أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين عناية - حركة النهضة وابتلاء السلطة














المزيد.....

حركة النهضة وابتلاء السلطة


عزالدين عناية

الحوار المتمدن-العدد: 4209 - 2013 / 9 / 8 - 20:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حركة النهضة وابتلاء السلطة
عزالدين عناية

سفينة الربيع العربي التي أبحرت من تونس عادت إلى مرفإ الانطلاق خاسئة حسيرة. ومرساها في تونس ليس على الجوديّ، فهي تترنّح وقد اشتدت بها الريح في يوم عاصف. ذلك ما لاح لي خلال شهر أغسطس/أوت الذي قضيته في بلدي. فالتجربة تشهد امتحانا عسيرا، ومكابرٌ من يدعي ان الأوضاع مستتبة والعواصف سكنت. لقد تعثرت الأمور في جل الميادين، وطفح مقتٌ من قلوب الناس شاع على الألسن. وأرجّح أن الحالة عائدة بالأساس لعامل رئيس على صلة بمسلك حركة النهضة. أن النظر للواقع لدى قادتها، يختزل عقماً تاريخيا يعاني منه العقل الديني الإسلاموي، بموجب افتقاره إلى السداد والحصافة والفطنة. فهناك اعتماد على الولاء المستند إلى المعايير الحزبية البالية، دون إيلاء انتباه إلى شروط القوة والأمانة والعلم والكفاءة الواردة في قوله تعالى: "قالت إحداهما يا أبت استأجره إنَّ خير من استأجرت القوي الأمين" و"قال اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظٌ عليم". فتغيير سياسي واجتماعي منشود، تزعمته حركة النهضة، انفضّ من حوله المثقفون والعارفون والجامعيون والعلماء وانتصرت له الدهماء، هو تغيير أعرج لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع.
لقد حُشر المجلس التأسيسي وجحافل الحكومتين، الساقطة والمترنّحة، ومؤسسة الرئاسة، بغثاء كالسيل من المتسلقين غير الأكفاء. هذا الضعف الهيكلي في بنية النهضة التونسية وحلفائها جعلها أمْيل في سياساتها وقراراتها إلى التنطع وتعنّت الجاهلين منه إلى نباهة العارفين. يحسب قادة النهضة في جموع الغوغاء الذين يتمّ حشدهم عند الطلب قوةً وسنداً، ودارهم أوهن من بيت العنكبوت، أقلها أن حركة مليونية لا تملك في صفّها قلما رشيقا ولا صحيفة محترمة.
في الدارجة التونسية نقول: "مغبون وطاحت عليه نفقة" حين تصيب النعمة المعدَم، فتنسيه أمسه وتلهيه عن غده، وذلك حال حركة النهضة لمّا داهمتها نِعم السلطة بعد الثورة، فطفقت تخبط خبط عشواء حينا في الطهارة وأخرى في القذارة. ردد أنصارها بزهو مفرط حين هلت السلطة قوله تعالى: "اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير"، ولكن آي سورة آل عمران تُقرأ حين تقبل الأيام وحين تدبر. وفي زحمة الوقائع العصيبة في مصر، التي يرتد وقعها إلى تونس، درسٌ بليغ للمتبصرين.
في الأشهر الأولى عقب الثورة التونسية حرصتُ على دعوة الأستاذ راشد الغنوشي إلى جامعة لاسابيينسا في روما، أكبر الجامعات الأوروبية، فلبى الدعوة مشكورا، وذلك للمشاركة في ندوة عن التحولات السياسية في البلاد العربية. سألته في ختام مداخلته: ألا ترون أن الرؤية التي تعتبر الحكم غنيمة سياسية، هي مسألة في غاية الخطورة، لأن النظام الديمقراطي المنشود، هو مسار تصنعه أطراف متضافرة، ليبرالية ويسارية وإسلامية؟ بصفة الفكر الذي يَعُدّ الوصول إلى السلطة مغنما يتضمّن خطورة، وأتصوّر أن الفكر الإسلامي مطالب أن يُطوِّر النظر إلى السلطة كونها ليست غنيمة، بل هي مسار تحوُّلٍ يخوضه الجميع سويّا.
جاءت إجابة الأستاذ راشد سياسيةً أكثر منها أكاديمية، معللا القول بالاستحواذ على السلطة: "أن مرده عائد إلى تصريح صدر عن الشيخ القرضاوي، قال فيه إن الاشتراكيين أخذوا حظّهم، وأن الرأسماليين العلمانيين أخذوا حظهم، والآن جاء وقت الإسلاميين، فهل هذا يتناقض مع الديمقراطية؟ هل هذا يحوّل الحكم إلى مجرّد غنيمة؟ يمكن، ولكن ليس بالضرورة، فكلّ حزب يبشّر بنفسه أن له المستقبل، هذه طبيعة العمل السياسي، كلّ يقول لي المستقبل ليجمع الناس حوله. فمن حقّ الإسلاميين أن يفعلوا ذلك، وهذا ليس فيه جريمة، ولكن ما هو السبيل الذي سيسلكه هذا الذي يقول أنا المستقبل، هل سيسلك السبيل الديمقراطي السلمي أم سيسلك طريق المؤامرات والانقلابات؟".
لا أقدر أن النهضة سلكت مسلك الزاهد في الكراسي والمناصب، فالناس في تونس يتلظون من مسلك رجالاتها في الحكم بعدما اجتاح الأنصار المغانم وقدّموا الأقرب وأخّروا الأكفأ. فقد روى لي أحد المتنفذين في النهضة أنهم أتوا بأحدهم من شغله في مدجنة، ليولّوه ويكلفوه أمر الناس، وهل تفتقر تونس إلى علماء الاجتماع ورجالات القانون والمفكرين والإداريين-;-؟
في هذه المدة الوجيزة من الحكم بدّدت النهضة رأسمالها الرمزي بسرعة فائقة، وحولت الإلف والوئام بين التونسيين إلى صراع إيديولوجي مقيت تضررت منه صورة الدين الحنيف. لم تتعظ فيه من كون الإسلام السياسي منذ نشأته الأولى، فوق الأرض العربية، وُلد خصاميا وصداميا، ليس للأنظمة القمعية فحسب، بل لكافة الحساسيات الفكرية والشرائح الاجتماعية، ما جعله يراكم مقتا هائلا في الداخل والخارج. النهضة غير قادرة على تجميع القوى التونسية حولها في الراهن وأقدّر كذلك في قادم الأيام، وقد كانت السبب في تشتيت القوم وبث الفرقة بينهم. تآكلت الثقة بينها وبين الناس بما يشبه تآكل الثقة بين الرجل الذي نهشت أخاه أفعى فدعاها للصلح فتصالحا، لكنه عزم يوما على قتلها، فلما مرت به ضربها فلم يصبها، ووقعت الفأس على الحجر فأثرت فيه. فأتاها ثانية يدعوها للصلح والعودة إلى ما كانا عليه. فأجابت الحية: أنت لا تصفو لي ما دمت ترى قبر أخيك، وأنا لا أصفو لك ما دمت أرى أثر فأسك. ذلك هو المناخ الذي رعته النهضة وهي أول من جنى حصاده.
أستاذ تونسي بجامعة روما-إيطاليا
[email protected]



