ميسون البياتي
الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 10:56
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مالفرق بين العاقل والمجنون ؟ الفرق بينهما هو الحكم الإجتماعي فقط , فكم من مجنون يسرح ويمرح بيننا ونطلق عليه صفة : عبقري , وكم من عبقري حقيقي يعامله المجتمع على أنه مجنون وغريب الأطوار !!؟
مشكلتنا في هذا الموضوع ليست في توصيف الفرق بين الجنون والعبقريه , ولكن في الكلام عما يؤول إليه الأمر حين يصبح المعاق نفسيا ً أو المجنون .. ملكاً على الرعيه
قيصر الموت إيفان الرابع واحد من المعاقين نفسيا ً الذين حالفهم الحظ ليحكموا الناس . أطلق عليه مواطنوه الروس تسمية : ( إيفان غروزني ) وترجمتها هي : إيفان الرهيب . كلمة رهيب هنا تستعمل على وجهين . في وجهها الأول الذي يراه الملك معنى كلمة رهيب هو : الجليل , لأن الجلال يتضمن ( الجمال الفائق + الوقار الشديد ) الى حد إثارة الشعور بالرهبه
أما الوجه الحقيقي الذي كان يعنيه الروس بكلمة رهيب فهو : الفضيع , نسبة الى ما كان يرتكبه إيفان من جرائم قتل مروعه فضيعه تشيب لها الولدان
كيفية تحول ( إيفان الرابع ) الى ( إيفان الرهيب ) تتطلب منا العودة الى طفولة هذا القيصر . عاصفه قاسيه رافقت يوم مولده في 25 آب 1530 فقرعت أجراس جميع الكنائس في روسيا ترحيباً بمقدمه وكان على الناس تقديم صلاة الشكر للرب على هذه العطيه
ولادته سببت فرحه كبيره لوالده الأمير فاسيلي الذي إنتظر طويلاً ولادة ولي لعهده من زوجته ( إيلينا غيلنسكيا ) وسماه : إيفان على إسم جد المولود إيفان الثالث . بعد عام رزق بالولد الثاني وسماه : يوري
سرعان ما تعكرت سعادة الأب , ففي عام 1533 أحس بوجود دملة صغيره في ساقه بدأت تكبر وتتقيح فعالجها أطباء الكرملين بالطريقة التي كانت معروفة لديهم وقبل إكتشاف المضادات الحيويه . فتحوا الدمله وأخرجوا ما بها من قيح ونظفوا الجرح بالفودكا .. بسرعة شديده أصيب القيصر بتسمم الدم . وهو عى فراش الموت بايع إبنه الصغير وليا ً لعهده جاعلاً أمه وصية عليه ومنتخبا ً له مجلس حكم من كبار قادة البويار في حاشيته . ثم مات الأب فأصبح إيفان يتيم الأب وهو بعمر 3 سنوات
حين مات الأب قامت الأم الوصيه ومجلس الحكم بتسلم مهامهم على الفور , وكانت الأم حاكمه قاسيه لا ترحم أعدمت كل من رد عليها ولم تتورع حتى عن سجن عمها ( ميخائيل غيلنيسكي ) لأنها رأته يتدخل في شؤونها
وصاية الأم على عرش إبنها لم تدم طويلا ً لأنها ماتت فجأة بعد 5 سنوات من وفاة زوجها . السلطات السوفييتيه حين حولت موقع مقبرة الكرملين في ستينات القرن الماضي وجدوا في عظامها كميات عاليه من الزئبق كافيه لقتل أي إنسان .
الطفل الأمير عمره الآن 8 سنوات يتيم الأب والأم , في بلاط يتصارع فيه البويار على حيازة المزيد من السلطه . تقاتلت إثنتان من عوائل البويار هما ( عائلة شوينسكي ) و ( عائلة بيليسكي ) للسيطره على العرش وهدف كل منهما هو تحويل إيفان الى ( قيصر صوري ) وحكم البلاد نيابة عنه . ربما هو من يلقي الخطب أو يرعى الإحتفالات , لكنهم هم من يتخذ القرارات في البلاد .
