أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر المظفر - بؤرة ضوء ..جزء ثانٍ















المزيد.....


إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر المظفر - بؤرة ضوء ..جزء ثانٍ


فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 15:32
المحور: مقابلات و حوارات
    


إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر المظفر - بؤرة ضوء ..جزء ثانٍ

8. خارج منطق الهيمنة المالكية، كدكتاتور جديد ، ما مدى سوء التفاهم بين الحكومة وحاشيتها لإسقاطها ؟

الجواب:

من قال أن حكومة المالكي ما زالت حية ترزق.. إنها أكثر من ميتة, لكنها فقط تقاوم الدفن,لذلك يتسبب تفسخها في إنتشار الأوبئة. العراق هو البلد" الديمقراطي" الوحيد الذي يعتبر سقوط الحكومة, أو إسقاطها, مؤامرة وحتى أنها مدعومة من الخارج. كل هذا الفساد والطائفية والتخلف والتناحر والتقاتل ويدعون أن أي توجه لإسقاط الحكومة هو من تخطيط الشيخ حمد وزوجته موزة.. المشكلة الحقيقية ليس في سقوط الحكومة وإنما هي في بقائها, لأن بقائها بعد كل هذه الإنفجارات والأزمات وبعد كل هذا الفشل إنما يعبر عن غياب التفكير الجدي لتقديم الحل, لا بل ويعزز القناعة التي تؤكد على أن خلق الأزمات بات هو الحل الذي تقدمه الحكومة لتهريب أزماتها الذاتية, ففي العراق اليوم ليس هناك بحث عن حلول بل هناك بحث عن أزمات. نخرج من أزمة كركوك لندخل في أزمة الأنبار. إن لم تجد لك خصما حقيقيا عليك أن تشيطن صديقك. بدون شيطنة الآخر لا قدرة لهذا النظام الطائفي على البقاء, كان لنا دكتاتور يقول عن نفسه إنه القائد الضرورة وإنه الإنجاب التاريخي, هو بالنهاية يعترف بكونه دكتاتور ولو بصيغة غير مباشرة والآن صار عندنا دكتاتور يدعي بأنه ديمقراطي. مأساتنا تقع اليوم تماما في المساحة الهجينة التي يتحرك فيها مخلوق برأسين, أحدهما لدكتاتور والآخر لديمقراطي.. ما نمر به حقا ليس أزمة حكومة وإنما هي أزمة إعادة تكوين وطن في ظل غياب حقيقي لقوى وبرنامج وطني قادر على لملمة العراق من جديد. سقطت الحكومة أم لم تسقط فالأزمة ليست هنا, وإنما في البنية السياسية التي أنجبتها.عدم سقوط الحكومة بعد كل هذه الأزمات ليس دليل عافية وإنما هو دليل تردي حقيقي, والمطلوب حل جذري يمكن العراق من بناء سلطة المشترك لا سلطة الشراكة. بدون ذلك فإن مسلسل الأزمات سوف لن ينتهي ولن يتمكن النظام الجديد من تخطي مرحلة تكوين السلطة إلى مرحلة تكوين الدولة.

*
*
*

9. ثمة فضاء مشروط خالي من السلطة والاستيهامات يجسد حصيلة بيت مذعور، مرده ضنك العيش وسقف منخور و تتسربلهم اللحظات بكاتم ونعود، وعماد بيت مسجون .. هل هذا هو من طقوس حكومات الخراب العربي؟

الجواب:

