أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - بقلم صبري المقدسي - الصلاة: علاج للضعف واليأس والأمراض النفسية















المزيد.....

الصلاة: علاج للضعف واليأس والأمراض النفسية


بقلم صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 14:06
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    



مارس الانسان الصلاة عبر التاريخ وفي كل الظروف والمناسبات سواء المفرحة أو المحزنة. وفي كل الثقافات والحضارات المتخلفة أو المتطوّرة. وكتب الناس عن الصلاة وعن تعريفها وغايتها وكيفية ادائها، قديما وحديثا. ولا يزال الانسان يكتب عن إحتياجه اليها، بالرغم من التطوّر العلمي والتكنولوجي في كل المجالات.
فالصلاة هي المفتاح الذي يفتح المؤمن بها أبواب الفرج والراحة والسلام. إلا أنها ليست كافية، إذ يحتاج المؤمنون الى الأعمال الصالحة مع الصلاة والعبادات التي يقدمونها لله. فهي إذن حلقة الوصل بين الإنسان والله. توجهه نحو ربه لغرض اسعاده، ولربط علاقة الصداقة بينهما. وتختلف في طريقة أدائها وأحكامها وأنواعها، وفي عدد المرات التي يجب تلاوتها يوميا، من دين الى آخر، ومن ثقافة الى أخرى.
وقد يسأل المرء عن الغاية من الصلاة، وعن فاعليتها وفائدتها الروحية والزمنية. وتتلخص فائدتها الكبرى في تأسيس العلاقة الحيّة مع الله والتقرّب اليه، والإنسياق الى ما يأمر به من اقامة الخيرات التي من المفروض ان تسعد الانسان في الحياة الحاضرة والحياة الأبدية، بالاضافة الى دورها في النهي عن فعل الشر والإثم، ومساعدتها للإبتعاد عن الحقد والغضب واليأس والتعاسة. ولكن هناك دائما من ينكر أي دور للصلاة. إذ يعتبرها البعض نوع من أنواع الخرافة أو السحر أو شىء من الماضي يجب التخلص منه.
وأذا أمعنا النظر في مثل الفريسي والعشار في الانجيل نجد رفض الله لصلاة الفريسي وعبادته وأعماله، وذلك بسبب فرض ذاته على الله عوضا عن إلتماسه لمشيئة الله. وكذلك في إدعائه الكمال، ناسيّا ان الكمال لله وحده. بالاضافة الى إفتخاره بأعمال الرحمة والصلاة والصدقة التي عملها لكي ينظر اليه الناس. وأما العشار المُحتقر من قبل الجميع، فإنه أكتفى بالقول في تواضع وإماتة كبيرين، ومن دون أن يكثر الكلام قائلا: ((اللهم ارحمني أنا الخاطيء)). حيث كان يرفع صلاته ودعاءه بصلاة قلبية صادرة عن روح منكسرة. ويؤكد السيد المسيح في هذا المثل على رجوع العشار الى بيته صافي النية، مقبولا من الله، مبرّرا من جميع خطاياه. وأما الفريسي فصلاته كانت وبالا عليه، إذ أظهرت تستره بالتقوى الطقسيّة، وكبرياءه الفارغ في تحدثه عن نفسه، وفي طريقة تطبيقه للناموس والشريعة.
ففي الصلاة يتوجه المؤمن الى الله، ويقوم بين يديه، ويتحدث معه ويخاطبه بمجموع الحواس، ويصغي اليه في عمق كيانه. فهي إذن التعبير الطبيعي عن شعورنا نحوه، إذ نناجيه في حالات الحزن والألم، ونشكره في حالات الغبطة والفرح، ونستغيث به في وقت الضيق والألم، ونحمده على بركاته ووجوده في كل الأوقات لتسبيح أسمه، وتمجيد أعماله التي لا تحصى من أجل البشر. ولهذا لا يمكن التغاضي عن الصلاة، إذ كما أن التغذية ضرورية وواجبة لعيشنا المادي، ولبقاءنا أحياء، كذلك الصلاة فهي ضرورية أيضا لتساعدنا في الوصول الى درجة من السموّ والهدوء النفسي والجسدي. وتتوضح ضرورتها اليوم أكثر من أي وقت آخر، وذلك بسبب صعوبة العالم الذي نعيش فيه، وبسبب المشاكل النفسية وإنتشار العقليات الوثنية والصنميات الجديدة التي بدأت تسود عبادتها في العالم كله، كحب المال والطمع والجشع والجنس والصراع من أجل السلطة والقوة وغيرها.
