صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein)
الحوار المتمدن-العدد: 4100 - 2013 / 5 / 22 - 20:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اعتاد علي مداعبته بالقول : دبور زن علي خراب عشه, وخروف مأمأ علي هدم آثار بلده ..
. واعتاد الخروف (الصغير) .علي احتمال تلك المداعبة الممزوجة بالتقريع . من ابن عمه , وصديقه الذي يكبره بسنوات قليلة .
ولكنه لم يتوقف عن المأمأة علي دمار آثار بلده .
كان الخروف . من اذكي اقرانه من الخراف . متفوقاً في دراسته .
دخل كلية الهندسة . وكان عضوا في جماعة خراف نلك الكلية . وطالما مأمأ علي دمار آثار بلده .. كما في المدرسة الثانوية . كذلك في الكلية ..
كبر الخروف , و أنهي دراسته الجامعية بتقدير عالِ ..
حصل علي بعثة ببلاد الفرنجة الكفار . وهو لا يحبهم .
سأل فقيها في المأمأة . يستفتيه في مدي شرعية قبول بعثة علمية ببلاد الكفار الفرنجة – قالها وهو يستعيذ بالمعيذ .
فطمأنه فقيهه . بأن الضرورات تبيح المحظورات . وعليه السفر للبعثة والاستفادة من علوم الكفار الأنجاس . لمحاربتهم بعلمهم . جهاداً في سبيل المولي .
سافر الخروف . لبلاد الفرنجة " فرنسا " . وكان من الطبيعي أن يتعرف علي زميلات وزملاء . من بنات وأبناء الكفار بذاك البلد .
في حلقة سمر . بفناء مبني الكلية . دار حديث بين مجموعة من الطالبات والطلبة . ارتاح " الخروف " لاحدي الطالبات " سيمون " – فرنسية - . وبرق في ذهنه حلم . في أن يتزوجها . بعد أن يقنعها بأن تلف شعرها وصدغيها وأذنيها بغطاء . وتلتزم بباقي ما ينتوي فرضه علي زوجة المستقبل.
صارت بينه وبين " سيمون " شيء من ألفة . راح كل منهما كلما تقابلا في فناء الكلية . يسعي لاستكشاف المزيد عن الآخر.
عندما كلمته عن آثار بلده الفرعونية الشمخاء . التي تحكي عنها الدنيا . باح لها بقناعته العقائدية ونوايا جماعته الخرفانية نحو الآثار ببلده. وخاصة الأهرام وأبو الهول . باعتبارها أوثان وشرك بالله . يجب تحطيمها .
اكتسي وجه " سيمون " بذهولً من نوع غريب . وكأن صداعً حاداً قد أصابها فجأة ! .
لم تفق من ذهولها . الا عندما شعر هو بالحرج . وراح ينظر في ساعة يده - بينما زميلة لهما ترمقهما عن قرب .
نظرت " سيمون " هي الاخري في ساعة يدها . وقالت له متحججة . ان ميعاد بدء المحاضرة يبدو انه قد اقترب . فلنسرع . وسبقت هي مبتعدة عنه . وفي رأسها خطة تدبرها ..
زميلتها . وصديقتها الحميمية " جاكي " التي التقطت حالة ذهولها تلك . رأت أن تسألها عن سر اكتئابها وهي في حديث ثنائي مع ذاك الزميل الذي ترك الشعر يكسو وجهه بشكل قبيح ..
-- عندما سألتها " جاكي " عن السبب .. أخبرتها بأن وجهها المندهش . كان يشبه بالضبط . وجه المستشارة الألمانية ميريكل . عندما استقبلت عظيم خراف النيل منذ قرابة شهر . و في مباحثاتهما الثنائية الرسمية . وفوجئت بسحب ضخمة من ظلام الجهل . تملأ رأس ومخ . القادم من واحدة من البلاد التي شع منها نور و نهار حضارة هامة في تاريخ البشرية ! . فغابت المستشارة الألمانية . في دوامة من الذهول يصعب وصفها .... وشعر عظيم خراف النيل . بالحرج عندما توقفت المستشارة الالمانية عن الحديث معه . لشدة غرقها في الدهشة من جهله .. فراح من كسوفه . ينظر في ساعة يده . وكذلك فعل مثله , " الخروف " الطالب . عندما غابت زميلته " سييمون " في الذهول . مما سمعته منه ..
