أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد الحروب - استبداد الاردوغانية ينهي -النموذج التركي-















المزيد.....

استبداد الاردوغانية ينهي -النموذج التركي-


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 14:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



الإفتتان بكرسي الحكم والاستبداد بالسلطة مجبولين في جينات البشر. تكاد تتحول هذه الظاهرة, التي لا تني تثبت نفسها ايا ما كان الزمن والظرف, إلى قانون رياضي يخرجها من نطاق الظواهر الاجتماعية الى نطاق العلم الامبريقي والفيزيائي. جوهر سيرورة تحول حاكم راشد الى مُستبد تستنسخ نفسها: ظروف ما, غالبا ما تكون فشل حكم سابق او فساده تقود هذا الحاكم الى كرسي الحكم, معبرا عن رغبات غالبية شعبية. في بداية حكمه يقدم الحاكم الجديد نموذجا مختلفا عن سابقيه, وينجح في تقديم بديل ما. خلال نجاحه النسبي او الكبير يكون "كرسي الحكم" قد بدأ يشتغل بطريقته الخاصة في التأثير على الحاكم, وتتحول علاقة الكرسي بالحاكم إلى ظاهرة مدهشة بحد ذاتها. فإن لم تكن هناك آليات دستورية ورقابية تقيد هذا الحاكم يصير الكرسي "الملعون" هو الحاكم الحقيقي وليس من يجلس عليه. يتحكم اول ما يتحكم هذا الكرسي بالحاكم نفسه ويفقده رشده وحصافته. طيب رجب اردوغان حاكم تركيا اليوم هو احد اهم المُنتسبين الجدد إلى تلك السيرورة التاريخية – يدخلها بقوة وطيش واندفاع.
من روبرت موغابي في موزامبيق إلى علي عبدالله صالح في اليمن تفيض الشواهد يسارا ويمينا كل منها يقدم تجربة خاصة و"إضاءة" ما تزيد من ما هو مكشوف اصلا من ظاهرة استبداد كرسي الحكم بمن يجلس عليه. يقول لنا التاريخ الماضي والقريب ان هناك ابطال حروب مجيدة وصلوا الى الحكم بعد ان خاضوا معارك صيرتهم اشباه آلهة في عيون شعوبهم, لكن حولهم كرسي الحكم المطلق الى مستبدين تافهين. سيمون بوليفار, بطل القارة الامريكية اللاتينية بأسرها في حروب التحرير ضد الكولونيالية الاسبانية في القرن التاسع عشر, تمكن منه كرسي الحكم وحوله الى مستبد ارعن رغم ثقافته الاستنارية المدهشة وحفظه "العقد الاجتماعي" لجان جاك روسو. ماو سي تونغ بطل الاستقلال والثورة الصينية في القرن العشرين حوله كرسي الحكم الى ديكتاتور كاريكاتوري يظن نفسه إلها. الحل الوحيد للحفاظ على رشد الحاكم من بطش الكرسي به وتحويله إلى دكتاتور تسكره القوة والسلطة هو تقييد الحكم بآليات ديموقراطية تمنع الحاكم, اي حاكم, من الانفراد بالقرار والسلطة وتنفيذ كل ما يريد في الزمن وبالكيفية التي يريد. وهنا بالضبط تكمن عبقرية الفكرة الديموقراطية الدستورية التي فصلت السلطات عن بعضها البعض (التشريعية, والتنفيذية, والقضائية) بحيث لا تقع جميعها في قبضة الحاكم, ثم فرضت على حكمه سقفا زمنيا, اي دورتين اوثلاث دورات انتخابية في الحد الاقصى.
لكن حتى في الحكم الديموقراطي, وفي حال لم يكن محكما واركانه ما تزال هشة, فإن الفجوات المتوفرة تتيح لكرسي الحكم الشبق بالسلطة الاشتغال على تحويل الآليات الديموقراطية إلى آليات استبداد. افضل مثالين معاصرين لمناورات كرسي الحكم والحاكم على الديموقراطية, بل وصوغها لخدمة إطالة فترة البقاء في كرسي الحكم, هما اردوغان تركيا وبوتين روسيا. هوس الرجلين بالحكم والسلطة والقوة لا تخطئه العين. والاخطر في الحالتين هو الهوس بالتاريخ والمجد الغابر, العثماني هنا, والروسي القيصري هناك, ورؤية كل منهما لنفسه في سياق ذلك التاريخ الطويل. اردوغان يريد ان يدخل التاريخ كسلطان عثماني اعاد مجد تركيا الذي ضاع انهيار الدولة العثمانية. وبوتين يريد ان يدخل التاريخ كقيصر روسي اعاد مجد روسيا الذي ضيعته المغامرة البلشفية من جهة والمؤامرات الغربية على روسيا من جهة اخرى.
"السلطان اردوغان" يستحق وقفة خاصة في ضوء تغوله المتواصل على السلطة وانحرافه ب "النموذج التركي" في سياق تجارب حركات الاسلام السياسي وارتكاسه التدريجي إلى "المربع الاول في تجربة هذه الحركات. "النموذج التركي" قدم ومنذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم سنة 2002 تجربة مختلفة وناجحة. ابتداءا انتفض قادة الاسلام السياسي التركي على تقليدية نجم الدين اربكان وتسيسه الذي استنسخ التجربة الاخوانية حيث التركيز على مسألة الهوية وإقامة الدولة الاسلامية. جيل اردوغان وعبدالله غل ازاحا جانبا "مسألة الهوية" وقدما مسألة الخدمات, وعبر هذه التقديم والتأخير في الاولويات انطلقت طاقات الحزب