أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الناصر لعماري - الإله ظاهرة لغوية















المزيد.....



الإله ظاهرة لغوية


الناصر لعماري

الحوار المتمدن-العدد: 4057 - 2013 / 4 / 9 - 00:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جاءني زميل و قال لي : س موجود و هو الإله الحق و إن لم تؤمن به ستذهب إلي السلخانة بعد الموت, قلت له : و ماذا يكون س هذا ؟, فرد قائلا : أنا لا أعرف لأنه يفوق الإدراك و لكنني موقن أنه موجود. ثم جاءنا زميل آخر و قال لي : أنني أحذرك من الإيمان بـ س فهو إله مزيف, ص هو الإله الحقيقي و إن لم تؤمن به ستذهب إلي الزريبة بعد الموت, فقلت له : و من يكون ص هذا لكي أؤمن به ؟, رد قائلا : أنا لا أعرف لأنه يفوق الإدراك و لكنني موقن أن ص موجود و أن س مزيف و غير موجود. لم أرد و لكن زميلي الأول رد بشتيمة قذرة, فلم يلبث الثاني إلا أن ردها بأفظع منها ثم تحولا من الشتائم إلي القتال بالأيدي مما إضطرني لتركهما معا لكي ينعما بقتالهما المقدس.‎

إله مجهول لأتباعه

يصعب ان نتصور ان “الله” مجرد إسم فقط, مصطلح بلا معنى و لفظ يخلو من أي قصد. فالمعتاد أن اللاعقل الديني يثبت لنفسه وجود إله يعجز عن فهم ماهيته على أساس أن الإله يفوق القدرة البشرية على الإدراك و الإستيعاب و سيعجز أي عقل يحاول معرفة ماهية هذا الإله. غير أن السؤال الملح الآن, كيف يمكن للمؤمن أن يؤكد وجود إله يعجز عقله عن فهم ماهيته ؟ يعني ما هو الإله الذي يؤمن بوجوده أصلا ؟ إن الإنسان يعرف ما هو الحجر و ما هي الشجرة و ما هو الإنسان لكنه يجهل تماما ما هو الإله. سهل جدا ان تجد ناس يتشاجرون على الآلهة (إلهي أقوى من إلهك .. إلهي يستطيع ان يسلط اشعة ليزر من عينيه) دون أن يلفت انتباههم انه شجار حول مجاهيل. لا أحد يعرف ما هو الإله و لكنه يصر على وجوده و يتعصب لذلك بلا معنى. الفارق الوحيد أن المجهول في الرياضيات يسمى س أو ص و لكنه في الواقع يسمى الله او يهوة او أهوردا مازدا. و مع ان الله في اللغة العربية يعتبر إسم علم و العارف الذي لا يحتاج لتعريف إلا أنه في أذهان الناس إسم بلا معنى. الله لفظة مستهلكة و مقتولة و تقولها كل الأفواه و لكنها لا تعني شيئا بالتحديد.

برغم أن لفظة “الله” تعتبر من أكثر الألفاظ المستخدمة في اللغة العربية إلا أن الببغاوات البشرية تقول ما لا تعلم و تلتزم فقط بالجهل التام لمعاني الألفاظ المستخدمة. بالطبع يمكن ارجاع هذا إلي غباء فطري أو وراثي في البشر, لأن الناس تلوك بألسنتها كثير من الألفاظ التي لا تفهم معناها و لم تسال نفسها عن معناها أبدا و منها : الوطن, المجتمع, الحب, احبك, العقل, العقلانية, العالم, الإنسانية .. ألخ. و مشكلة الألفاظ التي نرددها لمدة طويلة هو اعتقادنا أننا نعرفها بعد هذة المدة, و هي مشكلة نفسية لا إرادية : فأي موضوع جديد او لفظ جديد أو فكرة جديدة تلفت النظر و تثير الإنتباه .. لكن لو بدأ الناس في ترديدها كثيرا ظنوا انهم عرفوها و حفظوها و ألموا بها فلم يعودوا بحاجة للتساؤل حولها بل و لشعروا بالإهانة لو سأل احدهم عن معناها.

و هنا تظهر مشكلة الإنطباع الأول, فالفاظ مثل : العلمانية, الإلحاد, الكفر, الشيوعية, الليبرالية, الصهيونية .. ألخ, بمجرد ما تبدأ في إكتساب مكانة معينة في نفسية الناس حتى يعتقد الناس أنهم عرفوها جيدا و أنهم رفضوها مسبقا و يصبح اي انفتاح أو سعة أفق من قبلهم تجاه هذة المعاني امرا من الماضي. و بنفس المنطق يعمل الإنطباع الأول الإيجابي, و كما يدعي الإعلان التليفزيون .. لان الإنطباعات الأولى تدوم. يظهر هذا جليا في الشعوب الجاهلة ذات النسبة العالية من الأمية (الدول العربية و الإسلامية) و ذلك يرجع لضعف قدرة الناس على ملاحقة طوفان المعاني الذي أغرقنا في العصور الحديثة بدون تسلح بالعلم و المعرفة أو حتى بقدرة على القراءة و الصبر على الجهل.

و بالنسبة للحالة العربية لا يقتصر الأمر على جهل الناس و أميتهم و احتقارهم للعلم و المعرفة, بل تبدو هذة السطحية متجذرة في اللغة العربية و الثقافة العربية على وجه الخصوص. المفكر السعودي و الملحد الرائع “عبد الله القصيمي” كتب في الموضوع كتابا رائعا أسماه (العرب ظاهرة صوتية), و هو كتاب يشرح فيه الحالة العربية بكل ما تتصف به من حنجورية و حذلقة و رطانة و ثرثرة و غرور .. و قل في هذا ما شئت. و يقول القصيمي في أول فصل من هذا الكتاب :

الشمس بصمت .. ام القمر بصراخ ؟

“ان العربي ليرفض الصعود إلي الشمس ممتلكا لها ان كان ذلك بصمت ليختار التحدث بصراخ و مباهاة عن صعوده إلي القمر و إمتلاكه له أي بلا صعود و لا إمتلاك. ان العرب ليظلوا يتحدثون بضجيج و ادعاء عن أمجادهم و انتصاراتهم الخطابية حتى ليذهبون يحسبون ان ما قالوه قد فعلوه, و انه لم يبق شيء عظيم او جيد لم يفعلوه لكي يفعلوه. إن من آصل و أرسخ و أشهر مواهبهم ان يعتقدوا انهم قد فعلوا الشيء لانهم قد تحدثوا عنه. اليسوا قد فعلوا امجاد و انتصارات حرب أكتوبر لأنهم قد قالوا انهم فعلوها ؟ اليسوا قد اعتقدوا ذلك لانهم قد تحدثوا عن فعلهم له ؟ اليسوا قد فعلوا كل أمجاد و حضارات و إنسانيات التاريخ لأنهم قد قالوا ذلك ؟ اليسوا قد قالوا ذلك لكي يعتقدوا انهم قد فعلوه ؟ اليسوا قد قالوه ليكون بديلا عن أن يفعلوه ؟

انه لن يقاسي من الضياع و الاغتراب مثل من يتحدث إلي الآذان و العقول و الأخلاق و الأصالة العربية بغير الصهيل و التهاويل و الإختراق لكل حواجز و شروط و أوامر النطق و الذكاء و التهذيب و الوقار و الصدق و الحب و التواضع و الرؤية بعيون غير كاذبة أو منافقة أو جبانة أو بليدة أو عمياء أي بعيون غير عربية أي بعيون ليست أمية الرؤية و القراءة و التفسير و التفكير و الحوار و الاخلاق.

