أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جوزف أيوب - إشكالية النهضة في فكر شبلي الشميّل















المزيد.....



إشكالية النهضة في فكر شبلي الشميّل


جوزف أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 4047 - 2013 / 3 / 30 - 19:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إشكالية النهضة في فكر الشميّل

المقدمة:

من الصعب اختزال إشكالية الشرق والغرب من فكرنا العربي، فقد كانت هذه القضية ولا تزال تطرح في أوساط العالمين الشرقي والغربي على حدٍّ سواء منذ بدايات القرن التاسع عشر وحتى عصرنا الحالي والصورة عينها ترسم لنا، الغرب المتطور يفوق الشرق المتأخر الخ...، كل طرف يتحرك نحو الطرف الآخر في صور مختلفة، و الجدلية قائمة بين كبار المفكرين على اختلاف آرائهم، وقد يستمر هذا الخلاف إلى ما لا نهاية حيث يحلّ الوطن الواحد في ظل اللاوطنية السائدة.
الكثير من المفكرين في عالمنا الشرقي يجهلون هويتهم الثقافية وحتى الجغرافية فهم يعيشون في حالة اغتراب عن الذات وكذلك عن الوطن، فإمّا مأخوذ بالعالم الغربي متناسياً بذلك أصله العربي غير قادر على تحديد خياراته أو التائه في حقل الماضي المستمر، بعد آلاف السنين في زيه التقليدي البالي ونتساءل هنا أين مكان القبلية في القرن العشرين!، ومفكرُ آخر يسعى إلى التوفيق بين الشرق والغرب ولكنه في الواقع لن يجني من ذلك سوى الإرهاق الفكري المزمن، فهل يمكن الدمج بين المادة والروح، بين العلم والدين!
على الرغم من هذا التناقض الذي يصادفنا أمام دراسة مظاهر المدنية في كل من العالمين الشرقي والغربي، إلا أن هذه القضية تفتح لنا آفاقا واسعة يمكننا من خلالها النظر إلى كافة جوانب هذه العلاقة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، خاصةً فيما يتعلق بثقافة تلك الشعوب الدينية – الأخلاقية على اختلافها، والتي من وجهة نظرنا تبدو المحرك الأول لكل تلك العلاقات سلباً أو إيجاباً.
وقد توخيت من بحثي هذا تسليط الضوء على علم من أعلام التيّار التجديدي في الفكر العربي الحديث، نظراً لدور هذا الأخير في نقل الفلسفة المادية التي ظهرت في ألمانيا في القرن التاسع عشر على يد المفكر الألماني بوخنر إلى الفكر العربي الإسلامي، فيعتبر الشميّل أول من خطا خطوة في الشرق للإضاءة على الفكر المادي. بالإضافة إلى ذلك بنى الشميّل منظومته الفكرية على نظرية داروين التطورية، فكان الشميّل ذلك المفكر الحر الذي يؤمن بجدارة المشروع العلمي لمواجهة الأوضاع المتأزمة في الشرق مما شكل دافع ومحفز إلى الخوض في التجربة العلمية كونها العماد الذي سينهض على ركائزه العالم الشرقي، والتي ستساعده في حل كافة المشاكل والتصدي لكل موروث ديني وثقافي حال دون تطور العقل العربي رغم الرفض الذي واجهه من المجتمع الشرقي وخاصة رجال الأديان المختلفة والرافضة لمثل هذا الفكر النهضوي المتحرر من قيود المقدسات والأساطير الخيالية التي تضعف قدرات العقل وتميت حراكه التاريخي وتطوره، لقد كان يدافع عن نظرية التطور ويدعو إليها بقوة الثائر على كل ما يحمله الشرق من أساطير الخلق والتكوين ليقول أنّ المادة وحدها أصل الكون ومنها تتكون كل الكائنات وهذا ما سنتناوله في المبحث الأوّل من دراستنا هذه، كذلك تكمن أهمية الشميّل في أنه يعطي الدور الأكبر لفلسفة الطبيعة كما فهمها مذهب "النشوء والارتقاء" باعتبارها المعطى الوحيد والوسيلة المثلى في تحرير ذلك المجتمع من أغلال الجمود الذي أصابه، فرسخت لديه قناعه في أنّ الطبيعة هي الموجود وكل ما فيها (الإنسان والمجتمع) محكوم بقوانينها.
جرى تقسم البحث إلى ثلاثة مباحث، يتألف المبحث من عدة فروع. المبحث الأول كما سبقنا القول يتألف من فرعين اثنين وقد شرعنا إلى عرض موجز لنظرة الشميّل المادية إلى الكون وتأثره بأعلام الفلسفة المادية في ألمانيا كذلك نظرية التطور عند داروين في جانبها الفيزيولوجي نظراً لأهميتها في تكوين أفكاره حول المجتمع والأمة، والتي كانت موضوع المبحث الثاني، حيث يتألف من ثلاث فروع تتلخص موضوعاته في أهمية التعاون في تكوين المجتمعات ونهضتها وتطورها من وجهة نظر الشميّل، أسباب التراجع في المجتمعات الشرقية، وسبل الخلاص من الانحطاط الذي أصابها، وأخيراً حتمية التدرج والتطور وأهميته في الإصلاح الاجتماعي للوصول إلى النهضة الحقيقية. ثم المبحث الثالث وسنحاول من خلاله الإضاءة على الأسباب التي دفعت المفكرين إلى القول بعلمانية الشميل ثم المغالطات التي وقع فيها الشميّل في تطبيق نظرية داروين التطورية على المجتمعات. وأخيراً الخاتمة كخلاصة وافية لعملنا هذا.