كل حاكم عربي يتصور, أو يجعلوه يتصور, أنه الوحيد زمانه, وأنه الإنجاب التاريخي أو مختار عصره. والدكتاتور هو واحد في مختلف العصور ومختلف الأمكنة. أما في المرحلة الحالية فإن ديمقراطية الربيع العربي,وقبلها ديمقراطية الإحتلال في العراق قد شرعنت وجود الدكتاتورية عن طريق الإنتخابات وإستبدلت الدكتاتور المركزي بدكتاتوريين فدراليين, ورموز سياسية وطائفية وقبلية وجهوية وزعماء قبائل وميليشيات.
كل شيء على السطح يظهر ممكيجا بمساحيق لا تفلح بإخفاء الوجه الكالح للثقافة السياسية التي هيمنت على المنطقة في المرحلة الحالية. في مساحة واحدة يطلب من حرية التعبير أن تزدهر في ظل الكواتم والسجون السرية وسيف المادة أربعة إرهاب الجاهزة لتحويل الخصم إلى إرهابي في أية لحظة يرى الحاكم أن هناك رؤوسا أينعنت وحان قطافها.
اسوأ ما في هذه المرحلة هي ديكتاتوريتها الممكيجة بمساحيق الديمقراطية. في مساحة الدكتاتورية القديمة وغير الممكيجة كان يمكن للهوية الوطنية أن تنمو وتتكون بإتجاه معرّف, فالدكتاتور ونظامه في جانب والشعب وقواه الوطنية الديمقراطية على الجانب الآخر, حتى هذه (الميزة) يقضي عليها الديكتاتور الممكيج, الدكتاتور فيه يعيد قصة القمع ذاتها, أما النصف الآخر, وهو النصف الممكيج فيعمل على منع تكوين ثقافة معارضة بهوية مضادة موحدة وواضحة. هذه الشخصية الجديدة, أي الدكتاتور الممكيج, التي نراها تتحرك الآن في مصر والعراق على سبيل المثال, يأتي بحالتين معه في ذات اللحظة, حالة الظلم المركزي العام وحالة تشتيت رد الفعل وإخضاعه على مستويات متعددة لصالح الدكتاتور نفسه. بوجود الأحزاب الطائفية الإسلاموية ضاعت مركزية الإنتماء إلى دولة ووطن وحلت محلها هوية الإنتماءات الجزئية التي يعمل الدكتاتور الممكيج أن تحارب بعضها البعض بدلا من أن تحارب ضده, وفي المساحة ذاتها تمكن الدكتاتور الممكيج من الهيمنة على الفعل ورد الفعل أيضا, وهذه مسألة خطيرة, لأن حتى رد الفعل على الظلم المركزي الذي يتعرض له الجميع منعوا تكوينه, فإن تكَّون فسيتكون لصالح الظلم نفسه.
والحق أن تجربة الإسلامويين الطائفيين هي أبشع من تجربة الدكتاتوريات ( الوطنية), ففي السابق كان يمكن الإشارة بخط مستقيم إلى مصدر الخلل, أما الآن فإن الوصول إلى ذلك يمر من خلال خطوط متعرجة وملتوية ودائرية ونازلة وصاعدة وهي تشكل لدى البعض متاهة تماما مثل لعبة المتاهة التي يصعب عليك الخروج منها, وفي هذه المتاهة سيتعب الكثيرون وهم يفتشون عن طريقة الخروج من المأزق, كما وسيبقى البعض تائها ودائرا على نفسه, وفي زحمة الدوران تلك فإن الدكتاتور الممكيج والقوى الدولية والإقليمية التي تدعمه ستتمكن بسهوله على الحصول على ما تشاء بعد أن تكون جعلتنا كما فئران الكيس الذين فقدوا التركيز بعد ما خضعوا لعملية دوران سريعة أفقدتهم قدرة التوازن.

*
*
*

10. يقول المظفر هل تقوم الحرب الأهلية وهل يتقسم العراق؟

لكن "بريجنسكي"مستشار الأمن القومى الأمريكى” يقول إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن ( 1980) هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى – التي حدثت بين العراق وإيران – تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس- بيكو بحيث يكون هذا التصحيح متسقا مع الصالح الصهيو أمريكي في تفتيته إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية ..
- هل برأيك أن دور الأجندات وتأثيرها على الأحزاب، ستسعى لتنفيذ هذا المخطط ، أم أن إرادة العراقيين ستكون لها كلمة أخرى ؟

الجواب:

في مقالة سابقة لي بعنوان(هل تقوم الحرب الأهلية وهل سيتقسم العراق) قلت فيها أن التحليل النمطي الذي يتمحور حول سايكس بيكو جديدة وحول تقسيم المنطقة ليس من الضرورة أن يكون صحيحا في الحالة العراقية الراهنة. فالتقسيم يحتاج إلى عوامل داخلية وأخرى دولية, والخرائط الجغرافية ليست بالكامل ملك شعوبها, وإنما هي نتيجة لصراع إرادات دولية ترسمها حروب كبرى.
إن عامل التماسك الداخلي بإمكانه أن يعطل نية التقسيم الدولي, لكن عامل التمزق الداخلي ليس كافيا لوحده لرسم خرائط جديدة, أي ليس لوحده قادر على تأسيس دولة من دولة. ثم أن الوضع على الخرائط يرتبط أيضا بالنزاعات الإقليمية التي قد تجد لها موقعا مؤثرا ضمن ساحة الإرادات الدولية.
وعلينا أن نعرف أن ما ينطبق على سوريا ليس بالضرورة ينطبق تلقائيا على العراق, فهذا الأخير يحتفظ بمخزون نفطي إستراتيجي هائل من شأنه أن يمنحه خصوصية قد لا تتوفر لسوريا, إضافة إلى تكويناته الإجتماعية التي سيكون لها عند التقسيم تأثيرات مباشرة على إيران وتركيا, لصالحها أو ضدها.
حينما أشير إلى ذلك فأنا أشير إلى صعوبة التقسيم الجغرافي الذي قد لا يخدم الإرادات الدولية, لكني بطبيعة الحال لا أؤكد على إستحالة ذلك التقسيم حينما يشتغل العاملان, المحلي والدولي, معا في نفس الوقت ويفعلان أحدهما الآخر.
لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن الوحدة القهرية هي أشد ضررا من التجزئة الجغرافية, ولا يلغي حقيقة أن التمزق الإجتماعي المستفحل غالبا ما يستدعي التقسيم الجغرافي كحل, وبهذا قد يتحول التقسيم من مشكلة إلى حل لمشكلة.
في هذه المرحلة وبوجود الأنظمة الدينو سياسية والطائفية قد تكون هناك وحدة جغرافية على السطح, لكن تحت ذلك السطح مباشرة يتحرك التقسيم الإجتماعي المتأسس على العقائد المذهبية, وليس من العقل أن تسلب منا شعارات الدين المشترك ، حقيقة أن الوجه السياسي للمذاهب ومنذ نشأتها الأولى هو وجه تمزيقي وتقسيمي وعراكي, وأن الأحزاب الدينوسياسية لا تمتلك البرنامج الإجتماعي التوحيدي كما أن فقهها السياسي هو فقه إقليمي أو دولي متخاصم في جوهره مع الحالة الوطنية المعرفة بعقيدتها ومساحتها الجغرافية..
نحن إذن, برغم وجودنا في مساحة جغرافية موحدة إلا أننا مقسمون أشد التقسيم, وأخشى أن يتحول التقسيم من مشكلة إلى حل, على الرغم مما يخلقه هذا الحل من مشاكل جديدة للجميع. إن تقسيم العراق بسبب جغرافيته هو أمر صعب حقا وسيكون بوابة لدخول الجميع في معارك وحروب صعبة قد يكون أولها بسبب المياه, ولن يكون أخيرها التشنج الطائفي الذي من المقدر أن يكون وحشا مفترسا على الحدود.
وأعود إلى المقالة لكي أجيب على السؤال, فما أشرت فيها هو تأكيدي على أن تمزيق الإرادات قد يكون هو الحل المستهدف في العراق, وهذا ما هو حاصل. وضمن إتجاه كهذا قد لا يتقسم العراق جغرافيا وذلك بسبب نفطه, أو بسبب تاثيره على جواره, ولكن ستتقسم إرادته إلى إرادات, لهذا السبب, أو لغيره ذاك الذي له علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي.
وتقسيم الإرادات هو خطوة أساسية على طريق تقسيم الجغرافيا الذي قد لا يكون هدفا أكيدا أو أنه قد يكون هدفا مؤجلا لـــ "حتى إشعار آخر" .. إن إفشال مخطط تقسيم العراق يعود إلى قدرة العراقيين على إعادة صب إراداته في إرادة وطنية واحدة, وحين يتحقق هذا فإن خرائط التقسيم ومخططاته سوف تبقى مغلقة ومخزونة في صناديقها, وسيهن الأمر كثيرا لو أننا لم نغفل حقيقة أن أغلب دول المنطقة لها ملفات تقسيم في مخازن الإرادات الكبرى, وما ينطبق على العراق ينطبق أيضا على مصر وإيران مثلا, ولهذا نحن لسنا وحدنا الهدف في ساحات التقسيم, الذي قد يكون معطلا في ساحات أخرى تجتمع على الإرادة لتظل مجتمعة على الجغرافيا.

