أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدون هليل - حوار مع القاص قصي الخفاجي















المزيد.....


حوار مع القاص قصي الخفاجي


سعدون هليل

الحوار المتمدن-العدد: 4128 - 2013 / 6 / 19 - 14:44
المحور: الادب والفن
    


" قصص البصرة تمثل الريادة الأولى لأدب الاستنساخ في العراق"

حوار مع القاص : قصي الخفاجي
حاوره:سعدون هليل

قصي حسن الخفاجي من القاصين المتميزين، نشر في العديد من الصحف والدوريات العراقية والعربية، وله بصمته الخاصة في كتابة القصة القصيرة، ولد عام 1954 في قشلة العشار/ البصرة حاصل على شهادة البكالوريوس / كلية الآداب/ البصرة 1982 _ 1983 مؤسس لجماعة البصرة أواخر القرن العشرين، حاز على جوائز عدة منها جريدة الجمهورية 1990 الجائزة الأولى في جريدة الاقلام 1992 جائزة جريدة الزمان 2006، جائزة دبي الثقافية 2007 . عام 1994 _1995 أعتقل في أمن البصرة. صدر له الأوديبي_ قصص قصيرة جداً_ آخر السلالات _ قصص قصيرة _ له تحت الطبع مجموعتان قصصيتان _ وقت سري _ وسطوة الكارثة. حول طبيعة النتاج القصصي وهموم الثقافة كان لنا معه هذا الحوار.

*كيف شرعت في كتابة أول نص قصصي، وهل ثمة مؤثرات معينة: اجتماعية، نفسية، اقتصادية، دعتك إلى البوح والكتابة، وما أول نص قصصي نشرته؟
-اليتم هو المؤثر الأول، اغتراب الطفولة، وفقدان الأب "ضابط الكمارك" الشاب الذي غرق في بحر الفاو شتاء 1957 أثناء مهمة استطلاع مهنية، وإني لم أره في حياتي. كان عمري ثلاث سنين، وحين وعيت الأشياء رأينا صوره ووسامته، كان قد ترك في البيت صورة كبيرة معلقة على الحائط لممثلة أميركية رائدة هي "سلفيا سدني" تحدث عنها "همنغواي" عبر كتاب الناقد الأميركي "كارلوس بيكر"، يبدو أنه كان مثقفاً إلى حد ما وهو من مواليد 1921. عشت طفولة شاقة، الفقر كان له دور كبير في خلق الحزن في نفسي فالحفاء والجوع وأقران الطفولة أولهم "مؤيد جابر" حكّاء الصف في المدرسة الابتدائية، زاملني في الرابع الابتدائي، وحين انتهت العطلة وانتقلنا إلى الصف الخامس الابتدائي، لم نره في العام اللاحق وأدركنا أنه قد مات. كان يتيماً مثلي وأصبح يعيش في كياني. صار قناعاً لي هو وتلميذ آخر اسمه "حاتم". كان معدماً وأصبح مجنوناً ومات مبكراً. إنّ مرابع الطفولة وصيد الطيور والسباحة في الأنهار وكرة القدم انتهاءً بالماركسية هي مناخات ثرية لخلق كاتب المستقبل.
أول نصّ نشرته في ملحق الثلاثاء لجريدة "الوطن" الكويتية. أرسلت النص وهو قصيدة نثر "الغضب الكبير" أرسلته مع سائق ينقل الحنطة من موانئ الكويت إلى سايلو البصرة. كانت الحرب قائمة عام 1983 فوجئت بالنص منشوراً في الجريدة التي يجلبها السواق. وفي عدد لاحق رأيت نصاً لاحقاً منشوراً لي في صفحة مع الناقدين المصريين الكبيرين "فريدة النقاش" و"شوقي عبد الحكيم" فبكيت.