دبرت "" سيمون " الطالبة الفرنسية . مؤامرة ضد زميلها " الخروف " . لتستثير فيه نخوة حب الوطن وتاريخه . تلك النخوة الميتة بداخله .
عند " سيمون " ببيت عائلتها .غرفة خاصة بعرض هوايتها . تجمع فيها الكثير من التماثيل والآثار المصرية القديمة والبرديات – المقلدة بمهارة عالية وكأنها أصلية ..
فرأت أن توجه دعوة بمناسبة عيد ميلادها . الذي اقترب موعده . لمجموعة من زملائها وزميلاتها من الطالبات والطلاب الأجانب الوافدين من دول أخري . ومن ضمنهم زميلها الخروف النيلي .
وفي اليوم المحدد .. حسب الميعاد . حضروا . وشاركوها الاحتفال بعيد الميلاد .. وكان وقتاً جميلاً أسعدهم جميعاً ..
قبل مغادرتهم . كانت " سيمون " قد حبكت خطة مؤامرتها . هي و " جاكي ".. اذ دعتهما لمشاهدة معرضها اللطيف . بالغرفة المجاورة .
رحبوا جميعاً
كانت قد أسرت لكل فرد بالمجموعة .بما تنوي فعله مع الخروف . والسبب وراء ذلك. واتفقت معهم. علي تأييدها بشدة فيما سوف تزعمه ..
سيمون ( مخاطبة ضيوفها الزملاء ) : الآن .. آخر فقرة في نهاية حفل عيد ميلادي .: سوف أعطيكم فكرة عن معرضي الجميل . :
ان بلدي " فرنسا " هي صاحبة واحدة من أهم الحضارات الانسانية القديمة . التي اتخذت منها حضارة عصرنا الحديث . قاعدة للبناء . وأنا كمحبة لحضارة وطني . فرنسا . أجمع عندي مجموعة كبيرة من آثار تلك الحضارة التي أفخر بها . هيا تفضلوا
نهضوا جميعا معها . وتوجهوا لغرفة المعرض .
( ان جميع المعروضات . فرعونية !. من تلك التي تضج بفرعونيتها ومصريتها . وتعرفها كل شعوب الأرض – توت عنخ آمون , مسلات , نماذج لأهرامات , وأبي الهول . ومعابد , مراكب الشمس الفرعونية , وعليها النقوش والكتابة الهيروغليفية . أوراق بردي عليها النقوش الفرعونية بألوانها الزاهية , تحمل صور نساء فرعونيات ورجال) !!
سيمون ( مخاطبة اياهم ) : انظروا .. شاهدوا حضارة فرنسا العظيمة . وأجدادي القدامي العظماء .
… … !
هنا . طار صواب الخروف .القادم من بلاد الأهرامات . وصاح صارخاً :: انها مصر . انها حضارة بلدي !! هذه حضارة أجدادي وليست حضارة أجدادك الفرنسيين !! .
( حسب الاتفاق . مع سيمون ) رد عليه زميل من اندونيسيا " تمكو " وقال له :
أي مصر يا زميلنا ! انها حضارة فرنسا العظيمة القديمة !
الخروف ( شهق فزعاً وازداد شعوره بالحسرة والغيرة قائلا ) : بل هي مصر . هؤلاء أجدادي ..
ردت عليه طالبة زميلة من الأرجنتين " ايزابيلا " :: يا أخي تلك حضارة فرنسا . كما نعرفها وكما درستها ببلدي الأرجنتين .
