أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الحاج علي - ريّا















المزيد.....

ريّا


أحمد الحاج علي

الحوار المتمدن-العدد: 1172 - 2005 / 4 / 19 - 08:05
المحور: الادب والفن
    


توضيح
ريا : آلهة سوريا في الديانات القديمة – المستشرقون اعتبروها إلهة إغريقية . وهو رأي مخالف للواقع والحقيقة ، والدليل على ذلك دخول اسم ريا في نسيج اللغة العربية ، ريا . ري . روى . ارتواء .
تجري أحداث هذه الأسطورة في مكانين ، المكان الأول السماء ، المكان الثاني على الأرض .
ريا
على الأرض : تقول الحكاية القديمة ، أن المطر احتبس في السماء لمدة طويلة مما سبب قلقا وخوفا للناس على حيواناتهم ومزروعاتهم ، وهاهو شهر كانون الأول ونصف كانون الثاني ، ينتهي بلا مطر ، والحبوب المزروعة ، التقطتها أسراب الزرازير والسمن ، وحده الصقيع كان متحالفا مع الليالي المظلمة ، أما النهارات فكانت كالحة. مغبرة . ملوثة بنتن متعفن ، وسخام حرائق الغابات التي يبست شكل تحت قبة السماء الزرقاء سماء رمادية بلون الرصاص المحروق ، وبين الحين والحين يرنوا الناس بأبصارهم إلى السماء علهم يعثرون ولو على قطع صغيرة من الغيوم ، فيرتد البصر حسيرا ، لا أثر لغيوم منخفضة حبلى بالمطر ، ولا أثر لغيوم عالية حبلى بحبل كاذب، أما الآبار فقد فرغت ، والسواقي جفت ، والخوف من المجهول تحول لدى الناس إلى سلوك نزق وقلق على مصيرهم الغامض .
في السماء
الإلهة ريا تسبح في الصفاء والنقاء . قلقة . متوترة . نزقة . غاضبة . محبطة . تأمر الغيوم بالتشكل ، تحاول تكوين جبال الغيوم ، لاستدرار المطر منها . الغيوم لا تستجيب، تعجز ريا وبدل أن تنفذ الغيمات رغبتها ، تبتعد عن بعضها ، وتتلاشى في السماء ، وكأن وحشا أسطوريا يبتلعها .
على الأرض
الأطفال صبيانا وبنات وقد انضم إليهم الكبار من النساء والرجال ، صنعوا تمثالا للإلهة ريا ، ألبسوها أحسن وأجمل ما عندهم من ثياب ، ألبسوها قميصا أخضر منسوجا من حرير مصياف ، وسروالا من خيوط القطن المزروع في الرقة ، والمصنوع في حلب، طافوا به الأزقة والزواريب والساحات ، يجأرون هاتفين متوسلين ( أم الغيث يا ريا عبي جبابنا ميه ) لكن لا فائدة ولا من مجيب ، تتكرر المحاولة يخرج الناس كل يوم، يستغيثون ريا ، صائحين يا أم الغيث ، سواقينا جفت ، ومجاري الأنهار توقفت عن الجريان ، أما من ماء يغسلنا ويبل ريقنا .
في السماء
ريا التي في السماء ، ترى وتسمع النداء ، توسل المتوسلين وهتاف الهاتفين يحرق كبدها ، يقلقها . يوترها . يجننها . تساءلت مع المتوسلين الهاتفين المنشدين ، إلى متى هذا الجفاف ؟ إلى متى هذا اليباس ؟ إلى متى هذا القحط ؟ إلى متى هذا العجز ؟ بدأت تلوب كمجنونة فقدت توازنها ، غربت . شرقت . ارتفعت في السماء حتى كادت تصل سماء كبير الآلهة . نزلت حتى كادت تلامس الأرض ، وعلى الأرض عاينت الناس سمعتهم يستغيثون ويلوبون ، لكن أين الغيث ؟ تساءلت ريا ؟ ترى هل جردني الاله من قدراتي ؟ ترى هل ارتكبت معصية أغضبته فغضب مني ؟ خطرت لها خاطرة أن تستشير صاحبها العرافة ، ضاربة الودع . العرافة تعرف ، قصدت ريا العرافة : يا صاحبة الودع ، أيتها الوديعة لم لا تلبي الغيوم ارادتي ؟ يا صاحبة الودع أيتها البصيرة أنا الإلهة ريا ، أسألك لماذا أنا الآن بدون قدرات ؟ أنا الإلهة ريا ، لا البحار أعطت ماءها ولا الغيوم هجرت البحار ولا السماء استقبلتها . أنا الإلهة بلا قوة ، أيعقل آلهة بلا قوة !