انه في كل التاريخ العربي, في كل الوطن العربي لم يحدث و لن يحدث أن يعلو, أن يسمع, بكل الجرأة و القوة و الحرية و مشاعر الأمن و المباهاة و الكبرياء, من فوق كل منبر إلا الصوت الجاهل أو المنافق الكاذب أو الدجال أو الأبله أو الفاجر ! لهذا أتمنى بل و أطالب أن يكتب فوق كل منبر عربي و على غلاف كل كتاب عربي و على الصفحة الأولى من كل صحيفة عربية و على كل قلم و فم عربي هذا الهتاف أو الانشاد او التمجيد :

أيها الكذب البليد, أيها النفاق الفضاح المفضوح, أيها الغباء الجاهل, أيها الجهل الغبي, أيها الصهيل العقيم البذيء, أيها السقوط, أيها العار الفكري و النفسي و الأخلاقي و الفني و التعبيري .. ان كل المجد و السلطان لك.”

بالتاكيد لم أكن استطيع قولها كما قالها القصيمي و ما كانت كلماتي لتعبر كما عبر هو. فالفهم الحقيقي لكتاب “عبد الله القصيمي” سيجعل الملحد ملما بمشاكل العرب في الفهم و مشاكل المؤمنين بصفة عامة على أساس أن الشرق الأوسط (او الشرخ الأوسخ) هو مهبط الأديان الإبراهيمة (أحط أديان في العالم). فمن طرائف اللغة العربية على سبيل المثال أن يكون للأسد (الحيوان) ما بين مئتي اسم و ألفي اسم, منها : الليث, الغضنفر, أبو الأشبال, أبو لبدة, أسامة, البيهس, النآج, الجخدب, الحارث, حيدرة, الدواس, الرئبال, زفر, السبع, الصعب, الضرغام, الضيغم, الطيثار, العنبس, .. ألخ, فيما يمكن أن نسميهم أسماء الأسد الحسنى. و كذلك عشرات الأسماء للحصان و غيره من حيوانات البادية, و هو ما يجعل المرء يفهم لماذا يحتاج العرب لتسمية إلههم بتسعة و تسعين اسم !! و يجعل المرء يتساءل عن السبب الذي جعل للأسد مئات الاسامي بينما لله أقل من مئة اسم !!!

هل يقتل الله الأسد و يحصل على اسماؤه الكثيرة ؟

لكن عموما ليس الهدف من الإشارة إلي كثرة الأسامي لنفس الشيء في اللغة العربية و الثقافة العربية هو مقارنة الله بالأسد (أو بأنثى الأسد) او الحصان في العقل العربي, بل الهدف هو توضيح إلي أي حد يمكن ان توصف اللغة العربية و الثقافة العربية و العقل العربي بالرطانة و الثرثرة و الحذلقة و هي لغة القرآن .. و هل هناك ما هو أدل على ذلك أكثر من أن تكون المعجزة اليتيمة التي من الإله بها على محمد و على العرب هي كتاب واحد يحوي من الثرثرة اللغوية أكثر بكثير من أي معاني أو مفاهيم لها قيمة !! العربي إذن مغرم بالمسميات و يكره المعاني, مغرم بالشكليات و يكره الجواهر, مغرم بالاكاذيب و يكره الحقائق .. و هو ما يفسر أن اكثر الأسامي التي تلوكها ألسنة العرب هي اسم بلا معنى و بلا جوهر و بلا حقيقة, و هو اسم الله.

البيئة العربية الصحراوية (خصوصا شبة الجزيرة العربية) يمكنها ان تفسر لماذا نشأ العربي ثرثارا متحذلقا كل إنجازاته كلامية, فالصحراء فقيرة و بخيلة لا تستطيع احتضان الكثير من الكائنات الحية, بعكس كل البيئات الساحلية و الغابية و الزراعية. و في أي بيئة لو كان هناك ألف حيوان لصار لكل حيوان اسم واحد, لكن لو كان هناك عشر حيوانات فقط لصار لكل حيوان مئة اسم .. لان في النهاية الناس لن تتوقف عن الكلام حتى لو لم تكن هناك مادة للكلام. فحين يكون هناك موضوع للحديث يكون الكلام له وزن لكن حين تكون البيئة فقيرة يصير الكلام ببغائيا و معادا و ثرثرة متحذلقة. لكن بغض النظر عن الأسباب الجغرافية و البيئية التي شكلت الكائن العربي بهذة الطريقة, المهم الآن أنه كائن ببغائي سطحي ثرثار يقول كلاما لا يفهمه.

إله مفشوخ و متناقض

هناك ملاحظة أخرى شديدة الطرافة بخصوص الإله عموما و الإله العربي خصوصا, أنه مصب كل مديح و نفاق في اللغة (كلنا نعرف ذلك) .. الناس يمجدون إلههم و يمدحونه حتى يفشخونه (هذة هي الملحوظة و لا أعتذر فاللفظ معبر) مدحا, و استخدام لفظ مفشوخ مدح ليس تهجما على الإله بقدر ما هو الواقع فعلا. فأصحاب الإله يقولون أنه عظيم و رهيب و متعالي لدرجة أن المرء لا يمكن أن يتصوره أو يتخيله أو يدركه .. يعني مهما كانت تصورات المرء عن الإله فهي خاطئة و ناقصة !! و لكن ألا يعني هذا أن أتقى الاتقياء و أخلص المؤمنين هم ليسوا أتقياء و لا مؤمنين لانهم لا يتوجهون بإيمانهم و عبادتهم إلي الإله نفسه بل لتصورات مغلوطة و ناقصة عن الإله ؟!!

يعني الإله لم يترك البشر في حالهم بل أصر على التواصل معهم و حكمهم عن طريق ارسال الأوامر و المكاتيب, فهل فشل في تعريف الناس بنفسه ؟ ألا يستخدم الإله اللغة البشرية لتوصيل الفاظ يمكن فهم و ادراك معانيها و مضامينها بإستخدام اللغة ؟ ألا يستطيع الإله استخدام الألفاظ و الكلمات للتعبير عما يريده ؟ لأن الإله الخارق ذو القدرات ليس ملزما أصلا بكتابة الرسائل و القصص و المواعظ بنفسه كأي صحفي أو كاتب قصصي, الإله يستطيع (المفروض يعني) التواصل مع الناس بوسائل أخرى عديدة مثل التخاطر العقلي أو الظهور العلني و ما إلي ذلك .. لكن اختياره للكتابة و الرسائل إنما يعني ان هذة هي الوسيلة الأفضل في التواصل, فهل فشل فيه ؟ أبسط ما يمكن افتراضه في الإله انه يقصد ما هو مكتوب في كتبه و إلا لما كتبه, و بالتالي افتراض المرء لجهله الذاتي بمعاني الكلمات التي يستخدمها الإله إنما هو افتراض لفشل الإله في التواصل. يعني من يمكنه تصور ان الإله العظيم لكي يتواصل مع البشر الحقراء يرطن بلغة سماوية إلهية عظيمة غير مفهومه للناس !! او ربما كان السبب في جهل الإنسان بالإله هو الترجمة السيئة لجبريل مثلا !!

