أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشافعي - كان يكتفي بما هو أدنى















المزيد.....

كان يكتفي بما هو أدنى


أحمد الشافعي

الحوار المتمدن-العدد: 4231 - 2013 / 9 / 30 - 01:51
المحور: الادب والفن
    


كان يكتفي بما هو أدنى ....

كانت تتحرك في الشقة بطريقة آلية تنظف قطع الأثاث والفازات والثلاجة ، وتنظم قطع المفروشات الموضوعة بعناية على التربيزات ... مرت من أمامه عدة مرات ولم تشعـر بمجرد وجوده ... تنحنح يعلن عن نفسه ولكنها تجاهلته ... يقترب من الستين من عمره الذي لم يستمتع به .. مرّ أكثر من ربع قرن على زواجهما الذي كان له ألف حكاية وحكاية .. حبٌّ عاصف لذيذ .. أثمر عن شاب وحيد تخرج من الجامعة يكاد أن يكون مستقل بحياته .. عاطل .. لا يربطه به سوى احتياجاته المادية ، يراه هو الآخر زائد عن الحاجة .. رفض العمل بالحكومة ... لا يقبل إلا براتب لا يقل عن خمسة آلاف جنيه شهريا ، قال له :
ــ أعمل من ثلاثين عاما وراتبي تسـعمائة جنيها بالمكافآت والحوافز والعمل الإضافي ، وأنت تريد أول تعين ..
قال مقاطعا :
ــ مالك تقولها بفخر ... ألا تشعر بالخجل ... زميلي يتقاضى ألفين من الجنيهات شهريا بشركة ( بيتروخربت ) ، وله سكن خاص في بلاعيم ، وهو أدنى مني في التقدير ، كلّ مؤهلاته أن أحد أقاربه رئيس مجلس إدارة ، وهو يحاول أن يلحقني معه .. أو أسافر .. لست مثلك متيم بالوطن وبالأسرة وبالقبيلة .. لا أريد أن أصاب بالبلادة والعته .. لا أريد أن أحارب طواحين الهواء ... من ربع قرن وأنت محلك سِرْ ... ما الذي حققته .. عام وثلاث شهور في المعتقل ، وعدة مقالات بصحف المعارضة ، وعدة كتب لا تأتي بعائد وربما لا يقرؤها أحد ... عائدها يذهب إلى جيب الناشر، وأنت لا حول لك ولا قوة ... إنجاز ضخم ... ألا تفعل مثل البعض الذي تسـميهم بالنكرات والمرتـدين والخـونة ... أصبـحوا رؤساء تحرير صحف، وأعضاء بأمانة التثقيف بالحزب الحاكم ... كلهم يبحثون عن مصالحهم، إلاّ أنت من المدرسة للبيت إلى حزب رئيسة رشَــتْهُ الحكومة بقطعة أرض أقام عليها قري سياحية ومصانع وعقارات ، وهو لم يكن يملك شيئا ... منح وعطايا مشبوهة من حكومات وجمعيات ... يا عم دور لك على ( حِتِّه سمينة ) نأكل منها عسل وشهد ... الجميع مرتشي إلاّ أنت !! …