*عادة ما يطرح سؤال عن شظف المبدع وما يدعوه للكتابة هل هو الجانب التعويضي على حد تعبير فرويد، تعويض الكبت والحرمان، أم أن الاكتفاء الذاتي يوفر للكاتب مساحة للإبداع.. كيف تنظر إلى هذه المعادلة؟
- هذا السؤال امتداد للإجابة عن السؤال الأول، وأنت تصيب كبد الحقيقة، فأنا عشت مقصيّاً ومتغرباً فقد احترقت أصابعي بنار الشقاء واليتم اللذين سببا لي عزلة لا فكاك منها، فكانت الكتابة هي الحاضنة الحميمة لي حيث وضعتني في مجابهة العالم والتصدي لكلّ النكاية والحرمان. بالنسبة لي لا يوجد اكتفاء ذاتي يضعني في غابة الإبداع. كنت أريد أن أعزّز وجودي المصيري عبر احتداماتي ومعاركي مع الواقع الذي أذلّ طفولتي وأقصاني عن جمال الحياة.

*كنت تكتب القصة القصيرة جداً، ولك نصوص متميزة كتبتها في ثمانينيات القرن الماضي ثم توقفت عن هذا الجنس، ولم تنشر على حدّ علمي إلاّ بعد نهاية النظام حيث أصدرت مجموعتك القصصية "الأوديبي" فهل عجزت مخيلتك أو واجهت صعوبة أمامها باعتبار النص السردي القصير وأقصد "ق.ق.ج" نصاً صادماً ومعرياً لأنظمة البطش والاستبداد؛ مما دعاك إلى المناورة والترميز في قصص قصيرة مثل قصتك "مستوطنة الكلاب" التي نشرت في أسفار وكانت جريئة جداً ؟
-كتبت القصة القصيرة جداً بشغف حقيقي ولم أتوقف عن كتابتها. إنما توقفت لفترة عن النشر، في البداية قدمتني الناقدة "نازك الأعرجي" على صفحات جريدة الجمهورية، وفي الفترة التي عشت فيها بمدينة السماوة "منطقة الصوب الصغير": التقيت الروائي "فاروق السامر" واستعرتُ منه مجموعة ناتالي ساروت"انفعالات" حيث فتحت لي دروباً واسعة ووقعتُ في قبضة القصة القصيرة جداً. لقد أمدتني "ساروت" برؤى باذخة وأخيلة ابتكارية وتضاريس معمارية صعبة. كتبتُ أربع مجموعات قصصية لم ترَ النور إلى الآن، سأسمّي هذه التجربة مرحلة السماوة الخلاقة. عشت متخفياً؛ فقد كنت متخلفاً عن الخدمة العسكرية ولم أشارك يوماً واحداً في الحرب القذرة. لا زال النص الصغير جداً صادماً بل هادماً لكل أشكال الدكتاتورية، والقصة القصيرة جداً من أصعب الكتابات لأنها تعتمد الضربة الفنية القاصمة والابتكار والمعمار المنضبط، حد الصنعة الهندسية وهي تفضح أي كاتب غير موهوب.
قصة "مستوطنة الكلاب" نشرناها في قصص1 لجماعة البصرة أواخر القرن العشرين وقد رفع عن المجموعة تقرير من داخل اتحاد أدباء البصرة وأرسل منتدى الأدباء في بغداد برئاسة رعد بندر وفداً تحقيقياً ممثلاً بالشاعرين "عبد الرزاق الربيعي" و" محمد جاسم مظلوم" وكانا عادلين وأنصفانا هما والشاعر فوزي السعد والناقد عبد الغفار العطوي. إن قصص 1 لجماعة البصرة أواخر القرن العشرين تمثل الريادة الأولى لأدب الاستنساخ في العراق. وحين نشرت "مستوطنة الكلاب" في كتاب "المشهد الجديد في القصة العراقية" كتب عنها الروائي "نجم والي" في الخارج يقول: سيأتي يوم ستدرّس فيه هذه القصة بمدارس العراق.

