أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح ميرولي - عشرة ايام هزت العالم















المزيد.....

عشرة ايام هزت العالم


صالح ميرولي

الحوار المتمدن-العدد: 4112 - 2013 / 6 / 3 - 11:18
المحور: الادب والفن
    


عشرة ايام هزت العالم .. هذا ليس عنواناً للكتاب الشهير لجاك لندن , بل هي ايامنا العشر التي تهزنا كل عام لتذكرنا بالحدث الاكثر ايلاماً في ارثنا الديني الا وهو استشهاد الامام الحسين بن علي في سبيل مبادئ الحق والعداله.
كنت حينها غضا لم اتجاوز السابعة من عمري الج العالم المبهر والحزين في موكب عزاء الآتون في سوق ابوسيفين ببغداد بقيادة دليلي السياحي واخي صادق الذي يكبرني بخمس سنوات .
السواد يحيط بالمكان من كل جهه,والكتابات المخطوطة بخط ابيض على اقمشة سوداء توحي بالحزن والكآبة, صورة لرجل جميل المحيا بلحية مهذبة وعيون كلها سماحة وحب , وسيف منفلق في نهايته هي للامام علي يوضح اخي , اسد يجثو على يمينه وكله خنوع وخشوع ويدين للامام بالطاعة.. ورجل خلفه بمسافة قريبة مشبك ذراعيه على صدره وبجناحين هو الملاك جبريل يقول اخي , وطفلين يجثوان بحضنه هما الحسن والحسين ولااستطيع الاستفسار ايهما الحسن وايهما الحسين للتشابه الكبير بينهما كأنهما توأم .
المكان يوحي بالدم المسفوح , دم الحسين واتباعه, اكاد اشمه بوضوح وتؤكده محلات القصابين في سوق ابو سيفين حيث نقف.
رايات واعلام بكل الوان الطيف الشمسي توحي بأجواء الكر والبلاء والمجزره , لوحة جدارية بانورامية تواجهنا تحوي الكثير من الصور التي تحكي الحدث , احاول الاستفهام لكن دليلي يسبقني للتوضيح وفك التباس الاشياء..عالم مبهر مثير ومحزن الجه لاول مرة . يشير اخي بسبابته "هذا هو الحسين "واضيف على جملته عليه السلام كما نبهتني امي ان اقرن بعد اسم الحسين.
اذن هذا هو الحسين مسجى على الارض لكنه يحاول جاهداً النهوض بالاتكاء بصعوبة على ساعديه , السهام متزاحمة على صدره وهالة سماوية تعلو رأسه ,وهاهي فرسه تحنو عليه وتحاول ربما شمه او تقبيله.. قلب الطفل الغض فيٌ يعتصر الماً واتذكر جملةً كانت ترددها امي دائما "هل من ناصرٍ ينصرني ؟".
وذاك رجل يحمل طفلاً رضيعاً لازال في قماطه اصابه سهم قاتل في صدره, واتساءل مع نفسي مستنكراً "حتى الاطفال الرضع لم يسلموا من القتل ؟ " ياللهول ...رجل يأخذ شكل سفاح بسحنةٍ داكنة وشفاه غليظة وحاجبين كثين يحمل سيفاً بيده اليمنى يقطر دماً وبالاخرى رأساً قطع للتو, اصعق خوفاً واحتمي خلف اخي من هول ما رأيت مشيحاً بوجهي ابعد ما يمكن عن هذا المشهد الرهيب وكل اوصالي ترتجف واحساس بالدوار ورغبة في التقيؤ ,استسمح اخي الرجوع الى البيت , ولكنه يأبى..
اصارع بقوة الرغبة الجامحة في التقيؤ واتمالك ما استطعت, ابحث عن مناظر اقل بشاعة فأرى مجموعة من الناس وضعوا في قدر كبير وتحته نار موقده فيترأى المشهد هزلياً اكثر من كونه تراجيديا ومحزناً حيث انهم فرحون كمن يريدون الاستحمام بدل ان يسلقوا في الماء الساخن واستغرب ناسياً وضعي المكركب, لِمَ ينظرون ببلادة فوجوهم لاتنم عن اي شئ.