في محاولتهم السيطره على الأمير الطفل حولوا طفولته الى جحيم , لم يكن يعطف عليه أحد غير مربيته ( أغرافينا ) وكان يحبها بشده , لكن البويار كانوا يخشون أن تصبح عائقاً في طريقهم ولهذا فبعد أيام من وفاة الأم , جاء الحرس ليأخذوا أغرفينا بعيداً , ورغم أن إيفان تشبث بها وتعلق بملابسها رافضا ُ مفارقتها بصراخ , إلا أن الحرس سحبوه بعيداً عنها وأخرجوها , ولم يرها بعد ذلك أبداً
في المناسبات العامه كان البويار يعاملون إيفان كملك ويعرّفون أنفسهم على أنهم عبيده وخدمه ويسألونه السماح لهم بالحديث , لكنهم داخل الكرملين أهانوه وسرقوا مقتنيات والديه وعاملوه وأخاه بجفاء وتجاهل . حرماهم من الأكل ولم يشتروا لهم الملابس بل كانوا يلبسانهم ملابس أولادهم القديمه . يتذكر إيفان أن أحد أولاد البويار كان يأتي الى غرفته ويجلس على سريره وحين يتكلم كان يرفع ساقه ويضع حذاءه على وسائد النوم
ذات صباح من عام 1542 وعند السادسة صباحاً جاء الى غرفة إيفان الراهب جوزيف وبدأ يتوسل به طالباً حمايته . كان جوزيف رئيس الكنيسه الروسيه الأرثوذوكسيه , ومن يحمل هذه الرتبه فهو الرجل الثاني في السلطة بعد القيصر , لكن صراع البويار على النفوذ في هذا الوقت الإستثنائي جعل آل شوينسكي يلاحقونه لقتله لأنه ناصر أعداءهم آل بيلينيسكي . ضربوا جوزيف ضرباً مبرحاً أمام الأمير إيفان ثم سحبوه خارج غرفة الأمير لتصفية حسابهم معه , ولم يتمكن إيفان إبن 11 عاماً من فعل شيء غير أن يصمت حائراً متوقعاً أنه سيكون التالي
إنتشر الظلم في روسيا . إرتشى الموظفون , إرتفعت الضرائب , إغتنى الأغنياء وجاع الفقراء , العصابات المسلحه ملأت البلاد وهددت حياة الناس , بدأ الشعب يتهم طبقة البويار أنها المسؤولة عن سبب البؤس والتعاسه , ولم يكن هناك قانون أو نظام والدولة غائبه عن الوجود
لم يعرف إيفان سوى القليل عن مشاكل بلده ولم تكن لديه سلطة إتخاذ قرار مهم , وكان مجلس الحكم يراقبه بدقه ويحاول السيطرة على أصدقاءه ومستشاريه ويحيطه بالكثير من الخدم والمراقبين
عام 1542 صعد نجم واحد من أمراء البويار يدعى ( أندريه شوينسكي ) كأقوى بويار في روسيا , كان أندريه يراقب بشك علاقة الصداقه بين إيفان وشخص يدعى ( فيدور فورونتزوف ) عندها إفتعل أندريه معركة مع فوروفونتزوف وأمر رجاله بضربه وإلقائه في السجن
إيفان وقتها كان فتى في 13 من العمر طوله 6 أقدام وعريض الأكتاف والصدر , حين رأى ذلك يحدث لصديقه قرر مع نفسه أن الأمور وصلت الى حدها ولا يجوز له السكوت كطفل صغير . إغتنم فرصة تجمع البويار في الكرملين للإحتفال براس السنه , ألقى فيهم كلمه إتهمهم فيها بتدمير البلد وسرقة الناس وسجنهم دون أدلة كافيه تثبت تورطهم , ثم أمر بإعتقال أندريه شوينسكي , فقام الحرس بإعتقاله وضربه حتى الموت ورمي جثته لتأكلها كلاب الصيد وترك ما تبقى منها ليراه البويار الذين تم إعدام 30 واحداً منهم من المقربين الى أندريه شوينيسكي , منذ هذه اللحظه بدأ البويار يخافون من إيفان ويطيعونه , بوصولنا الى عام 1546 كان آل شوينسكي وآل بيلينيسكي قد خسروا نفوذهم في البلد , الأسره التي سطع نجمها الآن هي أسرة غيلينسكي التي تنتمي إليها والدة إيفان
