أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شيماء عز - إثنولوجيا الفكر الإنساني في مصر القديمة















المزيد.....


إثنولوجيا الفكر الإنساني في مصر القديمة


شيماء عز

الحوار المتمدن-العدد: 4073 - 2013 / 4 / 25 - 21:16
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الإثنولوجيا Ethnology أوعلم تحليل الظواهر الثقافية والاجتماعية السائدة لدى شعوب الأرض، وهو علم يعنى بخصائص وإنجازات الشعوب وأحوالهم الحضارية والثقافية ومعتقداتهم. ومن أهدافه إعادة صياغة تاريخ الإنسان ومعرفة التغيرات الثقافية الطارئة على سطح الأرض مع تغير الأجيال.

علم الإثنولوجيا سعى إلى اعتماد منهجين علميين في بحوثاته، وهما : منهج البحث التحليلي الميداني، الذي يعتمد على تقنيات الملاحظة والمقابلة والاستبيان والإحصاء لأستنتاج ما تخبؤه الجماعات البشرية، والمنهج التاريخي الذي يسعى إلى استرداد ما كتبه الأقدمون وما تركوه من آثار من أجل استقراء محتواه للوصول إلى قوانين عامة تميز تطور المجتمع البشري.

المدينة والإستقرار الإنساني في مصر القديمة

علي الرغم من أن مصر هي بلد زراعي قديم، إلا أن وادي النيل يظهر به كشريط ضيق، وبمثابة واحة معزولة تحدها الصحراء من الشرق والغرب، والبحر المتوسط من الشمال. وقد لعب نهر النيل بإنتظام فيضانه في توقيتات زمنية معروفة لدي المصريين الي خلق خاصية العمل الجماعي فيما بينهم لإمكانية السيطرة عليه وتحقيق أعلي فائدة في الإستفاده في شتي المجالات. وكانت خصوبة أراضي الوادي عاملاً أساسياً لإستقرار سكانه وتدعيم الروابط والصلات والعلاقات فيما بينهم عن طريق إستخدام النهر كطريق للمواصلات. وقد ساعد هذا الوضع سكان مصر القدامي علي مزوالة مهن اخري كالتجارة، والصناعة، والحرف اليدوية، الامر الذي عزز من طبيعة العلاقات والروابط الاجتماعية والانسانية فيما بينهم، فساهم في خلق قدر من الأفكار الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والأخلاقية التي رسمت حدود رسم المعاملات الانسانية. وإذا كان وادي النيل الخصيب يتسم بالضيق في مساحة أراضيه الصالحة للزراعة والاستقرار الانساني، فإن دلتا النيل في الشمال علي العكس من ذلك فإنها تتميز بخصوبة الأراضي وإتساع مساحتها، كما تتسم بأنها إقليم زراعي وبحري في نفس الوقت، فتحتل تجارتها الخارجية مكاناً هاماً بجانب الزراعة عن طريق إنفتاح سكانها علي المواصلات البحرية للبحر المتوسط، فذاد ذلك من فرص الإحتكاك بالشعوب الأخري والحضارات الأخري مهما كانت درجة تقدمها الحضاري والثقافي فأدي هذا الإختلاط والإحتكاك إلي تبادل الآراء والعقائد وذيادة المعارف والفنون واستحداث طرقاً جديدة للتفكير والعمل في شأن الوفاء بمطالب الحياة الاجتماعية.

ساعد الوضع البيئي والمهني في مصر السفلي علي ظهور وتكوين مراكز اقتصادية هامة، إنتهت إلي نشؤ وظهور "المدن" التي تختلف بها وسائل العيش تمام الإختلاف عن المناطق التي بها استقرار زراعي فقط، وقد أدت الحياة في المدن إلي ظهور طبقات إجتماعية جديدة، وإلي قوانين وتشريعات جديدة. ورغم أن المدن قد ظهرت ونمت بصورة أسرع في شمالي مصر عنه في الوادي الزراعي الضيق في الجنوب (مصر العليا)، إلا أن هناك بعض المدن التي ظهرت في الجنوب وعرفت بإسم "مدن الوادي" مثل مدينة "نبت" القديمة، وكانت في المكان الذي اقيمت فيه فيما بعد مدينة "طيبة" والتي احتلت مكانة هامة في مصر الفرعونية حيث كانت إحدى عواصم مصر القديمة إبان المملكتين الوسطي والحديثة، وحاليا يطلق عليها الاقصر. وقد لعب النيل دوراً مهماً في إيجاد تبادل واسع في السلع تولدت عنه أسواق ومدن تجارية عديدة كان أشهرها مدينة "هليوبوليس" ومدينة "منف" كما سبق هذا الوضع علي قيام وتكوين ديانة عامة وواحدة بالتدريج شيد لها معبد في هليوبوليس يؤمه المارون من مختلف الفئات من كل حدب وصوب.

