أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكيم العبادي - سحر النص الفيروزي ... ( 43 ) قديش كان في ناس ... الإنتظار الإيجابي والصبر الجميل ( الحياة ليست عن إنتظار العاصفة حتى تمر ... الحياة في أن نتعلم كيف نرقص في المطر !!!! ) مجهول















المزيد.....


سحر النص الفيروزي ... ( 43 ) قديش كان في ناس ... الإنتظار الإيجابي والصبر الجميل ( الحياة ليست عن إنتظار العاصفة حتى تمر ... الحياة في أن نتعلم كيف نرقص في المطر !!!! ) مجهول


حكيم العبادي

الحوار المتمدن-العدد: 4208 - 2013 / 9 / 7 - 20:33
المحور: الادب والفن
    


فيروز : الراقصة في المطر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عدت من السفر بمزاج سيء ... أمارس الإنتظار السلبي ... الإنتظار الذي لا يمكنه أن يكون إيجابيا ً ... إنتظار أن تقدم اميركا بعهرها الذي فاق كل وصف على تدمير سوريا ... كما فعلت بالعراق ... وفي لحظة من لحظات التأمل الذي أمارسه على الدوام ... خطرت على بالي عبارة أتعبني البحث عن قائلها ، ولم أوفق ... مع أني أشم فيها فكر ، وإرادة ، وتحدي الهنود الحمر ...لكنني لست متيقنا ً... العبارة تقول : ( الحياة ليست عن إنتظار العاصفة حتى تمر ... الحياة في أن نتعلم كيف نرقص في المطر !!!! ) ... ولهذا كتبت لكم عن الإنتظار الفيروزي ... وعن فيروز : الراقصة في المطر .
بين إنتظار الأسوء وما يرافقه من رعب وقلق وتدمير داخلي بطيء ... يقلب الحياة َ جحيما ً ، أو ربما يفضي بالضعيف إلى الموت أو الجنون ... وبين إنتظار الأفضل ... وما يرافقه من أمل ٍ ، وفرح مؤجل ٍ ، وتحضير صامت للإحتفال ... يكمن الفرق بين نوعين من المنتظرين ... يشكلان طرفا هذه المقولة البالغة الحكمة .
ولهذا إخترت لكم أغنية : (( قديش كان في ناس )) ... الأغنية التي تعلمنا فن الحياة ... وفن الصبر ... وفن الأمل ... وفن الثقة بالنفس ... وفن إشاعة الجمال مهما كان الظلام كثيفا ً... ومهما كانت الحياة قبيحة من حولنا !!! .
في رائعته : ( الحرب والسلم ) ... يقول ليو تولستوي :
(( The strongest of all warriors are these two — Time and Patience . ))
وترجمتها الحرفية : ( الأقوى بين جميع المحاربين ... ذانك الأثنان ... الزمن والصبر .) ... ومن الواضح أن تولستوي يتحدث هنا عن الصبر بمعناه الإيجابي الفعال ... لا بمعناه السلبي ... المعنى الذي يوضحه مع بعض الشروط : ( فولتون جَي شيين ) ... رئيس أساقفة كنيسة الرومان الكاثوليك في الولايات المتحدة اللامريكية... الذي يقول : ((الصبر قوة ... الصبر ليس غيابا ً للفعل ..بل هو التوقيت ... هو إنتظار الوقت الصحيح للعمل ... من أجل المباديء الصحيحة ... وبالطرق الصحيحة )) ... لا أريد أن أقول أن فولتون قد إقتنص مقولته من تولستوي ... لكنني أرى أنه يلعب على وتري تولستوي ... العبقري الذي توفي حين كان شيين طفلا ً لا يتجاوز الرابعة عشرة ... لكنني يجب أن أوضح الفارق الأخلاقي بينهما ... فعبارة تولستوي ، تتحدث عن الإنتظار والصبر بمعناه المطلق ... أي بمعناه الإنتهازي غير المشروط... لأنه يتحدث عن الحرب ... بينما ( شيين ) ، رجل الدين ... فقد أضاف إليها بعض البهارات الأخلاقية ... حين إشترط أخلاقية الغايات والوسائل .
لكن كلاهما قد سقط في فخ الإنتهازية ... مهما كانت الغايات !!! ... وتحدثا عن الصبر العملي ... لا الصبر الشاعري والإنساني الجميل .
أما فيروز في نصها الساحر هذا ... فقد فتحت لنا بوابة ً جديدة ً للصبر الجميل ... الصبر الإيجابي بمعناه المطلق ... والأخلاقي بمعناه المطلق ... والإنساني بمعناه المطلق ... والشاعري أيضا ً !!! ... وسنرى لاحقا ً كيف .

