أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - حمدى عبد العزيز - مع الفلاح المصرى















المزيد.....

مع الفلاح المصرى


حمدى عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 4229 - 2013 / 9 / 28 - 16:57
المحور: الصناعة والزراعة
    


شأنى شأن كثير من أهل البندر .. أصولى ريفية وأهلى فلاحين ولكن لم يكونوا من ذوى الاملاك .. واغلبيتهم فلاحين بسطاء منهم من يمتلك قطعة ارض مساحتها نصف فدان ومنهم من يمتلك اقل ومنهم من يستأجر الارض ليفلحها ومنهم من يعمل باليومية او كما يقولون (على دراعه ) واكثرهم تملكا كان يمتلك فدانين او ثلاثة وعدد يعد على اصابع اليد الواحدة يمتلك فى حدود الخمسة افدنة او اكثر قليلا ..
وكنت اقضى اجازة الصيف كاملة فى الريف بين اهلى واقاربى بحكم اننا (كمغتربين عن اهلنا فى المدينة ) تكون لنا حجرة فى بيت العائلة تغلق عند بدأ الدراسة وتفتح عندما تنتهى الدراسة لنقضى اجازتنا فيها ( لم أكن اعرف بعد المصايف او خلاف ذلك ككل ابناء محدودى الدخل فى مصر ) ومع ذلك كنت انتظر انتهاء الدراسة بفارغ الصبر ليأخذنا ابى بالقطار من امبابة الى المحمودية بحيرة ليضعنا هناك طوال فترة الاجازة نأكل ونشرب عند الاهل فنوفر له عناء المصاريف ( ويبدو ايضا انه كان ينتهزها فرصة لتحقيق قدر من الحرية والهدوء خلا الشهور الثلاثة سنويا بعيدا عن صخبنا وهمنا اليومى ) ..
وهذا ماجعلنى اتعرض عن قرب لحياة الفلاح المصرى واعرفه اكثر من أصدقائى فى المدينة الذين كانوا يرون فيه كائنا ساذجا يفغر فاه طوال الوقت .. وعندما تحدثه لايخرج حديثه عن كلمة (هيه )او (ايوه )او (يانهار ابيض ) او (هم يا ولا )وخلافه من تلك الصورة النمطية للفلاح التى تعرضها موجات الراديو عبر المسلسلات والصور الغنائية او حتى رسائل برنامج همسة عتاب الشهير فى اواخر الستينيات الى اواسط السبعينيات .. وكذا مسلسلات التلفزيون المصرى وافلام السينما العربية (عدا اسثناءات لاتكاد ان تذكر من التناول الجاد )
لذلك كنت اندهش جدا وانا اسمع المطربة الشهيرة شريفه فاضل وهى تتحدث عن فلاح اخر غير الذى اعرفه ( فلاح كان فايت بيغنى .. من جنب السور .. شافنى وان باجمع كام ورده .. من جنب السور .. قطع الموال .. وضحكلى وقال .. ياصباح الخير ياهل البندر .. ياصباح النور ...).الخ .. الى ان تصل الى الكوبليه الذى تسأل فيه الكورس (ياهل البندر .. حدش شاف جدع اسمر دمه خفيف ؟) ..
مازالت الاغنية تتردد فى ذهنى حتى اليوم كنموذج للفهم الخاطئ لمثقفى اهل البندر للفلاح المصرى .. ولازلت اردد فى نفسى .. ( ايوه ياست شريفه .. شفناه .. بس مش جدع اسمر دمه خفيف ... انه شفته ياشريفه هانم جدع اصفر وشه مايل للزرقه وملامحه بتقول انه استوى من البلهارسيا ودخل على مرحلة تمكن فيرس الكبد الوبائى ( اغلب فلاحى منطقة الدلتا على الخصوص يعانون من انتشار فيروس الكبد الوبائى نتيجة البلهارسيا التى تسللت اليهم اثناء عملية الرى والصرف , وأيضا نتيجة اسلوب الحياة المرتبط بالخلل والشح فى خدمات مياه الشرب والصرف الصحى وعدم توفر الرعاية الصحية فى الريف وسوء توزيع الخمات المزمن فى مصر واللا مساوة التى تتم فى هذا المضمار لصالح العاصمة والمدن الكبيرة ) ..