هذا وقد عرف المصريين القدامي في مصر الفرعونية المدينة بوصفها مكاناً للاستقرار ووحدة سياسية وذلك قبل أن يعرفه اليونانيون وينتشر بينهم نظام المدن ودولة المدينة. فكانت مدن المصريين القدامي تتمتع بإستقلال ذاتي تذدهر بها المراكز الاجتماعية والتجارية فيعيش أهلها علي التجارة النيلية التي جعلت من المدن النيلية مراسي للسفن وملتقي للقوافل البرية في آن واحد، وفي ضوء ذلك تدلنا وثائق التاريخ القديم أن غالبية النظم الإدارية والحكومية ونظم التجارة والبيع والشراء كان منشؤها في المدن المصرية القديمة. ولا شك ان نظاماً حكومياً سياسياً بهذا القدر من الاستقرار ما كان له أن يتحقق إلا في ظل نظم إجتماعية قائمة علي قدر مشترك من العقائد والأفكار التي تميز بها المصريون آنذاك. وعندما توحدت المدن والبلدان أصبحت مصر إمبراطورية واسعة الأرجاء، فكانت مسرحاً لتيارات إجتماعية شأنها من ذلك شأن الإمبراطوريات الكبيرة، والتي يظهر في قلبها بعض المفكرين الذين لا يتفقون مع الفرعون ورجال حكومته في السياسة الداخلية والخارجية، فأدي ذلك الي تعدد الأراء وتنوعها، وتكوين رأياً عاماً وتيارات سياسية واجتماعية جديدة في نشأتها وتكوينها داخل الحياة الاجتماعية.

وعلي الرغم من أنه لا يوجد رأي قاطع لإثبات بدء المرحلة الزمنية والتاريخية للوجود الإنساني في مصر القديمة، إلا أن بعض الأدلة تشير إلي إستقرار الإنسان في مصر منذ عشرة ألاف سنة قبل الميلاد، فقد عثر في مصر علي بقايا للإنسان الأول ترجع إلي العصر الحجري القديم، كما أقامت بعض فئات من "الحاميين - Hamites" في مصر العليا منذ عام (7500-700 قبل الميلاد). كما جاء بعض الأسيويين وتركزوا في مناطق الدلتا ومصر الوسطي وهم من الغزاة القادمين من آسيا الصغري. وقد تزامن هذا الإستقرار وحضارة هذه الحقبة مع عصر بداية إستعمال المعادن وكان السكان يشتغلون بصيد الأسمال والطيور والحيوانات، والزراعة لم تكن معروفة خلال تلك الفترة الزمنية في مصر القديمة. وقد أكدت بعض الحفريات عن بقايا قري ومقابر كان الدفن فيها يتم وفقاً لإجراءات دينية. ثم أكتشفت بعد ذلك الزراعة التي تتطلب وجود حياة الإستقرار والتجمع السكاني، ثم تحول سكان مصر إلي مزارعين متجمعين في عشائر لكل منها إقليماً خاصاً عرف بإسم "المقاطعة".