لذلك فوجود كلمات غير مفهومة في كتاب مثل القرآن (كهيعص, ألم, .. ألخ) لا يعني سوى أنها كلمات سيئة و أن الإله هنا يكلم نفسه .. ربما كانت سباب باللغة الإلهية مثل : Shit, Fuck, Dam. لكن لا يمكن للمطبلاتية و المنافقين إلا ممارسة التبرير, فهناك دائما حكمة مخفية في كل شيء, هذة كلمات تحمل معاني عميقة عظيمة و لكننا لا نعرفها, و كلمة الله نفسها لها معاني عميقة و مضامين خارقة و تأثيرات سحرية و لكننا لا نعيها, طيب بحق العقلانية .. ما هي فائدة حكمة لا يعرفها احد ؟

إما أن يقدم الإله نفسه لكي يكون معروفا و إما هو مجنون (او مزيف), اما انه يتكلم لكي يكون مفهوما و واضحا و إما انه احمق ثرثار .. ألا نعرف معنى الثرثرة ؟ أليست الثرثرة هي قول كلام فارغ بلا معنى و لا قيمة ؟ هل يمكن ان اعتقد ان الثرثرة تحمل معاني عميقة خافية على كل الناس لمجرد أن الثرثرة منسوبة لإله ؟ هل يراسلنا الإله بالشفرة مثلا و لن يستطيع احد أن يفهم هذة الشفرة إلا لو أرسل له الإله أسلوب فك الشفرة ؟ هل يتجسس عليه الشيطان و يفتح خطاباته إلي المؤمنين دون علمه, مما اضطر الإله ان يراسل المؤمنين بالشفرة ؟ يعني المفروض نعمل ايه لما نسمع كهيعص ؟ هل نردد ” الفلة في المنافلة و العكس في التاكس” ؟

الكوماندا المهم (الله) بيقولك : الفلة في المنافلة و الكهيعص في ألم

لكن يصرون جميعا ان الله اعظم و اكبر من أن يكون مفهوما للناس و كلماته اعظم و اعمق من أن تكون مفهومه للناس !! إذن فلماذا يكلمنا ؟ لماذا يعرفنا بنفسه ؟ كيف يعرفنا بنفسه فلا نعرفه ؟ كيف يقول كلاما ساكتا ؟ هل هذة عظمة و عمق أم فشل و غباء ؟ كيف يمكن ألا نعرف عن الإله سوى اسمه فقط ؟ و انه رائع و جميل و رهيب و سحيق و فشيخ و تنين ؟ ألا يمكن للشيطان الآن ان يدعي انه هو الإله ؟ ألا يمكن لبشر عادي ان ينتحل شخصية الإله (بفرض وجوده) و يرسل لنا اناجيلا و قرائين من عنده وفق هواه ؟ كيف تتاكد ان القرآن أو الإنجيل من الإله ؟ هل هناك ختم مميز من الإله ؟ ختم النسر مثلا ؟ هل هناك امضاء خاص بالإله ؟ هل يستطيع احد ان يميز إمضاء الإله ؟ لان بالتأكيد مادام هناك بشر يستطيعون تزوير الإمضاءات و التواقيع و المستندات فهناك شياطين تستطيع فعلها أيضا .. فهل نستطيع إكتشاف أي علامة في المستند الاصلي يؤكد ان خالق الكون قد ترك الكواكب و النجوم و المجرات و الثقوب السوداء و متفرغ لكتابة القصص و المواعظ لنا ؟ أليس الخط المكتوب في المستند الأصلي هو خط الإله ؟ ألا يوجد مستند أصلي من اساسه ؟

الإله اللي خلق الكون ؟ ساب الكواكب و النجوم و المجرات و قعد يكتب لنا قصص ؟!!

لكننا نعرف ان الإله عظيم و كفى .. كمية مديح ضخمة موجهة لشخص الإله بشكل مبالغ فيه و لا يمكن تفسيرها إلا بدوافع نفسية بشرية. كمية مديح مبالغ فيها لدرجة أنه من المستحيل رياضيا و حسابيا ان تتجمع في شخص واحد, مثل مرشح للرئاسة يريد كسب ود الجماهير كلها فيطرح نفسه على انه عالمي و محلي, حنجوري و منبطح, ديني و علماني, ليبرالي و شيوعي .. سبحانه هو الرئيس القادر على كل شيء. و برغم أن التناقض يوضح لك كذب المرشح (أيا كان) إلا انه لا يعرفك به, لان هذا المرشح الكاذب قد يكون “مرسي” و قد يكون “ابو الفتوح” و قد يكون “حازم” و قد يكون “الشاطر” مثلا, فالتناقض هو دليل على الكذب و لكنه ليس دليلا على الشخص او الشخصية لان الكثيرين يستطيعون الكذب.

لهذا تجد المؤمن يزايد على إمكانيات الإله إلي ما لا نهاية و لا يحده إلا وسع خياله : هل يستطيع الله أن يحيي و يميت ؟ نعم, الله عظيم عظيم و يتحكم في الحياة و الموت كليا. هل يستطيع الله ان يخلق عوالم اخرى ؟ نعم, و بالتأكيد أن هناك عوالم كثيرة خلقها غير عالمنا. هل يستطيع الله أن يغازل بالكرة مثلما يفعل كريستيانو رونالدو ؟ بالتأكيد, و كل الأبحاث العلمية و المعملية تشهد بذلك. هل يستطيع الله أن يغني بصوت جميل ؟ الله جميل يحب الجمال و لديه أجمل صوت في العالم. هل يستطيع الله أن يخلق إلها أقوى منه ؟ و مكروا و مكر الله و الله خير الماكرين, الهنا اله صايع و قادر على كل شيء.
لهذا يتصف الإله عموما (العربي او الإسلامي خصوصا) بانه مفشوخ و متناقض, يكال له المديح و الثناء الذين طلبهم من الناس بنفسه بطريقة جعلته كذبه مفضوحة و شخص يستحيل وجوده. فتجده رحمن رحيم و منتقم جبار, نافع و ضار, محيي و مميت, معز و مذل .. فإذا كانت هذة سياساته و توجهاته انه يقوم بكل شيء و عكسه دون تبني سياسة محددة و هو الكائن المطلق الكامل الذي لا يخطئ أبدا, فماذا عن هويته و كينونته و طبيعته : لا شيء .. لان الإله جامد جدا و فشيخ جدا و انت حمار لن تفهم شيئا. لكن إذا كنت انا حمارا فما الذي يريده مني الإله ؟ هل يريد ان يركبني مثلا ؟ لكن إذا كنت حمارا حقا فانا لن أستطيع تمييز او اختيار او الوفاء للإله, اي شخص سيستطيع أن يركبني .. هل يريد الإله ذلك أيضا ؟

إله مجهول أم الجهل ذاته ؟

يقول الناس أن الله لم يره أحد لكن الناس عرفوه بالعقل ..

تلك الجملة شائعة على أفواه الناس, يقولونها دون فحص او تمحيص و كأنهم يعرفون الله حقا أو يفهمون طبيعته. لكن الحقيقة هي أن سؤال مثل : هل الله معقول ؟ إجابته لا يمكن أن تكون محددة أو قاطعة. فتارة يقول البعض أن الله معقول لان العقل السليم يفترض وجود خالق لكل شيء و إله مدبر يملك و يحكم الوجود كله .. ألخ. و تارة أخرى يقولون أن الله ليس معقولا لأنه يفوق قدرة العقل البشري على الإستيعاب و يفوق الخيال و التصور. طبعا في القولين تناقض واضح يجعل الجمع بينهما هو الجنون بعينه فالله لا يمكن ان يكون معقول و غير معقول (لو كان يفوق العقل فلن يكون معقولا) في نفس الوقت بحكم المنطق و العقل نفسه (حتى لو كان إله صايع), و هو ما يذكرني بالفزورة الطريفة: هل الثعلب يبيض أم يلد ؟ و الإجابة : الثعلب مكار يقدر يعمل أي حاجة. يعني إذا كان الإله بكل صفاته المتفق عليها (الناس لم تتفق على صفات الإله) مقبول عقليا (الصفات المعروفة عن الإله متناقضة و متضاربة) بل و لازم لتفسير الوجود إذن فهو معقول و يمكن تصوره. أما إذا كان يفوق التخيل و التصور و الفهم فهو غير معقول و المؤمن به لا يمكن أن يتحدث عن عقل او معقولية. بل يتوجب على المؤمن بوجود إله أن يعترف بأن الإيمان باللامعقول هو جنون مطبق و غباء مطلق, و انه يعرف ذلك و يريده كما هو.

و حين يردد المؤمنون عبارة أن الله ليس كمثله شيء و كأنها وصف لله ينسفون فكرة الإله نفسها. فمع إن كل شيء و كل جماد و كل كائن حي له فردانية و تميز تجعله لا يتطابق مع أي شيء آخر, إلا أن الله ليس فقط “ليس له متطابق” بل هو “ليس له نظير أو شبيه في أي شيء” و هو ما لا يجوز عقلا و يستحيل استيعابه من حيث المبدأ. تلك الفردانية المطلقة أو التميز المطلق تنفي نفسها بنفسها, يعني مجرد أن يكون هناك شخص ليس مثل أي شيء أو أي شخص يعني أنه بلا وجود أساسا لأن الشيء مثل الشيء و الشخص مثل الشخص . ربما لو نفينا طرفي المعادلة لحصلنا على المعنى بصورة أوضح : الله ليس كمثله شيء = الله مثله كلا شيء, لكن يبدو أن كثرة المديح تورط الشخص الممتدح في المشاكل.

كل هذا عته و جنون و غباء و تضارب لفظي و معنوي لكن يبدو أن هناك أسباب لكل هذا الجنون و الغباء, فحسب التفسيرات العلمية الملحدة تم إختراع الإله في زمن الجهل كي يكون بديلا مريحا لتفسير وجود العالم و نشوء الحياة. يعني البشر في بداية وعيهم الجمعي و قبل ان يبداوا في انشاء الحضارات لم تكن لديهم أي فكرة عن هذا العالم, مثل طفل صغير يولد في عالمنا و يكون صفحة بيضاء ناصعة بلا ماضي بلا ذاكرة بلا شخصية بلا ذكريات ثم يملاها أهل هذا الطفل و بيئته المحيطة. و لانه لم توجد لديهم نقطة بداية أو ارتكاز يعتمدوا عليها, و لأن كل شيء كان مجهولا و غامضا بالنسبة لهم دون أي وسيلة او منهج للمعرفة أو أي طريقة للحل سموا جهلهم بالواقع إله و عبدوه.

لو تم تتبع هذا الأصل منذ البداية سيكشف لنا عن الكثير من الغموض في فكرة الإله : فلو كان الإله هو الجهل نفسه فعلا و لو كان المؤمنين يتعبدون لجهلهم فعلا لان الجهل كان (ولا يزال) الإله الأقوى و سيد العالم في هذا الوقت بينما العلم كان في رحم الوعي الإنساني لم يولد بعد .. لو كان هذا صحيحا فهذا يفسر لنا السبب في ان الإله يعتمد على الفجوات العلمية حتى الآن فيلقب بإله الفجوات. هذا يفسر لنا لماذا يحاول دائما المؤمنين بإله الجهل التشكيك في العقل و في العقلانية و في العلم و في الحقيقة كقيمة إنسانية, هذا يفسر لنا لماذا يفرح المؤمنين بأي إخفاق علمي و يمجدون إلههم الأكبر من العلم و الفائز على العلم دائما و أبدا. المؤمنين بالجهل (أو إله الجهل .. لا فارق) يتبعون غريزتهم الحيوانية البهيمية فيشجعون الأقوى و الأشرس و يعادون الأفضل و الأرقى.

نعم, الله (الجهل) هو أقوى من العلم ليس ألف مرة و لا مليون مرة بل إنه أقوى و اعظم من العلم و العقل و الوعي بما لا يقاس, بعدد لا نهائي من المرات. إننا بالتأكيد نجهل عن هذا العالم الغير محدود أكثر كثيرا و بما لا يقاس عما نعلمه, و لهذا يقولون على الله انه غير محدود لان الجهل نفسه غير محدود. لكن هل لأن الله أقوى (أو الجهل أقوى) أن نتبع الجهل و نرفض العلم ؟!! الجهل اقوى فعلا بما لا يقاس و لكنه يعمل دائما ضدك و يعاديك بينما العلم حليفك و يساعدك دائما, هل تظن انك لو قدمت البخور و الذبائح لله و مارست طقوسا معينة و أكلت أكلا معينا أنك ستتقي شر الجهل و إله الجهل ؟ أم انك تعيش بجهل تشبها بإلهك ؟ قد يكون الجهل أقوى و أكبر من العلم لكنه بالتأكيد لا يهتم بك و لن يعيرك أي انتباه و لن يقبل منك التفاوض أو حلول الوسط تحت أي ظرف و مهما فعلت, هو ببساطة لا يعبا بك أصلا و إن ترفق بك فهي مسألة عارضة.

المجد لك أيها الجهل المقدس .. المجد لك أيها الخوف المقدس

بالفعل معركة العلم ضد الجهل هي معركة خسرانة منذ بدايتها لأنك أبدا لن تقضي على جهلك مهما فعلت, و لو بعد مليون سنة. لكن من قال أن من يحارب الجهل إنما يحاربه لكي يغلبه او يتخطاه او يقضي عليه ؟!! انت حين تحارب الجهل تصير شخصا أفضل, تصير وعيا أفضل, تعيش حياة أفضل, تختبر وجودا أفضل .. هي معركة وعي و تحضر و سعادة و ارتقاء و وجود و ليست معركة لكي تكسبها. هذا الميل الطفولي البدائي للإلتحاق بالطرف الكسبان هو ما جر و سيجر ويلات على الإنسانية, علينا ان نتنازل عن هوس الكسب و الفوز و الإنتصار لو أردنا العلم و الوعي و التحضر و السعادة.

تحديد المقاصد و المعاني

بعد معرفة أن الإله هو الجهل و الجهل هو الإله يسهل معرفة أشياء أخرى كثيرة. فلو بدلنا لفظة الإله او الله من التعبيرات الشائعة على لسان الناس و وضعنا لفظة “الجهل” فسنجد الكثير من المفاجآت, فالناس تقول : الجهل أكبر كبيرا و الحمد للجهل كثيرا, يظنون بجهل انهم يستطيعون استمالة الجهل لو نافقوه و مدحوه بجهل. لا إله إلا الجهل و محمدا رسول الجهل, لا عجب في أنه كان نبيا أميا. سأقوم بهذا بإذن الجهل, يعني ما لم يمنعني شيء لا أعلمه. حسبي الجهل و نعم الوكيل, اتمنى ان ينتقم منك شيء مجهول لأشمت فيك. و هكذا دواليك, الناس المؤمنة تعظم الجهل و تحسب حسابه و تعتمد عليه في كل صغيرة و كبيرة .. رافضين أي انحياز للعلم (الشيطان) لكي لا يغضب الجهل عليهم و يلعنهم باشياء يجهلونها, الناس تتعامل مع الجهل (الله) بحذر و رهبة و كأنه نار آكلة تعيش معك في حجرة واحدة و لا تستطيع ان تهرب منها أبدا, فيحاولون مغازلة النار و نفاقها دون جدوى. بل و حتى لو اعتمدوا على العلم جزئيا لانه مفيد و رائع, لا يتخلون أبدا عن تعظيم و نفاق الجهل فيسمون العلم بعبد الجهل و تابع للجهل و خادم للجهل.

هذا يفسر لماذا يعجز المؤمن عن شرح معاني الألفاظ التي يستخدمها, مع ان المفروض ان العاقل لا يستخدم الفاظ و تعبيرات لا يعنيها او لا تعبر عما يؤمن به (لكن عبد الجهل لن يتكلم بعلم أبدا) : العاقل لن يقول “القط” لو كان يقصد “الكلب” , لن يتحدث عن القط و حين تجد تناقض في كلامه يقول لك أن الألفاظ و التعبيرات البشرية تخذله و لا توفي المعاني التي يقصدها حقها الذي يليق بها (و كأنه يريد نفاق المعاني هي الأخرى). هنا يجب التأكيد على نقطة مهمة : إذا كانت يا مؤمن لا تستطيع استخدام الألفاظ للتعبير عن المعاني التي تريدها فالمشكلة مشكلتك لأننا بشر و لا نفهم المعاني إلا بإستخدام اللغات البشرية.

