أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رفعت السعيد - حول تعديل الدستور - جحا الاخر















المزيد.....

حول تعديل الدستور - جحا الاخر


رفعت السعيد

الحوار المتمدن-العدد: 1202 - 2005 / 5 / 19 - 10:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


وفيما كان جحا معتكفا في بيته، والملل يطارده، فلا محاولاته في إيقاظ العقل والتعقل أفلحت، ولا سعيه لتخليص مجلس الحكم مما به من آثام أثمرت، ولا لجوئه إلي كتب الفلاسفة القدامي أفلح في إشعار الجلود السميكة بحقيقة ما هم فيه من أوضاع بائسة ومتردية صنعوها بأيديهم، وأغمضوا عيونهم عما بها من خلل، ثم عادوا يتظاهرون بالرغبة في الإصلاح، لكن الطبع غلب التطبع، فدارت كلمات الإصلاح علي ألسنة المنادين الذين أطلقهم كبيرهم، ثم إذا بهم وبعد أن أصموا الآذان بأحاديثهم يجدون أن أحداً لم يصدقهم، بل كان الجميع يردون عليهم بقول سمعوه من جحا: «أسمع كلامك أصدقك، وأشوف أمورك أستعجب»، فما جدوي كلمات تسحقها أفعال معاكسة فتثير سخرية الجميع من جميع المنادين.
فيما كان جحا يبحث عن شيء يزيل الملل عن نفسه وهو في عزلته، جاءه واحد من مريديه ليبلغه أن شخصا آخر يسير في الأسواق ويتجول في الحارات متشبها بجحا، فرسم لحية كلحيته، ووضع عمامة كبيرة زاد في حجمها بأمل أن يصدقه الناس، لكن الناس يتشككون، فلا ذكاء جحا يشع من الكلمات، ولا هذه العمامة المفتعلة والجبة الغالية الثمن يليق أي منها بجحا، واقترح مريده عليه أن ينزل إلي الأسواق حتي يثبت زيف جحا الآخر غير أن جحا وجدها فرصة للتسلية وربما لإثبات الفارق.. وقال لمريده: دعه يعبث ودعنا نتفرج.
وأراد جحا الآخر أن يفعل شيئا، فاخترع قصة كاذبة روجها في الأسواق وهو يجري محاولا عبثا أن يتشبه بجحا، قال للناس إن «عالم العلماء» قرر أن يقيم وليمة فخمة في قصره، وأنه ذبح الذبائح بغير حصر، وأعد أطعمة تكفي جموعاً كثيرة وأن الطباخين وصناع الحلوي منهمكون في إعداد وليمة فخمة وأطعمة لذيذة ووفيرة.. ذلك أن عالم العلماء يحب الناس، كل الناس ويريد لهم ولأبنائهم طعاما هنيئاً وشراباً منعشاً.
ولأن الأوهام تسري سريعا بين الناس خاصة إذا ما دغدغت أحلامهم.. فسرعان ما تتحول الأحلام إلي أوهام، والأمنيات إلي احتمالات، وبرغم أن الجميع كانوا يعلمون أنه لا خير يمكن أن يأتي من ناحية عالم العلماء، وأنه لا يكن للعوام أي قدر من المودة أو الاحترام.. فإن الناس اندفعوا جموعا إلي قصر عالم العلماء أملا في تحقيق بعض مما عاشوا به يحلمون.
.. لكن جحا الآخر الذي نجح في ترويج الوهم ما لبث أن صدقه، وساوره شك خبيث، ماذا لو أن الأكذوبة كانت صحيحة؟ وماذا لو كانت هناك وليمة حقا؟ فأسرع مهرولا إلي قصر عالم العلماء ليفاجأ بجموع ثائرة يتدافعون بحثا عن خير أو بعض خير فيما تردد من وهم لكن حراس القصر منعوهم، وإزاء إصرارهم وتدافعهم انطلق الحراس يوسعونهم ضربا.. وإذ رأت الجموع جحا الوهمي أمسكوا به وأوسعوه ضرباً وشاركهم الحراس في الضرب حتي أوشك علي الهلاك.
ويستمع جحا الحقيقي إلي الحكاية فيزول ما به من ملل ويضحك بصوت أسمع الجيران وهو يقول: الذي يصنع الوهم كاذب، والذي يصدقه مخدوع، أما الذي يصنعه ويصدقه فالويل له وسوف يناله جزاء قاس من الجميع، الأصدقاء والأعداء معا.
وفيما نحن نتحدث عن الوهم وصناعته وكيفية مواجهته يأتينا المؤرخ المصري العظيم عين مصر الساهرة عبدالرحمن الجبرتي يجلس أمامنا ويفتح كتابه ليقرأ.. «وكان أن جمع خادم المشهد النفيسي الشيخ عبداللطيف جمعا من الحرافيش والذعر واستخدمهم ليشيعوا شائعة منكرة لكنها ما لبثت أن سرت في حواري القاهرة، فقد أحضر عنزة صغيرة وألبسها ثوباً من حرير أخضر، وعلق في عنقها قلائد من ذهب وياقوت مدعياً أنها ذات كرامات وأنها تستيقظ في الفجر لتؤذن أذانه ثم تقرأ القرآن الكريم بلسان سليم، وأن لها كرامات شهد بها الجميع، فالمريض شفي والعاقر حبلت، والأنوار تشع من وجهها في أزمنة معلومة.
وسار المنادون المستأجرون، والحرافيش الكذابون في حارات المحروسة يتجولون، وبأصواتهم المنكرة يصيحون، وعن بركات العنزة يحكون.
وقال الشيخ عبداللطيف للألوف التي تكدست أمام المشهد النفيسي أن العنزة المبروكة لا تأكل إلا اللوز المقشر والفستق الأخضر، ولا تشرب إلا ماء الورد، والسكر المكرر، فأتي الناس بهذه الأصناف بالقناطير ونزعت النساء قلائد الذهب من أعناقهن ليأخذها الشيخ هدية للست العنزة.
وسمع والي القاهرة عبدالرحمن كتخدا، وكان علي غير المعتاد ذكياً يدرك خطر مثل هذه الأوهام، ولعله خشي من أن ينال الشيخ عبداللطيف بعضا من نفوذ، فأرسل كتخدا إلي الشيخ عبداللطيف بعضا من رجاله يدعونه هو وعنزته للحضور فالأمير يريد أن يتبرك بالعنزة.
وحمل الشيخ عنزته بعد أن ألبسها أبهي ثيابها وعديدا من قلائد الذهب فتناولها منه كتخدا باحترام ووقار، وقام بتقبيل رأسها وأطراف أقدامها ثم قال: نرسلها للحريم ليتبركن بها فتهلل وجه النصاب متصوراً كيف ستعود العنزة وقد تقلدت المزيد من الذهب.
لكن العنزة أرسلت إلي المطبخ حيث ذبحت وطبخت وأحضرت ضمن الطعام الذي امتد علي سماط كتخدا، وبعد أن شبع الشيخ عبداللطيف هم بالانصراف طالبا العنزة المبروكة فصاح به كتخدا لقد أكلناها معا، ثم إنه وبخه وطرحه أرضا وناله أذي كثير، وأمر كتخدا بأن يركبوا الشيخ الدجال حمارا بالمقلوب، ويضعوا فوق رأسه جلد العنزة وحوله الطبل والزمر والنقرزان ورجال كتخدا يصيحون هذا جزاء من يشوش علي العامة، ويكذب علي الناس».
>>>
وتتمادي عمليات زرع الوهم وترويجه في أيامنا هذه.. لكننا لا نقبل أن نبتلعها ونصدقها ثم ينالنا ما نال جحا المزيف، ولا نلجأ إلي العنف كما لجأ كتخدا، وإنما نطمح إلي يوم نشاهد فيه زفة النقرزان وهي تصيح في العامة: هذا جزاء من يخدع الناس ويروج بينهم أوهاما وأكاذيبا تضللهم عن صحيح الفعل وصائب الموقف. نحن نواجه الوهم بالحق والحقيقة نحاول أن نفرضهما فرضاً، وأن ننال لشعبنا ديمقراطية حقيقية، وأن نخرج الأوهام بعيدا، ليستنشق الناس عبير حرية وديمقراطية ومساواة وتكافؤ.. نحن نفرض حقنا في مخاطبة الجمهور وعلي قدم المساواة مع الآخرين وإلا فإننا نترك الوهم لأصحابه بعد أن نكون قد كشفنا وأمام الجميع كل أبعاده.. وكل أصحابه وكل دعاته.
وفي كتابه الرائع «بدائع الزهور في وقائع الدهور» يروي لنا المؤرخ المبدع محمد بن إياس الحنفي حكاية طريفة، دعونا نستمع إليه وهو يرويها.
«وكان للفراعين عاصمة في صعيد مصر، محاطة بالأسوار وعليها حراس شداد، وعلي بوابتها تمثالان ضخمان، «لعله يقصد تمثالا ممنون» والتمثالان لرجلين يجلسان علي مقاعد من صخر وعلي رأس كل منهما قبة من نحاس تتوهجان تحت الشمس وتضيئان في ظلمة الليل، وبداخل كل منهما آلة عجيبة تطلق صراخاً عالياً إذا شعرت الرعية بظلم أو غبن أو عوز وتدق طبولا مدوية إذا قام أحد أتباع الفرعون بسلب أو نهب أو إفساد في الأرض.
فما أن يصل الصوت إلي الفرعون في قصره حتي يستدعي وزراءه وحاشيته ويحقق في الأسباب ويعاقب المخطيء أشد عقاب» ويمضي ابن إياس قائلا في أسي «لكن يد السوء أفسدت هذه الآلة، فعم الظلم والفساد وخيم الغم والكرب علي رءوس العباد».
تري من أفسد هذه الآلة؟ وماذا لو أنها عادت للعمل؟، هل ستجد من يستمع إليها؟.