الخروف – ( وقد جن جنونه أكثر ) :. وراح يقسم لهم بالسماء . ان تلك آثار أجداده . وحضارة بلده مصر .
كيتا : ( طالب افريقي من السنغال ) : :يا أخي مصر ليست بلد حضارة . وأنا افريقي من نفس قارتك . وأعرف ذلك تاما ! .
!!!
الخروف : (تضاعفت دهشته وكاد أن يفقد عقله فعلاً ..! وشعر بفجيعة كبري من الغيرة علي مجد بلده ووطنه , الذي يسلب ويضيع أمام عينيه وبين يديه .. وبدا كما لو كان حريقاً قد شب برأسه وبداخل صدره , فراح يدق الأرض بقدمه في جنون . وهو يكاد أن يبكي ) :
انها آثار أجدادي . هؤلاء فراعنة . مصريون ! انظروا شكلهم , مثلي بالضبط , لون بشرتهم .. سمراء كلون بشرتي تماماً . ( مخاطباً سيمون ) وأنتي يا " سيمون " شقراء , فرنسية !
تونج : (طالب من الصين ): يا أخي .. هكذا كان شكل الفرنسيين قديماً . وهكذا كان لون بشرتهم ..
" سيمون " ( تؤكد علي قوله ) : نعم , نعم هكذا شكل أجدادي الفرنسيين قديماً . لأن المناخ كان مختلفاً ..
الخروف : ( يصرخ ) لا لا هذه أثارنا الفرعونية المصرية , انها آثار أجدادي .
غطفان ( طالب من الكويت ) : يا زميلنا .. أنا من دول المنطقة . وزرت مصر مع أبي وأسرتي . ليست بها سوي نهر النيل وأحصنة وجمال وماعز . ومراكب نيلية ونخيل وشجر توت وصفصاف . ولا أكثر من ذلك . ما تعرضه أختنا , انما هو من حضارة فرنسا القديمة العظيمة ..
الخروف : ( توترت أعصابه جداً وترقرت الدموع في عينيه , وقال غاضبا وهو يندفع للانصرف ) : كلكم , هكذا ! .. طيب أنا ماشي ( وانطلق محاولاً الخروج , فلحقت به زميلتهم المضيفة " سيمون " . و " انديرا " الهندية . وراحتا تهدئان من ثورته . ببعض الكلمات . حتي هدأ وجلس علي كرسي وحيد كان موجوداً بالغرفة . وقد وضع رأسه بين كفيه ., لأول مرة يشعر بأن مصر هي أهله وعشيرته . قبل ذلك اليوم لم يكن يعرف له أهل ولا عشيرة سوي الجماعة التي ينتمي اليها , والتي تعلم منها أن الدين وطن . والوطن لا شيء . انها المرة الأولي اليوم التي فهم فيها معني كلمة وطن . وأن الوطن شيء أكبر وأهم بكثير من أية جماعة . وأن الانتماء للوطن شرف دولي , وكرامة وهوية عالمية . بعكس الانتماء لمجرد جماعة ضمن جماعات كثيرة. )
أنديرا ( زميلته الهندية :) : يا صديقنا . نحن كلنا نحبك . ولا نقبل أن تثور وتغضب منا . كل ما في الأمر أن زميلتنا . قدمت البينة .علي ادعائها . قدمت لنا دليلك . . ان كان لديك دليل علي ما تقول . فقدمه .
الخروف : نعم عندي أدلة وأدلة لا حصر لها
كيتا ( السنغالي ) : حسناً قدم أدلتك ..
الخروف : نعم لدي الأدلة الكثيرة , ولكن ليست هنا . انها في مصر . سأدعوكم لزيارة مصر في اجازة نهاية العام الدارسي . لتشاهدوا بأبنفسكم .
سيمون (الطالبة الفرنسية . صاحبة الدعوة ) : حسنا حسنا . هذا هو الكلام السليم . وبدون غضب ..