#عزالدين_عناية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمارة لخوص والرّواية الأنثروبولوجية
- -جمل وسط قطعان الكنغر- رواية في أدب الرحلة موجّهة إلى الناشئ ...
- حاضرة الفاتيكان والإعلام الديني
- ما بعد البابا جوزيف راتسينغر
- مع البابا فرانسيس الأول: -طوبى للمحرومين- تتردّد في أرجاء ال ...
- حكاية الدّهان
- راتسينغر.. الكاثوليكي الأخير
- احتفاء في جامعة -الأورِيِنْتالي- في نابولي بأيقونة الثورة ال ...
- قراءة سوسيولوجية في أوضاع الغرب الدينية
- مخاطر تحوّل المشاركة السياسية إلى مشاهدة سياسية
- الفكر الجمهوري: حول سبل الحدّ من الفساد السياسي
- أوروك: أولى المدن على وجه البسيطة
- مؤلَّف -نحن والمسيحية- دراسة علمية وليس خطابا دبلوماسيا
- الكتب الممنوعة
- البابا وتويتر.. الشجرة التي تخبئ الغابة
- العلمانيون أقرب مودّة إلى المهاجر من رجال الكنيسة
- نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم
- الإسلام في أوروبا: أنماط الاندماج
- الإسلام الإيطالي: رحلة في وقائع الديانة الثانية
- حركة النهضة والإخوان: لكم دينكم ولي دين


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين عناية - حركة النهضة وابتلاء السلطة