نايت الصغير عبد الرزاق
الحوار المتمدن-العدد: 4162 - 2013 / 7 / 23 - 05:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل من الديمقراطية أن تترك أعداء الحرية و الديمقراطية ينشطون و يستغلون "منافع" الديمقراطية التي لا يؤمنون بها أصلا و يحضرون لاغتيالها ؟
هل ترون أن مجتمعاتنا على استعداد للديمقراطية و هي التي منحت في حالات كثيرة رقابها لديكتاتوريات ثيوقراطية رجعية بعد أن عانت لعشرات السنين ويلات الديكتاتوريات الريعية "الوطنية" ؟
مجتمعاتنا لا زالت تعتبر نفسها قاصرة و تحتاج لمن يردعها و يجلدها في كل مرة باسم الوطن أو باسم الدين و أن تكون خاضعة دائما لأوصياء ؟ فكيف نفسر ارتماءها في حضن الرجعية الثيوقراطية المخيفة , مباشرة بعد أن ذاقت "يومين" من الحرية و الديمقراطية ؟ هل هي عقدة نقص نفسي في أفرادنا و مجتمعاتنا تعودت على نظرية القطيع ؟؟
أي نوع من الديمقراطية تحتاجها شعوبها ؟
هل تلك التي تأتي عن طريق انقلابات مفاجأة و عنيفة يقودها كهنة و "مناضلون" يحملون أعلاما سوداء و يتوعدون العقل و الفكر و ينصبون المشانق ؟؟ هل هذا أقصى ما نتمناه من "ثوراتنا" و توقنا للحرية ؟ هناك خلل ما في التفكير عندنا , شعوب تعبد جلاديها و إذا ثارت ضدهم فليس من أن أجل أن تتحرر منهم إنما فقط لتغيير نوعية ...الجلاد و السوط ! .
أم الديمقراطية هي تلك التي تأتي بصورة طبيعية و ممارسة أجيال و أجيال طويلة ؟ و متى سنقطف ثمار "الممارسة" و هي التي لا وجود لها و لم تبدأ بعد في ظل سيطرة الفكر المتخلف القروسطوي على المجتمع و انقضاضه على كل فكر متنور و اتهامه بالضلال و الكفر ؟؟ متى سنحصل على تلك التجربة و الممارسة و الدجالون يمنعون حتى التفكير في ذلك !
هل علينا المرور أولا بنوع من "الديكتاتوريات" الوطنية , على طريقة أتاتورك , تقوم بفرض الحداثة على المجتمع و تحميه من الدجل لأجيال عديدة , حتى يستعد لقبول و تقبل الأنظمة الديمقراطية ؟ و أين سنجد ذلك "الديكتاتور الشريف و الوطني" مثل أتاتورك في ظل "ولاة أمور" يرى أغلبهم أنه أميرا للمؤمنين ؟
هل صار قدرا محتوما لشعوبنا أن تحكمها ثنائية العسكر أو الكهنوت و لا شيء غيرهما و لا أمل في طريق ثالث مدني ديمقراطي مستنير ؟ , و لنفترض أننا واقعون في كماشة هذين الوحشين الذين تعودا على اغتصاب عقول و خيرات مجتمعاتنا طوال التاريخ , فكيف يمكننا أن نستغل هذا الوباء الاستبدادي الوراثي الساكن فينا لنصنع طريقا ثالث ؟
العديد من التجارب الإنسانية أثبتت إمكانية ولادة مجتمعات ديمقراطية و متطورة نتيجة نضالات طوائف مستنيرة تحت حكم ديكتاتوريات عسكرية , التاريخ أثبت أن الكثير من الديكتاتوريات العسكرية أنتجت ديمقراطيات و دولا متطورة اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا رغم كل الآلام التي سببتها للشعوب التي حكمتها , و الأمثلة كثيرة , جميع الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية السابقة خلفتها ديمقراطيات شعبية مدنية و نفس الشيء حدث في اسبانيا عندما قام فرانكو في آخر حياته بتسليم الحكم لسلطة ملكية دستورية ديمقراطية .
يمكننا أن نستخلص شيئا من كل هذا و بكل حيادية و بالنظر للعديد التجارب الإنسانية, و هو أن الديكتاتوريات العسكرية ورغم كل مساوئها و دمويتها في بعض الأحيان , يمكنها أن تُنتج ديمقراطيات , في الوقت الذي نجد فيه أن كل محاولات صنع الديكتاتوريات الدينية الكهنوتية لم تأت إلا بخراب الدول التي حاولت حكمها و لم تحقق أي نوع من التطور بل على العكس فقد عادت بالدول إلى الوراء و بقرون و أفغانستان و الصومال خير مثال على ذلك !
و لكن لماذا ؟ ... المعروف عن الديكتاتوريات العسكرية ( نحن لا نتحدث هنا عن جمهوريات الموز ) أنها و بالتزامن مع القمع السياسي الذي تمارسه إلا أنها لا تُغفل تطوير جوانب كثيرة من الدول التي تحكمها من تعليم و علوم و فنون و تجهيزات قاعدية و عمرانية و الكثير من التجارب تثبت ذلك , دول ديكتاتورية عسكرية حققت خطوات عملاقة اقتصاديا و علميا , و التجربة الكورية الجنوبية خير مثال على ذلك , دولة تحولت اليوم إلى مثال عالمي للتطور و الديمقراطية , دولة استطاعت أن تستفيد من تجربتها (الديكتاتورية العسكرية حتى بداية التسعينات ) في تطوير الدولة و لتدخل بعدها تجربة ديمقراطية رائدة ... فذلك التطور الفكري و العلمي الذي صنعته تلك الديكتاتوريات هو الذي كان سببا في سقوطها مهما طال الزمن , الديكتاتور يدّعي دائما أنه تقدمي و مستنير و يعمل دائما على اثبات ذلك في الواقع أمام شعبه .
نحن هنا لا ندافع عن الديكتاتوريات العسكرية و لكن المعروف عن أغلب الجيوش أنها ذات عقيدة وطنية و جمهورية علمانية و أن لديها خطوط حمراء تضعها لنفسها مهما تمادت في استبدادها , على عكس مشاريع الدولة الدينية في مجتمعاتنا التي لا تؤمن أصلا بمبدأ الوطن و تصنيفها للبشر مبني على عقائد مذهبية و دينية متطرفة و دموية تنتهي دائما بأنهار من الدماء و خراب للأوطان و هي في صدام دائم مع كل مظاهر الحضارة و الفكر الحديث.
سيقول البعض أننا ندافع عن الديكتاتوريات العسكرية و الانقلابات , و لكننا و كما سبق لنا ذكره نرى أن هناك جوانب كثيرة يمكن الاستفادة منها في ظل الديكتاتوريات العسكرية إذا كانت من النوع الذي سبق لنا الحديث عنه , و الهدف الأسمى هو في استغلال "منافعها" للسير بالمجتمع نحو الديمقراطية الحقة , رغم أن تعقيدات المجتمعات العربية و المسلمة تختلف عن التجارب السابقة في أمريكا اللاتينية و اسبانيا و كوريا الجنوبية الا أننا نرى أنها ممكنة الحدوث عندنا , على شرط ظهور ذلك الديكتاتور "العادل" .
يحضرني الآن قول شهير للأديب والشاعر السوري الكبير, محمد الماغوط ..."يبدو أن تحرير العقل العربي أصعب من تحرير فلسطين" !...
يُتبع ...
للمزيد زورونا على الموقع
http://nait-seghir-abderrezak.blogspot.com/
#نايت_الصغير_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