|
الكُرسي و القبلةُ المؤجلةُ
احمد الحمد المندلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4080 - 2013 / 5 / 2 - 06:49
المحور:
الادب والفن
بينَما كانَ منهمكاً في أداءِ عملِه اليومي في ديوانِ اللواءِ ..- سَراي الحكومة - سمعَ طرقاتِ خفيفةً على بابِ الغرفةِ ؛ فرفعَ رأسِه بوقارٍ.. ليقولَ كلمةَ الإذنِ و السماحِ للطارقِ بالدخول، قائلاً بهدوء: - تَفضّلْ. ولجَتْ في غرفتِهِ إمرأةٌ قصيرةَ القامةِ ،رثةَ الثيابِ،شاحبةَ اللونِ، تقفُ أمامَ طاولتِهِ ،ولم تنبسْ ببنتِ شفةٍ ، كأنَّها حاملةٌ في رأسِها ألفَ ألفَ حكايةٍ و حكايةٍ ،و في عينيها سفرٌ كبيرٌ من الكلامِ المباحِ و غيرِ المباحِ...تبوحُ بها أو لا تبوحُ سيّانِ في هذا الوقتِ..هكَذا كانَتْ تحادثُ نفسَها..بهذه الكلماتِ..
و بما أنَّه ذو ذائقةٍ أدبيةٍ رائعةٍ؛ولا تفوتُهُ صورُ هذه الألغازِ واللقطاتِ المكتومةِ،فهو يستلهمُ منْ بيئتِهِ صورَ الإبداعِ، ليمازجَها معَ موهبتِهِ الشعريةِ ؛و يحصلُ فيما بعدُ على لوحةٍ شعريةٍ نادرةٍ.. تتزاحمُ الصورُ في ذاكرتِه الوقّادةِ.و لم يحصلْ على شيءٍ يفيدُ هذا المشهدَ،ليدعمَهُ في الكلامِ. تأمَّلَ الموقفَ،و لم يتسارعْ في الكلامِ أيضاً ، وهذا ديدنُهُ،لما يتميزُ بهِ من خِلالٍ حميدةٍ .. و مكارمِ الأخلاق. ولكنْ بالنسبةِ لها نفدََ صبرُها، و قالَتْ بانكسارٍ شديدٍ: - ألا عرفْتَني يا أستاذُ!! الأستاذُ و هوَ في لججٍ غامرةٍ من سِفرِ ذكرياتِه الكثيرة،نظرَ اليها وردّدَ معَ نفسِهِ: - ألا عرفْتَني يا أستاذُ!!..إذاً هيَ تعرفُني !! منْ هيَ يا تُرى؟ ووضعَ نظارتَهُ البيضاءَ على كومةِ الأوراقِ التّي كان يدقّقُ فيها .. تأمّلّ الأستاذُ في وجهِها الشاحبِ ،أجابَها برفقٍ عجيبٍ: - لا.. المتسوّلةُ بخجلٍ: - أنّا تلكَ الفتاةُ الغنجُ ..- توقَفَتْ عن الكلام -.. كأنَّ شيئاً ثقيلاً في أحشائِها،بل أفعى تغرزُ سمومَها ،و كادَ الأستاذُ يسمعُ فحيحَها منْ بينِ تلكَ الأسمالِ الباليةِ،و يراقبُها بصمتٍ ؛و يرغبُ في الإستماعِ اليها بلهفٍ .. واصلَت الحديثَ : التي يوماً ما رُمتَ تقبيلَ خالٍ في منْحَري .. و لمْ تَفلحْ. تذكّرَ جيداً كونُهُ ذكيّاً و يحتفظُ بذكرياتِهِ بشيءٍ من الشّفافيةِ،ولا تمرُّ بهِ ذكرى إلا لَهُ بصماتٌ إبداعيةٌ عليها .. بل يتحدث بها لأقرانه بروح رياضية ،و لا يتورّعُ في ذكرِها،من بابِ اللّهوِ و استقباحِها حيناً..أجلْ و هو يتحدثُ مع نفسِهِ التائبةِ و المنسلخةِ عن تلكَ الأيامِ .. نعمْ كانَتْ جميلةً ،كانَ لَها خالٌ – شامة- خَلّابٌ في المَنْحَرِ نازلاً قليلاً مع القلادةِ باتجاهِ النـ هـ د ي ن . كانَ لَهُ دلالاتٌ عجيبةٌ لي أنذاك ، يشعُّ بجمالٍ غيرِ إعتياديّ في عينيَّ،و أنَا تحتَ أثرِ (.. الأندرينا أو الموما اليه) جعلَني أكثرَ هيمانَ بهِ .. مما دفعَني لتقبيلِهِ ، نهضْتُ لذلكَ كما كانَ يُملي عليَّ الهوى ..