الكلام عن الإله او الله يفترض انه كائن (اسم فاعل لــ يكون, و المقصود انه قائم أو حاضر أو موجود) حي (لكن ليس بالطريقة التي نعرفها و نألفها عن الحياة) عاقل (لكن ليس بالطريقة التي نعرفها و نألفها عن العقل) خارق (له قدرات لا نعرف عنها سوى انها تفوق القدرات البشرية). طيب إذا كنت لا تقصد و لا تعني أي وصف أو اشارة لطبيعة الإله و كل شيء تقوله تلحقه بمقولة “لكن ليس بالطريقة التي تظنها او تعرفها” فعلى أي أساس تتكلم. استخدم ألفاظ موجودة في اللغة أو أضف للغة لفظ جديد ليعني معنى جديد, بنفس الأسلوب الذي تضاف به إلي اللغة الفاظ جديدة تشير إلي كل اختراع جديد و كل اكتشاف جديد و كل معنى جديد.

فكما تمت اضافة ألفاظ مثل : “التلفاز” للإشارة إلي جهاز مستحدث لم يعلم عنه الأسبقون, او “الإندماج النووي” للإشارة إلي حادثة علمية لم يعلم بها الأسبقون, او “العولمة” للإشارة إلي مفهوم سياسي ثقافي اقتصادي لم يعلم به الأسبقون, تستطيع انت أيضا عزيزي المؤمن أن تخترع ألفاظ جديدة لتعبر عن معاني جديدة. و بدلا من أن تقول أن “الله حي” و تشعر بالأسف لان اللغة لا تعبر عن مقاصدك, قل أن “الله حبظلم” او “الله متعين” او “الله متجعضد” ثم عرف اللفظ الذي تستخدمه لكي نستزيد منك علما. لكن وقاحة منك ان تتحجج بقصور اللغة ثم تدافع عن شيء لا تستطيع الإشارة اليه بأي وسيلة. و لكي نقطع نهائيا مشكلة الهلامية و الميوعة و المطاطية التي تتمتع بها فكرة الإله أو الله, نستطيع تحديد المعاني المقصودة لكل لفظ على حده.

النقطة (1) : ما المعنى المقصود من لفظة “موجود” ؟

حين تصف شيء ما بأنه موجود فأنت حتما تقصد أحد المعنيين : الوجود الطبيعي أو الوجود المعنوي.

أ‌) الوجود الطبيعي

و المقصود به المادة و الطاقة. و المادة هي كل ما له كتلة وحجم ويشغل حيزاً من الفراغ, و للمادة خصائص مختلفة تشمل الحجم و الكتلة و الكثافة, و هي تشكل بذلك ما يعرف بالكون الملموس. المادة بهذة الطريقة تعبر عن كل الأجسام التي لها كتلة و حجم و تشغل حيز من فراغ إبتداء من العالم متناهي الصغر و نجده في الذرات و الإليكترونات و البروتونات و النيوترونات و حتى الجسيمات الاولية و هي الكواركات و اللبتونات و البوزونات و ما دون ذلك, ثم العالم الصغير و يتمثل في الجزيئات التي تتضمن التجمعات من الذرات مثل الــ H2O (جزئ الماء) أو O2 (جزئ الأوكسجين) .. كما يتضمن الخلايا و الميكروبات و الكائنات الأقرب اليهم في الحجم, مرورا بالعالم الوسيط و نصف به الريشة و الذبابة و حبة الرمل و الشجرة و الفيل و المبنى و الحجر و الجبل, ثم العالم الكبير و يتمثل في الكواكب و المذنبات و النيازك و النجوم, و ينتهي في العالم متناهي الكبر و نجده في المجموعات النجمية و المجرات و الثقوب السوداء و الاكوان و ما هو أكبر من ذلك. كل هذة مواد على كافة المستويات بحسب وصفها العلمي من أدق ادق الجسيمات إلي أكبر اكبر الأجرام, و من المادة الجامدة مرورا بالمادة الحية و ليس انتهاءا بالمادة الواعية.

فهل بأي مستوى من هذة المستويات يمكن وصف الإله بأنه مادة و له وجود طبيعي ؟

ثم إن هناك وجود طبيعي آخر و هو الطاقة, و بحسب الفهم البشري الحالي فلا يوجد حد فاصل بين المادة و الطاقة طبقا لمعادلة آينشتاين الشهيرة E=mc 2. و الطاقة عموما هي القدرة على القيام بشغل أي إحداث تغيير، وهناك صور عديدة للطاقة، منها الطاقة الحرارية والضوء (و هو طاقة كهرومغناطيسية)، و الطاقة الكهربائية ، و طاقة الرياح (وهي طاقة حركة) ، و طاقة الأشعة السينية وطاقة أشعة جاما ، وغيرها. و ضمن سياق العلوم الطبيعية، الطاقة يمكن أن تاخذ أشكالا متنوعة : طاقة حرارية، كيميائية، كهربائية، إشعاعية، نووية، طاقة كهرومغناطيسية، وطاقة حركة. هذه الأنواع من الطاقة يمكن تصنيفها بكونها طاقة حركية أو طاقة كامنة ، في حين أن بعضها يمكن أن يكون مزيجا من الطاقتين الكامنة والحركية ، وهذا ندرسه في الديناميكا الحرارية.

فهل بأي شكل من هذة الأشكال يمكن وصف الإله بانه طاقة و له وجود طبيعي ؟

ب‌) الوجود المعنوي

و المقصود به هو الحالات و الأفكار و القيم. و الوجود المعنوي يختلف عن الوجود الطبيعي لانه لا يعبر عن مادة او طاقة, فالمرء حين يرى جماعة من الناس تقف في طابور بترتيب و التزام يقول ان هناك نظام او أن النظام موجود, مع ان النظام هنا ليس جسما أو طاقة بل حالة يصف بها الناس. و المرء حين يتكلم عن وجود الوعي عند الناس أو إحلال السلام او انتشار الحب فالمقصود أيضا هو قيمة ليس لها وجود طبيعي بل وجود ضمني او معنوي.

فهل بأي صورة من هذة الصور يمكن وصف الإله بانه فكرة و له وجود معنوي ؟

لا توجد معاني أخرى معروفة عند البشر للفظة “موجود” , فإن لم يكن الإله موجودا بأيا من هذة الطرق فلا يصح أن يقال بأن “الإله موجود” بل يجب اختراع لفظ جديد و توصيف هذا اللفظ الجديد كما يريد المؤمن ثم يتم الصاقه بالإله. لكن أن يتم القول بأن الإله موجود بإستخدام نفس الألفاظ و المقاصد التي نقولها حين نقرر ان الشجرة موجودة او أن الحجر موجود, ففي هذا مغالطة يشوبها سوء النية بهدف الكذب و التدليس.

النقطة (2) : ما المعنى المقصود من لفظة “حي” ؟

لفظ “حي” هو لفظ معروف و متداول, فهو ليس لفظا اكاديميا أو معقدا. و الناس حين تصف شيء بانه حي تعرف جيدا معنى ذلك, فحين يرى أحدهم جذع شجرة في بركة مياة ثم يراها تتحرك ليعرف أنها شيء حي, تمساح مثلا, سيكون قادرا بالتاكيد على أن يفسر لأي متساءل لماذا يعتقد ان هذا الشيء حي و كيف يكون الشيء حيا. فالكائنات الحية تتميز عن غيرها من الكائنات بخصائص تميزها و تجعلها مختلفة شكلياً و جوهريا, و هي الثمان خصائص المميزة للحياة :

1- الحركة

معظم الحيوانات قادرة على الحركة الانتقالية في كل مراحل حياتها، و قليل منها قادر على الانتقال من مكان لآخر في المراحل الأولى من حياته فقط، كالإسفنج و المرجان و بعض الطفيليات. و توجد في بعض الكائنات التي تبدو ثابتة كالنباتات – حركة موضعية؛ أي حركة لأجزاء من النبات، كحركة أوراق النباتات آكلة الحشرات، وحركة فتح الثغور وإغلاقها في الأوراق، والانتحاء الضوئي phototropism، والتأود الأرضي – geotropism. كذلك، إذا نظرت إلى خلايا حية تحت المجهر ستشاهد السيتوبلازم في حركة دورانية مستمرة تعرف بالحركة السيتوبلازمية (الدورانية) cyclosis.