واحدة من تجليات زياد الرحباني :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أن أتناول هذا النص الفلسفي بإمتياز ... النص الذي يصارع قسوة الحياة وجبروتها بالأمل ... وبالإنتظار الإيجابي ... وبالصبر ... لا بمعناه السلبي العربي ... ولا بمعناه الغيبي الإتكالي ... ولا بصبر تولستوي أو شيين الإنتهازي ... سواء كان أخلاقيا ً أو غير أخلاقي ... إنما بالصبر الإنساني الجميل ... متفرد الشاعرية ... أحب أن أشير سريعا ً إلى فكرة اللحن الرائعة ... الفكرة التي تثير عجبي بإمكانيات زياد التي لم تتجلى كما ينبغي .
زياد إختار مقام العجم لتلحين هذا النص ... وهذا ما يحسب له ... ويدل على فهمه العميق لفلسفة النص ، وإيجابيته ، وشاعريته ، وتفرده ... حيث تعامل معه كمفكر لا كملحن ... مما يعزز إقتناعي بأنه كاتب النص رغم حيرتي ... فقد ذكر في مقابلة له مع إحدى المحطات الفضائية المصرية ... أنه قد قام بإستبدال كلمة ( منقوع ) بكلمة (مشلوح ) في النص ... لإعتراض عمه منصور عليها ... وقد ذكرتها في مقالي ( سحر النص الفيروزي ... 2... لبنان وفيروز ) ... وسبب حيرتي هو أن جميع مواقع الانترنيت تقول أن الكلمات للأخوين رحباني ... ولا استغرب هذا ، للكم الهائل من الضحالة والفقر في دقة المعلومات المنشورة على الشبكة العنكبوتية .
هذا المقام سمي بالعجم ... لأنه لا يشبه المقامات الشرقية... وأعتقد أنه برومانسيته الرائقة ... وعذوبته ... و كم الفرح الهائل الذي يرافقه ... وكم العزيمة الوافرة التي يثيرها في النفس ... يثير نشوة ً غريبة ً غامرة يحتاجها المتفائلون... والمحزونون ... والأقوياء ... ومنتظروا الفرح القادم أيا ً كانوا ... مهما كانت مرارة الواقع الذي يعيشون .
أغاني هذا اللحن تـُمنينا بالفرح ... وتعدنا بالسعادة ... وتلوح لنا بالنصر من بعيد ... فترقص قلوبنا وعقولنا لسماعه وإنتظار بشائره ... تأملوا : (زوروني كل سنة مرة ، طلعت يا محلا نورها ... مثلا ً) .
و ليس غريبا ً أبدا ً ... أن اغنية الفرح الأولى في العالم ... والأغنية الأشهر بين بني الأنسان... والأكثر إنتشارا ً في اللغة الانجليزية وجميع لغات العالم ... والتي تغنى كل يوم ملايين المرات : ( happy birth day to you ) ... والتي ظهرت لأول مرة في العام 1912 ... وقد تم تحويرها من أغنية ( صباح الخير للجميع ) ... التي تحمل روح الفرح بدورها ... و التي ظهرت قبلها بحوالي العشرين سنة ... للأختين الرائعتين : باتي وملدريد هـِل ... قد إعتمدت نفس اللحن ... فهذا اللحن لا غنى عنه حين نتحدث عن الأمل ... وعن الفرح ... وعن الثقة بالغد ... وعن النصر القادم ... ولهذا كله ... صار اللحن المميز لجميع المارشات العسكرية والأناشيد الحماسية في جميع الجيوش ... ظالمة ً أو مظلومة ... منتصرة ً أو مهزومة ... وعلى مر التأريخ ... وهي تمني نفسها ، وشعوبها ، وقادتها بالنصر والظفر .
قديش كان في ناس :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول نص هذه الأغنية الفلسفي ، البالغ السحر :
قديش كان في ناس ، عالمفرق تنطر ناس ... و تشتي الدني ... و يحملوا شمسية
و أنا بأيام الصحو ما حدا نطرني !!!
قديش كان في ناس ، عالمفرق تنطر ناس ... و تشتي الدنيي ... و يحملوا شمسية
و أنا بأيام الصحو ما حدا نطرني
*****
صار لي شي مية سنة ، مشلوح بهالدكان ... ضجرت مني الحيطان ... و مستحيه تقول
و أنا عيني عالحلى ، و الحلى عالطرقات ... غنيلو غنيات و هو بحالو مشغول
نطرت مواعيد الأرض و ما حدا نطرني
*****
صار لي شي مية سنة عم ألف عناوين ... مش معروفة لمين ... ووديلن أخبار
بكرا لا بد السما ما تشتيلي عالباب ... شمسيات و أحباب ... يخدوني بشي نهار
و اللي ذكر كل الناس بالأخر ذكرني

ينتظر الناس بعضهم بعضا ً لأسباب ودوافع شتى .. بعضها ما يكون تحقيقا ً لمصلحة ٍ ما ... وبعضها يكون إدامة ً لرابطة ٍ إجتماعية ... أو حتى لهدفٍ غير نبيل ... أما أغنيتنا الرائعة هذه ... فتتحدث تحديدا ً عن حاجة الإنسان العاطفية للإنسان ... ورغبته الغريزية للتكامل فيه ... وعن ضرورة الحب كنسغ ٍ وحيد للحياة الإنسانية ، المحتملة ، الجميلة ... لا ديمومة لها من دونه .
و الناس ُ ، تنتظر الناس َ ... حين يحققون لهم ما يرغبون فيه ... و يجدون عندهم ما يرضي أنانيتهم ... ويشبع غرائزهم ...و يلائم نواياهم ... أما حين لا يجدون لديك ما يرضي غرورهم ... أو لا يوافق أهوائهم ... فلن ينتظرك أحد ... مهما تفردت إبداعا ً ... وتساميت مـُثـُلا ً ... وتكاملت عقلا ً وتفكيرا ً ومشاعرا ً ... لأن دوافع الإنتظار ، غريزية الطابع ... مصلحية الأهداف ... وقلما تجاوزت ذلك لتبحر في رحاب الإنسانية الجميل .
يحفل هذا النص الساحر ... البالغ السهولة ... الشديد الإمتناع ... بجملة غريبة من المفارقات والمقارنات البلاغية والمنطقية والأخلاقية التي تثير في النفس أبلغ الأثر ... و توقظ الشجن والحزن حتى اقصاه ... حتى لتدميك ... وتبكيك ... وتدفع بك قسرا ً ... ذكرا ً كنت أم أنثى ... للجلوس في دكان البطل ... ترفع صوتك لتغني معه باكيا ً ، شاكيا ً ، متوجعا ً ... كلما مرت صبية ٌ جميلة من أسراب الصبايا اللواتي تعود أن يغني لهن أمام الدكان ... وأن تحزن رغما ً عنك ... لعدم شعورهن بك ... وإنشغالهن بأنفسهن ... وذهابهن راقصات متغنجات ... إلى حيث مواعيد أخرى لا تعنيك ... ولا تعني صاحبنا المشلوح في الدكان .
يبدأ النص بصورة وصفية عن حال الكثير من الناس وهم ينتظرون بعضهم على المفرق ... متحملين ظروف الجو الشتوي القاسية ... متحاشين ثقل المطر بالشمسيات :
قديش كان في ناس ، عالمفرق تنطر ناس ... و تشتي الدني ... و يحملوا شمسية
و أنا بأيام الصحو ما حدا نطرني !!! .
في هذا المطلع نكتشف مفارقتين ... الأولى لغوية ... وهي كلمة : ( شمسية ) ... وهي مظلة يفترض استخدامها للحماية من الشمس ... لكن العرب ... والعرب فقط ... يسمون المظلة التي تستخدم لإتقاء المطر بالشمسية ... وحتى لو إفترضنا أنها تستخدم لإتقاء الشمس أيضا ً ... فلا يجوز تسميتها بالشمسية عند إستخدامها لإتقاء المطر ... فاللغة ليست حقلا ً للمزاج ... ولا تصح فيها غباوة الاستخدام ... أقول هذا لأن القواميس العربية تطلق تسمية الشمسية على الشمسي والمطري معاً من المظلات ... وهذا سخف بالغ في إستخدام اللغة ... أما عن إستخدامها في النص ... فلا إشكال فيه ... لأنه يحكي لهجة الناس .
المفارقة الثانية من النوع المزدوج ... وستدفعنا للتأمل بعمق ... فبطلنا ... وعلى خلاف جميع الناس ، لم ينتظره أحد أولا ً !!! ... رغم أن أيامه لم تكن ممطرة ثانيا ً!!! .
ترى ما هو السبب في خيبة بطلنا المؤلمة هذه ؟؟؟ ... وفي وحدته ؟؟؟ ... وفي خذلانه من قبل الجميع ؟؟؟ .
أهو القبح ؟؟؟ .. ام المرض ؟؟؟... أم الإعاقة ؟؟؟.
هل كان سلبيا ًبأي شكل ؟؟؟ .... أم كان لاإنسانيا ً بأي صورة ؟؟؟
سنرى ذلك لاحقا ً .
التفوق على الإنسانية في الإنسان :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صار لي شي مية سنة ، مشلوح بهالدكان ... ضجرت مني الحيطان ... و مستحيه تقول
و أنا عيني عالحلى ، و الحلى عالطرقات ... غنيلو غنيات و هو بحالو مشغول
نطرت مواعيد الأرض و ما حدا نطرني ...