المبحث الأول

نبذة عن حياة الشميّل : (1850- 1917 )

ولد في قرية "كفرشيما" هو كاتب و طبيب في آن معا، سوري الأصل، تخرج من معهد الطب التابع للكلية الإنجيلية، ثمّ تابع دراسته في الطب في باريس قبل أن يستقر في مصر، حيث مارس مهنته كطبيب، كتب مراراً وتكراراً في مجلة المقتطف وكان له العديد من الكتابات في مجلات أخرى كالطب والسياسة والاجتماع والعلم والفلسفة، كذلك كتب إلى السلطان عبد الحميد رسالة بعنوان "شكوى وأمل" يشرح وجهة نظره في ما تحتاج إليه الدولة من علم وعدل وحرية .
أثناء إقامته في باريس اتطلع على نظرية داروين النشوء و الارتقاء، تأثر بالداروينية أولاً ثم ببوخنر الذي كان طبيباً وفيلسوفاً، حاول وضع نظرية اجتماعية اشتراكية على أساس الداروينيه.
من مؤلفاته:
- " فلسفة النشوء والارتقاء" وفيه مقدمة الطبعة الأولى والثانية.
- كتاب شرح "بخنر" على مذهب "داروين".
- "رسالة المجموعة".

توطئة:
يذهب الشميّل إلى أنّ هناك ثلاث مراحل لتطوّر المعارف في الطبيعة وهي على الشكل الآتي:
1- المرحلة الدينيّة: والتي تنبع من وهم الإنسان وهذا الوهم ينمو معه، كلما ارتقى الإنسان درجة في الحضارة يرتقي به إلى ما يتوافق مع حالته ويجعله قاعدة لبحثه حتى يخال له أنّ هذا الوهم غدا حقيقة لا مفرّ منها. ولهذه المرحلة المعرفية يعزي الشميّل سبب تخلف الشرق والشعوب العربية.
2- المرحلة الفلسفية: يرى الشميّل أنّ الفلسفة كالأديان تبحث في الوجود ووجوب عمل الخير وتجنّب الشّر. ويذهب إلى حدّ التنكّر للفلسفة ."إنّ الفلسفة يقول الشميّل إن كان لا يزال لها بعض معنى اليوم، فإنها ستصبح مبتذلة في مستقبل الأيّام، فالمستقبل اليوم للعلم والعلم العملي فقط ".
3- المرحلة العلمية: وهي من أهم المراحل يشيد فيها شميّل بمكانة العلم بوصفه الطريق الأول والأخير للوصول إلى الحقيقة وهذه المرحلة ستكون موضوع دراستنا نظراً لدورها وفق وجهة نظر الشميّل في تطور الفكر البشري في العالم وخروجه من حالة العقم التي أصابته.