2- النمو

و هو الزيادة في كتلة الكائن الحي وحجمه نتيجة زيادة كمية المادة الحية فيه. ويحدث النمو نتيجة الانقسام المتساوي (غير المباشر) للخلايا وزيادة حجمها.

3- الحاجة إلى طاقة

تحتاج جميع الكائنات الحية إلى الغذاء للنمو و البقاء على قيد الحياة. و تقوم بعض أنواع البكتيريا و الطحالب و النباتات بصنع المواد العضوية التي تحتاج إليها من مواد غير عضوية بسيطة بوساطة عملية البناء الضوئي، و توصف هذه الكائنات بأنها ذاتية التغذية autotrophic، بينما تحصل باقي الكائنات الحية على غذائها جاهزاً – بطريقة مباشرة أو غير مباشرة – من النباتات أو من الحيوانات ؛ و تسمى هذه الكائنات غير ذاتية التغذية heterotrophic وتقوم الكائنات غير ذاتية التغذية بهضم غذائها قبل أن تستفيد الخلايا منه.

4- التكاثر

الكائنات الحية جميعها تستطيع التكاثر. والتكاثر نوعان: تكاثر لا جنسي asexual؛ ويقصد به إنتاج أفراد جديدة من فرد واحد دون الحاجة إلى وجود ذكر وأنثى، وتكاثر جنسي sexual؛ ويقصد به إنتاج أفراد جديدة نتيجة اندماج جاميت ذكري مع جاميت أنثوي.

5- الأيض

تحدث في أجسام الكائنات الحية جميعها تفاعلات كيميائية ضرورية للتغذية و النمو وإصلاح الأنسجة التالفة و تحويل الطاقة إلى شكل يمكن الاستفادة منه، وتسمى هذه التفاعلات بعمليات الأيض metabolism. و عمليات الأيض مستمرة في أجسام الكائنات الحية كافة؛ و يؤدي توقف هذه العمليات إلى موت الكائن الحي. و يتضمن الأيض عمليات بناء وهدم؛ و عمليات الهدم catabolism هي: التفاعلات التي يتم بها تحطيم الجزئيات المعقدة إلى جزئيات بسيطة التركيب؛ فينتج منها طاقة. وعمليات البناء anabolism هي: التفاعلات التي يتم بها تكوين جزئيات معقدة من جزئيات بسيطة التركيب و تكون عمليات البناء أسرع من عمليات الهدم في الكائنات الحية في أثناء نموها, أما في معظم الكائنات البالغة فإن عمليات البناء والهدم تكون متوازنة.

6- الإخراج

ينتج من التفاعلات الكيميائية التي تحدث في أجسام الكائنات الحية فضلات سامة، وتقوم أجسام الكائنات الحية بالتخلص من هذه الفضلات بوساطة جهاز الإخراج، أو بتخزينها في أماكن خاصة من جسم الكائن الحي بشكل غير ضار. لا تمتلك النباتات جهازاً لإخراج، لكن النبات يتخلص من فضلاته بوسائل عديدة أخرى.

7- الاستجابة للمؤثرات

المؤثرات التي تحدث استجابة في معظم الكائنات تشتمل على متغيرات عدة؛ منها التغير في لون الضوء و اتجاهه و كثافته، و التغير في درجات الحرارة و الضغط و الصوت و التغير في التركيب الكيميائي للوسط؛ كالتربة المحيطة أو الهواء أو الماء. و في الكائنات المعقدة التركيب – القرود مثلا – توجد خلايا على درجة عالية من التخصص لها القدرة على الاستجابة لأنواع معينة من المؤثرات؛ كخلايا شبكية العين التي تستجيب للضوء؛ أما الكائنات بسيطة التركيب، فلا يوجد فيها مثل هذه الخلايا المتخصصة، لكن جسم الكائن الحي – بشكل عام – يمكنه الاستجابة للمؤثرات؛ فبعض الكائنات وحيدة الخلايا تستجيب للضوء الشديد بالابتعاد عنه.

8- التكيف

يتعرض جسم الكائن الحي إلى تغيرات بيئية مختلفة، كالتغيرات في درجة الحرارة. ولا تتحمل معظم الكائنات الحية الانخفاض أو الارتفاع في درجة الحرارة، يجب أن تبقى مستقرة. ذاك ان العمليات الحيوية تتضمن الكثير من التفاعلات الكيميائية المختلقة. التي لا يمكن ان تحدث إلا إذا كانت الظروف ملائمة تمامًا. ويسمى الاستقرار الديناميكي للبيئة الداخلية للكائن الحي بالاستتباب.

فهل بأي خصيصة من هذة الخصائص يمكن وصف الإله بانه حي ؟ يعني هل الإله يتحرك أو ينمو او يحتاج إلي غذاء و طاقة أو يخرج فضلات أو يتكاثر ؟ لا توجد معاني أخرى معروفة عند البشر للفظة “حي” , فإن لم يكن الإله متصفا بأي من خصائص الحياة فلا يصح أن يقال بأن “الإله حي” بل يجب اختراع لفظ جديد و توصيف هذا اللفظ الجديد كما يريد المؤمن ثم يتم الصاقه بالإله. لكن ان يتم القول بأن الإله حي بإستخدام نفس الألفاظ و المقاصد التي نقولها حين نقرر ان الفأر حي او أن الفيل حي, ففي هذا مغالطة يشوبها سوء النية بهدف الكذب و التدليس.

النقطة (3) : ما المعنى المقصود من لفظة “عاقل” ؟

الذكاء هو عمليات ذهنية و قدرة كامنة على حل المشكلات الطبيعية و المعنوية, او للتعبير عن التأثر و الاستجابة لظروف طبيعية و معنوية. و على هذا الأساس يجدر الإشارةإلي ملحوظتان :
أ‌) الذكاء مفهوم طبيعي

أي ذكاء يحتاج إلي موتور طبيعي (مادة او طاقة) لتوليد الذكاء, أيا كان هذا الموتور و أيا كانت طبيعته. فالكائنات الحية ذكية و يتفاوت ذكاءها حسب طبيعة و إمكانيات الموتور الذي تمتلكه لتوليد الذكاء, و هو ما نصطلح على وصفه بالمخ أو الدماغ. و هناك ايضا كائنات أخرى غير حية تمتلك ما يمكن ان نسميه ذكاء و تحمل قدرات كامنة على التطور المتسارع بأسرع من تطور الذكاء الإنساني أضعافا مضاعفة, ألا و هو الكمبيوتر. يعني سواء كان الدلفين أو الشمبانزي أو البشري أو الكمبيوتر أو أي ذكاء عرفته الإنسانية و إختبرته, لا يمكن ان يقوم ذكاء بغير أساس مادي أو طبيعي .. بنفس الطريقة التي يستحيل بها قيادة سيارة لا تحوي موتور.

فهل يملك الإله موتورا يولد الذكاء له هو الآخر ؟ أم أن لقب ذكي حصل عليه كلقب شرفي مثل الدكتوراه الشرفية ؟!