كان يعتقد أنه قد أثّر في تكوينه ... كان محل إعجابه، مالَه قد انقلب رأسا على عقب ... وصلوا إلى أبنائنا يضلُّونهم .. يريدون كسرنا، أصبح على خلاف معه ... كان يحاول أن يلفت انتباهه إلى أنه والده الذي حمله بين ذراعـيه وهو ما زال في القماط ، ويبدل له كوافيله أحيانا، ويطعمه ويسعـد به حين يقلد الكبار، ويحزن عليه حين يمرض، فيحمله ويذهب به إلى الأطباء ... كان يجد تشابها بينه وبين أمــه ... كان يشعر بالأسى حين يتقدم به العمر ولا يجـد من يواسـيه في مرضه ... كان ممنوعا من بعض الأطعمة ... كانوا ينهرونه بجفاء حين تمتد يده أو تتوق نفسـه إلى قطعة من المشهيات أو قطعة لحم ملبسة دسمة، كان يتمنى كلِّ مرة يقدم على مخالفة أن يحسَّ في نبرات صوتها الآمر شيئا من العاطفة نحـوه، مثل: يا حبيبي .. يا عنيّـه التسعة وقلبي العاشر، يا جملي لا تفعل كذا لأنه ضار بصحتك ، ونحن في حاجة إليك سليما معافى . لكن في كلِّ مرة كان صوتها منزوع العاطفة كاللحم المنزوع الدسم الذي يأكله، لا طعم له ولا نكهة فيه . مع أنّ جرس التليفون بعـد السـابعـة مســاًءَا لا يتوقف عن الرنين ... استشــارات من رجال ونسـاءٍ ... تحـدثهم بلطف وتسدي لهم النصائح بنبرات مشحونة بمشـاعر فياضة .. يا إبني .. يا إبنتي .. يا حبيبتي .. صحتك تهمني جدًا ... لا نستطيع الاستغناء عنك ... يا أستاذ أنت كفاءة نادرة ... حافظ على صحتك .. يهمني أنْ تكون سـعيدًا... أنا في خدمتكم دائما ...
حين تمرض تُسـد في وجـهه أبواب الرحمة ... تُصـبُّ على رأسـه حمم الجحـيم .. يجلس بجوارها .. يبثها أشواقه ، ويقبلها داعيا لها بسرعة الشفاء ... كان ينتابه الفزع حين ترد على خاطرته أنها ــ لا قدر الله ـ تصاب بمكروه أو مثلا تنتقل إلى الرفيق الأعلى ، حينئذٍ تسيل دموعه ...
مرات كانت تراوده نفسه أن يرتبط بامرأة أخرى بعقد زواج عرفي لإشباع حاجته التي تضن بها عليه فيتعقل ويناقش بينه وبين نفسه مثل هذه المشروعات :
ــ ما أدراك أنّها ليست طامعة في أموال أنت لا تمتلكها ، ولأنه موظف محدود الدخل لا يستطيع أن يصرف فلسا واحدا في غير موضعه ، فضلا عن أن زوجته تعلم بكل مليم يدخل جيبه فهي زميلة تعمل في ديوان الوزارة ، وتعلم بكلّ الحـوافز قبل أن يعلم بها ، جرب أن يتخذ عشـيقة ، لكنها مجتـه واتهمته بالبـخل ، من المفروض أن يقـدم لها هـدية من حين إلى آخر .. انتظرت طويلا ، لكنه لم يفعل لضيق ذات اليد ، وكثيرا لم يوفق معها ، لأنّ والده الشيخ المتزمت ، وزوجته الفاضلة المتزمتة في الحرام والحلال ، كانا يقفان أمامه ، فكثيرا ما كان يصاب بالعنة ولا يقدر على مداعباتها أو حتى لمْسَها ، فكان يكتفي بما هو أدنى ...
ســــرد
أحمـــــد الشــــافعي



