أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بولس - الأمل سَرِيّ














المزيد.....

الأمل سَرِيّ


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 4122 - 2013 / 6 / 13 - 16:49
المحور: الادب والفن
    




علينا أن نكون قبل السادسة مساءً في مستشفى "رمبام" في حيفا. لبسنا ما يليق بالبحر الذي كان في ذلك المساء صافيًا، زرقته تثير وتستحضر فيروز وحبيبها الذي كان دائمًا بعيدًا في السماء.
قادت السيارة بتوتّر وبسرعة، كي تعوّض بضع دقائق تأخرّناها عند مغادرة بيتنا في القرية. بالعادة تقود زوجتي السيّارة لأنّها تخشى تهوّري واليوم أصرّت أكثر كي تضمن وصولنا في الوقت المحدّد. كانت تلك أمسية لحلم كبير تحقق، لذا وجب الفرح وشرطُهُ كفرح البسطاء؛ أن يكون ناصعًا مطلقًا.
لم أخفِ سعادتي، لكنّني كنت أقلّ انفعالًا. لا أعرف كيف أصبح قلبي كاتمًا للخفقان ولا متى؟ كيف صارت الفصول في رزنامتي أقلَّ بكثير من أربعة؟
اتّكأت على زجاج الشباك الجانبي، أغمضت عينيّ للراحة. لم أفكّر بشيء معين، كنت سارحًا، كمن في داخله آخرُ لا يجيد إلّا تنبيش مزارع القلق. نحن، أبناء من ولدوا على سفوح الهم، أفراحنا هشة كأفراح الحمام حين يأمن نافذةً يبني عليها عشّه. لماذا لا أفرح حتى السّكر؟
فجأةً تذكرت ملامح وجهه. غاضبًا، صادقًا، مؤمنًا بما يقوله كجند إسبارطة. قبل شهر حدّثني عن ممرّضة هاجرت من روسيا إلى حيفا. يهوديّة شربت ماء العنصرية والقرف. مرّت بجانب "سري" وزميلته في القسم. طبيبان يتحدثان بينهما بلغتهما العربية. استفزّها الموقف، توجّهت لهما آمرةً بالتوقف عن استعمال العربية! هكذا، بوقاحة سيّد عنصري، تتصرّف ممرّضة مع طبيبين زميلين في العمل. "لو لم تتوقّف عن كيل سفالتها لخبطتها بقبضتي وأسكتُّها .. صرخت بها بأن تنصرف وإلّا .." سمعته يهمس. بدأت أصحو وأخاف. حاولت أن أبتعد عن هذه الذكرى. أطاعني "سري". حضر ببسمته الخارقة ورقّته التي تذيب قلب شاعر. أملتُ رأسي ونمت على كتفه.
كآبائي وأجدادك، ها أنا آت أفيض سعادةً وفخرًا، ثمانية أعوام انتظرنا هذا اليوم؛ منذ أودعناك شابًا لم يخبر من الحياة إلا ما أسعفت به قرية تعيش على جرح بسلام لأن العاقلين فيها استقبلوا جند موسى والسماء براياتهم البيض فسلّموا وسلموا. لماذا لا يكتمل فرحٌ في هذه الأرض؟ تأتي أفراحنا منقوصة، مقضومة، منهوشة وكأننا ندفع فدية لقطّاع طرق يحمون الولائم أو ينهبونها.
بين نومٍ وصحو انتصرت البسمة؛ رافقتني صورته طفلًا في حضانة "اللقاء" في القدس، وتلميذًا في ابتدائية "الفرير" ثم حين فاجأنا غضًّا ليختار العودة إلى مسقط رأسه، وكأنّه استشعر قبل عقدين ما سيحل في مدينة الهياكل، هجرها يافعًا لينهي ثانويته في مدرسة "يني". بمحاذاة الشاطئ كرّ شريط العمر كالريح. ما أجملهم! ما أظلمهم أولادنا.
تصعقني "جنى" بسؤال مباشر واضح "هل وقفت يا أبي عندما عزفوا وغنّوا نشيد هتكفا؟" لم تنتظر إجابتي. أردفت "أنا لم أقف كما لم أفعل عندما استلمتُ شهادتي من جامعة حيفا".