ب‌) الذكاء يعتمد على المشكلة و التأثر

أي ذكاء يحتاج إلي مشكلة او تحدي لإستفزاز قدراته الكامنة على حل المشكلات و الإبداع. و بالتالي فالظروف المواتية أو المريحة تضر الذكاء و تعفيه من العمل, و من ثم فإعدام المشكلات و التحديات بشكل كامل سيؤدي حتما لإعدام أي نوع من انواع الذكاء. مهم جدا أن يفهم المرء أسباب نشوء الذكاء في الكائنات الحية و كيف أعفى تطور الذكاء (عند البشر على سبيل المثال) الذكي من تطور بقية القدرات الطبيعية الأخرى التي كان من الممكن ان يعتمد عليها و يطورها لو نقص ذكاؤه, مثل الصلابة و السرعة و قوة الإحتمال. بنفس الطريقة التي أعفت القوة و الشراسة بها الاسد من تطوير ملكات ذكاء أفضل, او كما أعفت سرعة الفهد او طيران النسر. و بنفس المنطق يسهل ملاحظة ان الرجال ذوي الأجسام الكبيرة و العضلات المفتولة لا يحتاجون غالبا لإستخدام ذكاءهم, بنفس الطريقة التي تعفي النساء الجميلات ذوات الجاذبية الجنسية من إعمال عقولهن (طبعا الظواهر البيولوجية ليست قوانين فيزيائية و يسهل وجود ما و من لا تسري عليه).

و ليس بالضرورة أن يكون المحفذ للذكاء مشكلة أو معاناة, بل قد نجد ظروفا عادية او تبدو عادية بالنسبة لإنسان ما مثلا, فلا تضره أو تعيقه بشكل مباشر, و لكنها تنجح في التأثير عليه و دفعه للإبداع أو اعمال ذكاؤه كما يحدث مع الفنانين أو المخترعين مثلا. و هذا يفسر بوجه عام السبب في ان المناطق الفقيرة في التنوعات الطبيعية (البيئة الصحراوية مثلا) او القليلة في تحدياتها و مشاكلها (لا زلازل و لا فياضانات و لا براكين و لا جفاف .. ألخ) هي أيضا بيئات طاردة للذكاء و لا تستوعب الذكاء بها. يعني ربما تحتاج الدول النامية للضرب بالقنابل الذرية و المعاناة من الزلازل بشكل دائم حتى تتحول هذة الدول إلي ما يشبه اليابان بكل تقدمها التقني و الإقتصادي.

فهل الإله لديه مشاكل أو معاناة او تحديات طورت لديه ملكات و مواهب الذكاء ؟ ام أنه يحتفظ بذكاؤه في درج مكتبه ؟ هل الإله أيضا لديه دماغ أو هاردوير أو أساس مادي او طبيعي لذكاؤه ؟ و إن لم يكن, كيف يتولد ذكاؤه ؟ و كيف يمكن وصفه بالذكاء او العقلانية ؟ و إن كان كامل متكامل لا يحتاج لفهم او معرفة, فما الذي يحفز ذكاؤه أصلا ؟ فإن لم يكن الإله ذكيا بالصورة التي نفهمها عن الذكاء فلا يصح أن يقال بأن “الإله ذكي” او ان “الإله عاقل” بل يجب اختراع لفظ جديد و توصيف هذا اللفظ الجديد كما يريد المؤمن ثم يتم الصاقه بالإله. لكن ان يتم القول بأن الإله ذكي بإستخدام نفس الألفاظ و المقاصد التي نقولها حين نقرر ان الشمبانزي ذكي او البشري ذكي أو الكمبيوتر ذكي, ففي هذا مغالطة يشوبها سوء النية بهدف الكذب و التدليس.

النقطة (4) : ما المعنى المقصود من لفظة “إله” ؟

الله ليس هو الشكل الوحيد للألوهية, فــ الله ليس هو إله اليهودية و المسيحية كما يدعي الإسلام, بل هو إله الإسلام فقط. إله اليهودية اسمه “إيل” و لهذا يسمى أنصار الإله بـ ميخائيل و روفائيل و اسرائيل .. الخ, و في التوراة سمى الإله نفسه “يهوة” و هذا مذكور في أكثر من موضع :

و انا ظهرت لابراهيم و اسحق و يعقوب باني الاله القادر على كل شيء و اما باسمي يهوه فلم اعرف عندهم (خر 6 : 3) لذلك هانذا اعرفهم هذه المرة اعرفهم يدي و جبروتي فيعرفون ان اسمي يهوه (ار 16 : 21)

صحيح أن اليهودية لها إله واحد و الإسلام له إله واحد إلا أن يهوة التوراتي هو إله قومي للعبرانيين و منغلق عليهم, بينما الله القرآني هو إله قومي للعرب و لكنه منفتح قليلا عن يهوة فيقبل دخول الأعاجم في الإسلام و في العروبة أيضا. المسيحية طبعا تعترف بإله اليهودية “يهوة التوراتي” و لكنها تعتمد إضافات تفصيلية للإله من حيث إنه إله واحد و في نفس الوقت ثلاثة أقانيم .. كنوع من التسويق التجاري للإله (عرض خاص .. إشتري الآب تحصل على الإبن و الروح القدس مجانا) أو كنوع من الدعاية للإله (إله المسيحية : تلاتة في واحد, إله بقوة ثلاثة أقانيم .. يجعل خطاياك أكثر بياضا) و هو ما يفسر القدرة الرائعة للمسيحية على المنافسة في الأسواق العالمية و تقبل نظام السوق الحر بينما يحتاج الإسلام إلي حماية الدولة و إلي سياسات جمركية و ضريبية تمييزية تؤدي في النهاية إلي رداءة المنتج الإسلامي.
نهايته, إله المسيحية إذن هو يهوة بعد تعديل إدارة التسويق و إضافة اللوجو الخاص بالإله و من الممكن أن نسميه إله الإنجيل أو “يهوة مثلث الأقانيم”. و لذلك تجد كل المسيحيين في العالم من غير العرب لا يستخدمون اسم “الله” لوصف إلههم بل إن إنطباعهم عن “الله” هو نفس الإنطباع تقريبا عن “زيوس” أو “كريشنا”, مجرد إله وهمي لدين آخر. أما إله الإسلام فهو طبعا “الله الفرد الصمد” او “الله القرآني” لمبدعه و صاحبه محمد خاتم الأنبياء و المرسلين و المعروف بإسمه الحركي “محمد صلعم”, و هو إله يختلف بالتأكيد في غالبية مواصفاته عن آلهة اليهودية و المسيحية و إن كان مستوحى طبعا من الآلهة التي سبقته.

ثم إن هناك العديد من الاديان على الارض حاليا. طبقا للموسوعة المسيحية العالمية باريت طبعة 2001 يوجد في العالم حاليا أكثر من عشرة الاف دين متميز, منها 150 ديانة فقط عدد المؤمنين بها مليون فرد فأكثر. أما بقية الأديان فعدد تابعيها اقل من المليون, و أغلب هذة الديانات أنحصرت فى أقليم جغرافى معين و فى مجموعة عرقية محددة. و عن طريق الإنترنت يمكن تمييز 22 ديانة عالمية فقط و هي تتضمن الديانات التى لها وجود و حضور و أغلبية فى الدولة الواحدة.

- هناك أديان بلا آلهة على الإطلاق Atheism : مثل البوذية.

- و هناك أديان توحيدية Monotheism : مثل اليهودية و المسيحية و الإسلام و البهائية و الزرادشتية و الصابئة و المندائية و الأحمدية و البابية و السيخية و غيرها كثير.

- و هناك أديان ثنائية الآلهة Ditheism: و هي تتبنى إيمان بإلهين متصارعين متساوين في القوة أحدهما إله الخير و الآخر إله الشر, أو الإيمان بإله وإلهة (ذكر وأنثى) ذوي قدرات متباينة و يتشاركان في خلق الكون و يتشاركان في التأثير عليه, و تندرج طوائف غنوصية ضمن هذا الإطار و دين حديث معروف بـ”ويكا”.

