أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فالح عبد الجبار - أوطان الربيع العربي المفخخة














المزيد.....

أوطان الربيع العربي المفخخة


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 4055 - 2013 / 4 / 7 - 10:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




لا أتذكر أين قرأت هذا العنوان المسربل بالعنف. لكن الأوطان التي جبلناها منذ قرن ونيف تقريباً، تحمل أوزار الماضي كله، فهي أوطان مع وقف التنفيذ، أمم تحترب مع نفسها، ملتفتة برأسها إلى الوراء، متفرجة على ماض «تليد»، لا يسعفنا بشيء لترميم الحاضر.

الأوطان، قال الفرنسيون، تبنى بالرضا والتراضي (هو ما سمّوه إرادة العيش المشترك)، في حاضنة ثقافة متجانسة أو متسامحة مع الاختلاف، وفي موئل اقتصاد حديث مفتوح لا يحتكره حاكم بأمره، وفي كنف آلة حكم قانونية. والألمان قالوا إن الأمم تبنى بالدم المشترك، المسفوح أو الجاري في العروق، بدولة مكينة تملك كل شيء، وأيديولوجيا واحدية، تنفر من كل وأيّ اختلاف.

العسكر وأحزابهم الواحدة استمرأوا الدرس الألماني المهلك، فدمروا التراكم الحضاري الوجيز الذي كان في مبتدئها، وتركوا لنا ألغاماً تطوق أعناق الأوطان، فمن مصر إلى تونس، ومن ليبيا إلى سورية فالعراق واليمن، ثمة جبال من هذه الألغام، التي أحالتنا إلى أوطان مفخخة بحق، فالأمة ممزقة، والثقافة مهشمة، والاقتصاد في أقصى درجات الاحتكار والتخلف، وكل قوى المجتمع الوسطية مسحوقة، حتى جاءنا الإسلاميون محملين بـ:

اللغم الأول، اختيار أسوأ ما في تراثنا الغني، الذي انتزع الإسلاميون منه كل عرق من عقلانية وأحالوه ركاماً من تحريمات ذكورية، لكأن مشكلة الأوطان إسفارُ وجه أو معصم، أو سماع أغنية، أو التفرج على شاشة. أرجعوا تراثنا الى زمن «أهل الذمة»، كارهاً كلَّ مخالِف في الدين، أو إلى زمن احتراب الفرق والطوائف، الهالِكِ منها والناجي، فصار الكل يتبارى في تدمير المساجد من دون نأمة اعتراض أو احتجاج، بينما الدنيا تقوم ولا تقعد إذا انتقد عقلاني واحد الفهم المعوجّ للدين. حسبنا تذكُّرُ ما حاق منذ نصف قرن بصادق جلال العظم السوري، أو ما لاقاه قبل عقد ونيف المصري نصر حامد أبو زيد، أو ما واجهه بالأمس العراقي احمد القبانجي.

لنعترف جهاراً بأن أيديولوجيا الإسلام السياسي، السني منه والشيعي، قاسمة للأمم والأوطان على قاعدة اختلاف الدين أو المذهب، مثلما أن القبَلية مهشمةٌ لهذه الأوطان على قاعدة الأنساب المنغلقة، وذلك مثلما حكمتنا الأحزاب القومية بأيديولوجيا الحزب الواحد والعنصرية الإثنية، فاعلة الشيء نفسه. وبهذا المعنى، ثمة استمرارية في الفكر والممارسة مع اختلاف التلاوين، وهي استمرارية لن تنقطع من دون اعتراض واع، متواصل، فالطائفية اليوم مثل ورم خبيث يمتص كل ما هو حي، ولا غرابة في أن أجدادنا كانوا يطلقون على هذا السقام اسم «الآكلة».

اللغم الثاني، الذي يشق المجتمع شقاً، هو مصير القوى المجتمعية التي اعتاشت على النظام القديم، خصوصاً حيثما كانت الدولة، أو بتعبير أدق النخبة الممسكة بتقاليد الحكم، تحتكر الثروات مباشرة، أو تتحكم بها بقوة القرار الإداري والتشريع، كما هو حاصل في جل البلدان العربية والإسلامية. وإذا تركنا حفنة محددة من البؤر الأيديولوجية وحفنة من القتلة المنفذين، وجدنا حشوداً هائلة من المنتفعين بحكم واقع الحال، موظفين ورجال أعمال صغار، يترزقون على باب السلطان. هذه القطاعات العريضة لا يمكن استبعادها بجرة قلم. ما يسمى «الفلول» في مصر ليست كلها مباركية، بل تنطوي على ما يمكن أن أسمّيه «قطاعات العيش»، وهي تقاوم أي مساس بوسائل عيشها، والحال نفسه في تونس، وكذا في سورية، وفي العراق الحال أوضح، كان ثمة مليون و800 ألف منتظم في صفوف الحزب الحاكم، وكثرة كاثرة منهم تريد العيش في بلد لا اقتصاد أو معاش فيه خارج الدولة إلا بالكاد. نذكر هنا أن إقليم كردستان حل هذه المسألة بعفو عام، فاتحاً الطريق للاندماج الوطني. يمكن استثناء العتاة، وهم قلة قليلة في أيِّ، وكلِّ حال. أما الاستبعاد الكلي وروح الثأر والقسوة، فهي أقصر الطرق لهدم معمار أي مجتمع وتمزيقه.