في هذا الكوبليه الرائع ... تتوالى الصور الشعرية الجميلة ... والمفارقات الإنسانية بشكل سريع يدفعك للذهول ... تبد أ بإحساس بطلنا العالي بالزمن ... 100 عام على حد تعبيره وهو منسيٌّ في هذا الدكان ... عافه الآخرون من فاقدي الإحساس والشعور ... رغم شعوره العالي بكل شيء ... فهو لا يشعر بأسراب العذارى الذي يمر أمامه وبجمالهن فقط ...بل يغني لهن أجمل الأغاني ... ويعزف أجمل الألحان ... ناثرا ً حولهن جوا ً ممتعا ً بهيجا ً ... ملاحقا ً إياهن بعينيه ... موقظا ً فيهن زهو الأنوثة وغرور الأنا ... ممارسا ً إنسانيته وواجبه في إشاعة الجمال حتى اقصاه ... لكنهن يتوارين من أمامه على الطرقات التي لا يعرف إلى أين تذهب ... منشغلات بحالهن وغنجهن ... لا مباليات بهذا الفائق الإحساس ... هذا القلب الشاعر المتفرد بحسه ورقته ... هذه الروح الجميلة التي تذهلنا بفرط عذوبتها ... إذ تتجاوز أحاسيس الإنسان بكثير .
البشر نوعان ... منهم من يشعر ومنهم من فقد المشاعر ... أما صاحبنا الجميل ... فقد تعدى ذلك بكثير ... لقد بات يشعر حتى بمشاعر الجدران ... ويحس بثـقـله عليها ... جدران الدكان الذي يجلس فيه ... فهو يشعر أنها قد ضجرت من طول جلوسه بينها !!! ... لكنها تستحي أن تقول له ذلك !!! ... لقد أحس حتى بمشاعر الجدران الباردة الصماء لجمال روحه ... رغم أن البشر من حوله لم يشعروا به طيلة المائة عام التي مضت !!! .
روح بهذا الجمال ... تجاوزت برقتها حدود الإنسانية بكثير ... وتفوقت عليها ... لا بد أن تتوج ملكة ً للمشاعر ... لا أن ترمى وحيدة ً ، محزونة ً ، مخذولة ً ، خائبة بين الجدران ... الجدران التي لولا حيائها وخجلها من أن تجرح مشاعره الجميلة ... لأخبرته بضجرها من جلوسه أمامها كل يوم !!! .
لقد تفوق بطلنا على الإنسان في إنسانيته ... وفي مشاعره ... في الوقت الذي تفوقت فيه الجدران بجمودها على أحاسيس بعض بني البشر ... ممن لا يشعرون ولا تعمل فيهم ألأحاسيس الطبيعية ... فمات فيهم كل شيء ... حتى تفوقوا على الحجر موتا ً... في الوقت الذي تحركت فيه الحياة في الحجر ... ونشطت فيه الأحاسيس .
يالها من مفارقات غريبة ... ومقارنات بالغة القسوة ... وصفعة شديدة الإيلام على الخد البشري الأناني الفاقد الرحمة ... الخد الذي أدمن وقع الكفوف ... وصار لا يشعر إلا بها ، لطول عبوديته وذله ... ونسي رقة المشاعر المرهفة الوقع ... الأنيقة الإحساس ... الجارحة بلا ألم .
هاهو يجيب على سبب تجاهله ... وسبب خذلانه ... وسبب وحدته ... وسبب إفراده كبعير طرفة بن العبد المعبد ... الذي خسر كل شيء فتركوه :
وما زال َ تشرابي الخمور ولذتي .... وبيعي وإنفاقي طريفي ومـُتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة ُ كلها .... وأفردت ُ إفراد َ البعير ِ المعبد ِ
إنها ببساطة انانية الإنسان ... ولا وفاؤه ... وعدم حفظه للعهد !!! .
هاهو بطلنا يعلنها صراحة ... وهاهو يفضح سره أو سر الناس لا فرق !!! .
هاهو يغني للجميع أغانيه !!! ... فيتركونه لينشغلوا بحالهم .... و بأنانيتهم ... وبذاتهم !!! .
هاهو ينتظر مواعيد الأرض ... ولا ينتظره احد !!! .
هنا ... يجب أن نتوقف قليلا ً ... ونفهم ما يقال ... فما كان يقدمه بطلنا للصبايا هو أغانيه !!! ... لا شيء غير أغانيه ... وعلينا أن نتسائل : ( ماهي قيمة أغانيه ؟؟؟ ... و لماذا ينتظر شيئا ً ما .. موقفاً أخلاقيا ً ما ... ثمنا ً ما لأغانيه ؟؟؟؟ ) ... ولماذا صدمه جحود الناس ... وخذلانهم ... وعدم تقديرهم ... وهو يقدم لهم أجمل ما لديه ... وهو أغانيه !!! .
ببساطة لأنها ترمز لأغاني فيروز ... ولو كانت الأغنية قد كتبت لغيرها فلربما قدم البطل شيئا ً آخر !!! ... وهنا أدعوكم للإنتباه لمفردة ( اغاني ) في جميع أغاني فيروز ... هذه المفردة دائما ً تعني ثروة ثمينة ... وتعني كنزا ً ... وتعني موقفا ً ...وتنتظر من الناس دائما ً موقفا ً اخلاقيا ً منها .... و سنرى تفاصيل ذلك في مقال خاص ... وبالتأكيد فإن عاصي هو اول من انتبه لهذا الاستخدام .
وهذا نابع من عميق فهمه لصوت فيروز الذي لا يشبه صوت البشر .