- و هناك أديان متعدّدة الآلهة Polytheism : و هي تقوم على وجود العديد من الآلهة و يكون هنالك مجمع Pantheon يضمهم جميعا ذكور و إناث, و يعتبرون جميعاً مؤثرين بدرجات متفاوتة على الطبيعة والإنسان. في الماضي كانت كل الأديان في العالم أديان متعدّدة الآلهة و اليوم تشمل الأديان المتعددة الآلهة نحو نصف سكان الكوكب و منها الهندوسية، البوذية التبتية، الشنتو، الجانية.

- وحدة الوجود Pantheism : و تعني بالأصل اليوناني “الكلّ هو الإله” و هي الإيمان بأن الكون والإله متطابقان بالكامل أي أن الإله هو الكون و الكون هو الإله. لكن هذه الفلسفة لا تؤمن بأن الإله–الكل هو إله شخصي له صفات إنسانية و لا تؤمن أيضاً بوجود إله خالق. و هنالك العديد من الفلسفات المختلفة ضمن إطار وحدة الوجود لكنها جميعاً تعتبر أن الكون هو وحدة كاملة وأن الطبيعة مقدّسة, و تندرج معظم الاديان القديمة والأصلية ضمن هذا الإطار بالإضافة إلى الطاوية و بعض الطوائف الهندوسية والبوذية و الصوفية.

إذن فلفظة “الله” لا تعبر إلا عن إله الإسلام المذكور في القرآن بوصفه فرد صمد, أيا كان معنى فردانيته و صمدانيته. و ما استخدام غير المسلمين في الدول العربية لإسم “الله” لتسمية إلههم إلا بسبب الهيمنة الثقافية للإسلام على المنطقة و تراجع العلمانية, لكن كل الأديان الموجودة في العالم لم تتفق على مفهوم واحد للإله رغم أن كل دين منهم يدعي أنه أصح دين و أصوب دين و الحق المطلق و انه إلهي و سماوي.

أديان العالم لم تتفق على ماهية الإله و لا عدد الآلهة و لا أساميهم (والله ما بتفرق معانا الأسماء) و لا صفاتهم ولا وظيفتهم و لا أهمية الإعتقاد بوجودهم, إذن كيف يمكن بحق العقلانية البحث عن الإله مادام التعبير غير متفق عليه و لا محدد أصلا ؟ هذة النقطة لوحدها تكفي لنسف أي أهمية أو جدوى أو إمكانية لبحث الموضوع, لانه لا يمكن ان نبحث او نتأكد من وجود ابرة في كومة قش !! يعني أبسط مطلب هو أن يتم تحديد عدد معين من الآلهة و شكل محدد للألوهية ثم يتم البحث في الموضوع بناء على ذلك. لكن يمكن التجاوز عن هذة النقطة مؤقتا من باب التساهل و الإعتماد على ما تتفق عليه الأديان (و هو قليل و بلا معنى) و ترك ما يختلفون حوله.

يمكن القول أن الأديان تتفق (غالبا) على أن الإله (الواحد من هذا النوع) ذو طبيعة فوق طبيعة البشر (دون تحديد لكيفية التفوق) و ذو قدرات خارقة, و يتم تصوير الإله بأشكال مختلفة حسب المعتقد الديني، فيتخذ الإله شكل إنسان أو حيوان أو ربما جماد. و غالبا مايكون الإله خالدا لا يموت، و يمتلك شخصية و وعي و إدراك. إذن فنحن نبحث عن كائن حي عاقل خارق لا يموت. لكن أليس “الكونت دراكيولا” هو كائن حي عاقل خارق لا يموت ؟ هل نحن حقا نبحث في احتمال وجود “الكونت دراكيولا” أيضا ؟

لكن لا, الكونت دراكيولا لا يبدو كإله بالرغم من قدراته الخارقة. الإله لا يكون إلها بالإعتماد على قدراته و إمكانياته و خلوده, فخلق الكون هو ما يجعل الإله إلها, اما أي أفعال خارقة أخرى فهي قد تكون لملاك او لجني. طبعا الخالق لن يكون شخصا عاديا بأي حال, فأبسط ما يمكن تصوره هو ان الخالق يستطيع خلق المزيد من الأشياء و افناء او اعدام ما خلقه و اصلاح ما خلقه عند الحاجة و التحكم في خلقه بشكل عام, و أقصى ما يمكن تصوره هو ان الخالق لديه إمكانيات و قدرات تفوق مسائل الخلق برمتها (من ايجاد و احياء و اصلاح و تعديل و تحكم و اماتة و افناء أي او كل مخلوقاته) يعني تكون لديه قدرات أخرى خارج عالمنا.

لكن طبعا هذا يفترض شيئين : الأول أن هذا الخالق عاقل, لان الجاذبية مثلا أو أي طاقة عمياء غبية أخرى لو كانت مسئولة عن خلق العالم فهي بالتأكيد ليست حرة أو قادرة لانها ليست عاقلة أو مريدة. الشيء الثاني ان هذا الخالق غير محدود القدرات و الإمكانيات و إلا لما كانت قوته أو قدرته مضمونة حتى الآن. فقد يكون الإله شاخ و ضعف او مات أو قتل, او قد تكون الامور قد خرجت من بين يديه او فاقت قدراته .. مثل صانع السيارات الذي تدهسه سيارة أو صانع الأسلحة الذي يموت بأسلحته, قد يكون الإله هو خالق الكون في بدايته و لكن الكون تطور و تعقد و أصبح من الصعب السيطرة عليه بالنسبة للإله.

فهل نستطيع أن نعرف الحقيقة ؟ و ما هي الوسائل الممكنة لمعرفتها ؟ هل عالمنا مخلوق من عدم أم سرمدي (أزلي أبدي) ؟ هل هناك وجود لإله غير محدود أو لانهائي ؟ هل هناك وجود لإله الربوبيين (خلق العالم و تركه غير عابئ بالبشر) ؟ كم عدد الآلهة الممكنة ؟ و هل وحدانية الإله هي الأقرب إلي العقل ؟ هل هناك وجود لإله يهتم بالبشر ؟ هل هناك وجود لإله التوراة ؟ هل هناك وجود لإله الإنجيل ؟ هل هناك وجود لإله القرآن ؟ هل هناك اهمية للإيمان بإله ؟ هل هناك كائنات أكثر ذكاءا و تحضرا من البشر ؟ و هل يمكن اعتبارهم آلهة ؟

كل هذة المشكلات تفرض علينا أسئلة مشروعة لو شئنا الخوض في المسائل اللاهوتية, و هي بخصوص مواضيع أخرى كثيرة لها علاقة مباشرة بفكرة الإله لكنها تحتاج لمقالات أخرى منفصلة .. سنوافيكم بها تباعا.



#الناصر_لعماري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -العنف ضد النساء-
- الله , الدين و غباء البرهان
- أوجه التشابه بين ولادة المسيح و ولادة كريشنا
- الله والفيزياء الحديثة
- الإنسانوية : فلسفة الإرتقاء بالإنسان
- الدين وما أدراك ما الدين
- كلمة أقتلوهم التى جاءت فى القرآن ......!
- الاصل التاريخي لمفهوم جهنم
- قصةُ المرأة في الإسلام
- لماذا تتعدد الأديان وما سبب الاختلاف بين أتباعها؟
- صيغة مختلفة لسورة الفاتحة
- الدين : النشأه و التطور التارخي
- تعدد الزوجات وتعدد الأزواج
- هل الأطفال يولدون مؤمنين بالله؟
- عنصرية الإسلام
- الجن
- يوم القيامة
- عزيزي المسلم لماذا إنت متخلف ؟
- المثلية في الاسلام (حلال)
- مقولات إنسانوية


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الناصر لعماري - الإله ظاهرة لغوية