وطاقات شبابه لتشتغل في نطاق الخدمات. انتعش الاقتصاد, وحورب الفساد, ووجهت الجهود في الاتجاه المنتج, ولم تُستنزف في معارك وهمية وحروب طاحنة على "هوية تركيا". لم ينخرط حزب العدالة والتنمية, كما انخرط حزب السلامة من قبله, في معركة عدمية ضد اتاتورك وعلمانية الدولة, بل اشتغل ضمن ما راكمته الدولة التركية الاتاتوركية منذ تأسست. بسبب ذلك, اي اشتغال اسلاميي تركيا في البناء على ما تم انجازه مسبقا, واقرارهم بالإرث الاتاتوركي للدولة التركية الحديثة, تمكنوا من حشد الغالبية التركية وراءهم, ضد منافسيهم المشتتين وفاقدي البوصلة, والغارقين في تجارب سياسية فاسدة طويلة وعريضة. لم تشعر غالبية الاتراك المؤيدين لحزب العدالة والتنمية ولأردوغان بأنهم يقطعوا ذاتهم الجماعية مع ما راكمته الدولة التركية, ولعب هذا الشعور بالاستمرارية دورا مهما في تغذية التأييد لأردوغان وحزبه. حتى في العلاقات الخارجية استمرت تركيا, وهذه المرة تحت قيادته الحزب الاسلامي, بالاستمرار في جهود محاولة الانضمام للاتحاد الاوروبي (على الضد من نزعة نجم الدين اربكان الذي اراد ان يتوجه اقتصاديا للعالم الاسلامي وتكوين "كتلة اقتصادية اسلامية").
بيد ان الاردوغانية التي نجحت في تحويل تركيا الى دولة اقتصادية قوية وحجمت من دور العسكر في السياسة, وضمنت تأييد شرائح واسعة وعريضة داخليا, ووسعت من شبكة علاقتها الخارجية بإتجاه الشرق والعالم العربي تدخل الآن مرحلة الافول. والسبب الرئيس في ذلك في ما يبدو هو استبداد كرسي الحكم بأردوغان وتحويله له إلى حاكم ذي نزعات استبدادية واستكبارية. فخلال معاركه الطويلة لتقليم اظافر العسكر في السياسة تغول في تسديد الضربات المميتة ليس فقط لخصومه, بل للآليات الديموقراطية التي سمحت له اصلا بالصعود. مد اردوغان نفوذه الى الاعلام وسيطر على مفاعليه الاساسية وبالتالي شل طاقته. وقد تبدى ذلك بشكل فضائحي خلال أزمة ميدان تقسيم حين كانت كل وسائل الاعلام العالمية تغطي مظاهرات عشرات الالوف من الاتراك في ما الاعلام التركي غارق في عوالم اخرى. وتمدد اردوغان بإتجاه القضاء بما يثير شبهات حول مدى استقلالية هذا القضاء كما تبدى في المحاكمات العسكرية الاخيرة. كل ذلك مع تعزيز لطبقة البرجوازية الاسلاموية المقربة من الحزب والتي تسيطر على اجزاء كبيرة من الاقتصاد التركي.
ذلك كله قاد اردوغان وما زال يقوده الى سياسة التشبه بالسلاطين سواء في السياسة الداخلية, حيث بناء المشروعات الاسمنتية الكبرى حتى تدخل التاريخ بإسمه, او الخارجية. وعينه الآن مصوبة على رئاسة الجمهورية حيث لا يحق له الترشح الانتخابي لفترة اخرى, بمعنى ان منصب رئاسة الوزراء وهو الحاكم الفعلي في تركيا اصبح الآن, دستوريا, غير ممكن. والممكن الوحيد, وإن كانت تقل فرص تحققه ايضا, هو البقاء في بقعة الضوء السلطانية عن طريق تأمين مناورات سياسية ودستورية تمكن اردوغان من القدوم ثانية كرئيس للجمهورية, لكن مع تعديل للصلاحيات بحيث لا تبقى رمزية.
ما لم يقم حزب العدالة والتنمية بعملية انقلاب ابيض داخلي تحيد اردوغان وتنهي سلطاته السلطانية لصالح قيادة اكثر رشدا تعيد بوصلة السياسات بحسب البرامج الانتخابية لعامي 2002 و2006, فإن اردوغان قد يقود الحزب وتجربة "النموذج التركي" إلى نهاية غير سعيدة حقا!



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديموقراطية هي تنظيم الكراهيات في المجتمع ... وهنا عبقريتها
- إنقلاب اعاد شحن الاسلام السياسي في المنطقة
- المراهقة الليبرالية وإعادة شحن الإسلام السياسي
- الديموقراطية الليبرالية أو الحروب الدينية
- إنقاذ الشيعة العرب من «حزب الله»
- هل تبرز إيران الصديقة؟
- من مؤتمر باريس العربي 1913 إلى «عرب آيدول» 2013
- أين أصبح «مؤتمر باريس» العربي 1913؟
- «مصانع الفتاوى»: كهنوت إسلاموي وتدمير مجتمعي
- «أبوية الثورات» في الخطاب القومي
- -مصانع- الفتاوى الطائرة
- المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (2-2 ...
- «حماس» وطلبنة غزة
- فيضان المستنقع الأسدي
- المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (1-2 ...
- «البوكر العربية»... ومسألة الهوية
- قانون مدمّر في مصر: الشعارات الدينية في الانتخابات!
- مخاطر «أخونة» الأزهر
- العرب والغرب وتسليح الثورة السورية
- تسليح الثورة السورية مصلحة عربية


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد الحروب - استبداد الاردوغانية ينهي -النموذج التركي-