خلال هذه الفتره قام إيفان بتشكيل مجموعة أصدقاء من المراهقين النبلاء , وكانوا يخرجون الى شوارع موسكو ويسببون المشاكل للناس . وعلى الرغم من مشاكل إيفان إلا أنه كان يعتبر نفسه شخصاً متدينا ً وكان يحرص على زيارة الكنيسه والصلاة وإيقاد الشموع
كان مولعاً بالدراسه حيث تعلم القراءة والكتابه في الوقت الذي كانت الغالبية العظمى من الروس أغنياء وفقراء لا يعرفون القراءة والكتابه . كانت لديه موهبه في الموسيقى والكتابه والخطابه , غير أن أخطرما في إيفان في تلك الفتره هي حالة تطرفه المزاجي , فمن الممكن أن تراه يضحك ويتصرف بشكل عادي لكنه ينقلب فجأة الى الكآبه والحزن أاو الغضب الجامح والقسوة المفرطه
يوم 16 كانون الثاني 1547 كان يوم خلع الوصاية عن إيفان وتتويجه قيصراً على روسيا . كلمة قيصر باللغة الروسيه تعني : إمبراطور
بعد تتويجه كان عليه أن يتزوج لذلك إختار فتاة تبلغ 12 من العمر تدعى ( أنستازيا رومانوفا زخارينا ) لتصبح زوجة له وقيصرة على روسيا , وكانت فتاة جميله ولطيفه , شعر جميع من في الكرملين أن وجودها كان قد أسعد إيفان كثيراً وغيّر من طباعه
بعد أيام من العرس جاء رجال من مدينة ( بسكوف ) الروسيه يشتكون فساد حكومتهم المحليه , وطلبوا من القيصر أن ينجدهم , لكن القيصر إستشاط غضباً .. فكيف لهؤلاء الرجال إزعاجه وهو في أول أيام العرس !؟ ولهذا أمر الحرس بإعتقالهم ونقعهم بالكحول وإشعال لحاهم وتركهم ليموتوا , في هذه الأثناء جاء رسول من الكنيسه ليخبر القيصر بأن ناقوس الكنيسة قد سقط على الأرض .. عندها إعتبر القيصر ذلك نذير شؤم فأمر بإطلاق سراح الرجال على الفور
بعد ايام ولأسباب مجهوله إحترقت الكنيسه ومنها إندلعت النار الى موسكو , حين وصلت الى مخازن البارود وفجرتها .. تحولت موسكو الى خرائب قتل فيها 2000 شخص وتشرد عشرات الآلاف وبقيت سحائب الدخان عدة أيام تملأ السماء
بعد توقف الحريق بأيام تجمع آلاف الناس في ساحة الكرملين وكانوا يهتفون متهمين ( يوري غلينسكي ) خال القيصر بأنه السبب في حرق موسكو , فرّ الخال مذعوراً ودخل الكاتدرائيه , لكن الجموع لاحقته وقتلته داخل الكاتدرائيه
القيصر كان مصعوقاً من حرق الكنيسه و موسكو و ثورة الناس , وللمحافظة على مكانته كقيصر كان عليه أن يتصرف بجديه عندها أمر بإعدام قادة الإحتجاج الذين قتلوا خاله
بعدها قام بإختيار مجموعة من المستشارين أطلق عليهم تسمية : المجلس المختار , وكانت مهمتهم هي إصلاح امور البلاد وحمايتها من الأعداء , وتحت إشراف هذا المجلس بدأ القيصر بوضع القوانين التي تحد من سلطة البويار والكنيسه , ثم أمر بإجتماع عام أمام الناس في ساحة الكرملين , وإتهم في كلمته البويار بالفساد وسفك الدماء , ثم إلتفت الى الشعب طالبا ً الصفح واعداً بحماية الناس من الأذى وسائلاً إياهم إن كانت لديهم إعتراضات أو مشاكل القيام بعرضها على مكتب تلقي شكاوى المواطنين الذي سيلحق منذ اليوم ببلاط القيصر