ارتبطت منذ صغرى بالفلاحين وتعلقت بهم واخذت البلهارسيا شأنى شأن اى فلاح ولكن لحسن الحظ تعالجت منها سريعا ولم تدخل جسدى مرة اخرى .. اكلت أكلهم ( المش والمخلل وخضروات الارض احيانا واحيانا اخرى البط والدجاج وخيرات الريف عندما كان الفلاح المصرى حتى اواسط السبعينيات يستطيع ان ينتج اغلب غذائه ) واستقر بى المطاف لأقيم نهائيا فى مدينة المحمودية الريفية فى منتصف السبعينيات ولأعمل ايضا بعد انتهاء دراستى هناك بين أهلى وأقاربى وأترابى من اصدقاء الطفولة والصبا .. ولم ينقطع تواصلى الانسانى بهم .. رغم مشاغلى واقامتى بالمدينة .. المهم اننى ادركت جيدا مدى احباطهم وانصرافهم عن اهل البندر ..وعميق فقدان الثقة التى يكنون تجاه هؤلاء الأفندية من اهل البنادر ( والغريب انهم لايبدون هذه المشاعر ولا يصلون بها الى درجة اعلان النوايا ) . فنحن افندية البندر منا من كان مهندس الرى الذى دوخهم وامر ونهى وتحكم فى مفاتيح ترع الرى .. وكان منا مدير الجمعية الزراعية الذى عامل المزارع البسيط بتعال يصل الى درجة الاستهانة .. ومنا كان مهندس الارشاد وطبيب الوحدة البيطرية وتومارجيه الذى يشخط وينطر ويقبض ايضا ليمشى الحال .. ومنا من كان امين مخازن الجمعية الذى يقوم بتوصيل السماد للاحباب من كبار الملاك ويعامل اصحاب الحيازات الصغيرة باستهانة ويستبيح جزء من نصيبهم فى السماد او المبيدات مستغلا عدم درايته بالقراءة والكتابة او قلة حيلته .. ليبنى بعد ذلك العمارات والبيوت وتظهر عليه مع مرور الوقت امارات النعمة ... انكوى الريف المصرى وخصوصا فلاحيه الفقراء من سرقات واختلاسات البعض من سكان البندر الافندية وطلباتهم الغير مبررة سواء فى اوخر الستينيات او السبعينيات والثمانينيات .. وحتى الان مع ظهور اجيال متعلمة بين فقراء اهل الريف الا ان ظاهرة استغفال بعض الافندية أهل البندر للفلاحين الفقراء والملاك الزرعيين الصغار مازالت عالقة فى الازهان .. مازالت صورة السياسى لدى الفلاح هى صورة الافندى الذى يأت فى الانتخابات ليرفع الشعارات ويغنى على الفلاح بالحديث عن مشاكله وضرورة حلها ثم يأخذ اصوات القرية ويذهب الى البرلمان ويختفى ...الى ان تأتى الانخابات التالية .. مازالت ذاكرتى مليئة بصور استخفاف الافندية اهل البندر المتثاقفين بأهل الريف .. حتى عندما كنا نذهب بأحدنا الى الطبيب فى المدينة الكبرى كان يعاقب الفلاح المريض على مايسميه هو اهماله فى صحته بطريقة مهينة دونما تفهم ان الفلاح لايذهب الى الطبيب الا عندما ينام فى الفراش ويعجز عن الحركة تماما .. لقلة ذات اليد .. وربما لتكاثر الامراض على جسده المتعب من جراء سوء الخدمات الصحية فى القرية وسوء التغذية وقلة الحيلة .. فالمحاصيل لاتتكفل بسداد ديونه لدى البنك .. وأعلاف الماشية مرتفعة الاسعار .. والسماد والمبيدات وسائر مستلزمات الانتاج الزراعى اصبحت غير متوفرة وان توفرت فهى مرتفعة الثمن .. اعرف بعض المستأجرين .. يبقون فى ارض المالك ويدفعون الايجار بالدين .. لأنهم لن يجدوا مأوى ولا عمل خارج هذه الارض التى اصبحت لاتنتج محصولا مربحا فى ظل تحايل التجار وغل يد الدولة عن تسويق المحاصيل ... ربما اقتنع هؤلاء الافندية بما تغنى به عبد الوهاب ( محلاها عيشة الفلاح .. متهنى ومرتاح البال ) ولكن تظل صورة الفلاح الحقيقية مختلفة تماما عن صورته الموجودة فى أزهان أهل البندر المتثاقفين .. وتظل صورة الأفندى ابن البندر لدى الفلاح هى صورة الذى اذا تحدث كذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان .. وهذه ثقافة تكونت عند الفلاح منذ ان كان يسمع الافندى عضو الاتحاد الاشتراكى فى الستينيات وهو يردد الشعارات الاشتراكية بطريقة مدرسية (طبعا هناك اسثناءات مخلصة لكنها لم تؤثر للأسف ) للأسف بعضهم كان يشارك فى سرقة ونهب الفلاحين ..