*ما قصة "وقت سرّي" التي فازت في مجلة الأقلام عام 1992 ما تبعاتها وكيف رشحت للجائزة في الوقت الذي كانت فيه – القصة- تشير وتدين بشكل واضح الاستبداد؟ وكان موضوعها عن الانتفاضة وتتكلم عن شخصية معروفة في البصرة وهو سليم السرّاج بطل القصة الذي انتهى إلى الجنون. وفي الوقت نفسه تتكلم عن المد اليساري الذي أثر على شريحة كبيرة من المثقفين آنذاك.
-"وقت سرّي" قصة تركيبية تؤرخ لحراك جيل سياسي وثقافي. قصة زمان ومكان وإنسان أنتمي إليه. سليم واحد من ذلك الجيل الذي احترقت أصابعه فيه. انتهى إلى الجنون وهو مشروع مفكر سياسي وشاعر وروائي ومسرحي ورسام. لقد تحرجت لجنة المسابقة من جرأة القصة لكن الراحل "موسى كريدي" قال: لكي أبرئ نفسي أنا أعطي القصة درجة "98%" فانساق وراءه د. عبد الإله أحمد والآخرون. موسى كريدي هو الجريء فمنح الآخرين الجرأة والإنصاف. لم تتحدث القصة عن الانتفاضة لكن السرّاج اعتقل في الرضوانية أثناء الانتفاضة وأفرج عنه بسبب جنونه.

*ماذا تمثل الجوائز بالنسبة للمبدع؟ وأنت فزت بجوائز عديدة آخرها دبي عن إحدى مجموعاتك التي طبعتها على حسابك الخاص؟
-الجوائز لا تمثل كل شيء لكنها في زمن سيادة الإعلام تفعل الأفاعيل. الجوائز تمنح الأديب المساعدة المادية والانتشار الواسع ولكن الكثير من المبدعين الكبار يقبعون في الظلّ بعيداً عن وسائل الإعلام. أحياناً تكون الجوائز غير منصفة بسبب اللجان القائمة عليها. وفي الأغلب إن الجائزة تمنح المبدع السعادة والرضا والتشجيع على طاقة الاستمرار والإنجاز الأفضل.

*مرحلة ما بعد التغيير شكّلت انعطافاً مهماً على صعيد الإبداع. ما رأيك بما ينشر الآن من مجاميع قصصية وروايات؟ هل يكتب لها البقاء أم أن سهولة الطباعة على الحساب الخاص جعل من هبّ ودبّ ينشر غسيله لأنه يمتلك المال. وهل هناك أسماء معينة أثبتت حضورها على الصعيد القصصي والروائي والنقدي؟
- ما بعد التغيير انقلاب شامل للدولة والمؤسسات والعقل والضمير والبنى السياسية والأنساق الثقافية وكل شيء. صادف السقوط مع أخطر شيء لم يعرفه العراقيون تحديداً وهو ثورة الأنترنت والاتصالات فقد كان العراق مسيّجاً ومعزولاً بقوة وقبضة وسطوة الدولة البعثية الشمولية. المرحلة الآن تنتظر غربالاً كونياً يفرز ويغربل الكثير من النفايات. حتماً ستستقر المرحلة ويصفى كل شيء. إن الذي ينشر أعمالاً بسبب المال سيمتنع لاحقاً عندما يرى أعماله لم تحقق نجاحاً ما أما الحقيقي سيتطور وينجز الكثير. العراق الآن يدخل مشروع الرواية ولو تراكمياً. ظهرت أسماء لتتزاحم بفعل حركية الواقع العراقي المحتدم. إن فاروق السامر وعلي عباس خفيف وناظم العبيدي وحليم مهودر وجابر خليفة وكوليزار أنور وغيرهم يحققون حضورهم الروائي بينما انتشرت المجاميع القصصية لناصر قوطي وعلي السباعي وحسن كريم عاتي وعبد الأمير محسن وعبد علي اليوسفي ومحمد الأحمد وصلاح زنكنة وسعد محمد رحيم وسعيد حاشوش وآخرين بينما في النقد ظهرت جهود مقداد مسعود وجميل الشبيبي وجاسم العايف وجبار النجدي وعبد الغفار العطوي وحسين سرمك حسن وخضير ميري وبشير حاجم ومحمد قاسم الياسري وصادق ناصر الصكر وحسن سلمان وجمال أمين وحيدر عبد الرضا وسعيد الغانمي ووديع شامخ..الخ.
إن زلزال الواقع هو أيضاً زلزال الفكر والفن. عاش العراق عقوداً لم يشهد مفكراً كبيراً ولا رواية راسخة فقد عرف الشعر والتشكيل والقصة القصيرة الآن. ظهر مفكرون أمثال فالح عبد الجبار ورشيد الخيون وحيدر سعيد وعبد الحسين شعبان وعقيل الناصري وغسان العطية والشابندر وليث كبة والشكرجي وأحمد القبانجي وآخرون. تشهد الرواية فورة ضخمة يخرج من أتونها عبد الله صخي ومحمد سعدون السباهي ولطفية الدليمي وطه حامد الشبيب وعلي بدر وبتول الخضيري وأنعام كجه جي ووارد بدر وأحمد خلف وآخرون. إن القادم من ثقافة العراق سيجعل هذا البلد يتصدر ثقافات المنطقة.

