عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا
(Abdulrahman Matar)
الحوار المتمدن-العدد: 4144 - 2013 / 7 / 5 - 13:11
المحور:
المجتمع المدني
يخوض السوريون اليوم صراعاً آخر، في المناطق الغير خاضعة لسيطرة النظام، مع القوى الإسلامية المسلحة، في تطور لافت لمنحى الصراع في سورية منذ 15 مارس 2011. وهو يقوم بين طرفين يلتقيان في الحقيقة عند نقطة إسقاط نظام الطاغية بشار الأسد. فيما تتسع هوة الشقاق بينهما الى حافة المواجهة، كلما طال أمد الأزمة السورية من ناحية، واستمرار الجماعات الإسلامية المتشددة بالتدخل في إدارة المجتمعات المحلية بالصورة التي تجري عليها اليوم.وفي الوقت ذاته تعيش قوى الحراك الثوري المدني، صراعات فيما بينها، اسلامية ويسارية ومستقلة، حول النفوذ والمصالح، وتشهد تحالفاتٍ في ضوء تشكّل مجتمع سياسي جديد.
تسلط
مع الأسابيع الأولى، لتحرير الرقة، بدأت ممارسات التسلط وفرض السيطرة بالقوة على مؤسسات المدينة ومواردها الإقتصادية المختلفة من قبل أكبر فصيلين مقاتلين في صفوف المعارضة السورية، هما جبهة النصرة، وأحرار الشام، اللتين تمتلكان مقومات القوة المتمثلة في توفرالسلاح النوعي، التدريب والتنظيم، ومن ثم المال. وعملت كل منها الى الحفاظ على النظام والحيلولة دون فلتان عام وحدوث فوضى، أو الإعتداء على الممتلكات الخاصة وماتبقى من سكان المدينة.
لكن سرعان مابدأت عملية منظمة في السطو على المال العام، وممتلكات النظام، فقد سلبت جميع الأموال المودعة في مصرف سورية المركزي المقدرة بمايزيد على خمسة ملايين دولار بسلة عملات مختلفة مخصصة لرواتب الموظفين وميزانية التشغيل والتسيير على مستوى محافظة الرقة. ثم أخذوا بتفكيك المخابر ومعدات التقنية الحديثة في الكليات الجامعية والمعاهد ومراكز البحوث العلمية والتدريبية. واستباحة بيوت وممتلكات الأشخاص والعائلات التي توالي النظام، خاصة من الطائفة العلوية، دون أن يكون هناك أي رادع لها، ما يجعل منها شريكة فيما يحدث، أو متغاضية عنه، أوأنه يتم بمعرفتها. تأكد فيما حيازة حركة أحرار الشام على الأموال المنهوبة من البنك المركزي.
التدخل في الإدارة المدنية، بدأ مع إنشاء الهيئة الشرعية التي صادرت القرار ومنعت فيه المجلس المحلي المختب من القيام بمهامه، والذي كان يقوم بدوره سرّاً في ظل وجود نظام الأسد، في الوقت عينه قبلت فيه دخول مجلس المحافظة الذي عيّنه الإئتلاف. فخلقت بذلك مناخاً للتنازع على السلطات الإدارية، ووضعت ثقلها فيه الى جانب مجلس الإئتلاف، أدى الى تشكيل هيئة رئاسية ثلاثية تضم الهيئة الشرعية الى جانب المجلسين المحليين. وكان واضحاً أن الهئة الشرعية فرضت شروطها، فاضطر المجلس المحلي لحل نفسه. الأمر الذي عقد إشكالية الإدارة الإنتقالية في المنطقة، في ظل رفض واسع للقوى الاجتماعية والسياسية لفرض مجلس الائتلاف نفسة بدعم الهيئة الشرعية، ونشطت في السعي لإيجاد توافق يتم من خلاله انتخاب مجالس محلية في مدن وبلدات الرقة، وصولاً الى انتخاب شفاف ونزيه لمجلس محافظة الرقة. إلا أن أحرار الشام وجبهة النصرة والألوية والكتائب المنضوية في إطارهما، كانت حجر عثرة معطلة لأي حراك في هذا الإتجاه.
العمل المدني والأسلمة
تطور الوضع الى مواجهة العمل المدني، ومنع تطوره ووجوده على الإرض، وقد سجلت العديد من حالات الإعتقال لنشطاء العمل المدني نساء ورجالاً، ومنع التظاهر والإجتماع في حالات أخرى، وهناك رفض تام وعلني لقيام المجتمع المحلي بأية أعمال ذات توجه مدني، من قبل قادة وعناصر المجموعات المسلحة هذه.
