|
ازدواجية الإسلام السياسي
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 4217 - 2013 / 9 / 16 - 12:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في تجربة الإسلام السياسي مع الربيع العربي، وبالذات تجربة حركة الاخوان المسلمين، والتي كشفت في مواقع عدّة عن حنكة في قراءة الظروف السياسية وقدرة على استغلال تداعياتها، إلا أنها كشفت أيضا عن تمسّكها بآليات الديموقراطية في مواجهة الاتهامات بالفشل في إدارة البلاد. جرى ذلك في مصر بكل وضوح، وإلى حدٍّ ما في تونس. غير أن الظروف والتداعيات أبرزت تجاهل انصار الإسلام السياسي لجانب مهم في الديموقراطية، وهو قيمها، ما جعل الآلية لا تعمل لأجل القيم، أو بعبارة أخرى باتت تعمل لقيم غير واضحة المعالم تجاه علاقتها بالحداثة، قيم لها ارتباط بصور الحياة القديمة التي ولدت وتشكّلت في إطارها الأديان، ما جعل العلاقة بينهما ملتبسة. فلا الآلية قادرة أن تعبّر عن مكنونها، ولا القيم تستطيع أن تتفاعل معها. فالديموقراطية، إذن، لا تستند إلى آلياتها فقط، ومن ثَمّ لا يمكن أن تنفصل عن قيمها. ولكي يقوم الإسلام السياسي بهضم الاثنين - الآلية والقيم - لابد أن يفتح الباب على مصراعيه لمراجعات فكرية موسّعة تستهدف غربلة المطلق في النص الديني، لكي يسير فهم النص باتجاه التفسير النسبي، أي الفهم القابل للنقد والتغيير والتعديل والتطوير، وصولا إلى الاعتراف بمنتج الحداثة الثقافي في علاقته الشرطية بالديموقراطية، أي الاعتراف بالتعددية الثقافية والتنوع الفكري وحرية الرأي والتعبير واحترام حقوق الإنسان. أول المطالب التي تقع على عاتق أنصار الإسلام السياسي لكي يلجوا في معمعة الديموقراطية بصورة تعبّر عن حقيقة ايمانهم بها انطلاقا من مفهوم المراجعات الفكرية، هو العمل على إيجاد علاقة واضحة مع الحداثة في جانبها المتعلق بتعريف الإنسان في حالته الفردية/ الاجتماعية.. أي هل هو مواطن أم عبدُ الله؟. فلا يمكن للديموقراطية، آلية وقيما، أن تبني علاقتها إلاّ بالإنسان الحر، أي المواطن، لا بالإنسان انطلاقا من كونه عبداً لله في إطار الخلط في داخل تلك العبودية بين الديني الميتافيزيقي وبين البشري الطبيعي، وفي ظل خضوع هذه العبودية لتشريعات رجال الدين باعتبارهم ظل الله في الأرض في مختلف المسائل ومنها الحياتية الخاضعة للعلم والتجربة والصح والخطأ، ما يترتّب على ذلك بروز إنسان غير حر، خاضع للميتافيزيقي على حساب البشري الطبيعي، مطيع لرجال الدين، ليس مواطنا بل جزء من الرعية التي تحتاج إلى راعٍ لا إلى الديموقراطية التي لا تستقيم مع غير الأحرار وتتفاعل في آلياتها مع الحرية لا مع الطاعة والخضوع والسيطرة. فالإنسان – الفرد، هو أحد استحقاقات الديموقراطية التي لا يزال الإسلام السياسي غير قادر على التعاطي معه، كون ذلك يتصادم مع مفهومي الطاعة والخضوع، رافضا أي محاولات التحرر الفردي من ذلك، وإلاّ أصبح هذا الإنسان خارج منظومة الأمة، ما قد يجعله يفقد مقوّمات الوجود والعيش في المجتمع. فالديموقراطية، بآلياتها، يجب ألا تكون لأفراد "الأمة" فقط، بل لابد أن تكون، استنادا إلى قيمها، لجميع مكونات المجتمع، وهذا لن يتحقق دون الاعتراف بشكل واضح وصريح بمفهوم الإنسان – الفرد. إنّ السبب في رفض الإسلام السياسي لمفهوم الإنسان – الفرد، هو أنه يهيئ الأرضية للإنسان لممارسة اختياراته في طريقة العيش بعيدا عن الوصاية أو السيطرة الدينية. ولابد للإسلام السياسي أن يمهّد في مراجعاته الفكرية الطريق لكي يُطَلِّق تلك الوصاية ويبعدها عن أدبياته، بوصفها لا تتوافق مع قيم الديموقراطية في