أجابت العرافة قائلة : ريا يا إلهتي ، يا أم الغيث والبروق ، يا أم الرعود ، يا أم العواصف ، يا أم البهاء والخضرة ، يا أم الأمم . يا أم ، كان عليك أن تقدمي لكبير الإلهة نذرا ، وأن تقدمي له الطاعة ، حتى تطيعك الغيوم والعواصف ، تجديد العهد بينك وبين سيد الكون ، يحفظ لك قدراتك ، تعالي نرى الودع ماذا يقول : فردت العرافة الودع ، أطالت التأمل فيه ، قلبته ، بدأت تتغير ملامح وجهها ، قالت العرافة : يا إلهتي الودع يقول : كبير الآلهة غاضب ، ما السبب في غضبه ؟ لا أعرف ! الودع لا يقول شيئا ، الودع لا يستجيب ، قالت الإلهة ريا للعرافة : أيتها الصديقة الصدوقة ، وماذا أستطيع أن أقدم لسيد الكون الغاضب ، غير الطاعة ودمي ، أستطيع أن أقدم له بعض دمي عربون وفاء . فأنا لم أعد أملك قطعان الماعز الشامي ، ولا سحت العويس في بادية تدمر ، حتى أقدم له الأضحية التي يستحقها ، وأنا لا أملك جواميس الصعيد ، ولا ابل الخليج ، ولا أرعى الأيائل في غابات أفريقيا ، حتى أفي بنذري ، أنا لا أملك يا عرافتي سوى دمي ، هل يقبل دمي ؟
على الأرض
يواصل الكبار والصغار ، حاملين تمثال ريا وراياتهم البيضاء ، يواصلون التوسل ، وفي الصوامع صلى المصلون بخشوع طالبين الرحمة حيث لا ماء في الآبار ، والسواقي جفت والغابات تحولت إلى حطب ، غول العطش بدأ يقترب ، وطيور الشام بدأت بالتجمع أسرابا ، استعدادا للهجرة ، هربا من الموت واليباس والعطش .
في السماء
ريا الإلهة الحائرة أمام هذا المشهد ، ريا الإلهة المشلولة القدرات ، ريا الإلهة الغاضبة ، استجمعت قواها وصرخت بكل ما أوتيت من قوة لا . لا .لا ، تردد صدى صرختها في أقطار السماوات والأرض ، الجبال اهتزت ومادت ، أمواج البحار علت هائجة ، سمعها سيد الكون ، سيد الكون يصغي لما تقوله ريا . ريا تقول : يا سيد الكون ، يا رحمن يا رحيم ، أنا ريا ، إلهة المطر والخصب ، أنا ريا ، وأنا الري ، أنا ماء الحياة ، انذر لك دمي ، بإرادتي دمي خذه ، يا الهي ليس عندي ما أقدمه سوى دمي ، فقط أرجع لي قدراتي التي أعطيتني إياها . ها انا ذا أقترب منك . أقترب من مذبحك ، يا الهي أنا الآن على حافة المذبح ، يا الهي بإرادتي دمي خذه وأعطني بدلا منه مطرا ورعدا ورياحا لواقح .
أجابها سيد الكون : لقد فات الأوان يا إلهتي الصغيرة