وقد شكلت الفتوى الشهيرة بتحريم الديمقراطية، وتكفير المؤمنين بها، وإعلان إقامة الحدّ على دعاتها، مرحلة تطور جديدة في هذا الصراع، لم يتوقف عند الإعلان عن " إمارة الرقة الإسلامية "، ولاحقاً دولة الشام والعراق الإسلامية، وإشكاليات الصراع المتصلة بهذا الأمر، بين الجولاني والبغدادي والظواهري، وانعكاساته الكبيرة والمؤثرة على مختلف الأطراف في الرقة. عبر انخراط أبو سعد الحضرمي " أمير الرقة " في مجريات الحدث.
لم يعجب الإسلاميون المتشددون، تنامي المجتمع المدني في الرقة الذي تجاوزت عدد جمعياته ومؤسساته وهيئاته الـ 33، من أهمها المجلس المحلي بتل أبيض والمؤسسات المدنية المميزة هناك، إضافة الى حركة حقنا، وإزرع، وجنى، والتجمع المدني لأبناء محافظة الرقة، وتنسيقية شباب الرقة، وتجمع شباب الرقة الحر، والتجمع المدني لأحرار الرقة، وائتلاف أبناء الرقة. يضاف الى ذلك حركة إعلامية وثقافية نشطة من أهمها صدور مجلة " منازل "، التي تنهض في سياقاتها حركة ثقافية متأصلة في الرقة تاريخياً ومعرفياً.
عمدت جبهة النصرة الى اعتقال نشطاء من " إزرع، ومن حركة جنى.." ووضع لوائح بأكثر النشطاء حيوية وحراكاً وفاعلية بمن فيهم رؤساء المجالس المحلية، بهدف التضييق عليهم ومحاصرتهم، لمنع انتشار أنشطتهم وأفكارهم، وتشمل الإجراءات السرية الإختطاف والإعتقال والتصفية، وتضم القوائم - حسب معلوماتٍ - قرابة 300 إسم من الداخل والخارج، وشكلت تهديداً جدياً على الحقوق والحريات، وعلى سير الحياة العامة، كان آخرها التدخل في المؤسسات التعليمية، حين قامت بفرض فصل الجنسين في المعاهد المتوسطة قبل أيام.
غياب الحاضنة الإجتماعية
الرقة، كغالبية السوريين هم مجتمع معتدل، لايميلون الى التطرف، ولن تستطيع بشاعة الإجرام والقتل والتدمير في دفعهم للقبول به. وقد واجهت الجماعات المتشددة، حركة مدنية واسعة رافضة لسياساتها وممارساتها المتمثلة في التسلط والاستبداد وقمع العمل المدني، إضافة الى علاقتها التي اتضحت فيما بعد ببعض حالات السطو والإختطاف. والحقيقة أنها خسرت المجتمعات المحلية، ولم تستطع اقناعها بأن تكون حاضنة إجتماعية لها أو لمثيلاتها، في الوقت الذي تخوض فيه كتائب الفاروق صراع إلغاء – غير معلنة - بحق جبهة النصرة التي يتضاءل نفوذها لصالح أحرار الشام، كما أشيع عن اتفاق سري بهذا الأمر مع واشنطن!
مظاهرات كبيرة عديدة خرجت في الرقة، احتجاجاً على ماتقوم به " النصرة وأحرار الشام ". وثمة مطالب جوهرية – خاصة بعد انكشاف ضعفها وتخليها عن مواجهة رتل اللواء 93 - تتمثل في أمرين:
- الكفّ عن التدخل في شؤون الإدارة الإنتقالية، والعمل المدني، وتحديد دور الهيئة الشرعية، بالقضايا المتصلة بالدين الإسلامي حصراً، و وإحالة مسألة التقاضي، إلى لجنة مستقلة من القضاة.
- إنهاء المظاهر المسلحة، وخروج الألوية والكتائب من المناطق والأحياء السكنية، داخل المدينة والبلدات، وتجنيب المدينة مزيداً من القصف والقتل والتدمير اليومي الذي يتعرض له المدنيون.
إن حركة الشباب المدني، على الرغم من حالة التهديد والاستفزاز المسلح والسيطرة على المقدرات الإقتصادية والمعيشية في الرقة، قررت عدم التراجع عن مطالبها، وهي ماضية قدماً في العمل من أجل بناء سورية المدنية الديمقراطية، في ظل مشاركة كافة المكونات السياسية والإجتماعية دون إقصاء، في إطار المواطنة، وهم يعملون من أجل ذلك بجدية وإرادة حرّة، رغم كل الصعاب، وقلّة الإمكانيات، وندرة الخبرة في العمل المدني.
-------------------------------------
كاتب سوري
مدير مركز الدراسات المتوسطية
[email protected]
#عبدالرحمن_مطر (هاشتاغ)
Abdulrahman_Matar#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