سواء فى الجمعيات الزراعية او فى بنك التسليف وجاء افندية الحزب الوطنى ليكملوا حلقة المرار الذى ذاقه هذا الفلاح المسكين على يد افندية البندر ... وفضلا عن تدهور اوضاع الريف المصرى اصبح الفلاح المصرى عبارة عن سبوبة سياسية لهؤلاء البهاوات .. كل ذلك يجرى على انغام اغنى كثيرة كأغنية (الست) شريفه فاضل ( فلاح كان فايت بيغنى ) وعبد الوهاب (محلاها عيشة الفلاح ) واغانى اخرى كانت تقدم الفلاح كأنسان ساذج وعبيط ( ياحضرة العمده .. ابنك حميده حدفنى بالسفنديه .. اهيه .. واغنية الثلاثى المرح الشهيرة (مسعود ) والذى يرد فيها الفلاح الساذج (ايوه ) ناهيك عن افلام السبعينيات والثمانينيات الكوميدية التى قدمها عادل امام .. واحمد بدير .. وسيف الله مختار ... وهى نماذج توضح مدى سخرية الافندية من الفلاح المصرى وتقديمه اياه بهذه الطريقة المهينة ... طبعا هناك اعمال جادة وخصوصا عمل العملاق محمود المليجى فى رائعة الارض ليوسف شاهين ولكن للاسف كانت العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة التى هى اقل القليل ...
الفلاح المصرى ( اتحدث عن الفلاح الحقيقى الذى يفلح الارض ) الذى عندما يمرض لايذهب الى الطبيب ولا يجرى التحاليل لمجرد شعوره بالارهاق مثلنا نحن المثقفين .. بل عندما يمرض احد افراد اسرته يفعل ذلك ايضا ولايسرع به للطبيب الا بعد ان يرقد فى سرير المرض تماما ...
لكنه حين تمرض جاموسته .. او بقرته .. فأنه يسرع الى استدعاء الطبيب البيطرى او يذهب اليه فى بيته .. يطلب العلاج لها ... وان تتطلب هذا الامر الاستدانة من جيرانه ...
لأن موت الجاموسة او البقرة هنا معناه خراب البيت والجوع .. فالارض تنتج المحصول الذى لايغطى تكلفته نتيجة ارتفاع اسعار مستلزمات الانتاج وتلاعب التجار به تحت اعين وسمع وبصر الدولة التى انسحبت تماما منذ عقود من ان تقوم بدورها فى تسويق المحاصيل وتوفير مستلزمات الأنتاج فضلا عن الرعاية الصحية والاجتماعية للفلاح المصرى ...
لم يبق للفلاح الا جاموسته او بقرته .. التى يعيش على البضع كيلوات من اللبن ومشتقاته التى يبيعها كزبد وجبن وسمن وخلافه .. فتصنع راتبا اسبوعيا له يسد به رمقه ورمق اسرته ويوفر بها مصاريف الزراعة وغذاء ماشيته ...
اما تكاليف الحياة من زواج وبناء ومصاريف مدارس وولادة الى اخره .. فالاستدانة عالية التكاليف والفوائد من بنك التنمية الزراعى تتكفل بها ..
وتكون النهاية اما ان يظل مدينا طوال حياته عبر تدوير مديونته لدى البنك .. او التوقف النهائى عن السداد الذى يعنى الوقوع فى براثن السجن ..
عرفتم لماذا تكون اولوية العلاج عند الفلاح للجاموسة او البقرة .. عن العلاج لنفسه او اولاده او امرأته ؟
عرفتم لماذا يفشل السياسيون والمثقفون فى الريف ويتفوق اصحاب العمامات واللحى من ابناء تلك القرى ؟



#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هدى شعراوى نموذجا لشيزوفرنيا الواقع الليبرالى المصرى
- الغاء تهميش الانسان اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا .. هو الحل
- أقل من ثورتين فى حلقات الثورة المصرية


المزيد.....




- بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل ...
- عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل ...
- افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو ...
- حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي ...
- قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ ...
- النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو ...
- فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - حمدى عبد العزيز - مع الفلاح المصرى