وجدير بالاشارة أن الصلاة تمنح قوة روحية تفيد المصلين، بحيث يستطيع المصلي عن طريقها أن يكون على إتصال خفي ودائم بالله. والمقصود بها أن يكون المصلي في شركة روحيّة دائمة مع الله. ويشكل الإنقطاع عنها لفترة معيّنة خطرا على المصلي، إذ يوقف الصلة مع الله، وينحدر به تدريجيا الى الروح العالمية وتغلب عليه المصلحة الذاتية والزمنية.
وتفيد الصلاة بتذكير المؤمن دائما بوجود إله حيّ مُحب عطوف يقرع باب قلوبنا، وينتظر دوما بأن نفتح له لكي يحل علينا ضيفا، ويزيدنا نعمة وسلاما. ولكن إنشغالاتنا اليومية من مشاهدة التلفزيون وجدالاتنا العقيمة حول الأمور التافهة، تمنعنا في كثير من الاحيان للإصغاء اليه. فمن لا يُصلي إذا يفقد دفئه الروحي، ويُعد ميّتا روحيا، ويكون كمن يفقد الجسد غذاءه المادي ويموت.
وللصلاة أنواع عديدة ومتنوعة. ولعل من أجمل الانواع وأروعها، التأمل والمناجاة لله. ويتم هذ النوع من الصلاة عادة في رفع العقل والقلب معاً إلى الله، فتنعكس طبائع الله وجماله وأمجاده على المتأمل أو المناجي، ويصبح حينئذ على مثال الله. وقد استخدم هذا النوع من الصلوات الرهبان والمتصوفة على مر العصور لإقامة الشعائر والصلوات والتدريبات، وذلك عند شروق الشمس وغروبها ليدل على دور الطبيعة وعلاقتها مع الدورة الطبيعية للأرض. وقد ذكرت الكاتبة (باتريشا كارنغتون) في كتاب التأمل ص 81 : "أن تقنيات التأمل يتم فيها تركيز الانتباه على التنفس، وهي تقنيات ضد الارق وتختصر الطريقة في أن تأخذ نفسا عميقا ببطء وأنت تفكر في حرف (ش) عند الشهيق وحرف(ز) عند الزفير". وتنصح الكاتبة على الاجراء الطبيعي للشهيق والزفير براحة وهدوء، ومن دون أدنى تشدد أو تعصب.
والمهم في الصلاة أو المناجاة أن يكون الإنسان في شركة روحية عميقة مع الله، وأن تنبع صلاته من قلب مؤمن خاشع لكي يبقى في شركة وصداقة مع الله لضمان سعادته على الارض، وضمان الحياة الابدية معه. ويتم ذلك كتعبير حيّ وصادق ينبع عن شوق كامن فى أعماق النفس للتحدث إلى الله، والى مد جسر التواصل مع الآخر. فالصلاة تفتح حياتنا على الله، وتفتح حياة الله علينا.
وقد تنتابنا فترة من الإخفاقات والإنتكاسات، نشعر فيها بأن الصلاة لا قيمة لها ولا فائدة منها. فنلتجيء لأمور أخرى تبعدنا عنها. وقد تكون النتيجة خطيرة، إذ أن الغرور والكبرياء يمنعاننا من الرجوع الى ممارستها ثانية. وكذلك السأم وقلة الإيمان وعدم الثبات في محبة الآخرين، وعدم التطبيق الفعلي والعملي للكلمات التي نستعملها، والتي تخلق فينا حالة من الازدواجية في ما نقوله لله، وفي ما نفعله في حياتنا العملية. ولا بد من تغيير نوعية الصلاة، وعدم استعمال الكلمات نفسها في تأملاتنا وعبادتنا للقضاء على حالة التشتت والبرود، بالاضافة الى حاجتنا للقلوب النظيفة، والافكار النقية والبعيدة عن الحقد والبغض والكراهية وروح الانتقام.