#رفعت_السعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول تعديلات الدستور : جحا .. والجمل .. والحمار ... هل أصبح ا ...
- حول تعديل الدستور:حكاية جحا .. ولجنة الدكتورة أمال
- كائن لامحل له من الإعراب.. يتخطي القواعد ويستولي علي مقاليد ...


المزيد.....




- فعل فاضح لطباخ بأطباق الطعام يثير صدمة بأمريكا.. وهاتفه يكشف ...
- كلفته 35 مليار دولار.. حاكم دبي يكشف عن تصميم مبنى المسافرين ...
- السعودية.. 6 وزراء عرب يبحثون في الرياض -الحرب الإسرائيلية ف ...
- هل يهدد حراك الجامعات الأمريكية علاقات إسرائيل مع واشنطن في ...
- السودان يدعو مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة الاثنين لبحث -عدوان ...
- شاهد: قصف روسي لميكولايف بطائرات مسيرة يُلحق أضرارا بفندقين ...
- عباس: أخشى أن تتجه إسرائيل بعد غزة إلى الضفة الغربية لترحيل ...
- بيسكوف: الذعر ينتاب الجيش الأوكراني وعلينا المواصلة بنفس الو ...
- تركيا.. إصابة شخص بشجار مسلح في مركز تجاري
- وزير الخارجية البحريني يزور دمشق اليوم للمرة الأولى منذ اندل ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رفعت السعيد - حول تعديل الدستور - جحا الاخر