*
*
*

11. الكرسي في الحكومة هو كينونة الديمقراطية الوحيد. مدياته عبوات وأحزمة ناسفة وسيارات مفخخة تمر دون تفتيش ، ويتشدق بفضاء من تلفظ خالي من الوعي، أنه على علم ودراية بمسميات من يشحذ سن التفجيرات الطائفية ، أليس هناك من قانون يحاسبه ؟

الجواب :

المشكلة الحقيقة التي نجابهها اليوم هي ملخصة بوجود نظام ذا عناوين ويافطات ديمقراطية تعمل تحتها قوى غير مؤمنة بالديمقراطية وحتى نقيضا لها. مع الأنظمة الدكتاتورية السابقة لم تكن هناك هذه الإزدواجية البشعة, وكان ممكنا تعريف النظام أو التعرف علية بكل بساطة وبإتجاه واحد. وكما قلت كان الدكتاتور لا يتردد عن الإعلان عن هويته وإن كان ذلك من خلال هويات لا تفترق بالنتيجة عن هويته كدكتاتور, ولا يمكن لها أن تشرعنها. ومن الأكيد أن محاولة الجمع بين فكر دكتاتوري وفكر ديمقراطي تحت ضغط حاجات السلطة سيخلق لنا إشكالات كبيرة وذات علاقة بالصيغ المتخاصمة مع أسس وأخلاقيات العمل السياسي.
في الحقيقة هناك إمكانية مفتوحة لأن يتطور العمل السياسي بشكل إيجابي بما يتناغم مع حاجات السلطة وواقع مغادرة الحزب أو الفصيل من موقع الترف النظري إلى موضوعية الممارسة. لكن ذلك يتطلب بالتأكيد ويشترط أن يكون الحزب نفسه مستعدا للتغيير. لكن ذلك سيكون صعبا وحتى مستحيلاً حينما يجري الحديث عن الأحزاب ذات الطبيعة الأيديولوجية الحديدية, وخاصة أحزاب الأيديولوجيات الدينية المقدسة, فهي دكتاتورية وديمقراطية في نفس الوقت.
ولا يمكن لحزب وتحت مغريات السلطة أن يقدم نفسه مع وجود هذه المعادلة المتخاصمة الأطراف إلا من خلال منطق مرتبك ومهزوز وحتى بصيغ إنتهازية وذات طابع نفاقي وكاذب. وحينما يتقدم كرسي السلطة كثيرا على كرسي المبادئ فإن محاولة الجلوس عليهما في نفس الوقت تصبح محاولة صعبة ومشوهة وسرعان ما تفرز إشكالياتها على الواقع السياسي وعلى المجتمع أيضا.
في زمن صدام أراد لنا النظام أن نؤمن قسرا بأننا إنتصرنا على ثلاثة وثلاثين دولة, وكان معنى ذلك في أبسط حالاته أن نكذب على أنفسنا, ونعيش الحالة ونقيضها في نفس الوقت, فنحن منهزمون في الواقع لكن كان علينا أن ننتصر على السطح لكي لا يتحمل القائد نتائج الخسارة الكبرى, أو تتراجع كثيرا أسهمه في سوق البطولات المزيفة. هل تغيرت الحال.. نعم تغيرت, لكن ذلك لم يكن قد جرى على صعيد جوهري, بل تجسد في نوعية الأكاذيب, فالحاكم ديمقراطي الوجه لكن دكتاتوري القلب والعقل واليدين. وهو من جهة أخرى طائفي وزعيم حزب طائفي ويدعي أنه خصم للطائفية, وهو قائد لدولة قانون ورئيس لدولة قبائل وعشائر في نفس الوقت! إلى ماذا سيؤدي ذلك, إنه يؤدي إلى ما قلته في المداخلة السابقة, وأقصد به الإتيان بفعل سيئ مع مسخ رد الفعل لكي يأتي سيئا أيضا.إنها مصيبة كبيرة وليس هناك ما يساعد العراق على أن يخرج منها ما لم تقدم السلطة نفسها بشكل غير مزدوج وغير كاذب وتتخلى عن النفاق السياسي.

*
*
*

12 يقول المظفر : ناس بلا وطن أم وطن بلا ناس
والحكومة تدير ظهرها للشعب ، سادرة في تكميم الأفواه ديمقراطيا ، وإسْتعار هوة الطائفية والتقسيم لا في ردمها ... في صالح من يكون العراق بلا عراقيين ، ولمن سيسلم على طبق من خواء ؟

الجواب:

العراق بات اليوم في معركة مواجهة بين الإقليمي والوطني. الحقيقة أن العراق لم يخلو تاريخيا من صراعات بهذا الإتجاه, وهي صراعات تضع الوطني ممثلا في دولته الحديثة التي تشكلت في العشرينات من القرن الماضي في مواجهة أو في خدمة الإقليمي أو الدولي أو القومي. مع الشيوعيين كانت هناك محاولة للتوفيق على الأقل بين حاجات العقيدة الأممية وبين العراق الوطني, ومع القوميين والبعثيين كانت هناك محاولات لوضع الوطني في خدمة القومي, أما الآن فإن الإتجاه الواضح هو وضع الوطني في خدمة الإقليمي الإسلاموطائفي. لكن علينا أن نقف أمام ذلك بحذر شديد لكي لا يجري تعويم الأمور وتكييفها بالإتجاه الذي يلغي ويتعارض مع الحقائق التاريخية. فالشيوعيون رغم تقدم أممية فكرهم على وطنيته, إلا انهم كانوا أقدر من غيرهم على تمرحل العمل السياسي تخدمهم في ذلك نظرية إقتصادية علمية تجد أن هناك ضرورة في تقسيم التاريخ إلى مراحل وبما يعني إمكانية إيجاد التناغم بين الحالة الوطنية والحالة الأممية لفترة مفتوحة, ذلك بطبيعة الحال لم يكن ألغى محطات الإنحياز غير الموزون لمعسكر بعينه في الحرب الباردة تأسيسا على أممية مؤدلجة مما أدى إلى صراع مميت بينهم وبين الأيديولوجية القومية, وإلى مشاهد إفتراق مع الحالة الوطنية. البعثيون أيضا كانوا فكريا متضاربين مع الدولة الوطنية إلى حد إدراجها كإحدى النتائج المترتبة على إتفاقية سايكس بيكو التقسيمية وإعتبارها حالة آيلة إلى زوال, كما أن الإيمان بها كحقيقة كان يبوب في خانة القطرية المدانة. ثمة إجتهادات هنا وهناك قد تختلف مع هذا التحديد, ومع إفتراض وجود تفسير مبرر وربما مقنع لحالات التناقض مع الحالة الوطنية فإن من الصعب نكران وجود دخول دولي أو قومي على القضية الوطنية كان قد أضر بها في مراحل متعددة ومنع على الأقل تبلور ونضوج المشروع الوطني بإتجاهاته السياسية والفكرية. غير ذلك يمكن لنا أن نتأكد, أن المشروعين القومي على جهة والأممي الشيوعي على جهة أخرى, لم يضعا العراقيين بعضهم في مواجهة البعض الآخر ضمن نزاع أفقي يقسم الشعب نفسه ويستعمله للقتال ضد بعضه كما يفعل الطائفيون. لكنه في حقيقة الأمر كان وضع السياسيين في مواجهة بعضهم البعض.
وحتى مع القضية الكردية فلم يكن هناك ما يشير على أنها كانت تبلورت على شكل مواجهات قومية, وإنما كانت الدولة العراقية بمختلف أنظمتها تضعها في خانة التمرد والإنفصال, ولم نشهد للأكراد ميلا لقومنة كفاحهم لكي يتخذ طابعا عدائيا للعنصر العربي.
في حالة الإسلام السياسي تطور الأمر بإتجاهات مدمرة لمشروع الدولة الوطنية. من ناحية فقد أتيح لأحزاب إسلاموية معادية بالأصل لمشروع الدولة الوطنية أن تحكم هذه الدولة وأن تكون بالتالي حاكما وخصما لها في نفس الوقت, وهي حالة شاذة ومخربة. ومن ناحية ثانية فنحن لسنا أمام حالات سياسية قابلة لأن تتعدل على ضوء التجربة العملية بل نحن في مواجهة محاور مقدسة لا يجوز المساس بها, المحور الشيعي والمحور السني يفتحان بكل تأكيد باب المعارك الإقليمية التي تتجاوز الوطني وتضعه في خدمتها, وبهذا فإن مشروع الدولة الوطنية بات يواجه خطرا جديا, وأقل ما سيواجهه هذا المشروع أخطار التمزق والتشرذم وإعادة تكوين الدول وفق الفقه الديني الإقليمي, ومن الطبيعي أن لا يمر ذلك إلا من خلال حروب مذهبية مدمرة, ولهذا كنت طرحت تساؤلا كان أيضا عنوانا لمقالة بنص يقول (وطن من دون ناس أم ناس من دون وطن) وهو عنوان لا شك يقترب من نوع المشكلة وحجمها, تلك التي نواجهها, شعبا ودولة وطنية, على يد الإسلام السياسي المذهبي الطائفي, إذ نحن بتنا مهددين بالفعل بين أن يقتل بعضنا البعض فنكون وطنا من دون ناس, أو أن يتمزق العراق لكي نكون ناسا بدون وطن.