عناوين ... مش معروفة لمين !!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صار لي شي مية سنة عم ألف عناوين ... مش معروفة لمين ... ووديلن أخبار
بكرا لا بد السما ما تشتيلي عالباب ... شمسيات و أحباب ... يخدوني بشي نهار
و اللي ذكر كل الناس بالأخر ذكرني ...
يا للفجيعة !!! ... و يا للطعم المر لسقوط البشر !!! ... وقد دفع الألم صاحبنا الجميل ليتنازل عن كل شيء ... ها هو يؤلف عناوينا ً لأي شخص ... أي إنسان .
صار يتوهم ... ويعيش الحب في الخيال ... لأنه فقد الأمل بالواقع ... وبمن يمر أمامه كل يوم ... فقد الأمل بواقع البشر ... فصار يراهم في الخيال ... صار يريدهم بلا شروط ... بلا ملامح ... مهما كان شكل الإنسان القادم ، أو سنه ، أو ملامحه ، أو فكره ، أوصفاته ... أو لونه !!! .
لقد رضي بمن يرضى به ... دون شروط !!! ... ها قد جعله يأسه ساقطة ً لأي لاقطة !!! .
ترى ... هل يعني هذا إن صاحبنا بكل هذا الجمال هو الأسو أ في عالم الإنسان ؟؟؟ .
هل هو شذوذ القاعدة الإنسانية التي تتكامل بالحب ؟؟؟.
أبدا ً ... فليس هناك سيء في عالم المشاعر ... وليس هناك قبيح في عالم الإنسان ... وهذا الرجل ، أو هذه المرأة هما منتهى النضج الإنساني ... وهما الأنقى في جمال الروح ... لكننا مجتمع بلا مشاعر ... ولا أحاسيس .. ولا إنسانية .
هؤلاء ببساطة ... لا يمتلكون ما يشبع غرائز الإنسان ... أو لا ينسجمون مع ضحالة فكره .
غربة هذا المشلوح هو أقصى ما وصلته الإنسانية في سقوطها المفجع ... وجريمته الوحيدة ... هي فرط إحساسه ... وعمق مشاعره ... و عدم إستطاعته أن ينافق ، ويرائي ، ويمارس أنانية البشر وإهتمامهم بانفسهم لا غير .
هو يصر على أن يستمر في نثر الجمال ... ممارسا ً إنسانيته التي لا يعرف قيمتها الآخرون ... يمارس جمال صبره الذي يخشاه بني الإنسان ... يمارس إيجابية الإنتظار التي لايفهمها من خذلوه .
فيروز في هذا النص ... تعلمنا جوهر الإنتظار الأخلاقي الجميل ... تمارسه وكأنه سر تفردها ... وقوتها الآسرة ... القوة التي يتغزل فيها أتش دي لورنس في فريدته : ( عشيقة الليدي شاترلي ) وهو يقول : (( إنها تنتظر دائما ً ... كما لو كان ذلك هو موطن قوتها .)) .

التالي ربه عالي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
حين كنا صغارا ً... ولم تكن الحياة بهذه القسوة ... وكانت الأوطان أكثر أمنا ً... وكان غزو الصحراء لا زال بعيداً ... وكان الإنسان أقل بشاعة ً ... كان أهالينا يواسوننا ... أو نواسي نحن أنفسنا حين نتخلف في تحد ٍ ما ... بعبارة (( التالي رَبـَّه عالي )) ... ومعناها : أن إله المتأخرين أكثر علوا ً وسوف تكون نتائجهم في الأحداث القادمة أفضل .
هذه العبارة كانت تشحذ هممنا لنعوض ما فاتنا ... وتجعلنا نتفائل بموقعنا ... ونحصد عادة أفضل النتائج !!! .
في هذا النص الساحر ... تعيش فيروز ... أو بطلها ( المشلوح ) في دكانه ... الامل والصبر والانتظار الإيجابي حتى الثمالة ... وتنتظر ربها المتأخر لكي يمطرعليها بلا حساب شمسيات واحباب... لقد كانت حصة الآخرين ممن تـَذ َكـَّرهم أولا ً شمسية واحدة ، وحبيبا واحدا لا غير ... أما هي فبلا حساب : (بكرا لا بد السما ما تشتيلي عالباب ... شمسيات و أحباب ... يخدوني بشي نهار ... وااللي ذكر كل الناس بالأخر ذكرني ...) ... ستنهمر على بابها الشماسي والأحباب كالمطر ... وسيأخذونها معهم في نهار ما لتذوق طعم الحب والفرح والسعادة ... مذكرة ايانا بالمهديء الطفولي البريء الذي كان الأهل يواسوننا به ... أو نواسي نحن أنفسنا به ... حين تتأخر مراكزنا في أي شيء.. (التالي ربه عالي )... دون ان تخفي العبارة مفارقتها الغريبة المؤلمة... ولا تتمكن من إجابتنا ... لماذا يا ترى يكون رب الاوائل في متناول اليد ؟؟؟ ... وسريع الإستجابة ؟؟؟ ... اما رب المتاخرين فعال ٍ لا يطال ... وبطيء إلا في الاحلام !!! .
لكن الجميل في كل هذا ... إن مشلوح الدكان هذا ، لا يمل الغناء... رغم أن من يغني لهن مشغولات ٍ بحالهن بكل ما فيهن من أنانية... لأنه ببساطة ، لا يستطيع التوقف عن الغناء ... فهو يغني بصوت فيروز ... الصوت الذي لا يمكن لأحد أن يحجبه إلا ّ من أعطاه ... كنور الشمس تماما ً .
آه من يأخذ عمري ... ليعيد لطفل عراقي ، أو سوري ، أو لبناني ، أو عربي ٍ ، اينما كان ... حلما ً بإنتظار ٍ إيجابي كإنتظار فيروز... وبغد ٍ يحمل وردة ... ويـُمطرُ شمسيات وأحباب !!! .
يقول جريجوري كورسو : ( الوقوف على ناصية الشارع بإنتظار لا أحد ... قوة !!! ) .
وسأقف في دكان فيروز ، أغني معها لجميع الناس ... حتى لو تركوني ... وإنشغلوا بأنفسهم ... دون أي شعور ٍ بالضغينة ... أو الحقد ... فهذا وجه ٌ من وجوه القوة والتفرد الإنساني والتعاطف ... أستحقها تماما ً .
صحيح أننا خطايا الإنسانية ... لكننا أقويائها .
مرحبا بمن ينضم إلينا ... أنا وفيروز والألم والجمال .

كلمة أخيرة لزياد :
الكاتب الذي يطال نصا ً كهذا ... ولحنا ً كهذا ... وأمه فيروز ... تنتظر منه الناس ما يغسل آلامها ... ويداوي جراحها ... وينتصر لها من بؤسها .

الدكتور : حكيم العبادي
[email protected]



#حكيم_العبادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفاهيم .... ( 12 ) إختاره القدر ليكون ضحية ً ... ولكنه أبى إ ...
- مفاهيم ( 11 ) ... رمضان هل هو شهر الله وشهر الرحمة ؟؟؟ هذا ا ...
- سحر النص الفيروزي ... ( 2 ) لبنان وفيروز
- وصلت الرسالة ... الدور الدور الدور الدور ... موعودة يلى عليك ...
- مفاهيم ... ( 9 ) ماذا يجري في العراق ... ( الجزء الثاني ) ال ...
- مفاهيم ... ( 8 ) ... ماذا يجري في العراق ... ( الجزء الأول )


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكيم العبادي - سحر النص الفيروزي ... ( 43 ) قديش كان في ناس ... الإنتظار الإيجابي والصبر الجميل ( الحياة ليست عن إنتظار العاصفة حتى تمر ... الحياة في أن نتعلم كيف نرقص في المطر !!!! ) مجهول