و هي بلا شكٍ لا تمانعُ في اقتطافِ قبلةٍ منْ هذا النوعِ، بلْ تزدادُ نشوةً و طرباً ،لأنَّ في ذلكَ ستكسبٌ زبوناً ثريٍّا وقوراً ،و لكنْ إسْتَعصَى علينا ذلكَ لكوني أكثرُ منْها طولاً .. و حاولْتُ تقزيمَ نفسي ( يا لذلّةِ المرءِ تحتَ سياطِ الهوى) ولكنْ لم أظفرْ بتلكَ القبلةِ اللعينةِ لألمٍ طرأَ بظهري و أنا تحتَ العلاجِ و نصائحِ الطبيب ..إذاً ما العملُ ؟ و ندماني فكّروا في تهيئةِ وضعٍ أستطيعُ بهِ نيلَ المرامِ منْ ذلكَ الخالِ الأهوجِ ،فهمْ يودّوني كثيراً ؛فأحضرُوا كرسيّاً إرتقيتُهُ لهذا الأمرِ و لكنَّ الفشلَ كانَ نصيبي ، كونُها (الغانية) أصبحَتْ أطولَ منّي حتى في وضعِ تقزيمِ جسمِها المربوعِ ..أمرْتُ بإعادةِ الحالةِ الأولى ..و لم نفلحْ في ذلكَ ، و هكذا الى الصّباحِ الباكرِ نعيدُ الكَرّةَ تلوَ الكَرّةِ بينِ ارتقاءِ الكرسي و النزولِ منْهُ بينَ قهقهاتٍ و ابتساماتٍ .. كما تذكّرَ جيداً أنَّه كانَ على استعدادٍ أنْ يتنازلَ عن أملاكِهِ و عقاراتِهِ لقاءَ تلك القبلةِ اللعينةِ .. و نسيَ أنَّه سيأتي يومٌ تصبحُ مجاناً و لا منْ مشترٍ , فما أقصرَ عقولِنا لإدراكِ ما بعدَ زمنٍ قصيرٍ جداً،يا لمهزلةِ العقلِ البشري ... رفعَ رأسَهُ بعدَ هذا السردِ السريعِ والشريطِ المنظورِ والمارِّ أمامَ عينيه قبلَ أكثرِ من ثلاثينَ عاماً بعد أنْ تذكّر كلَّ ذلكَ بدقّةٍ و تفصيلٍ في اقتناصِ قبلةٍ أصبحَتْ مؤجلةً والى الأبدِّ قائلاً: - هكَذا حالُ الدّنيا ..قبلةٌ مؤجلةٌ وكرسيٌّ لا يَفي بالغرض المطلوبِ !!..
#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سياحة غراب
-
كانَ لي دارٌ هنا في مندلي..
-
حلبجة جرح مستدام
-
الكورد الفيليون في الركب الثقافي و الحضاري /القسم الأول
-
قصيدة بمناسبة عيد المعلم
المزيد.....
-
السينما مرآة القلق المعاصر.. لماذا تجذبنا أفلام الاضطرابات ا
...
-
فنانون ومشاهير يسعون إلى حشد ضغط شعبي لاتخاذ مزيد من الإجراء
...
-
يوجينيو آرياس هيرانز.. حلاق بيكاسو الوفي
-
تنامي مقاطعة الفنانين والمشاهير الغربيين لدولة الاحتلال بسبب
...
-
من عروض ايام بجاية السينمائية... -سودان ياغالي- ابداع الشباب
...
-
أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة
...
-
وَجْهٌ فِي مَرَايَا حُلْم
-
أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة
...
-
نظارة ذكية -تخذل- زوكربيرغ.. موقف محرج على المسرح
-
-قوة التفاوض- عراقجي يكشف خفايا بمفاوضات الملف النووي
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|