المجلس المختار الذي أسسه القيصر كان يسحب السلطات من البويار والكنيسه ويعطيها للقيصر . أقاليم روسيا التي عادة ما تتجاهل تعاليم العاصمه أصبحت تراقب في تطبيقها لتعليمات القيصر وكان المجلس يبحث عن الموظفين الفاسدين ويحاسبهم
أجبرت الكنيسه على أخذ موافقة القيصر قبل إقرار أي قرار جديد , الرهبان الذين يعرفون القراءه والكتابه أمروا بفتح مدارس لتعليم الناس من أجل أن يلحق الروس بالمستوى الثقافي المتطور لدول أوربا الغربيه التي أصبح مواطنوها يقرأون الكتب التي تطبعها المخترعات الحديثه التي تسمى : مطابع
إضافه الى ذلك كان القيصر يحلم بالتكنولوجيا العسكريه لغرض واحد هو توسيع إمبراطوريته على حساب جيرانها : من الغرب بولونيا والسويد , من الجنوب والشرق التتار الذين يهددون روسيا كل ربيع بوقع حوافر خيولهم التي تهاجم المدن والقرى بالسهام , ويحرقون القرى ويسرقون الماشيه والغلال , ويخطفون الأطفال لبيعهم في أسواق العبيد , فقد كان سعر الشقر زرق العيون مرتفعاً جداً في أسواق النخاسه في آسيا وحوض البحر الأبيض المتوسط
رفعت الضرائب على الروس لتأسيس جيش قوي تم تدريبه ومنحت الرتب لأفراده حسب الكفاءه وليس حسب الطبقه الإجتماعيه للمقاتل وكان الهدف العسكري الأول للجيش الروسي هو مملكة الخزر الواقعه جنوب نهر الفولغا ويقطنها 100 ألف تتري
كان القيصر يحلم بقتال الخزر للسيطرة عليهم ومنعهم من مهاجمة المدن الروسيه إضافة الى إجبارهم على إعتناق المسيحيه , فقد كان القيصر يرى أن واجبه كمسيحي يحتم عليه إدخال أكبر عدد ممكن من الناس الى الديانة المسيحيه
شن الحصار على مملكة الخزر لكن عاصفه عنيفه هبت فدمرت أرزاق المعسكر الروسي وخزينه من البارود , وحين حاول الجيش الدخول الى مدن الخزر تم رميهم بالسهام , عندها حاولوا فتح ثغرة في سور المدينه إلا أن الأسوار كانت منيعه ولم تخرق
لم يستسلم الروس لهذا الواقع بل عمدوا الى قطع الماء عن مملكة الخزر فعانى سكانها بشده لكنهم رفضوا الهزيمه
قام الروس بحفر نفقين تحت سور المملكه وفي فجر اليوم التالي وضعوا كميات كبيره من البارود داخل النفقين وفجروهما فإنفتحت فتحه كبيره في السور إندفع منها الروس الى الداخل , كان القيصر يرتدي كل دروعه ويتلوا الأدعيه مرتعداً من الخوف رافضاً نصائح قادته بالظهور ليراه الجند , فلم يجد القادة مناصا ً من وضع القيصر على حصان وسحبه الى موقع آمن لكنه عالي بحيث يتمكن جنوده من رؤيته
حتى المساء كانت المعركه قد حسمت لصالح الروس الذين قتلوا الرجال والنساء والأطفال وإقتادوا الخان الحاكم وزوجته ومساعديه ليركعوا أمام القيصر الذي أمر بعدم قتلهم , عندها قام الخان بتقبيل سرج حصان القيصر شكرا ً على هذا الموقف
وسط هذا الإنتصار قدمت الأخبار من موسكو أن القيصره أنستازيا كانت قد ولدت إبنها الأول ديمتري الذي سيرث عرش أبيه . ولادتها الأولى كانت بنتاً تدعى ماريا والبنات في روسيا لا يرثن العروش
بعد النصر وولادة ولي العهد أصبح القيصر مغروراً وكان يمد يديه ورجليه من فوق جواده لمواطنيه ليقبلوها له , ومثل عادته دوماً أصيب بمزيد من الشك أن البويار يغارون من نصره ويتأمرون عليه ولهذا أصبح يهددهم علانيه
