عيد العمال العالمي في مدينة البصرة

محسن ملا علي

الحوار المتمدن-العدد: 4073 - 2013 / 4 / 25 - 19:12
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

في الأول من آيار في كل عام منذ 1886 ولغاية اليوم تصدح حناجر العمال وجميع الكادحين والمتعاطفين معهم بالهتاف للأول من آيار ووحدة الطبقة العاملة العالمية ففي مثل هذا اليوم انطلقت تظاهرات العمال في شيكاغو (إحدى الولايات المتحدة الأميركية) تطالب بأن يكون العمل ثمان ساعات يومياً ، ألاّ أن السلطة الحاكمة آنذاك ارتكبت مجزرة بحقهم ووجهت التهم الى قادة التظاهرات وقدمتهم الى محكمة صورية حكمت على أربعة منهم بالإعدام وتم تنفيذ الحكم وبعد سنتين من هذه الحادثة أعيدت المحاكمة وظهرت الحقيقة ببراءة العمال القادة ، وفي عام 1890 قرر اتحاد العمال في أوربا بأن يكون الأول من أيار عيداً رسمياً للطبقة العاملة في كل مكان .
السلطة الملكية العراقية العميلة لم تعترف بهذا العيد وتعتبر كل من يحتفل به خارج عن القانون رغم أنها أجازت 16 نقابة منها 4 نقابات في البصرة وهي الموانئ والسكك والميكانيك والنجارة .
وبعد وثبة كانون المجيدة عام 1948 وسقوط وزارة صالح جبر جاءت وزارة محمد الصدر حيث انتعشت الحركة العمالية في العراق عامة وفي البصرة خاصة لما لهذه المدينة من ثقل عمالي متواجد في مؤسسات الدولة مثل الموانئ والسكك والنفط حيث قامت في تلك الفترة الوجيزة بعدة اضرابات لأسباب اقتصادية وسياسية وتضامنية .
وجاء الأول من آيار والعمال في نشوة انتصاراتهم قرروا الخروج بمسيرة سلمية احتفالاً بهذه المناسبة يتقدمهم قادة النقابات ،بدأت هذه المسيرة في شوارع البصرة تحت شعار (المجد للأول من آيار ) منادية بوحدة الطبقة العاملة ، وآزر ها اتحاد الطلبة العام حيث تجمع أعضاؤه بالقرب من مقهى حبش وشاركوا العمال مسيرتهم تأييداً لهم وإظهاراً لفرحتهم بالمناسبة ، وبعد مجيء وزارة نوري السعيد في 15/5/1948 وفرض الأحكام العرفية قامت العناصر الأمنية باعتقال قادة النقابات والعناصر النشطة للحزب الشيوعي العراقي الأمر الذي أدى الى إنكماش الحركة السياسية والنقابية ، ألا أن هذا الانتكاس لم يدم طويلاً حيث بدأت بوادر النهوض في الحركة العمالية بإضراب عمال النفط في أوائل 1951 وعمال المزلق البحري ( شركة كريمكنزي ) . تجاه هذا الوضع الجديد قرر الحزب أن يخرج بمظاهرات في الأول من آيار حيث انطلقت التظاهرة من جسر المقام مروراً بسوق المقام وسوق المغايز وكان عناصرها متهيئين للاصطدام مع قوات الشرطة ، وفعلاً عند وصول المتظاهرين نهاية السوق جاءت القوة محمولة على سيارات مسرعة وحدث الاصطدام ولم يتفرق المتظاهرون إلا بعد إطلاق العيارات النارية الى ألأعلى وكانت نتيجة هذه العملية إصابة ثلاثة عشر شرطياً وإلقاء القبض على متظاهر واحد فقط هو طالب الثانوية هشام المانع (شقيق الأديب العراقي نجيب المانع ). وبعد هذه التظاهرة لم تخرج غيرها بهذه المناسبة إلاّ بعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة .
بعد هذه الثورة المباركة انطلقت الحريات الديمقراطية واتسعت منظمات الحزب الشيوعي العراقي وكذلك نشطت الحركة النقابية في جميع مؤسسات الدولة وشركات النفط والقطاع الخاص حيث أجيزت ما يقارب 40 نقابة واعتبرت حكومة الثورة الأول من أيار عيداً رسمياً لدوائر الدولة وهي المرة الأولى التي جرى الاحتفال بهذه المناسبة واستمرت لغاية اليوم.
لقد كان الأول من ايار ذو طعمٍ خاص جديد لم تعرفه البصرة خاصة والعراق عامة، فقد بدأت النقابات تعمل على تهيئة فعاليتها قبل اسبوعين تقريباً من الموعد فكل نقابة تجسد فعاليتها بما يخص مهنتها فمثلاً كان لنقابة الموانئ أكثر من عشر فعاليات وكذلك السكك والنفط والنقابات الأخرى . وبعد ظهر الأول من ايار عام 1959 خرجت جماهير البصرة شباباً وشيباً ومن كلا الجنسين مصطحبين الأطفال للمشاركة بهذه المسيرة أو لمشاهدتها حيث لم تكن مثلها من قبل ، وظهرت مجاميع المحتفلين بسيارات الحمل وهي تصفق وتغني وأخرى من الموسيقى الشعبية وهناك جمهرة من العمال تحمل الرايات الملونة يتقدمها العلم العراقي الجديد ، لقد كان هذا اليوم تجسيداً لوحدة كل العراقيين عرباً وأكراداً وجميع طوائفه كافة ، انطلقت هذه المسيرة من شارع 14 تموز مروراً بشارع الكورنيش وصولاً الى ساحة المتصرفية (المحافظة) تتقدمها كوكبة من حملة الرايات وبعدها نقابات العمال بفعالياتها بما يجسد عمل واختصاص النقابة ذاتها فهناك كانت باخرة صغيرة الى رافعة أحمال الى برج الحفر النفطي الى قاطرة السكك الحديد والخبازين يخبزون ويوزعون انتاجهم على جماهير المحتفلين والمضمدون يعالجون مريضاً عندهم والخياطون بسيارتهم التي تمثل محلاً أنيقاً للخياطة وغيرها من الفعاليات ، وقد كانت هذه المسيرة تحت قيادة اتحاد نقابات عمال البصرة .
ولا أكون مبالغاً إن قلت بأن المحتفلين بهذه المناسبة في (لواء البصرة) بحدود 250000 شخص أما في بغداد فقد كان الرقم بحدود المليون شخص تقريباً ن لقد استمرت فعاليات المسيرة منذ بعد الظهر ولغاية منتصف الليل علماً بأن قسماً من المشاركين لم يسيروا بالاتجاه المخصص لهم وإنما تجاوزوا ذلك وعرجوا الى ساحة المتصرفية مباشرة .
لقد شارك العمال في عيدهم هذا منظمات غير عمالية منها اتحاد الطلبة العام ورابطة المرأة العراقية ونقابات المعلمين والمحامين وغيرها من المنظمات المدنية .
لقد كان ذلك اليوم عرساً عراقياً حقيقياً لجميع ابناء الشعب وطوائفه المتنوعة حيث الجميع احتفلوا كمشاركين في الفعاليات أو مشاهدين لها . كان يوماً لا يمكن نسيانه مطلقاً تحدث الكثير ممن عاشوه للأجيال اللاحقة ومن الجدير بالذكر بان البصرة لم تمر بهكذا احتفالية عامة لا قبل ذلك اليوم ولا بعده لغاية الآن .
لنا الأمل الكبير بأنه سيعود مجدداً نتيجة نضالنا وصبرنا وجهادنا .

محسن ملا علي
رئيس اتحاد نقابات عمال البصرة 1959
رئيس نقابة عمال الموانئ 1959
ملاحظة : كنت مشاركاً في تلك الفعاليات الثلاث و مسؤولاً عن الأخيرة

#محسن_ملا_علي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل