أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزيز المعروفي - طبيعة الإنتقال من الهندسة الأوقليدية إلى الهندسات اللاأوقليدية















المزيد.....

طبيعة الإنتقال من الهندسة الأوقليدية إلى الهندسات اللاأوقليدية


عزيز المعروفي

الحوار المتمدن-العدد: 4135 - 2013 / 6 / 26 - 14:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن الرياضيات منذ أن قامت كعلم نظري علي يد اليونان إلى غاية القرن التاسع عشر , تعتبرا نموذجا مثاليا للتفكير العقلاني كما أنها كانت نموذجا حيا لتفسير المذهب الأفلاطوني و أساسا لبناء الحقائق اليقينية , و لهذا فإن أفلاطون جعلها إحدى الركائز المهمة من أجل الوصول إلى عالم الأفكار من خلال نظريات جدله الصاعد, أفلاطون جعل الرياضيات تحلق في عالم التجريد, جعلها علم نظري خالص يساعد الفرد على الخروج من كهف الضلال إلى نور الحقيقة , و لهذا فإن الرياضيات مع أفلاطون كانت مفارقة للواقع باعتبار أن هذا الأخير عالم الشك و الظن, غير أن تلميذه الواقعي أرسطو سيشيذ مذهبه الواقعي على رياضيات منطقية تسعى إلى تقديم حلول واقعية و هو ما يطلق عليه "مطابقة الفكر للواقع" و لهذا فإننا نرى أرسطو خصوصا في المنطق يستعين به من أجل تقديم حلول عملية و خصوصا تقويض الفكر السفسطائي المملوء بالمغالطات المضللة و لهذا فإن البرهان الرياضي المنطقي عند أرسطو يعد أكثر أنواع البرهان قوة و تماسكا. ليظهر فيما بعد مثانة هذا التماسك مع الرياضيات الأوقليدية التي جعلت البرهان الرياضي مفتاحا سحريا لتفسير العالم و تقديم حقائق يقينية مستنتجة بطرق تحليلية برهانية , الرياضيات الأقليدية كانت هندسية أكثر من جبرية و لهذا فإنها بنت نتائجها على أسس و مبادئ تظهر واضحة و جلية للعقل و كما أن نتائجها المستنبطة كانت تبدو في غاية البساطة و الوضوح , و الهندسة الأوقليدية ستخطو خطوات كبيرة خصوصا مع الرياضي الفرنسي الكبير ديكارت الذي أدمج بين الهندسة مع الجبر و ذلك عن طريق جعل الأشكال الهندسية عبارة عن معادلات جبرية و بلغة أرسطو جعل هندستين " هندسة موجودة بالقوة و هندسة موجودة بالفعل " , و لعل الميزة الأساسية التي قدمها ديكارت للهندسة هو أنه أعطاها تصورا جديدا و فتح لها مجالا واسعا للانتشار و لتفسير العالم بصورة أكثر وضوحا و اتساقا و لعل هذا ما دفع بديكارت من أجل جعل الرياضيات الأساس لتفسير العالم و قوله بالرياضيات الكلية أي جعل الرياضيات أداة لتفسير العالم عن طريق قوانينها المتسمة بالصدق و اليقين, و الرياضيات الديكارتية كانت تسبح داخل المكان الأوقليدي و لهذا فإنها أظفت على الهندسة الأوقليدية صفة اليقين المطلق خصوصا عندما جعل ديكارت الرياضيات الركيزة الأساسية لتفسير الحوادث التي تحدث في عالمنا , و ديكارت كما نعلم فهو قد انتصر للأفلاطونية على حساب الأرسطية فهو انتصر للرياضيات الأفلاطونية على حساب الفزيقا الأرسطية, و ديكارت جعل للرياضيات منهجا تحليليا و تركيبيا قوامه الانطلاق من عناصر بسيطة و الصعود تدريجيا نحو الصروح المعقدة بطريقة برهانية متماسكة.
الرياضيات مع ديكارت ستأخذ مسارا جديدا ستقطع مع الطابع التأملي الذي سيطر على الفكر منذ العهد اليوناني لتبدأ في الارتباط بالواقع أكثر من السابق و في هذا السياق نجد غاليلي الفزيائي المعاصر لديكارت يقول "الطبيعة كتاب مكتوب بلغة رياضية لا يستطيع قراءته إلا من كان رياضياً" , فغاليلي هنا يعطي للرياضيات سندا ابستمولوجيا و انطلوجيا فهو يقول لنا صراحة أن المعرفة الرياضية هي الأساس لتفسير و فهم الطبيعة فبالتالي يكون غاليلي قد نظر لإخراج العقل من التأمل إلى محاولة الفهم، و هو كان يحاول تفسير الطبيعة داخل الحيز الأوقليدي , بحكم أن غاليلي كان ينظر إلى الكون على المستوى الخارجي يعني في الجانب الماكروسكوبي حيث الأجسام الصلبة هي موضوع الدراسة, و نفس المسار اتبعه نيوتن الذي أتم البراديغم الكوبرنيكي الذي قوض البراديغم الأرسطي , إذن الهندسة الأوقليدية اتخذت طابع الإطلاقية مع نيوتن, فنيوتن ساهم في تدعيم الهندسة الأوقليدية ابستيمولوجيا و كذلك أنطلوجيا , لكن ذلك كله يتم ذاخل المجال الماكروسكوبي ليبقى السؤال المطروح هو هل فكر علماء ما قبل نهاية القرن التاسع عشر في دراسة العالم الميكروسكوبي ؟, هل فكروا في فهم العالم اللامتناهي الصغر؟ , هل تصوروا المكان الذي يوجد عليه العالم اللامتناهي الكبر , إنها إحدى أهم الأسئلة التي حاول العلم المعاصر الإجابة عليه, و لكنه لم يجب و كل ما فعله هو أنه صنع لنا أجوبة تناسب مقاسنا الفكري, لتصبح الحقيقة اليقينية موضع شك, و كأننا نقول مع أنشتين إن الحقيقة تتوقف على المشاهد, و قبل الانتقال إلى مدى تطبيق القوانين الرياضية في الواقع, فإنه قد حصلت مراجعة داخلية للرياضيات نفسها عن طريق مجموعة من المناطقة و هو ما يعرف بأزمة أسس الرياضيات , خصوصا للجدال الكبير الذي أثاره كانتور و راسل حول مجموعة من القضايا التي كانت تعبر من البديهيات العقلية و التي أصبحت مجالا للشد و الجدب حول صدقها و يقينها كبديهية " الكل أكبر من الجزء" , فالمنطق المعاصر ستخد له مسارا موازيا للرياضيات إن لم نقل مسارا منطبقا لها , لنقل مع راسل إننا لم نعد نعرف أين تبدأ الرياضيات و أين ينتهي المنطق , الرياضيات الأوقليدية طبعا هي التي كانت مستهدفة بحكم أنها هي الوحيدة التي كانت موجودة في الساحة العلمية , ووجودها كان متصفا بالإطلاقية لكن التغييرات الواقعية التي كانت تحدث و الملاحظات العلمية , ستجعل العلماء و الفلاسفة على السواء يعيدون مراجعة صدق نتائج الأسلاف أو محاولة التحقق الفعلي لإتمام مسارات الأبحاث العلمية , فأزمت الأسس التي أحدثت في الجبر عن طريق المناطقة ستدعم بأزمة أسس أخرى على المستوى الهندسي , و لهذا فإن الرياضيات ستتعرض لنقد و فحص داخلي , و في هذا الصدد يقول الجابري " إنها حركة نقد داخلي أدت إلى إعادة صياغة المنهج الرياضي صياغة منطقية واعية من جهة, و إلى طرح مشكلة الأسس, بعد قيام نظريات المجموعات , طرحا حادا من جهة أخرى ,فقامت زوبعة من المناقشات الصاخبة في أوساط الرياضيين , خاصة في أوائل هذا القرن ( القرن العشرين), الشيء الذي يعرف في الأدبيات الرياضية ب"أزمة الأسس" " 1 , و حركة النقذ هذه هي حركة نقد العلم لنفسه, هي مساءلة العلم للعلم نفسه, هذا العلم الذي يبنى منذ عصر اليونان إلى نهاية القرن التاسع عشر في مكان أوقليدس و زمان مطلق يسير في اتجاه مستقيم, و لأوقليدس كتاب مشهور سماه الأصول أشار فيه إلى المبادئ الثلاثة لهندسته و هي : التعاريف , و المسلمات, و التعاريف.
اعتبرت البديهيات الأوقليدية دوما مقبولة, كما أن التعاريف سكت , لأنه لا يمكن التقدم في البحث دون الانطلاق من حدود لا معرفة, أو غير معرفة تعريفا دقيقا, فإن المسلمات الأوقليدية قد بقيت دوما مجالا للشك و التساؤل خصوصا و أوقليدس يطلب منا التسليم بها دون مطالبته بالبرهان, و دون أن يدعي أنها واضحة بذاتها.
كانت المسلمة التي أثارت كثيرا من التردد و الشك تلك المعروفة بمسلمة التوازي, و التي تصاغ عادة كالتالي: من نقطة خارج مستقيم يمكن رسم مستقيم واحد فقط مواز للأول.
و الرياضيون عبر العصور من يونان و عرب و غربيون حاولوا البرهنة عليها , و الرجوع بها إلى قضايا أبسط منها و لكنهم جميعا لم يفلحوا , كما أنهم لم يستطيعوا الاستغناء عنها لأن في الاستغناء انهيار للهندسة الأوقليدية كلها.
تشكل مسلمة التوازي العمود الفقري لهندسة أوقليدس و منها تستخلص جميع الخاصيات الهندسية فيما يخص قياس زوايا المثلثات, و طبيعة الأشكال الهندسية و غيرها من الأمور الهندسية التي تدخل ضمن نطاق المكان المستوي, حيث الانحناء المكاني منعدم , و بالتالي فإن الخروج من هذه المسلمة و تجاوزها يؤدي إلى الانعطاف إلى هندسات أخرى, و هذا ما حصل فعلا, فالعالم لوباتشفسكي* حاول جاهدا الانتصار لهندسة أوقليدس و ذلك من خلال المبرهنة على المسلمة الخامسة , و لهذا فإنه استعان بالبرهان بالخلف و ذلك عن طريق افتراض عكس القضية , حتى يؤدي بنا هذا الافتراض ,خلال الاستنتاج إلى تناقض , يكون اثباتا للقضية الأصلية , و هذا فعلا ما ذهب إليه لوباتشفسكي
لكن النتائج كانت معكوسة, بمعنى أن لوباتشفسكي لم يحصل على تناقض و إنما حصل على نتائج معاكسة , و لكن بنائها المنطقي متماسك , أي أن النتائج متوقفة على الفروض المفترضة , بمعنى أن لوباتشفسكي كان قد شرع لعالم تصوري ممكن و يتجل ذلك واضحا من خلال تسميته لبحته ب"الهندسة التصورية la geometrie imaginaire " فلوباتشفسكي كان يعرف مسبقا أنه في طور إنجاز حقائق لا يقبلها العقل السوي , و كأن العهد يرجع بنا إلى أيام ذلك العالم الإيطالي الفقير غاليلي, و ليس لوباتشفسكي وحده هو الذي سطر لعالم لاأوقليدي بل هناك عالم آخر سطع اسمه عاليا اسمه ريمان , و هناك رياضي آخر أنار اسمه الكرة الأرضية معرفة إنه gauss الذي عبر عن جل العوامل الممكنة بعلاقات راضية تجعل الحقائق احتمالية أكثر مما هي إحتمالية , و الآن يمكننا القول إن طبيعة الانتقال من الهندسة الأوقليدية إلى الهندسات اللاأوقليدية هو انتقال مبني على فروض أكسيوماتيكية, فالانتقال تم من العالم المطلق إلى العالم النسبي, من عالم واحد تسيطر عليه الحتمية إلى عوالم ممكنة تتسم بالاحتمالية , من عالم توجد فيه الحقيقة المطلقة داخل مجال اليقين المطلق إلى مجال تسيطر فيه الموضوعية المطلقة داخل مجال الشك المطلق , و بالتالي فلم نعد نتحدث عن حقيقة موضوعية مطلقة أم لا, و إنما أصبحنا نتحدث حسب بوانكاريه عن الحقيقة الملائمة فقط , و في هذا الطرح يقول بوانكاريه " إن البحث عن أي الهندسات صحيحة سؤال لا معنى له", و لهذا فإننا سنخصص الفقرات القادمة من بحثنا لتحديد طبيعة الهندسة الأوقليدية ثم الهندسات اللاأوقليدية تمهيدا للوصول إلى شرح النزعة الاصطلاحية عند بوانكاريه.



#عزيز_المعروفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبيعة الإنتقال من الهندسة الأوقليدية إلى الهندسات اللاأوقليد ...


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزيز المعروفي - طبيعة الإنتقال من الهندسة الأوقليدية إلى الهندسات اللاأوقليدية