*
*
*

13.يُعرّي ويهدد حاكم العراق الجديد ، بفضح من كانت له يد في اغتيال الشعب ، لماذا هذا التوقيت ، ولماذا صمته، ولِم َكان كأصحاب الإخدود ؟

الجواب:

الكل يدعي أن حصته الشعب والأخر يقتله. تشخيص المشكلة يجب أن لا يبدأ فنيا وإنما مبدئيا, وفي حالتنا المشكلة على صعيد المبدأ واضحة وهي تتلخص في وجود الإسلام المذهبي السياسي الذي يعتمد على التاريخ الدامي بين المذهبين كأدوات للقتال, ولذا فإن نزع السلاح يصبح صعبا بوجود الإسلام المذهبي لأنه يقضي بقبول الطرفين أو أحدهما بالتخلي عن تاريخه, ولا أحد مستعد للقبول بحل كهذا, فالتاريخ لا يمكن إلغاؤه وإنما يمكن تعطيل ألغامه, وذلك لا يمكن الوصول إليه إلا من حلال تنحي الإسلام السياسي الذي لا يملك اسلحة قتال أو جدال غير سلاح تاريخ الفرقة الدامي. وحل كهذا لا يمكن أن يجد نفسه إلا من خلال دولة وطنية علمانية سياسية ليبرالية, دون ذلك فحتى السلام النسبي على السطح لن يكون سوى هدنة, لأنها حرب مقدسات لا يمكن حلها إلا بتغلب طرف منها على الطرف الآخر, هل عمرنا سمعنا "بمقدس يقبل الشراكة مع مقدس نقيض" .
كل المحاولات لإقرار حالة سلام إجتماعي وسياسي دائم يستند على معطيات الإسلام السياسي هي حالة كاذبة وهي حرب ممكيجة بمساحيق سلام باهت. لو كان الإسلام المذهبي قادر على بناء دولة سلام داخلي لكان أفلح على الأقل في عملية التقريب بين المذاهب, غير أن أكثر من أربعة عشر قرن من الزمن أكدت على أن الحل هو نزع الألغام عن طريق فصل الدين عن الدولة المتعددة الأديان والمذاهب والقوميات.. حروب الملفات هي تعبير عن الحروب المستمرة تحت يافطة السلام الكاذب.
في مواجهة المشكلة العراقية لا بد من مشروع المسامحة والتصالح, وهو أمر لا يستطيع عليه الإسلام المذهبي ،لأنه هو بطبيعته صيغة إختلاف ومواجهات, فإذا أضيف إلى هذه الصورة المعتمة عامل الصراع الإقليمي فإن تخيل إغلاق هذه الملفات يصبح أمراً صعباً، لأن نية السلام والتعايش والمصالحة غير متوفرة لدى فصائل مذهبية تعيش معارك ثأرية مفتوحة منذ أربعة عشر قرنا.
العلمانية السياسية كانت قد إقتضتها حاجة التطور لدي الأوروبين, أما نحن فلاشك نحتاجها بأشد مما كانت عليه حاجتهم لأنها بالنسبة لنا حالة مساواة وعادلة ووجود قبل أن تكون حالة نهضة, ولا أظن أن الملفات السياسية التي يفتحها الحاكم ضد خصومه منعزلة عن الملفات التاريخية التي لم تعثر على نهاياتها منذ قرون, ولذا فإن غلق الملفات السياسية لا يمكن أن يتم قبل غلق الملفات التاريخية التي كتبها تاريخ من النزاع الدامي الذي يدور معنا مثلما تدور عقارب الساعة, وكل ذلك لا يمكن أن يتم بوجود الإسلام السياسي, بل بوجود الدولة العلمانية التي ستكون مهمتها الأساسية ليس غلق ذلك التاريخ تماما ولكن على الأقل تعطيل ألغامه وشل اليد التي تمسك بصاعق التفجير.