الرسوم والكتابة التي لم اكن لاعرف وقتها انها فارسية كانت توحي لي بأنها قادمة من زمن سحيق ينتمي له الحسين واهله ومواليه ,وجوه مقنعه لمجموعة نساء بجلابيب تغطي الجسم بكامله , متكورات مع بعض يستجدين الاحتماء الذاتي من كافر لادين عنده , وهالة سماوية تعلم رأس كل واحدة منهن .
بهذا المشهدالتراجيدي ,المليء بالحزن والشفقة على ما آل اليه الحسين واهله واحبته ,تستقر في قاع نفسي اولى الذكريات عن الفاجعة. وبرغبة روح الانتقام وحالة الغثيان التي احس عند عودتي للبيت , اغرق في حالة وجوم تعقبها سخونة حادة ونوم لاادري كم طال .
كان مسموحاً لنا بحكم اننا صغارلانفهم شيئأً ,ولوج عالم نساء المحلة في عزائهن والمعروفة محلياً بالقرايات حيت تقود مراسيم القراية امرأة تدعى الملايٌه , والتمتع بمشاهدة النساءالحديثات سافرات بدون فوطهن وهن يتبارين اثنين اثنين في لطمٍ على الجبين ويدرن ليتبادلن اماكنهن بطريقة اشبه ماتكون بالرقص.. ولابأس من سرقة بعضٍ من سجائر المزبن وعلبة كبريت والهروب الى سطح الدار وتدخينها خلسة.
اكبر بعدها بثلاث او اربع سنوات ليتم اختياري لتمثيل دور القاسم بن الحسن في نفس موكب عزاء الآتون , ذاك الفتى الذى ناصر عمه الحسين واستشهد قبله , يقال انه كان جميلا جدا ويشبٌه بفلقة القمر..ولاادري ان كنت حقا فلقة قمرٍ مثله...الدور لم يكن صعباً , ألبست عمامةً وملابس خضراء زاهيةً وأعطيت سيفاً كان لزاماً عليٌ حمله وانا جالس امام منبر الرادود الحسيني,ولمدة ساعتين او اكثر..ولُقنت ان اتصرف كما لو اني جالس وحدي في خيمتي اجهز نفسي للخروج الى ميدان المعركه.
كان الرجال عاريو الصدور ويلطمون بكل ماأوتوا من قوة مع رتم القاءالرادود للشعر الحسيني المؤثر الراثي للشاب فلقة القمر والمعظمة لمناقبه وتضحيته في سبيل الدين , والنساء الموشحات بالسواد يبكين بحرقة والم , ويختلط النحيب بالنشيج والاه بالانين, وتنتهز بعضهن الفرصة بين الفينة والاخرى للتمسح بي او تقبيل يدي واخذ البركة او رمي بعض النقود في حجري والتي اوكلت مهمة جمعها لشاب من ابناء راعي الموكب..والمح امي الحبيبة بين جمع النساء تتقدم نحوي كاسرةً كل المتعارف عليه لتقبٌلني من وجنتي .. ويختلط عندها وعندي العام بالخاص , فهل يا ترى قبٌلت ابن الامام قاسما أو ابنها صالحاً.
صرنا نحاول تقليد الكبار في فن اللطم على الصدور ,وكنا نفاخر بعضنا بعضاً اينا كان صدره اكثر احمراراً, محاولين التسابق في قوة اللطم .. فالقسوة الزائدة بالضرورة اجر وثواب اضافي, وعندما كانت ساحة لطم الكبار تكبر وتتسع ,كنا ننحى جانباً ليسرق منا الكبار الاضواء ونظرات الاعجاب والتقدير.
التاسوعاء على العاشوراء هي الليلة الاهم والتي بنهايتها تتوج المأساة بأستشهاد الحسين.. وجرت العادة ان الناس الموالين يسهرون الى الصباح الباكر طلباً للشفاعة والاجر والثواب واغلبهم يردد "حجه للصبح ماانام بعيوني ملح ماانام", كنا صغاراً لاخبرة لنا في السهر نغالب النعاس ولكنناسرعان ما نخر صرعى لنفيق صباحاً على صوت قارئ المقتل ذي الصوت الشجي عبد الزهرة الكعبي يصدح في الراديو بتفاصيل المقتل من الالف للياء , والذي يُبكي الصخر كما كان يقول لنا الكبار , ولتبدأ بعدها مراسيم تمثيل الواقعة كاملة في احدى ساحات كرة القدم القريبة من محلتنا.