الحالة الدينية والأخلاقية في مصر القديمة

لعب العامل الديني دوراً أساسياً في تاريخ الحياة المصرية القديمة، وقد ظهر هذا العامل مبكراً زمنياً قياساً بمجتمعات وحضارات مبكرة مغايرة. فمصر في عصر ما قبل التاريخ كانت تتكون من مجموعة من القبائل والعشائر (الطوطمية) التي يتخذ أعضائها من عالم النبات والحيوان أو بعض مظاهر الطبيعة رمزاً لهم يقدسونه ويحرمون أكل لحمه أو تدنيسه أو التعامل معه بعدم إحترام أو عدم إجلال، وذلك مثل الصقر والثعبان والنحلة والجعران والنيل "حابي"، وتعتقد تلك العشائر بأن هذا الكائن هو أصلها، وأنها قد إنحدرت منه، وتقترن أسماؤها به، ومن ثم يتحول هذا الكائن بعد حياة الإستقرار إلي معبود أو إله ينشر حمايته علي المدينة، ومن هذه المدن تكونت المقاطعات والتي توحدت سياسياً في إقليمين كبيرين هما الدلتا (مصر السفلي). وتقديس الآلهه "ست" وهو علي هيئة حيوان خرافي لا وجود له في مصر وهو يشبه إلي حد كبير طائر العقاب الذي وجد في أعالي نهر الكونغو. والوادي (مصر العليا) كان معبوده الآلهه "حور" وهو في الأصل صقر، ثم تحققت وحده القطرين علي يد أمراء مصر العليا في عهد الأسرتين الأولي والثانية، وبذلك اصبحت الآلهه "حور" (إله السماء وإبن أوزوريس) الآلهه الرئيس للبلاد في عهد الأسرتين الأولي والثانية.
وتحت تأثير العقيدة الهليوبوليتانية (الشمسية) التي إنتشرت منذ الأسرة الثالثة، وكانت قائمة علي عبادة الآلهه "رع" إله الشمس في "هليوبوليس" بالقرب من مدينة "منف" فقد أضيف إلي اللقب "حور" الذي يحمله الملك لقب "رع" الذي يجعل منه حاكماً للعالم، فأصبح "حور رع" وقد تحقق ذلك علي يد مؤسس الأسرة الخامسة. وسرعان ما تخلص "رع" من "حور" وأعتبر الفرعون إبناً للإله "رع" في عصر الدولة القديمة. ومنذ الأسرة الثانية عشر شارك "آمون" إله طيبة ومعه إله الشمس "رع" في السلطان وأصبح إله الشمس معروفاً بإسم "آمون رع" ثم خرج آمون علي رع وأصبح "آمون وحده هو إله الشمس، وتمتع بمكانه عاليه هو وكهنته طوال عصر الدولتين الوسطي والحديثة والتي تجلت فيها المكانة الدينية والسياسية والقضائية والإقتصادية للفرعون ولبعض كبار الكهنة والوزراء وحكام المقاطعات.

وتدلل بعض ألوان التفكير الإجتماعي عند قدامي المصريين بأنها كانت متصلة إتصالاً وثيقا بالدين، وكان الدين مختلطاً بها، لأن المصريين كانوا عمليين أكثر منهم نظريين، وقد إمتازوا بحسن السياسة وفن الإدارة، وأستطاع الحكام أن يسيطروا علي البلاد سيطرة تامة اللهم إلا في فترات كانت الحكومة تصاب فيها بالإنحلال السياسي. ونظراً لأهمية الحالة السياسية في مصر القديمة فقد أولاها المفكرون الإجتماعيون أهمية كبيرة للكشف عن دور المفكرين القدامي من الكهنة المصريين في مجال النظم الدينية والسياسية والأخلاقية والادبية وغيرها. فالثورة التي قام بها أخناتون (الفرعون أمنحوتب الرابع، 1369 – 1353 ق.م) الكاهن المصري والذي نادي من خلالها بفكرة "وحده الله" وكانت تستهف إحلال فكرة الوحدانيه مكان فكرة الآلهه المتعددة. وأصبح الآن معظم المشتغلين بالدراسات المصرية القديمة يذهبون إلي أن "الديانة الموسوية" إذ نادت بالوحدة إنما كانت متأثرة في ذلك بفكر الثورة وبما كان سائداً في مصر منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد من حركة تدعو إلي تمجيد إله أعظم يعتبر إله الآلهه ورب الأرباب ومعظمهم لا يتردد في القول بأن موسي عندما خرج من مصر إنما كان حاملاً معه هذا التراث المقدس وما نادت به الثورة الدينية المقدسة من وحدة الله التي حدثت قبل ظهوره بقليل والتي كان العقل الجمعي المصري مشبعا بها ومقدماتها آنذاك. ويمكن القول أن الفكر الديني لمصر القديمة كان له أثر لا ينكر علي التراث الديني الإنساني.