*بين فترة وأخرى نقرأ لك بعض القصائد. ماذا تشكل لك كتابة النص الشعري؟
-بدأت قاصاً وشاعراً. أول نصّ شعري كان في ملحق الثلاثاء لجريدة "الوطن" الكويتية أثناء الحرب في الربع الأول من الثمانينيات عنوانه "الغضب الكبير". تركت الشعر ثم عدتُ إليه عندما كنتُ موجوداً في مدينة السماوة. كتبتُ نصوصاً كثيرة لم أنشرها. أنا أحبُّ القصة لكنني أستعين بالشعر للعلو بلغتي القصصية، فأنا قارئ للشعر العالمي وأحببتُ بوشكين ويسنين ومايكوفسكي وآنا أخماتوفا وماريا تسفيتاييفا وفوزنسكي وجوزيف برودسكي وأيفتشوشنكو. الشعر الروسي ملهمي أما الأمريكان والإنكليز فأحبُّ إليوت وأودن ووردزوورث وفيليب لاركن وكوليرج وجيرارد مانلي هوبكنز وعزرا باوند العظيم وويتمان وبو وماريان مور وهيلدا دولتيل وروبرت لويل وماكليش وفلرنغيتي وألن غينبيرج وسلفيا بلاث وروبرت فروست بينما الفرنسيون والأسبان مثلوا لي آلهة الجمال العظام من آراغون ورامبو الخالد وبول فاليري والبرناسيون والسرياليون وغيوم أبولينير ولوركا وماتشادو وميغيل أرناندث ولويس ثيرنودا وبيثنته الكسندرا، كل هؤلاء يضخون الدم والهواء في نصّي القصصي. العراقيون ألهموني أيضاً. شغفني سعدي يوسف وعقيل علي وجماعة كركوك والرواد العظام. في الآونة الأخيرة كتبت قرابة ستين نصاً للمران. عندما أختنق وأملّ السرد أتجه للسياحة الشعرية.

*مرّة كتبت مقالة في جريدة الصباح عن القاص المبدع محمد خضير. البعض قال عنها أن فيها تجنياً وحسداً لنتاج الكاتب الكبير وبعضهم كان "بين بين" لأنك لم تكتب عن نتاجه بشكل عام بل بعض قصصه الأخيرة. كيف توضح هذا اللبس؟
-لم يكن هناك تجن. ففي الوقت الذي تصدّر فيه هذا المبدع الكبير سدّة الإنجاز في مجموعتيه "المملكة السوداء، في درجة 45 مئوي" وأصبح واحداً من أكبر الكتاب العرب ووصل إلى العالمية، بعد هاتين المجموعتين تماهى كثيراً جداً مع بورخس وكالفينو وبوتزاتي وكونديرا على حساب عراقيته. هؤلاء خلعوا عنه ثيابه العراقية وتركوه يمشي عارياً في أرض غريبة. كيف يتخلى هذا الموهوب الكبير عن هويته؟ وأنا برأيي إنه كبير وموازٍ لهؤلاء الكبار وتلك صدمتي الكبرى "كتبتُ مقالاً لينشر في جريدة الصباح وعمد عبد الزهرة زكي رئيس التحرير في حينه لحجبه مما سبب صداماً بينه وبين أحمد عبد الحسين مسؤول الصفحة الثقافية، كنت أقول في مقدمته:
فضيحة ُ تناقضاتي إنني معكَ وضدّكَ
قصيدة "رماد غرامشي" لبازوليني
محمد خضير صديقي وصديق الكلّ وهو إنسان أكبر من الكبير لكن جمهورنا لم يعايش ثقافة الاختلاف وعندما كتب نصوصه الأخيرة التي شكلت خيبة أو صدمة كتبت في المقال المحجوب: إن محمداً عندما كتب "بصرياثا سيرة مدينة" لم يترك شيئاً إلاّ وملأه فناً وجمالاً. خذ على سبيل المثال "أبي الخصيب طريق الحكايات" كتبه عبر سرد مسلّح بالفن وأعلى درجات الحداثة فهو يذكرك بالقوة أو سلاح الومضة الليزرية بينما في نصوصه الأخيرة جاء الفنان متعباً ليستخدم أسلحة سردية بدائية تذكرك بثور عباسي يجرّ محراثاً خشبياً. وبالمناسبة كل فنان له كتابات هابطة: همنغواي يهبط في "عبر النهر ونحو الأشجار" ودوستويفسكي يهبط في "قرية ستيبان شيكوفا وسكانها" حتى إنّ الكاتب الكبير إيفان تورجنيف عندما كتب رواية "الدخان" انتقدها تولستوي بحدّة. وعندما التقى تورجنيف بدوستويفسكي في مدينة "بادن بادن" الألمانية قال له دوستويفسكي: أفضل أن تحرق رواية "الدخان" فما كان من تورجنيف إلا أن يدعوه للمبارزة. غادر تورجنيف روسيا خائباً وبعد أعوام طويلة علم أن تولستوي هجر الرواية وصار متصوفاً مسيحياً ويكتب للدين خاصة/ بعد القطيعة الطويلة من منفاه الباريسي يقول:" عُدْ إلى فنك الروائي يا أديب أرضنا الروسية العظيم". ومن منبركم "الملحق الثقافي" أخاطب محمد خضير: عُدْ إلى قصّتك العراقية الخالدة يا سليل جاحظ البصرة الكبير.