حرية اختيار طريقة العيش، ولا مع آلياتها في تشريع الحريات المتوافقة مع التعدّدية والتنوّع الثقافي. فالوصاية أو السيطرة الدينية تهضم مفهوم "الأمة" الخاضع لثقافة شبه واحدة ومعزولة، هي ثقافة "الأمة"، مع الإقرار بوجود بعض الاختلافات في التفاصيل. لكنها تتصادم مع ثقافة الإنسان – الفرد. والديمقراطية من جانبها تنبني على الأمر الثاني ولا تستطيع أن تتعايش مع الأول. أي لا يمكنها أن تمنع الفرد من إبداء رغباته واختياراته المختلفة والمتنوعة الثقافية والاجتماعية بذريعة أن الثقافة الدينية، أو ثقافة "الأمة"، ترفض ذلك. فالرغبة والاختيار ينعكسان في الحرية ويتجلّيان من خلال العملية الديموقراطية، وأي مسعى لوأدهما هو تعبير عن ثقافة العبودية والطاعة والخضوع ما يناهض قيم الديموقراطية. وحين يصف حكام الربيع العربي المنتمون للإسلام السياسي، في مصر وتونس، الشعوب المناصرة لهم والمدافعة عنهم بـ"الأحرار"، يجب على هذه الصفة أن تكون واقعية وحقيقية ومعبّرة عن حداثة المفردة بما يجعلها تتناسب مع الشأن الديموقراطي، وليس تعبيرا عن الحرية في موقعها الديني التاريخي الضيّق. فالمواطن الحر، ليس هو العبد في إطاره الديني/ الاجتماعي الذي يُطالَب بالحرية في جانب ويخضع للطاعة في جانب آخر، بل هو الذي يسخّر الحرية من أجل مواجهة مختلف صور الخضوع في المجتمع. وهذا لا يعني أن الخضوع سمة دينية فحسب، بل هي سمة مختلف الأفكار الشمولية بما فيها تلك العلمانية التي قد تَستخدم آلية الديموقراطية لتنظيم عملية الخضوع. أو كما قال برتراند راسل "من بين جل الديانات، تصنّف البلشفية مع المحمّدية، وليس مع المسيحية أو البوذية. فهاتان الأخيرتان ديانتان شخصيتان بالأساس، تحملان عقائد صوفية وحبّاً للتأمّل. أمّا المحمّدية والبلشفية، فهما عمليّتان واجتماعيّتان وغير روحيّتين، ومهمومتان بالسيطرة على العالم". قد يَصدُق كلام راسل على الإسلام السياسي، لكنه بطبيعة الحال ليس الإسلام الوحيد المطروح في الساحة، بل هو الأقوى والأشمل.
كاتب كويتي
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجه الإسلام السياسي
-
إخفاقات ليبرالية
-
اعتدال روحاني وواقعيته
-
-الفتنة-.. ومبرر الإسكات
-
الديمقراطية.. وخطاب المشاركين بالانتخابات
-
لندعهم ينتقدون
-
حساسية مفرطة
-
بين سروش وخلجي: الساحة العامة ملك للجميع
-
لماذا رُفضت أهلية رفسنجاني ومشائي؟
-
خطر يهدد مطالب الحراك
-
انقسام المحافظين يحرج خامنئي
-
التكهن بمن سيفوز في الانتخابات الإيرانية.. صعب
-
أن تكوني إمرأة
-
تجميد القانون؟
-
الحرية المريضة
-
نقد المادة التي تحبس الناقد
-
القرآن بوصفه خطابا (2-2)
-
القرآن بوصفه خطابا (1-2)
-
الحجاب مجددا..
-
لابد من سقف جديد
المزيد.....
-
أكسيوس: السفير الأمريكي للاحتلال يتبنى مصطلح -يهودا والسامرة
...
-
ميغان تشوريتز.. النجمة اليهودية التي تحدت الصهيونية بجنوب أف
...
-
محافظة القدس: إسرائيل تدمر آثارا إسلامية أسفل المسجد الأقصى
...
-
محافظة القدس: إسرائيل تدمر آثارا إسلامية أسفل المسجد الأقصى
...
-
فرنسا: نصب تذكاري للمحرقة اليهودية يتعرض للتشويه بعبارة -الح
...
-
محافظة القدس: الاحتلال يدمّر آثارا إسلامية أموية أسفل المسجد
...
-
حرس الثورة الاسلامية: اليمن سيوجّه ردّا قاسيا للصهاينة
-
“نحن أبناء الأرض”.. مسيحيو غزة يرفضون التهجير
-
مسيحيو غزة: باقون في الأرض رغم القصف والتهجير
-
رئيس الوكالة اليهودية يلغي زيارته لجنوب إفريقيا خشية اعتقاله
...
المزيد.....
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
المزيد.....
|