في آذار 1553 أصيب القيصر بالحمى فظن أنه سيموت ولهذا خاف على إبنه من بعده ولهذا جمع رجال مجلسه وأمر كل واحد منهم بتقبيل الصليب ثم القسم بالولاء لإبنه ديمتري
رجال المجلس قالوا إن ديمتري لم يزل رضيعاً ولا بد أن يحكم البويار نيابة عنه حتى يكبر وفي هذه الحاله قد يتجدد نفس الوضع الذي كان في طفولة إيفان , ولهذا فمن الأفضل منح ولاية العهد الى ابن عم القيصر الذي يدعى : فلاديمير ستارتيسكي
قبل التوصل الى قرار نهائي تحسنت حالة القيصر الصحيه لهذا قام نبلاء البويار الخائفين من غضب القيصر بإعطاء ولائهم لولده الرضيع ديمتري
حين شفي القيصر تماماً قرر أخذ فترة نقاهه خارج موسكو عبر رحله بالقارب مع عائلته . المربيه كانت تحمل ولي العهد ديمتري البالغ من العمر 9 أشهر , مالت السفينه في حركة مفاجئه فسقط ولي العهد في النهر , قفز كل من كان على القارب الى الماء لإنقاذه , لكن الجميع وصلوا متأخرين .. مات ولي العهد
عاد القيصر الى موسكو ليدفن إبنه , وبعد عدة أشهر أنجبت القيصره ولداً جديداً تمت تسميته هذه المره بنفس إسم والده : إيفان
أرسل القيصر جيشه الى مملكة أسترخان على بحر قزوين , لأنه بسيطرته عليها سيكون له مدخل على بحر قزوين يؤهله للتجاره مع جميع دول آسيا , كما كان كان يحلم بإطلاله على بحر البلطيق ولهذا سار 40 ألف روسي الى ليفونيا وإحتلوا مدينة نارفا
عام 1558 لكن القتال لم ينتهِ فقد إنضمت بولونيا والسويد والدنمارك للقتال ضد القيصر . في العام 1559 أجبر القيصر على الهدنه , كان ممتعضاً جداًمن جميع مستشاريه , ووسط هذه المعمعه ماتت زوجته القيصره انستازيا بعد أن أنجبت له 6 أطفال : 3 بنات و 3 أولاد لم يبق منهم على قيد الحياة غير ولدين هما : إيفان الذي ولد عام 1554 , وفيودور الذي ولد عام 1557
بوصولنا الى عام 1559 كانت صحة انستازيا متعبه جداً ولهذا بدأ القيصر يشك أن المتآمرين يحاولون قتلها وعمم شكوكه على جميع من في القصر , حين ماتت في 7 آب 1560 تم دفنها في مقبره للراهبات وكان القيصر ينتحب بصوت عالي وهو يسير الى جانب نعشها المتجه الى المقبره
بلغ القيصر 30 من العمر عند وفاة زوجته , كان يرى الأعداء في كل مكان . أول من نال العقاب كانا 2 من أقرب مستشاريه , فبعد 6 أسابيع من وفاة زوجته أرسلهما الى المحكمه . حكم على واحد منهما بالنفي الى القاره القطبيه الشماليه ليموت متجمداً بعد إعدام ولده البالغ 12 من العمر عاماً , الآخر وضع في السجن ليموت بعد شهرين وتم قتل زوجته وجميع أطفاله
تزوج القيصر من زوجة ثانيه تدعى ماريا لكن علاقته معها لم تكن مثل علاقته بزوجته الأولى , وإختار مستشارين جدد . بوصولنا الى العام 1564 كان القيصر قد خسر دعم الطبقة الحاكمه في روسيا لكنه ببطشه عرف كيف يجبر الجميع على الصمت