الخروف : في اجازة نهاية العام الدراسي . سأدعوكم لزيارة مصر . وضيافتكم ستكون بمنزل أسرتي الكبير الفسيح . بقريتنا الجميلة الهادئة ذات التاريخ الحافل بالآثار , والمدافن ذوات النقوش الفرعونية . والمنحوتة في صخر الجبل. . وقريتنا بها متحف صغير يضم العديد من مثل تلك الآثار . الحقيقية , لا المقلدة .
( يصيحون جميعاً بحماس ) : ونحن مستعون لزيارة مصر . ولنري ان كان لديك دليل . علي ما تقول.
الخروف : سوف ترون بأعينكم
غطفان (الكويتي ) : يا أخي لا تحرج نفسك . مصر ليست فيها شيئاً مما تدعيه . أنا أعرفها .
الخروف : سوف تحضر معهم . اليس كذلك ؟
غطفان : نعم اكيد سوف احضر
الخروف ( للمجموعة ) : حسناً سوف يرون من منا الصادق .
( بينما زميلتهم " سيمون " تودعهم . بعد انتهاء حفل عيد ميلادها . حاول " الخروف " اخفاء فجيعته واكتئآبه , بأن رسم ابتسامة علي شفتيه . وهو يودعها . متمنيا لها عمراً مديدً . وانصرف مع باقي زملائه عائد الي مسكنه .
في طريقه الي مسكنه . دار بفكره . كم ستفرح أمه الفلاحة الطيبة . باستضافة هؤلاء الطلاب والطالبات الأجانب في بيتها . زملاء ولدها . وكيف ستزهو بذلك أمام جيرانها وأهل القرية جميعاً , وكم سيفرح أبوه الفلاح . الرجل الكريم المضياف . بزملاء وزميلات ابنه.. وكيف سيتوافد علي منزل عائلته . الكثيرون من الاقارب والجيران لرؤية الطلاب والطالبات الأجانب . ويسلموا عليهم . ويرحبوا بهم . وكيف سيقوم هو بدور المترجم . وكيف سيتسابق كثيرون من اهل القرية . علي دعوة ضيوفه . هذا علي الغذاء , وذاك علي العشاء , وهذه تدعوهم لتناول الفطور عندها - جدته – ..
وما ان وصل لمسكنه واستبدل ملابسه . وتمدد علي سريره سارحاً في تأمل كيف ستكون تفاصيل زيارة زملائه لقريته ليشاهدوا بأنفسهم دليل صدق كلامه . وجهل وكذب زميلهم " غطفان ".الكويتي . انفجر في البكاء . . عندما تساءل مع نفسه : ولكن ماذا سأقول لهم . لو عدت لأجد الأخوة في الجماعة . قد قاموا . كما اتفقنا . بهدم كل آثار مصر الفرعونية . بما فيها بالطبع آثار قريتنا !!؟
واستطر يقول لنفسه : حينها ستكون فضيحة لي . وسأبدو أمامهم كذاباً مدعياً . فمن أين سآتي لهم بالأدلة .
!!
هنا فهم لأول مرة . وعرف أن الآثار والتماثيل هي وثائق , مستندات , أدلة تاريخية . تدل علي تاريخ أمة وشعب وجدود . شهادات تشهد ان كانت لأمة ما , ثمة تاريخ يُعتز به وتؤخذ منه التجارب والمواعظ . التي تلهم حضارة العصر . أم هي أمه ماضيها عبارة عن جهل وتخلف ؟! ...
فهم للمرة الأولي . ان هذه التماثيل وتلك الأهرامات . هي البطاقة العائلية , والشخصية , والباسبور : الهوية الدولية . الخاصة ببلد وبشعب بأكمله .. وهي سجل نسب العائلة , بالنسبة للأمة.
فهل سيتوقف الدبور عن الزن . علي خراب عشه ؟
***********************
#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)
Salah_El_Din_Mohssein#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