*أغلب كتاباتك تُعرّي المستور في محيط متخلف ووصولي" البعض يعيب عليك أن تكتب بعض قصصك بطريقة الحكاية المتداولة.. وأنت تعرّي المسكوت عنه، من الجنس والسياسة وما إلى ذلك. كيف تنظر، وما تجيبه لهؤلاء، وما إشكالية قصّة الأوديبي التي أثارت مشكلات في البصرة؟
-أنا أكتب على عدة مستويات، في مجموعتي المقدمة إلى دار الشؤون الثقافية "سطوة الكارثة" استخدمت أقصى مديات التجريب ففي قصص مثل "بحر اليوتوبيا" و"سطوة الكارثة" و"ذاكرة حادة للأشياء المقرفة" و"آشام: الرؤى وطقوس الهلاك" مارست معماراً وتقنية أسلوبية صعبة بينما في مجموعتيّ القصيرتين جداً "الأوديبي" و"آخر السلالات" استخدمت أسلوب الحكاية أو "الحدوتة" ضمن تقنية السهل الممتنع ولكن في مجموعتي "وقت سرّي" الفائزة بجائزة "دبي" طرقت موضوعة الحبكة الفنية المتقنة وهو المزاوجة بين الشكل والمضمون، ضمن هارموني منسجم. أما في "ليلة الطعن بالخناجر" استخدمت الواقعية الرصينة التي ينهض المضمون بشكل القصة الحديثة.
كتاباتي تدخل إلى المناطق المحرّمة عبر الجنس والسياسة والجنون وما إلى ذلك. قصة "الأوديبي" أثارت صدمة جمالية واجتماعية وجنسية "استهدفت كل التابوات" ووزعت في بعض المساجد لإثارة حفيظة الأصوليين. بسببها اختفيت أربعة أيام لم أخرج إلى الشارع، وثمة دكتورة تعمل في منظمات المجتمع المدني اتصلت بالحاكم الإنكليزي العسكري " وهم الذين أسسوا جريدة الأخبار التي نشرت القصة فيها" استدعاني في فندق المربد وقال لي: إن كنت تعاني خطراً؟ وكانوا مستعدين لإخراجي من البلاد إلى بريطانيا فرفضت لأن زوبعة الخطر تلاشت.

*خضت المجال السياسي وأنت داخل العراق في حقبة الطاغية. صف لنا تلك المرحلة العصيبة وكيف تم اعتقالك مع نخبة مثقفة مثل الخطاط غالب كاظم ،والسينمائي خالد السلطان، والقاص داود الربيعي، والناقد حاتم العقيلي، مع القائد العمالي عباس عجيل ومحمد البطاط وكان سبب الاعتقال هو جريدة "الحقيقة" السريّة التي أصدرها الحزب الشيوعي.
-أنا شخصيا لم أعمل في السياسة أثناء حقبة "الجبهة بين البعث والحزب الشيوعي" كنت عسكرياً ولم أقبل في الجامعة وتوقفتُ. في بطريّة الصواريخ لميولي الماركسية، وأفرج عني وبقيت مُراقباً. غادرت إلى ليبيا وعدتُ وبتاريخ 19 آب 1981 انتميت إلى إحدى الحلقات السريّة الخيطية عن طريق "ناصر سالم" بائع الجرائد الحالي وهو قائد طلابي مطلع السبعينيات في متوسطة الطلائع وقبلها بمتوسطة جابر بن حيّان. عملت قرابة عامين، وحدث أمر تنظيمي خطير؛ سبب خلافاً لانقطع عن ذلك التنظيم الذي يبدو أنه تنظيم انشقاقي، مقره في الكويت. في مطلع عام 1984 التقيت الشاعر الشيوعي صبيح عمر"قلت له أريد الهروب من العراق، وكنت متخلفاً عن الخدمة العسكرية، قال إذا رغبت بالانضمام إلى الحزب سيهربك إلى الخارج، وفعلاً انتميت إلى حلقة علي بدر وفتحي بدر، وحين اشتدت قبضة الخطر طالبنا بالرحيل إلى شمال العراق. اختلفنا حول ذلك وانفصلنا. بعد قرابة شهور انكبس الخط، وهربت إلى بغداد "منطقة بوب الشام" ثم إلى السماوة في الصوب الصغير، حيث أعدموا كلهم بوقت قياسي قصير.
التنظيم الأول جماعة اتحاد الشعب بعد انتفاضة آذار 1991 صاروا يعطوني بريدهم السرّي المعنون "المسيرة" طلب خالد السلطان مسؤول الحقيقة أن يطّلع عليه. حين ألقي القبض عليهم كنت ليلة 9 / 10 / 1994 في بيت حاتم العقيلي، وكان مستهدفاً فدخلت المعتقل معهم. أفرج عني في 17 / 6 / 1995 وكان للشاعر بلند الحيدري دور مهم في الإفراج عنا أثناء مؤتمر الأدباء في المغرب.

*بمَ تفسّر ولع الكتاب الجدّد بالرواية رغم أن قسماً كبيراً من هذه الروايات هي في الغالب قصص قصيرة تمت تسميتها اعتسافاً؟
-يجري ذلك لمسايرة الصرعة السائدة في العالم، ففي فرنسا وأميركا وبريطانيا. سوق الرواية هو السائد، وكذلك في القاهرة وبيروت وسوريا. لا تنسَ أن جمهور الرواية كبير وجوائز الرواية قائمة ودور نشر الرواية هي السائدة والأهم من ذلك هو ترويج الرواية واستثمارها في صناعة السينما والدراما وفضائيات الإعلام.

*كيف ترى الواقع الأدبي المعاش في العراق وما هي ملاحظاتك عليه؟ وكيف يمكن تطويره؟
-الواقع مرتبط براهن السياسة والوضع القائم. إذا لم يتم عزل الدين عن السياسة وإزاحة الطائفية لا يمكن أن تتطور الثقافة. أنا كلي ثقة وأمل بالعراق أن يعود إلى وضعه المدني المتحضّر.
*ألم تكتب الرواية؟
-الرواية مسؤولية ومغامرة. وأنت عندما تخوض كتابتها إما أن تحقق نجاحاً باهراً وإلا فلا تكتب. الكثير من كتاب الرواية وضعت رواياتهم على الرفوف. جربت كتابة الرواية في مدينة السماوة ولم أكن راضياً عنها فأهملتها وكتبت روايات للفتيان عندما كنت متخلفاً عن الخدمة العسكرية زمن الحرب، بعت اثنتين منها لدار نشر تجارية أغلقت بسبب الإفلاس والحصار ولم تريا النور.
*من هم صانعو القصة القصيرة في العالم؟
-إنطوان تشيخوف وإدغار ألن بو وموباسان وأرنست همنغواي وغوركي وبورخس وإيفان بونين ود.هـ. لورنس والكسندر كوبرين و أو هنري وأسحق بابل وفلانيري أوكونور ودينو بوتزاتي وريموند كارفر ووليم سارويان وفرجينيا وولف ونادين غوردايمر وكاترين مانسفيلد وسومرست موم ووليم كوبر وغوغول وخوليو كورتيزار ويوسف إدريس وزكريا تامر ومحمد خضير ومحمود جنداري ويحيى حقي وإبراهيم أصلان ويحيى الطاهر عبد الله . هؤلاء هم أساتذة النوع كما يطلق عليهم الأستاذ محمد خضير.
*حدّد خمس روايات عراقية مهمة ..
-"الرجع البعيد" للتكرلي و"خمسة أصوات" لفرمان و"كانت السماء زرقاء" لإسماعيل فهد اسماعيل و"شلومو الكردي وأنا والزمن" لليهودي العظيم سمير نقاش و"فكتوريا" لليهودي الآخر سامي ميخائيل.
*متى انطلق العدد الأول من جماعة البصرة ؟
-تأسست الجماعة في آيار 1991 بعد شهرين من انطلاقة انتفاضة البصرة في 2/3/ 1991 واكتمل العدد الأول في 31 / 7 / 1991 ووزع في بغداد من قبل الناقد حاتم العقيلي والشاعر الراحل رياض إبراهيم ومعهم لؤي حمزة وقد نال العدد صدىً طيباً في العراق.
*هناك حديث عن أزمة قارئ عربي فما هو قولكم بهذا الخصوص؟
-الأزمة خطيرة جداً. كانت نسبة العراقيين في القراءة ممتازة والآن انحط الوضع إلى الدرك الأسفل بسبب الحروب والإرهاب والسجون والجوع والحصار. العرب عموماً من أسوأ الشعوب الآن بسبب انحدارهم صوب الطائفية وقد استخدموا الكومبيوتر استخداماً استهلاكياً وسطحياً. الشعب الإيراني كما قال لي صديق هناك احتفلوا بالذكرى السنوية لميلاد نيكوس كازنتزاكي احتفالاً جماهيرياً. أين نحن من ذلك؟
*اعتبرت السبعينيات منعطفاً للرواية العربية في اهتمامها بالراهن الحاضر. هل من توضيح؟
-عاشت المنطقة في تلك الحقبة ازدهاراً سياسياً تقدمياً واقتصادياً فهناك ازدهار في الحراك السياسي وازدهار اليسار ووجود المنظومة الاشتراكية القوية الحامية للنظم التقدمية إلى حدٍّ ما وانفتاح ثقافي جماهيري ضخم. إنها حقبة الآمال الكبيرة نحو بناء الأوطان. باختصار كانت الأحلام رائعة لنهوض الإنسان فحدثت الانعطافة الروائية فبرز رشيد أبو جدرة والطاهر وطار وعبد الرحمن منيف والربيعي والغيطاني ومحمد شكري وفهد اسماعيل وغادة السمان والقائمة تطول.
* ما رأيك بالقصة والرواية التي يكتبها العراقيون في الخارج؟
-قرأنا لكتاب كثيرين ولا زال الأمر غامضاً ومضببّاً لأن البعد عن المشهد الداخلي يترك فجوات في أعمالهم، بعضهم تأقلم مع المنافي وظلّ ينجز أعمالاً ناجحة إلى حدٍّ بعيد. ممكن أن تضيف شيئاً طيباً لسمعة الإبداع العراقي. هناك أعمال سنان أنطون وجبار ياسين ومحيي الأشيقر ونجم والي وبتول الخضيري ويهود العراق"سامي ميخائيل، شمعون بلاص وسمير نقاش". لا زال المشوار بعيداً.