ولعل الغاية الرئيسية من الصلاة هي للسمو بالانسان الى أعلى. فهي لا تتم باللسان فقط، ولكن بالفكر والقلب معاً، وبما فيه من الرغبات والأشواق والمشاعر. وتؤكد معظم الاديان بأن الصلاة، فعل إلهي وبشري، يجب علينا ممارستها بدون انقطاع لكي نحصل من خلالها على النور الداخلي الذي يساعدنا على معرفة عيوبنا وأخطاءنا، ولنملآ بها فراغات قلوبنا، ولنشدد بها عزيمتنا، ولنخلق فينا من خلال ممارستها قلبا حيّا وروحا جديدة. ولا بد من التذكير بأن الصلاة لا تغير قصد الله، ولا تبدل خططه، ولكنها من المفروض أن تغيرنا لنصل من خلالها الى درجة من السمو الروحي الى أن تختفي ارادتنا الذاتية تلقائيا، وتتحقق ارادة الله الصالحة فينا.
فالانسان خلق لكي يكون سعيدا، وقد طوب المسيح حالات كثيرة يظهر فيها الانسان مضحيا وخادما ومتواضعا ومضطهدا. فيا لسعادة الانسان الذي تكون تعزيته صادرة من الله رأسا، التعزية التي لا يستطيع غيره أن يمنحها. ويا لسعادة الانسان الذي يكون له المواعيد والعهود من الله نفسه في حكم الارض، وفي كل عمل يقوم به، وخاصة في حالة العشرة الزوجية التي غالبا ما تؤكد على إمكانية تحقيق السعادة الحقيقية من خلالها، وخاصة إذا كان الزواج مبنيا على أسس صحيحة وصادقة. إذ تلعب الصلاة دورها الحقيقي في سعادة الزوجين والاسرة، كمفتاح لكثير من الامور المعقدة والمتشابكة بين الزوجين، كما يُقال المثل الامريكي الشائع: "تصلون معا، تبقون معا You pray together You stay together ".
ولكن الصلاة لا يمكن تعطي مفعولها ولا أن تظهر تأثيرها الروحي، إلا إذا تمت في طابع من البساطة والتواضع، وفي هدوء وخشوع وتقوى. فعلى المؤمن أن يعمق طلبه، وأن يرفعه الى فوق في تكريم الله وتبجيله، بما يتفق عظمته وقدرته. ولكن على المصلي أن لا يكون أنانيا، وأن لا يطلب لنفسه فقط، بل أن يشمل الآخرين في طلباته، وإلا فإن صلاته تكون غير حقيقية. وعلينا أيضا أن لا نأخذ الصلاة كمطية لتحقيق الارباح أو وسيلة للحصول على الماديات والزمنيات. بل العكس تماما، إذ علينا أن نجعل الماديات والزمنيات مطية لها. فعندما يتجه المرء الى الله من خلال الصلاة في أوقات الشدة والأزمات. تعطي له القوة الحقيقية للاستمرار في العمل، بالرغم من الظروف المعاكسة والمعادية أحيانا.
فالصلاة الحقيقية والتي تتم في روح منسحقة مجردة، تمنح الشجاعة والثقة والامل في ايجاد الفرص الجديدة للحياة، فهي تعطي الملاذ الحقيقي لمواجهة كل أنواع العقد والمشاكل والصعاب. وتعين المصلين للتغلب على الفشل، ولتحويله الى النجاح، وتساعدهم في التخلص من الخوف بكل أشكاله وخاصة الخوف من المجهول، لتنقذهم من أشد حالات الضعف واليأس ومن الامراض النفسية المتعددة.



#بقلم_صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التلسكوب وسيلة خاصة لرصد السماء والنجوم والكواكب
- الرموز لغة بشرية صورية


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - بقلم صبري المقدسي - الصلاة: علاج للضعف واليأس والأمراض النفسية