اللغم الثالث هو استمرار احتكار الثروات، فالنخب الجديدة تحاكي - مثل القردة - أولياءَ الأمور السابقين، مكرمات وعطايا، عقوداً وهبات توزَّع بما يشبه المجان. انفصال أو فصل الاقتصاد عن الجهاز السياسي مسألة حياة هذه المجتمعات أو موتها. الفكر التنموي الذي عمر طويلاً في المنطقة، والذي محض الدولة حق هذا الامتلاك باسم التقدم، كان ولا يزال، الوصفةَ الأكيدة لخراب التنمية وضياع الحريات. والمفارقة أن قادة الإسلاميين الذين ترعرعت غالبيتهم في أوساط التجار ورجال الأعمال في عدد من البلدان، صاروا دولتيين بمجرد الوصول إلى سدة الحكم، بعد أن سودوا الصحائف ذمّاً لاشتراكية الدولة، وهي جنس شائه من رأسمالية الموظفين، والنتيجة تحوُّل الحكام الجدد إلى طبقة تملك السياسة والاقتصاد معاً، بينما الجموع تتحول قسراً إلى ما يشبه قطيع الأغنام الذي ينتظر حفنة الشعير.

وهذا مآل قطاعات واسعة من الطبقات الوسطى، فهي تابعة تبعية عمياء للدولة، بحكم وظيفة هذه الأخيرة كربِّ عمل أوحد، بل إن الشرائح المالكة أو المنتجة من هذه الطبقات، التي تنهض وتكبو على إيقاع تغير الحكام، تمد يدها إلى الدولة كسوق رأس للخدمات والعقود. بالمقابل، هناك شرائح واسعة من هذه الطبقات متحررة من الدولة، او لا تحظى بما يليق بحياة إنسان.

اللغم الرابع هو شقاء الوعي المجتمعي. الأصوات المثقفة العارفة والمعترضة، تكاد هي وحركاتها اليوم أن تكون جزيرة في محيط، باستثناء الحركات النسوية الأكثر عنفوانا على نحو يذكي الأمل، شأن حركات الشباب، من أصغرها إلى أكبرها.

قائمة الألغام تطول، ولعل بالوسع الاختتام بشريحة رجال الدين في المؤسسات الرسمية، فهي تنطوي على طاقة اعتراض على «الإسلام السياسي»، طاقة معلنة حيناً ومستترة احياناً. وينصبّ الاعتراض على الممارسة السياسية الجارية، كما على التأويلات المزرية لأحكام الدين أو ثوابته، كما يقول الدستور العراقي.

هذه وغيرها من قوى الاعتراض لن تزول، ودرب الآلام قد يطول حقاً، لكن لا مفر من اجتيازه.



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفكير في العراق: فوضاه ونظامه
- أحمد قبانجي: كلام النقد العقلاني المشاكس
- وجها الوطنية المتداخلان
- رأس المال والمجتمع الحديث
- الربيع العربي بحسب العلوم الاجتماعية
- العراق والتوتاليتارية
- الأمن قضية سياسية أولاً
- العراق والجيران وأوروبا
- كتاب جديد:ما العولمة
- نهاية ديكتاتور
- تأملات في الصلب: الرئيس العراقي شانقاً ومشنوقاً
- أفكار في جولة: آلام الجنوب اللبناني غير المعلنة
- المستبد وحقيقته بين جيلين
- الولادة العسيرة للفيديرالية في العراق
- الهورلا: اوراق الجنون- الام ذاكرتي اللبنانية
- في الحرب والتفكير و في الحرب والسياسة
- مفهوم العنف، مفهوم الإرهاب
- منطق الميليشيا، منطق الدولة
- مائة عام على ثورة المشروطة مائة عام من الزمن الضائع
- العراق: صراع المقدس والدنيوي في بناء الأمة


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فالح عبد الجبار - أوطان الربيع العربي المفخخة