*من هُمْ صناع القصة القصيرة والرواية في العراق؟
-صناع القصة هم نوري والتكرلي ومحمد خضير وسركون بولص وجمعة اللامي ومحمود عبد الوهاب وجليل القيسي وموسى كريدي ومحمود جنداري وفرج ياسين وحمد صالح. أما صناع الرواية فهم غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي ومهدي الصقر وعبد الخالق الركابي ومحمود سعيد وفاروق السامر وعلي بدر وبتول الخضيري واليهودي الكبير سمير النقاش وكل يهود العراق العظام في إسرائيل والمنافي البعيدة وسنان أنطون وعبد الله صخي واسماعيل فهد إسماعيل وعلي عباس خفيف وحسن مطلك وفاضل العزاوي وشاكر الأنباري وآخرين.
*هل تأثرت بكاتب عالمي محدد؟
-أثر بي اثنان "فنياً": الأول في القرن التاسع عشر، هو غوستاف فلوبير"النسّاج العظيم" والثاني في القرن العشرين قال عنه ت.س. إليوت "جويس، هو الرجل الذي قتل القرن التاسع عشر" قتل تقاليد الرواية القديمة حبكة وبناءً وشخصية، إذ سحق مفهوم الزمن العتيق بطرائق خارقة وتتلمذ عليه فوكنر وفرجينيا وولف، هؤلاء أثروا بي "بنائياً وتقنويّاً". ولكن هناك القائمة تطول: توماس مان، تشيخوف، دوستويفسكي، همنغواي، يوسا، جاك لندن ..الخ.
*أزمة النقد.. هل هناك أزمة بالفعل؟ وما مداها في العراق؟
-قوة النقد تتمثل في مصر والمغرب، أما العراق فهناك قصور إزاء هذين البلدين. لدينا سعيد الغانمي وعبد الله إبراهيم وفاضل ثامر وحاتم الصكر وعلي العلاق وهويدي وشجاع العاني وحاتم العقيلي لكن مساحة النقد عندنا محدودة.
*ما هي علاقة الملحمة بالرواية من حيث أصولها وروافدها والصلات التي تجمع بينهما وهل هناك احتمال لعودة الملحمة لتتسيد الأعمال الأدبية؟
-الرواية هي ملحمة العصر أما الملاحم القديمة كالأوديسة والإلياذة وملاحم الهند "الرامايانا" والفرس "الشاهنامه" وبلاد الرافدين "ملحمة كلكامش" فإنها تعتمد الميثولوجيا وسير الأبطال والآلهة والفروسية والحروب الطاحنة والحب والمسائل الخارقة.
أول من اعتبر الرواية كملحمة للعصر هو المنظر والفيلسوف الماركسي جورج لوكاتش معتمداً طروحات هيجل. ملحمة العصر تعتمد الصراع بين الإنسان والطبيعة والسلطة ثم الصراع بين منظومة العقل والروح والقلب وملاحم عصرنا هي" الحرب والسلام " لتولستوي و"آل بودنبرك" لتوماس مان و"U.S.A" لجون دوس باسوس و"دروب الحرّية" لسارتر و"الأخوة كارامازوف" لدوستويفسكي و"الدون الهادئ" لشولوخوف و"يوليسيس" لجويس و"البحث عن الزمن الضائع" لبروست وغيرها.
لا يمكن أن تعود الملحمة بمفهومها الإغريقي مرة ثانية نحن في ذروة حضارة الاتصال والإلكترون.



#سعدون_هليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الشاعر والناقد ليث الصندوق
- حوار مع الباحث الدكتور أحمد أسماعيل عبود
- حوار مع الدكتور فيصل غازي
- حوار مع الناقد علي الفواز
- حوار مع الناقد والشاعر مقداد مسعود
- حوار مع فارس كمال نظمي
- الماركسية في البحث النقدي
- حوار مع الدكتورة لاهاي عبد الحسين
- حوار مع الباحث ثامرعباس
- عبدالوهاب البياتي
- حوار مع الناقد شجاع العاني
- استعادة ماركس
- حوار مع الباحث السوسيولوجي فالح عبد الجبار
- - الثقافة أسلوب عيش وأسلوب حياة -
- حوارمع أحمد خلف
- حوار مع الروائي حنون مجيد
- حوارفي المسرح
- حوارمع الدكتورصبيح الجابر
- قراءة في كتاب - الاشكالية السياسية للحداثة – من فلسفة الذات ...
- حوار مع الدكتورعقيل مهدي


المزيد.....




- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدون هليل - حوار مع القاص قصي الخفاجي