في 3 كانون الول 1564 غادر القيصر قصر الكرملين قاصداً مكاناً يبعد 60 كيلومتر شمال موسكو في منطقة ألكسندروفاسلوبودا , وبعد شهر بعث القيصر رسالتين الى موسكو الأولى أرسلها الى النبلاء ورجال الكنيسه إتهم فيها جميعهم بكل تهمة ممكنه . أما الرساله الثانيه فقد كانت الى عموم الشعب الروسي يخبرهم أن لا مشكلة له معهم وأن مشكلته مع البويار ورجال الدين مما سبب إمتعاض الشعب ودفعه الى الإعتقاد بأن البويار هم الذين أبعدوا القيصر عن موسكو
بدأت الشائعات تقول بأن الشعب سيهاجم البويار فأصبح أفراد الطبقة الحاكمه يرتعبون خوفاً ولهذا قاموا على الفور بإرسال مبعوثين الى القيصر في مقره الجديد , عندها عاد القيصر إبن 34 عام الى موسكو فإستقبلته الجماهير الحاشده على الطريق , لكنه لم يكن يبدوا منتصراً , كان شاحبا ً فقد الكثير من وزنه وقد تحدب ظهره وتهدلت كتفاه وتساقط الكثير من شعر رأسه ولحيته
حين عاد القيصر الى موسكو قام بتطبيق خطه غبيه وذلك بقسمة روسيا الى قسمين قسم يحكمه هو , والقسم الثاني يحكمه البويار , كذلك قام بإبتداع جيش من الحرس الشخصيين التابعين له أطلقت عليهم تسمية : أوبريجنيكي , ترتدي كل واحد منهم عباءه سوداء ويركب حصان أسود ويحمل مكنسة ذات عصا طويله وتحيط به الكلاب , المكنسه ترمز الى أن هذا الجيش سيكنس أعداء القيصر
أمر القيصر هؤلاء الحرس على إجبار البويار التنازل عن ممتلكاتهم وأراضيهم للقيصر ومن لا يفعل ذلك يتعرض للقتل , وبهذه الطريقه تمكن من الحصول على آلاف الكيلومترات من الأرض , وخلال عام 1565 وحده حوّل القيصر 12 ألف مالك أرض مع عائلته الى مجرد مشردين لا يملكون أي شيء
كما بدأ القيصر يعتبر عمليات التعذيب ( رياضه ) كان يكوي جلود البويار ويجعل كلاب الصيد تتعقبهم , أو يدخل 7 منهم الى حلبه ويسلح كل واحد منهم بخنجر ثم يطلق عليهم 7 دببه تقتل هؤلاء الرجال دون مقاومة تذكر ومثل هذه ( الحفلات ) كانت مصاحبه لمائدة العشاء أو إحتفالات الكنيسه
حين يأتي وقت النوم كانت للقيصر عادة الإستماع الى القصاصين الذين يقصون عليه الحكايات الطويله .. لأن القيصر فقد قدرته على النوم
عام 1569 ماتت زوجة القيصر الثانيه ماريا وكان متأكداً أنها ماتت مسمومه , كما وصلته أخبار من السويد بان الملك إيريك السادس عشر أطيح به عن العرش وألقي في السجن , فأصبح القيصر يرتعب من أن تتم الإطاحة به هو ايضا ً ولهذا كتب الى الملكة إليزابث الأولى ملكة بريطانيا طالبا ً أن تمنحه ملاذاً فيما لو أطيح به عن عرش روسيا , وأحاط نفسه بالحرس الأقوياء الذين كانوا يقتلون ويسرقون دون أن يجرؤ أحد على الإعتراض عليهم , كما دفع الرشاوي الى الناس ليعملوا مخبرين على بعضهم
في عام 1570 خسر الحرب في ليفونيا فبحث عن أحد يضع اللوم عليه لهذا إتجه الى قادة جيشه متهماً إياهم بجريمة العصيان وعقوبتها الموت , ثم إتجه الى مدينة بسكوف ينوي إبادة أهلها فصرخ به شخص من الكنيسه يدعى ميخولا : إيفان .. إيفان .. كم أرقت من دماء الأبرياء عد الى دارك وإلا ستصيبك مصيبة كبيره . ثم ناوله قطعة لحم فقال القيصر : أنا مسيحي ولا آكل اللحم أثناء الصوم , فرد عليه ميخولا : أنت تفعل الأسوأ لأنك تأكل لحم البشر ونسيت ليس الصوم وحده .. انت نسيت حتى الرب .