كبرنا قليلاً وكبر حلمنا في تأسيس موكب عزاءٍ خاصٍ بنا نحن ابناء المحلة الصغار , وكان اكبرنا حينذاك لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره .
الجدار الذي لايبعد اكثر من مترين من باب بيتنا هو المكان المثالي لتعليق الصور لعلي والحسين والعباس التي حصلنا عليها مجانا من احد خادمي الامام الحسين ومحبيه.. حيت اعطانياها ابتغاء الاجر والثواب , ولكن بقيت المشكلة الاهم هي الحصول على قطعة قماشٍ سوداء لكتابة اسم موكب العزاء وبعض الشعارات الحسينية..وبعد ان اعيتنا الحيلة وبعد تفكير طويل تفتق ذهني بفكرة لاتخطر ببال الشيطان , ويبدو ان للضرورة احكام كما يقولون.
كانت لامي عباءتين واحدة قديمة وشبه بالية وكالحة تستعملها في الايام العادية وثانية جديدة تستعملهافي المناسبات والزيارات وماشابه. اذن هي عباءة امي الجديدة المحفوظة في دولاب الملابس , وسوف لن تشعر بغيابها.
اغتنمت فرصة ذهاب امي للسوق لاجلب العباءة ونباشر العمل , علقناها بمسامير على الحائط بشكل يوحي انها قطعة قماش سوداء وليست عباءةً نسائية.. وشرعت اخط بطبشورةٍ كنا سرقناها من المدرسة.. موكب عزاء فتيان الحسين 1966 ميلادية 1385 هجرية, هيهات منا الذلة, الحسين سفينة النجاة و لافتى الا علي لاسيف الا ذو الفقار.
وشرعنا بعدها بتعرية صدورنا واللطم , كنا نحفظ بعضا مما سمعناه من القصائد الحسينية فكنا نرددها بحماسة بالغة ,( جابر ياجابر مادريت ابكربلا اشصار..من شبت النار , والحرم شاطت للمعاره اتريد اهاليها ) حيدر..حيدر.حيدر .. ياحسين يامظلوم.
وسرعان ما تجمع الاولاد الاصغر سناً منا واصبح موكبنا عليه العين, والكل يلطم محاكياً الكبار, ونسوة المحلة يتجمعن حولناويشدن ازرنا ويثمن احساسنا الحسيني العفوي المبكر, قسم منهن يبكين واخريات يسعلن ويتمخطن على حد سواء.
والمح امي بين جموع النساء مشدوهة تضع يدهاعلى فمها كمن يحاول كبت صرخة لاارادية محدقة في عباءتها المشنوقة على الحائط تارة وعليٌ تارةً اخرى ولم احتج كثير ذكاء لاعرف ان لعبتي كشفت .انخرط بين جموع اللطامين لأكون ابعد ما يمكن من متناول يد امي متوجساً مرعوباً فالشرر كان يتطاير من عينيها, تدخل امي البيت وترجع وكأنها تأكدت من جريمتي بالجرم المشهود.. تنظر اليٌ والى العباءة وتنخرط في بكاء ولطم غريبين , وتجوب في رأسي اسئلة عديدة اهمها ان كانت امي ترثي عباءتها ام ترثي الحسين الذي تهون في سبيله كل النفائس والعباءات ؟!!



#صالح_ميرولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكروان..والسجان
- القراءة الخلدونية
- بين حذاء ابي.. وخطوة ارمسترونغ


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح ميرولي - عشرة ايام هزت العالم