وكذلك أسهم المصريون القدماء في الفكر الأخلاقي بتعاليم وتوجيهات كان لها أثرها في إرساء قواعد الحياة الأخلاقية التي أرستها تعاليم الحكماء وكتب الحكمة والاخلاق ... ونذكر منها مايلي:

1. وضع القوانين والمعاير التي تحدد إختصاص الموظفين بالمهام التي يكلفون بها وحثهم علي الإلتزام بأخلاقيات المهنة، وقد ورد علي لسان أحد الملوك لوزير من وزرائه قائلاً له : "إذا شكا لك شاك فلابد من أن تتأكد أولاً من أن كل القواعد مطبقة تطبيقاً صحيحاً، كما يجيب عليك أن تساعد كل ذي حق علي نوال حقه".

2. إعتني نظام العمل أخلاقياً بحياة العمال والرقيق فنظم لهم أوقات فراغهم والإعتناء برفاهيتهم الإجتماعية مع الإهتمام بالشيوخ والعجزة والأطفال، وقد إستفادت القوانين اليونانية والرومانية من أسس ومباديء القوانين الأخلاقية المصرية القديمة في هذا الشأن.

3. أثرت كثيراً من النظم الأخلاقية المصرية القديمة علي الأفكار والتعاليم اليهودية، وقد أستشهد بعض العلماء بمقارنات بين ما جاء بكتاب "تعاليم سليمان" وتعاليم الحكيم والفيلسوف المصري القديم "أمنحوتب" ... والتي قال فيها:

• إياك أن تظلم الفقير أو أن تظلم معذباً.
• لا تتعب نفسك وراء الثروة.
• لا تزل علامات الحدود من الحقول.
• لا تتعد علي حدود ارملة.
• اصغ الي ما يقال لك واسمعه جيدا ثم امنحه قلبك لكي يفسره.
• اذا حصلت علي سلع مسروقة فلن تستمر معك طيلة ليل كامل حتي تكون قد خلقت لنفسها أجنحة كالأوز وطارت إلي السماء.


الحالة التشريعية السياسية في مصر القديمة

تقاس درجة تطور المجتمعات الانسانية وتقدمها بدرجات تطور القوانين والتشريعات بها. ويعشق علماء الفكر الانساني الغوص في ماضي التاريخ الزمني بحثاً عن نقطة البداية للتشريعات وطريقة او طرق الاحنفاظ بها، فمثلاً في مصر القديمة قد اثبتت الادلة والشواهد البحثية ما يؤكد ويثبت وجود قوانين مصرية مكتوبة منذ الالف الرابع الميلادي وذلك عليالرغم من استخدام المصريين القدامي لأوراق البردي في حفظ القوانين والتشريعات بإعتبارها وثائق لحركة الحياة اليومية، وإن كانت هذه الوسيلة في الحفظ ضعيفة الي حد ما، ولم تستطع مقاومه التدهور او التلف، وان كان المصريون قد تنبهوا فيما بعد واستخدموا جدران المباني والمعابد للتدوين، ولكنها كانت عرضة للفناء مع حدوث حالات تدمير المباني بفعل الكوارثاو الزلازل او الايدي البشرية العابثة بها. وقد كانت السمة الغالبة في حفظ وتدوين القوانين واكتشافها هو اللجوء الي السجلات والوثائق الفردية مثل قضايا النزاعات بين الاشخاص، وعقود الزواج والبيع والتجارة، وايصالات سداد الضرائب وهي حالة تغلب بشكل واضح في سجلات اوراق البردي في مصر الفرعونية.
وتفيد معرفة القانون المصري الفرعوني في الإلمام بالمصادر التاريخية من جهة، وفي الإلمام بالمباديء والنظم والتشريعات التي تسود تطور القانون في العصر الحديث. فمثلاً يعتقد البعض – خطأً – أن خضوع مصر للغزو الإغريقي وسيطرة الإسكندر المقدوني ومن بعده الرومان قد أدي إلي القضاء علي النظم القانونية الفرعونية الأولية الأصيلة، ولكن الواقع ينبيء بغير ذلك حيث حدث الكثير من التفاعل بين القوانين المصرية القديمة وبين القوانين والتشريعات القادمة مع البطالمة والرومان فتحققت مرحلة إذدهار قانوني وتشريعي متبادل. وإذا كانت دراسة القانون والمجتمع في الفكر الإنساني تسعي جاهدة إلي البحث في أهم قنوات الإتصال والتواصل بين الشعوب القديمة – لا سيما في بلاد الشرق – فإن دراسة تاريخ القانون المصري الفرعوني قد جعلت الاهتمام بدراسة الشرائع البابلية والآشورية والسومرية امراً له أهميته، ساعد في ذلك وجود الآثار والأدلة المكتوبة والوثائق الحجرية التي تؤكد إلي حد ما وجود العلاقات الوثيقة بين التشريعات القانونية في منطقة حضارات آسيا الصغري وبين كل من مصر القديمة وحضارتي الإغريق والرومان في شمال البحر المتوسط.