فكرت ريا بصمت ، حاسبت نفسها لبضع دقائق ، قالت الإلهة ريا لنفسها : مخطئة أنا أعترف أني ارتكبت خطيئة ، اعترف أني كنت مغرورة بقدراتي ، أعترف أني كنت في بعض الأحيان متسلطة ، وأعترف أن مرض التسلط وباء ، يصيب حتى صاحبه أعترف أن لعبة المطر والعواصف والرعود والبروق كانت تغويني ، فأشكل من المطر سيولا أتركها بدون لجام ، لتجرف في طريقها البشر والزرع والضرع ، ألهذا سيد الكون غاضب مني . أعترف أني كنت أرتكب بعض الجنون حين أكون العواصف وأتركها تعصف ، وتقصف ، وتلعب ، وتدمر ، فأقف مدهوشة ، من قدراتي على سهولة تحريكها ، واللعب بها ، وكانت لعبتي المفضلة ، كطاغية يطغى أن اجلد الغيوم بسياط اللمع ، فيهطل المطر ، يهطل . وأنا في قمة جنوني ، أصيح مطر مطر مطر، وكطاغية ، كنت انتشي حين أرى الأطفال الكبار والصغار والنساء يستجدون رحمتي، ويهتفون أم الغيث يا ريا ، فأمعن في حبس المطر ، ترى ألهذا عاقبني سيد الكون ؟
وفي الربيع حين أفرغ من رش زخات المطر ، كنت أنصب أقواس قزح بين السماء والأرض . أنصبها لأرقص فوقها شبه عارية إلا من شال مصنوع من خيوط الضوء، ارقص رقصا مجنونا ، ارقص منتشية كسكرى ، على نغمات زقزقات القبرات الطائرة فوق كروم العنب الفوعي ، المطلية أوراقها بالضوء والريح ، ألهذا عاقبتني يا سيدي ؟ ويكف لا أفرح وأنتشي وأنت من زرعت فيّ حب الرقص ؟ أجابها سيد الكون : لا لا يا إلهتي الصغيرة ، أنا من يفرح لفرح الراقصين المنتشين بخلقي ، وأنا الذي يعرف أن كل إبداع فيه شيئا من الجنون ، ولكني أذكرك أني أنا الواهب المانح المعطي . أعطيت لنفسك حقوق اله مطلق . كنت تميتين بسيولك وعواصفك أطفالا ونساء ورجالا لا أرغب في موتهم . من أعطاك هذه المهمة ؟
قالت ريا : سامحني يا سيدي ، أنا الإلهة ريا ، التائهة في بهاء تكوينك ، المنتشية بجمال إبداعك ، المدهوشة بألوانك السكرى ، بجمال خلقك .
أجاب سيد الكون : كفى . كفى يا إلهتي الصغيرة لقد انتهت مهمتك ، أجابت ريا وقلق التلاشي والموت يؤرقها :
سيدي . يا سيدي . من يسقي غابات الكروم . وكيف لمعاصر الزيتون أن تدور . من يسقي المراعي في البوادي . من يسقي الزرع ويملأ العنابر بالمؤن . من يسقي أرضك المقدسة في الشام ، ويروي عطشها إلى الماء والهواء .
أجابها سيد الكون : يا إلهتي الصغيرة . سوف تكونين في موتك كما في حياتك رمزا للخصب . رمزا للارتواء والنضارة .
أمر سيد الكون الغيوم أن تتكون فتشكلت على الفور كجبال هائلة الحجم . أمسك سيد الكون الإلهة ريا ، قذفها بين الغيوم ، حيث سيوف اللمع قطعتها قطعا صغيرة فاختلط دمها مع حبات المطر الهاطل على الأرض ، فصبغ تربتها باللون الأحمر ، أما شظايا الإلهة ريا فقد سقطت على ارض لتخصبها إلى ابد الدهر .
على الأرض
الفرح عم الأرض ، والأطفال خرجوا من بيوتهم نصف عراة ، قاصدين السواقي ليسبحوا في الماء وصوت كركراتهم تصل أسماع سيد الكون ، وفي السماء صارت أسراب اللقلق ، تعبر باتجاه البرك المشكلة على أطراف الحقول .



#أحمد_الحاج_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية الفرقة الكلبية للغناء
- العقل المعتقل متى وكيف نفرج عنه
- حكايتان
- حكاية الشيخ الحكيم والكلاب الجائعة


المزيد.....




- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الحاج علي - ريّا