نديم جمال صليبي
الحوار المتمدن-العدد: 4119 - 2013 / 6 / 10 - 21:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عرف المجتمع السوري على مر العقود السابقة بالوسطية وذلك نتيجة الإجماع العمومي من قبل الشعب بجميع كتله وطبقاته وطوائفه وأعراقه .كما كانت الوسطية هي أحد أهم المحاور المركزية في العقد الإجتماعي حيث كانت الوسطية هي المنهج المتبع في أغلب المجالات والإتجاهات سواء كانت الإجتماعية أو الثقافية أو الدينية أو حتى الإقتصادية ...
فالوسطية منهج يقوم على الجمع النتقائي أو على التوحيد أو التلفيق بين عناصر متحدرة من مرجعيات متعددة وذلك على نحو ينتج بينها علاقة ذات طابع تضايفي تكاملي بقدر معين كما تظهر بمثابة منهج حكم قيمة كما عرفها الطيب التيزيني في كتابه (الاصولية بين الظلامية والتنوير )
أما التطرفية الظلامية والتي ترفض الإختلاف والتعددية في النسق الواحد وبينها وبين الأنساق الأخرى وتدين كل وسائل الفعل المجتمعي وتؤكد أن طريقاً واحدا ً للخلاص هو ماتجسده هي وحدها ودائما ماتكون ضد الجميع على مبدأ أنها هي الفرقة الناجية وهي ما تجسدها فعلاً وسلوكا ً .
إذاً التطرفية هي النقيض للوسطية ولأن الوسطية والتطرفية حالتين أثنتين متناقضتين ولا يمكن ترسيخ إحداهما في مجتمع إلا بفناء الأخرى أو تفيها تم نفي أو القضاء على التطرف ورفضه والمحافظة على الوسطية بالمجتمع السوري من قبل الغالبية العظمى التي كانت الحامل الأساسي لها والحاضنة الشعبية لها حتى جاز لنا القول أن المجتمع السوري خالي من التطرف والمتطرفين .
ولكن هذه الحالة بدأت بالتبدل بعد بدء الثورة التي أنطلقت في مارس (آذار) 2011 المناهضة للنظام القمعي الإستبدادي الحاكم في سوريا ونتيجة العنف المفرط الذي واجه النظام به الإحتجاجات المناهضة له تسارعت الأحداث وزادت وتيرة العنف وتحولت لعمليات قتل وتشريد وتدمير ممنهج للمدن السورية المختلفة .
وبما أن العنف لا يولد إلا العنف كان لابد لقانون نيوتن الثالث ( لكل فعل ردة فعل مساوي له في المقدار ومعاكس له بالإتجاه ) حيث تحول مسار الأحداث من الثورة المدنية السلمية إلى ثورة مسلحة تواجه أعتى نظام أمني فاشي في المنطقة فأدى ذلك إلى فتح الأبواب على مصراعيها للتدخلات الخارجية للدول والمنظمات والجماعات والأفراد و التي لم تكن بحسبان أحد ولم يكن مرغوب فيها ولم تكن مقبولة لدى الغالبية وهنا نستشهد بتنظيم القاعدة وجبهة النصرة بالإضافة إلى جهات متطرفة تكفيرية والجهاديين الذين قدموا من شتى أصقاع الأرض .... ولكن مع التطور المتسارع للأوضاع على الأرض ودخول الصراع بأطر جديدة و مختلفة عن سابقاتها وضراوة الصراع المتزايد وبدأ ظهور قوة التنظيمات الإسلامية المتشددة أو المتطرفة أصبحت تجد الإستحسان لدى الشارع المنهك الذي أعيته أعباء الصراع . الكثير من هذا الشارع وجد بأن الخلاص من هذا النظام الفاشي سيكون على أيدي التنظيمات الإسلامية والجهاديين .
رغم أن التنظيمات المتطرفة لم تجد قبولا لدى المعارضة السياسية الخارجية أو العسكرية المتمثلة بالجيش الحر ولكن رغم عدم قبول الجيش الحر بها إلا أنه لم يحاربها وألتزم بالحرب إلى جانبها ضد النظام الفاشي .فوجدت هذه التنظيمات أرضا خصبة لها لنشر الدعوة وإعادة أحياء الخلافة الإسلامية وإنشاء إمارات إسلامية في بلاد الشام ,
والجدير بالذكر أيضا إدخال النظام لميليشيات حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية الشيعية المتطرفة كميليشيات المهدي وعصائب أهل الحق على خط الصراع السوري ليقاتلوا إلى جانبه لأنه أدرك حتمية سقوطه و لتعقيد الوضع أكثر ولإذكاء الحقد الطائفي وجر التنظيمات الإسلامية المناهضة له لمزيد من العنف وحرف مسار الثورة وتحويلها من ثورة شعب إلى حرب أهلية طائفية مذهبية وجر المنطقة بأسرها لحرب طائفية سنية شيعية ..
والآن بعد عامين ونيف من الثورة التي أنطلقت بمظاهرات مدنية سلمية هتفت من أجل الحرية والكرامة ووحدة السوريين وتكاتفهم ضد النظام الأمني القمعي الفاشي لأجل تحقيق أهداف الثورة ببناء دولة مدنية و نظام تعددي ديمقراطي تسوده روح الديمقراطية والحرية والعدالة الإجتماعية والمساواة والعدل ...
لا يزال نشاط المنظمات الإسلامية المتشددة بتزايد مستمر وقوتها تتعاظم على الأرض شيئاً فشيئاً وهي التي تسعى لإحياء الخلافة الإسلامية وإجهاض أهداف الثورة بالدولة المدنية والنظام التعددي الديمقراطي .
وبالمقابل لا تزال المعارضة السورية السياسية بمختلف مكوناتها ومشاربها والمعارضة العسكرية المتمثلة بالجيش الحر متمسكتاً بأهداف الثورة وتسعى لأجل تحقيقها وتحقيق جميع مطالب الشارع الثائر .
أما في النهاية فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا و بإلحاح :
كيف للشعب السوري والجيش السوري الحر مستقبلأ بعد سقوط النظام كبح جماح و تقويض تدخلات الكتائب الأسلامية المتشددة المرتبطة بالقاعدة والمجموعات المرتبطة بدول داعية لها كالسعودية وقطر , وتحقيق هدفه ببناء دولة مدنية تعددية في ظل وجود الكثير من المجموعات الأسلامية التي تقاتل بقوة على الأرض وقدمت الكثير من التضحيات في سبيل إسقاط هذا النظام لتعيد أحياء الخلافة الإسلامية وكلنا نعلم ان المدنية التعددية العلمانية والأمارة الأسلامية نقيضين لا يمكن ان يكون بينهما قواسم مشتركة أو أي تقارب فكري ؟؟؟
هل سيحتاج ثورة أخرى ودماء جديدة ؟؟؟ أم أن الشعب السوري سيرضخ للواقع الذي سيؤول إليه الحال بعد السقوط ؟؟؟ أم ستتحول كما أرادها النظام حربا طائفية مذهبية تجر المنطقة بأسرها ؟؟ أم أن هناك سيناريوهات وإحتمالات آخرى سيكشفها لنا المستقبل ؟؟
#نديم_جمال_صليبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