كان الاحتفال الرسمي قد انتهى قبل دقائق، على المنصّة امرأة واحدة في التسعين من عمرها وعشرون من العلماء والعمداء. "روت ربابورط" ضيفة الشرف. أرملة من تبرّع بالملايين لبناء كلية الطب وصيانتها. راودتني خلال الحفل تساؤلات عن شعور هذه السيدة ومن حولها لسماع أسماء ثلثي الخرّيجين وكانوا من العرب. فكرّت أن أرسل رسائل شكر للمعهد والقيّمين عليه. لقد رعوا أحلامنا وها هم يرجعونها لنا أنوارًا ومستقبلًا. ربما كان بعضهم يتمنّى حفلًا بطعم آخر.
احتضنا "سريًا" كما يحتضن فلاح الصباح. في لحظات كانت سعادتنا أكبرَ من بحر وأهمَّ من نشيد وطني. حاول الأولاد (سري، جنى ودانة) أن يجرّوني إلى وجعهم الذي من نشيد، إلى مخاضات هوية كسيحة، تغاضيت مشفقًا على قلبي، يكفيه وجعًا.
في ذلك المساء أعلن "التخنيون" عن ضمّ تسعين طبيبًا جديدًا إلى سلك تلك المهنة المقدّسة، منهم أكثر من خمسين عربية وعربيًا، لم يصبحوا أطبّاء إلّا بعدما أن أقسموا قسم "الطبيب العبري". هنا في هذه الدولة يعيش قومٌ سليل الأنبياء بدم غير كل الدماء، أطباؤهم لا يصبحون أطباءَ إذا أقسموا ما تقسم به الأمم. ذلك الإغريقي "ابقراط" ليس منهم وقسمه ليس "كشيرًا" لا يعتمد. لم ينتبه الأولاد، جئنا بمصيبة فها نحن باثنتين: نشيد وقسم.
لا شيء سيفسد علينا هدأة الليل ونداه. أكلنا وشربنا وأصغى الأولاد لحكاية أبو فارس. في ذات مساء جاء ليزور جاره أبو الجميل، جدَّ الأولاد. وجده وحيدًا على شرفة بيته. على وجهه عبوس، حيرة وضيق. يسحب نفس سيكارته كغريق. "مالك يا أبو الجميل؟ يْروح الهم، إنت ماشاالله معلم محترم وإم الجميل معلمة والأولاد يخزي العين، كلهم ناجحين. عندك بيت وسيارة وكلشي تمام، شو اللي مضايقك يا جار" استفِزَّ أبو فارس عندما سمع أبو الجميل يشكو له هموم الدنيا ومشاكلها! "شو رايك بمحسوبك" شرع أبو فارس يقص بطيبة ملاك. "بَفيق خمسة الصبح، أختك أم فارس محضره بكرج القهوة، بفطر لقمه، بسري عَلْ أرضيات، برجع مغربية. يا دوب أغسّل، هالصّدر بستنا محسوبك، عليه هالزيتات والزعتر، البيض والزيتون، بشرب معهن فنجانين شاي بميرامية، بلفلّك هالسيكارة، بولعها وبعج عليها عجتين محترمتين وبنفخ بهَالسما وبقول عيييش يا أبو فارس عيش..".
لقد أحبّوا جدّهم وخبروا سعادته التي مع قلق. أحسست بالبرق يفرّ من عيونهم، السعادة فرصة لحظة إن أضعتها ضاعت ضياعَ غيمة، هي حكمة البسطاء، الخابرين أن لا سعادة خارجَك، هي في داخلك عند حنايا أضلعك وهناك تمامًا يا "سريّ" يعيش الأمل ويكون الوطن.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلام فيّاض خسارة أم وهم
- صفحة من حياة جليليٍّ في القدس
- عندما أهداني زاهي وهبي دولة
- ألّلهمّ أبعد عنّا الفتنة!
- تحيا الخبيزة
- -هنيئًا لك يا إسرائيل-
- سامر الفلسطيني
- يوم الأسيرة
- عهدك بسّام
- أتركها أقفالًا على ضمائرهم
- أكذبُ من جيش الإنقاذ
- سلامٌ على منسف يوحّد بيننا
- في انتظار عنترة
- انت عربي، انت خطير!!
- ليس للدهر صاحب
- إليكَ أيّها الأشرف
- درس في الديماغوغية
- والدنيا لمن غلبا
- دَبّة صوت
- إنتخابات في اسرائيل


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بولس - الأمل سَرِيّ