وإذا كانت التشريعات والقوانين قد ساد تواجدها وإنتشارها مع كافة التجمعات الإنسانية في كل مكان وزمان – علي الأقل بالنظرة الأنثروبولوجية – لتاريخ الجنس البشري وتكوين نظامه القانوني والتشريعي، إلا أننا يمكن أن نستخلص من ذلك مجموعة من النقاط الأساسية التي تحدد جماعية وعمومية الظاهرة القانونية في الفكر الانساني ... ومنها ما يلي:

1. ان دراسة الظاهرة القانونية من خلال تاريخ وماضي الإنسانية لا ينصب علي التعمق في دراسة الموضوعات واللوائح القانونية في ذاتها بقدر ما يكون الدافع وراء ذلك هو البحث في الأسباب التي جعلت مجتمعاً ما أو حضارة ما تقبل علي وضع وصياغة تشريعات قانونية لها الصفات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والأخلاقية وغيرها.

2. البحث في الأسباب أو العوامل التي تحدد الأدوار المعينة للأفراد والجماعات الإجتماعية في مدي الحفاظ علي تلك القوانين والتشريعات أو تبددها وإختفائها وذلك في ضوء فهم الضرورات الإجتماعية والإقتصادية والبيئية.

3. طالما أن الأمر يتعلق بدراسة الظاهرة القانونية التي وجدت بقدر كبير من التماثل والتشابه لدي كثير من الشعوب الإنسانية، فإن دراسة القانون والمجتمع في الفكر الإنساني تتطلب البحث والتركيز علي عوامل التطور المشتركة بين تلك الشعوب رغم وجود فواصل زمنية ومكانية فيما بينهما آنذاك.

4. يسعي المفكر الأنثروبولوجي في دراسته لتطور الظاهرة القانونية والتشريعية عبر الشعوب والثقافات إلي توضيح العلاقة بين القانون والعلاقات الإنسانية السائدة بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع، وهي علاقة طردية وتبادلية تسعي إلي بيان ومعرفة الأصول البعيدة للمباديء الحديثة.

5. يتضح مما سبق أن "القانون" هو عبارة عن مجموعة القواعد أو المبادئ أو الأسس العامة التي تنظم العلاقات القائمة بين الأفراد الذين يعيشون معاً في مجتمع واحد.

6. لابد من التفرقة بين القانون كمجموعة من القواعد الموضوعة المتضمنة عقوبات أوجزاءات مادية توقعها السلطة العامة علي من يخالف القانون، وبين القواعد الأخلاقية وتعاليم الدين والتي تبقي دائماً في ضمير الانسان ويكون جزاؤها معنوياً أو دينياً يوقع علي من يخالفها في الحياة الاخرة.

7. تنشأ القاعدة القانونية من العرف الذي هو نواة القانون الخاص في الشرائع القديمة حيث إبرام المعاملات والتصرفات وفقاً للعادات القديمة التي إنتقلت إليهم من الآباء والأجداد وليس من سلطان الدولة والتي يأتي دورها في المرتبة الثانية بعد "العرف" حيث تقوم هي بتقنين القواعد القانونية والتشريعات في مجموعات وتصنيف منظم للقواعد القانونية.