*
*
*

14. ألسنا بحاجة إلى تطبيق مفهوم فصل الدين عن السياسة، أم فصل ( دين المرجعيات) عن السياسة ؟

الجواب:

في العديد من المقالات حاولت أن أؤكد على أن العلمانية نوعان, العلمانية الكلية أو العلمية, والعلمانية السياسية او تلك التي يسميها البعض بالجزئية. أظن أن تسميتي هي الأفضل لأنها أوضح وأدق وهي لا تترك مساحة للتداخل التي يوطفها الإسلام السياسي لتكفير العلمانية بشكل شامل.. العلمانية السياسية لها علاقة ببناء الدولة وليس هناك في مضمارها ما يجعلها على خصومة مع الدين أو المتدينين,فهي بالتالي فصل الدين عن الدولة ومنح المؤسسة الدينية فرص العمل في أماكن العبادة.
لو كانت العلمانية السياسية ضد الدين لأتجهت لإغلاق أمكان العبادة في دولها. ورغم أنها كانت هي المنتصرة في معركتها مع المؤسسة الدينية إلا إنها لم تفرش إنتصارها لكي تضعه في حالة خصام مع الدين, لا بل هي طبقت القاعدة الدينية التي تقول : " لكم دينكم ولي ديني", "وما لقيصر لقيصر" "وما لله لله", أما المؤسسة الدينية حين تدخل على السياسة ، لا بد وأن تدخل عليه بسلاح المقدسات الذي يلغي هوية الآخر أو يرتبها في خانات دُنيا تتناقض ومبدأ العدالة والمساواة الذي لا يفرق بين مواطن وآخر إلا على أساس شروط وقانون المواطنة.
لم تكن شروط العلمانية في وطننا قد نضجت بما فيه الكفاية لتكون على طرف هو غير طرف المؤسسة الدينية. أما اليوم وبعد صعود الإسلام السياسي, وما رافق هذا الصعود من سلبيات تتناقض مع طبيعة وشروط الدولة الوطنية العابرة للهويات الطائفية فإن الحاجة إلى العلمانية أصبحت أحد الشروط الأساسية لإستمرار دولة المشترك الوطني.

*
*
*


انتظرونا مع المظفر وهو يقول :"هذا النظام السياسي لم يتأسس إلا على أجندات خارجية" ، في الجزء الثالث من الحوار .. يتبـــــــــــــــــــــــــعـ

فاطمة الفلاحي



#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)       Fatima_Alfalahi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراغ أفكار
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- عبث المرايا
- أخلد إليك
- خلف أسوار الذكريات
- التسول في محرابك
- ذات صحو من - رسائل شوق حبيسة منفى -
- طقوس عاشقة
- بسملة غروب
- شهقات وريد
- امرأة استثنائية
- أيامكن مندّاة بعطر الخزامى وبخور الرند - 8 آذار
- الخديعة في مخبأ العلّيةِ المهجور ..ل فيليب لاركن من الأدب ال ...
- الناقد الأكاديمي د. ثائر العذاري ، تتناسلنا قراءاته وتحرضنا ...
- قبضة مشاعر
- أسيهجرني ؟
- من تكون ؟
- قد ربما يكون إجراء الجراحة أكثر راديكالية..فلاديمير نابوكوف- ...
- الرفيق حميد كشكولي في بؤرة ضوء - حوارات
- اغترابات الدجى


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر المظفر - بؤرة ضوء ..جزء ثانٍ