صـــــدفة

جمعته الصدفة بسيدة شقراء فرنسية من المتطوعات في العمل المدني ، سألها :
ــ هل أنت متزوجة ولك أبناء ... قالت :
ــ لا ... لكن لي صديق ...
صدم مرافقه من الإجابة الصريحة جدا ... هي أرادت أن تقول : لست متزوجة ولكني لست مرفوضة من الرجل، وهي لا تعني بالطبع أنها تتداول بين الرجال، كما تبادر لذهن مرافقي الذي عرض عليها أن يكون صديقا لها ، قالت :
ــ أنا مخلصة لصديقي، الذي لم أره من شهور، وهو معي رغم بعده عني بآلاف الأميال ... ثانيا أنك من الصنف الذي لا يروق لي ... قال :
ــ هل هو مخلص لك مثلما أنت مخلصة له
ــ بالطبع ... هو منفصل عن زوجته لأنها لم تكن مخلصة له ... كانت مثلك تماما ...
لم يضحك من فترة طويلة كما ضحك على مرافقه الذي شعر بأنه ضرب بعصا غليظة على أم رأسـه ... كان درسا قاسيا ....
ســـــرد
أحمــــد الشــــافعي

*********

نحــن وهــــــم

قال له زميـل قـادم من تدريب في بلاد الضباب : لا وجه للمقارنة بين مدارسنا ومدارسهم ... ما بين عشرة إلى عشرين في المئة في المدارس أطفال غير شرعيين ومن العجيب أنّ هذا لا يشكل لهم أدنى قلق، يعاملون كما يعامل الأطفال الشرعيين ...
كاد أن يقول له:
ــ ونحن أيضا عندنا أطفال غير شرعيين، ولكنهم ينسـبـون لآبائهم غير الشرعيين دون أن يعلم هؤلاء الآباء .
لو قال له ما يعتقده ربما يذهب و يطلق زوجته التي أنجبت طفلا بعد أن حضر بعشرة أيام، مع أنه مكـث عـشرة شـهور في بــلاد الضبـاب ... قال له :
ــ ألم يلفت انتباهك غير ذلك ... ؟
قال :
ــ بالطبع لا .. النظام وتقديس العمل والحرية والتقدم، واحترام المواطنة والمواطن ... يفصلنا عن هؤلاء ألفي عام، لو أننا عشــنا على هذه الوتيرة من الكسل وانعدام الضمير والتواكل، والنفاق، وعدم الانتماء، وإسْلامُنا قيادنا لكل مسـتبدة ظالم ... ربما نصبح حيوانات تجارب في المستقبل الذي لن يكون بعيدا بل هو قريب جدا ...
ســـرد
أحمــد الشـــــافعي

ابتســـامة

ابتسمت بخبث ، زميلة ذكية جدا فاضلة جدا ... تدعي أنها تصلي الفروض الخمس، وتنوي أن تعتمر، وستذهب إلى أداء فريضة الحج حين ميسرة ؛ قالت :
ــ صديقك الآتي من بلاد الضباب ضعيف في الحساب، أم أنه أبله، أو تيس لا يهتم ...
قال لها :
ــ يا زميلة أحيانا الإنسان يُمرِّرُ أشياءًا كثيرة لاعتبارات وحسابات هو يعلمها، والولد للفراش كما يقول البعض درءاً للشبهات، وربما حضر خلسة، ولا داعي للثرثرة ... لا ترموا الناس بالحجارة ...
ــ لا أحـد يستطيع أنْ يقول عنِّي شيئا، فبيتي ليس من زجاج ...
ــ ولا أنا ؟!! ... بيتك من زجاج هـــشّ ...
قالت بتبجح :
ــ هل عندك شـهود عـدول ... ما رأيته كان نزوة عابرة .. لا قَبْـلَها ولا بَعْـدها ... الزميل هو الذي أوقع بي ... لماذا نحن الخاطئات دائمـا، والرجـل يا عيني مظلوم ... الله قدمكم أولا، وسوَّى بيننا في العقوبة " إلاّ من تاب وأصلح "... لا داعي لنظراتك الحارقة كلما رأيتني ...
ــ ذات مرة بصقـتي ورائي ... نبهني أحــد الزمـلاء ...
ــ لم يحــدث ... هذا افتراء ...

أثناء مروره من عام تقريبا على فصول المدرسة بعـد انصراف التلاميذ، وفي أحـد الفصـول النائية المتطرفة رأى الزميلة مع زميل يمارسـان الحبَّ ... أشـار إليهما أنْ لا يخشـيان شـيئا كأن لم يركما أحــد .. أدار لهما ظهـره وانـصـرف ... تزوجـت الزميلة من زميل آخر، وتزوج الزميل من إحدى قريباته ... ولأننا لا نعمل إلاّ قليلا فنحن نثرثر كثيرا، لذا تكتم على ما رآه، وعلى ما دار مع الزميلة من حوار، ولم يبح لأحد به ...
استمرت الحياة بالجناة والمجني عليهم، وما زالت مستمرة، وهم لا يـشـعـرون بالحرائق التي تلتهمهم ... ينجبون البنين والبنات ويأكلون السكر النبات ...
ســـرد
أحمـــد الشـــافعي






#أحمد_الشافعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واجدة
- لا خلاف بين التيارات الدينية في مصر وبين النظام المتنحي
- ما أشبه اليوم بالأمس
- مأساة الإخوان المسلمين
- بشير القمري يحول مسرحية -فوا أوف- إلى -فوا أون- بلعبه غير ال ...


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشافعي - كان يكتفي بما هو أدنى