مثلت الحالة السياسية والقانونية للفكر الإنساني في مصر القديمة أزهي درجات التقدم والرقي ترجم ذلك في صورة قيام إمبراطورية واسعة الأرجاء استندت إلي نظم إجتماعية قائمة علي قدر مشترك من العقائد والأفكار وعليه فقد تجلت أهم ملامح الفكر الإنساني في جانبيه السياسي والقانوني والتشريعي في مصر القديمة في نقاط رئيسية ... نذكر منها مايلي:

1. نظراً لقيام الحياة الإجتماعية في مصر القديمة علي أسس دينية فقد إحتلت نظرية الطبقات قدراً كبيراً من تفكير المصريين، وهي ذات إرتباط أصيل بالأفكار السياسية، حيث ظهرت في المجتمع طبقتان رئيسيتان هما: طبقة قدسية وتشمل الفرعون وأنساله وكهنته، وطبقة أرضية وهي طبقة عامة الشعب (من الطبقة الأرضية) واعتزازهم بعصاميتهم وجهادهم القومي في سبيل بلادهم، قد أدي إلي انفراط عقد الطبقة المقدسة، وأصبح المجتمع مكوناً من ثلاث طبقات هي: الحكام ورجال الدين وعامة الشعب، أما في عصر الملكية الحديثة فقد ظهر خطر طبقة رابعة هي طبقة الجند لا سيما عندما لجأ ملوك العصر الأخير إلي الإستعانة بجنود مرتزقة، وأغدقوا عليهم بإمتيازات ومنحوهم إقطاعيات في مناطق متعددة. ونظراً لتدخل هذه الطبقة في شؤن المجتمع ومحاولة فرض سيطرتها فقد أدي ذلك الي إيقاظ الشعور القومي وتوجيه الشعب نحو حركات المقاومة السلبية الأمر الذي أدي إلي ظهور حركات وطنية متتالية ذاد نشاطها في عهد الحكم البطلمي لمصر.

2. من بين النظريات السياسية في مصر القديمة تأتي نظرية تقديس وتأليه الفرعون (الملك) لأن الملك هو ابن الله وممثله علي الارض، وهو من نسل الآلهه، وهي النظرية التي إنتقلت فيما بعد إلي الفكر السياسي اليوناني والروماني، ثم أخذتها الأديان المختلفة لتشكيلها تشكيلاً جديداً يتفق مع مبادئها العامة في التوحيد والسياسة. وربما لعب الاسكندر المقدوني دوراً مهماً في نقل النظرية ومبادئها عندما زار معبد آمون بعد استيلائه علي مصر فاستقبله الكهنة فيه وأقاموا له طقوس دينية كان لها سبباً في انتشار نظرية "حق الملوك المقدس" وقد أدت هذه النظرية إلي نشأة نظرية أخري أطلق عليها أن الملك او الحاكم هو المالك للأرض، وأن بقية الأفراد ليس لهم إلا حق إستغلالها نظير فوائد معينة تعود عليهم، ورغم ذلك فإن نظام الملكية الفردية في مصر كان معروفاً بكل ميزاته.

3. نظرية القوميات، وهي نظرية صاغها المصريون في عصر سادت فيه الروح العالمية، وهي النظرية التي سيكون لها دور هام مع كافة المفكرين المحدثين فيما بعد.

4. قدم الفكر الإنساني في مصر القديمة نظاماً قانونياً يستند إلي خصائص ومقومات الدولة المتمدينة، وليس نظاماً بدائياً. ففي الدولة القديمة (3188 – 1880 ق.م) كان نظام العقود المكتوبة، ونظام حلف اليمين المعرف في القانون الروماني والذي كان يقوم علي ذكر الملك كإله.

5. كانت هناك نظم دقيقة للتقاضي والمحاكم والمرافعات كما عرف المصريين نظام المعاهدات الدولية، ومن هذه المعاهدات ماعقده الملك "رمسيس الثاني" مع ملك الحيثين "حاتوزيلس الثالث" فأوجدوا بذلك الأسس الاولي لما سيقوم عليه نظام قانون الأمم عند الرومان، والنظريات الخاصة بالعلاقات الدولية.

شيمــاء عــز
Anthropologist from Egypt
------------------------------------------------------------------------------------------
المراجع:
• موسوعة حضارة العالم، د.أحمد محمد عوف
• شخصية مصر، د.جمال حمدان
• نشأه الفكر الاجتماعي، د.محمد عباس
• علم الاجتماع ومدارسه، مصطفي الخشاب
• تاريخ الفكر الاجتماعي، حسن شحاته سعفان

------------------------------------------------------------------------------------------








#شيماء_عز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شيماء عز - إثنولوجيا الفكر الإنساني في مصر القديمة