمة يمكنها فرض نفسها في ذلك الإتجاه. و لكن رغم فشل مشروع مشوال الإصلاحي إلا أنه فتح الأعين و الأذهان على مساوئ التعليم الزيتوني و قصوره على الإلمام بالمناهج الحديثة. ولهذا وعلى غرار المدارس العمومية التي كونها ماشوال أُحدثت مدارس قرآنية العصرية التي سيكون لها تاثير على المستوى البعيد في فرض رؤيتها في الاصلاح. إذ منذ سنة 1908، افتُتحت إلى جانب الكتاتيب مدارس قرآنية عصرية بتمويل من جمعية الاوقاف ومن تبرعات العائلات الغنية. هدفها المحافظة على اللغة العربية وأيضا الأخذ بأسباب ومناهج التعليم الحديث. بمعنى أن هذه المدارس كانت شبيهة بالمدارس الفرنسية و لكن مع التركيز أكثر على اللغة العربية الفصحى والقرآن. هذه المدارس سرعان ما إنتشرت في كل المناطق. وإلتحق بها كثير من طالبي العلم من ذوي الأوساط المتوسطة و الفقيرة و التي سيكون لها تأثير على المسيرة الإصلاحية فيما بعد.
ايضاءات *لويس ماشوال هو فرنسي ولد في الجزائر تلقى تعليما مزدوجا: فرنسيا في مدارس فرنسية و عربيا في الكتاتيب. تولّى خطة متفقد عام في الجزائر. عُين في تونس مديرا عاما للتعليم العمومي من سنة 1883 الى 1908
مراجع الجزء الأول حسب ورودها في النص:
- (1) محمد الطاهر بن عاشور في كتابه أليس الصبح بقريب: التعليم العربي الإسلامي دراسة تاريخية وآراء إصلاحيّة. القاهرة: دار السلام للطباعة و النشر،2006. -(2) Machuel, Louis: L’enseigment public en Tunisie (1813-1900). Tunis : Imprimerie Rapide, 1900. -(3) Montety, Henry: Révolution moderniste à L’Université ez Zitouna.- In : L’Afrique et L’Asie, Nr. 13(1er Trimestre 1951).
-(4) Callens, Michel: Conditions de vie matérielles et sociales de la jeunesse étudiantes. In IBLA. Revue de l’institut des Belles Lettres, Bd.19 (1956). -(5) Sraib, Noureddine : Le Collège Sadiki de Tunis : 1875-1956. Enseignement et nationalisme : Paris : CNRS, 1995. -(6) Abdel Moula, Mahmoud: L’Université zaytounienne et la Société Tunisienne. Thèse de Doctorat de 3eme Cycle en Sociologie. Tunis : o.V, 1971. -(7) Ayachi, Mokhtar: Le projet-Machuel de L’Université musulmane de Tunisie et ses incidences: 1883-1910. In : Les Cahiers de Tunisie, Nr: 135-136(Fevrier1996). -(8) Tunisie française, 17 avril juillet 1897.
#كريمة_بوزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإتحاد العام التونسي للشّغل ووهم دور التوازنات.
-
طارق رمضان و فقه الأقليّات: تحديث الإسلام أم أسلمة الحداثة؟
-
هل كانت تلك آخر الليالي؟
-
حلم ما
-
الاسلاميون و حقيقة الدولة الدينية: او في نفي - الدولة التيوق
...
-
نافذة على كتاب: الدولة في الفكر الاسلامي المعاصر لكاتبه عبد
...
-
بنية الفضاء المقدس في الاسلام. الكعبة نموذجا.
المزيد.....
-
بالصور.. الحكومة السورية المؤقتة تسلّم أمريكيا كان مسجونا بأ
...
-
-الحمار رحل-.. صور خالدة لسوريين بالشوارع احتفالا بسقوط بشار
...
-
فنزويلا.. مصرع 8 أشخاص بينهم 7 أطفال بانفجار أسطوانة غاز في
...
-
تايلاند.. مقتل 4 أشخاص بتفجير في حفل خيري
-
نقل نانسي بيلوسي إلى المستشفى بعد تعرضها للإصابة
-
-أكسيوس-: مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط زار السعودية واجتمع
...
-
قوات العمليات العسكرية تدخل سد تشرين ودعوات لحمايته
-
فيدان: أقنعنا روسيا وإيران بعدم مساعدة الأسد قبل سقوطه
-
قرب حمص بسوريا.. فيديو حللته CNN يكشف تحركات جنود ومعدات روس
...
-
اختلاف رواية سقوط بشار الأسد بين بايدن ونتنياهو.. محلل يوضح
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|