في عام 1571 كان حرس إيفان ( أوبريجنيكي ) يرعبون روسيا منذ 7 سنوات فتوقفت التجاره والزراعه ومختلف الأعمال وعمّت الفاقه , أضف على ذلك تعرض روسيا الى هجوم تتري قوامه 40 ألف مقاتل قادم من منطقة القرم , فقام الروس أعداء القيصر بمناصرة التتار , عندها قام القيصر بتشكيل جيش قوامه 50 ألف مقاتل لكنه كان جيشاً متناحرا ً ما بين إرادة القيصر وإرادة البويار ولهذا لم يحقق شيئا ً ضد التتار
جمع القيصر حاجاته الثمينه واتجه الى بحر الشمال وقرر أن روسيا اذا سقطت بيد التتار فإنه سيهرب الى بريطانيا عن طريق البحر , حين وصل التتار الى بوابات موسكو أمر القائد التتري بإحراق موسكو التي تحولت جميعها الى رماد خلال 6 ساعات فقط .
من أجل صد التتار قام القيصر بتوحيد شطري البلاد تحت حكمه كما حل ّ حرسه الخاص : أوبريجنيكي وقتل وإعتقل العديد من قياداته
كان القيصر يصيب الجميع بالرعب بما في ذلك إبنه وولي عهده إيفان البالغ من العمر 27 سنه . كان القيصر يراقب الولد عن كثب , كل صديق للولد كان بمثابة متآمر جديد على الأب . قتل وسجن الأب الكثير من أصدقاء ولده , مثلما أمر الأب إبنه على تطليق زوجاته الأولى ثم الثانيه . كان الولد ذكيا ً ويتدرب على العمل الحكومي , يوم 14 تشرين الثاني 1581 وجد الأب إبنه مع زوجته الثالثه جالسين في إحدى قاعات الكرملين وكانت الزوجه حاملاً لعدة أشهر
لاحظ القيصر أن كنته لا ترتدي ملابس فخمه تليق بمستوى حياتههم القيصريه فإستشاط وبداً يضربها ويركلها , تحرك الإبن الشاب لمنع والده من ضرب زوجته فإستل الأب خنجره وطعن إبنه في صدغه , إنبثق الدم مثل نافوره من رأس الولد الذي سقط مغشيا عليه ثم مات بعد 5 أيام عندها أمر القيصر بأعدام كنته وهي حامل لأنها كانت السبب في مقتل الإبن
كان حزن القيصر فاجعاً , كان ينتحب بصوت عالي ويقطّع شعر رأسه ويخدش الحيطان بأظافره وفقد قدرته على النوم
بعد دفن الإبن بدأ الأب يحتفظ بقوائم تحمل أسماء جميع من قتلهم في حياته , وحدهم أو مع زوجاتهم وأبنائهم , وقد حوت القوائم ما يزيد على 3 آلاف إسم
إعترف القيصر بقتله لهم جميعاً ثم أرسل نسخاً من قوائم أسمائهم الى جميع الكنائس الروسيه ومعها الهدايا والمال كصدقه ليرحم الرب أرواح القتلى . الآن فقط بدأ القيصر يشعر بثقل ذنبه ويبحث عن الغفران
ذات يوم في بداية عام 1584 أرسل القيصر الى جميع الكنائس سؤالاً يطلب فيه معرفة يوم موته فجائه الرد أنه سيموت في يوم 18 آذار من نفس العام . بحلول اليوم الموعود كان القيصر قد مات , ليس موتاً طبيعياً بل إن طبيبه الخاص وحارسه الشخصي سقياه السم فمات
على هذا الرابط نشاهد مادة وثائقيه عن مقتل القيصر الرهيب إيفان الرابع
https://www.youtube.com/watch?v=z9tkMC79Vb4
#ميسون_البياتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