أولاً: الداروينية في فكر الشميّل
يبني الشميّل منظومته الفكرية على نظرية داروين التطورية، ويعد أوّل من أدخل هذه النظرية إلى الفكر الشرقي العربي، هذه الثقافة الجديدة كما يسميها ناصيف نصّار شكلت نظرة جديدة إلى الحياة والعالم والإنسان لم تعهدها الإيديولوجية الفكرية والدينية والسياسية وحتى الاجتماعية في بلدان الشرق، حيث استدعت إعادة النظر في جميع الشؤون الفكرية والسياسية والتربوية السائدة والتي قامت أساساً على الدين والفقه والأدب والعلوم اللغوية (1).
إن أهم ما كتبه الشميّل كان بعنوان "فلسفة النشوء و الارتقاء " حيث يجمع فيه خلاصة فكره التطوري وما تحمله نظرية داروين من أفكار صاغها بأسلوبه الخاص مع بعض الإضافات حيث أطلق عليه هذا العنوان إسوة بكتاب داروين الذي يحمل عنوان" النشوء و الارتقاء ".
اعتمد الشميّل على نظرية داروين ليشرح انطلاقاً من فكرة الارتقاء والتطور أو النشوء البيولوجي ما يؤدي إلى الارتقاء السوسيولوجي الاجتماعي ويقصد هنا نشوء الأمم وتطورها عبر التاريخ، فكما ينشأ الجسم الإنساني ويتطور كذلك ينشأ المجتمع ويتطور، وينتقل من حال إلى حال ليكون أفضل حال من الجسم السوسيولوجي الذي سبقه حيث يتخلص من الشوائب المحيطة فيه بعد كل مرحلة. فالنشوء هو القاعدة الأولى التي يرتكز عليها الجسد ليتخلص من الانحلال والعجز الذي يقيم فيه كما يرفض الجسم الحي الأمراض التي تحيط به ليستمر(2). وهنا يمكن القول أن الجسد لا يختلف عن الأمة و قد استعان الشميّل بمشابهة "سبنسر" بين سنن الحياة وسنن الاجتماع(3) .

أبرز أفكار الشميل الداروينيه في "النشوء و الارتقاء":
1- على صعيد الفلسفة: اتخذ الشميّل من فكرة المادية أساساً لفلسفته حيث اعتبر أن أصل الكون مادة، بالإضافة إلى فكرة النشوء أو التطور كطريق تسلكه الأشياء لتكون وتستمر.
2- على صعيد الاجتماع الإنساني: يحاول تطبيق المبادئ "النشوئية" على الظواهر الاجتماعية بغية تفسيرها أو تغيرها على أسس الطبيعة و قوانينها .
- التنازع من أجل البقاء: و هو ذو وجهين: الأول مع الآخرين لتأمين الحاجات كالغذاء والمسكن وغيره، والثاني مع الطبيعة بغية التلاؤم معها بما يخص الجانب المعنوي من الحياة.
- تكوّن التباينات: و يعني بالتباينات الاختلاف من جيل إلى جيل في اللون أو الشكل أو القوة، وإلاّ امتنعت أسباب التطور.
- انتقال التباينات بالوراثة: للوراثة الدور المهم في الحراك التاريخي الارتقائي. إذا كانت الوراثة على هذا القدر من الأهمية فإن داروين يعترف بأنّ قوانينها ما تزال إلى عهده سراً مغلقاً على العالم أن يكشف مضامينه في المستقبل.
- الانتخاب الطبيعي: حيث تنتخب الطبيعة ما يملكه الكائن الحي من صفات جيّدة وتنقلها إلى نسله (4).
3- على صعيد السياسة: يعتبر أن القوانين تستخرج من العلوم الطبيعية وليس سواها وهي في تغيير مستمر وتطور.
والجدير ذكره أنّ اعتناق الشميّل للنظرية الداروينية مكّنه من امتلاك منهج نقدي سلط من خلاله السهام على العالم الشرقي مستبدلا هذا الأخير بالعالم الغربي الأوروبي الحديث في إيديولوجيته الفكرية والدينية والسياسية القائمة على العلوم. (5)
هذه باختصار أبرز آراء الشميّل التي بناها وفق مبادئ مذهب النشوء والارتقاء والتي درس من خلالها الظواهر الاجتماعية وكيفية تشكلها وتطورها على مر التاريخ بهيكلها الطبيعي.

ثانياً: فلسفة الشميّل المادية
يعتبر الشميّل من طليعة الكتّاب في الفكر العلمي وفلسفته المادية، ونقصد بالمادية التيار الفكري المناقض للمثالية والذي يرى أصحابه أنّ أصل الكون مادة، والشميّل هو أول من نقل المذهب المادي في صورته التي كانت عليه في ألمانيا أوائل القرن التاسع عشر إلى العالم الشرقي. حيث يذهب ما يذهبه أصحاب هذا التيّار أمثال "داروين" و"بوخنر" إلى القول أن كل ما في الوجود كان في أصله مادة، ويشرح نظرته المادية للأشياء في كتاب "فلسفة النشوء والارتقاء".
يرى الشمّيل أنّ الأشياء موجودة في الكون منذ الأزل وستبقى إلى الأبد في حركة تحوّل دائمة أو ما يسميه "التطور"، أي الانتقال من حال إلى حال، وفي كل مرّة تتدرج الأشياء وتتغيّر فتأخذ شكلاً جديداً مختلف عن الشكل الذي سبقه، وهذا التطوّر إنما يعود لقوة تكمن في أصل المادة، ويستمر هذا التطور إلى ما لا نهاية دون انفصال فكل شكل يرتبط بالشكل الذي سبقه في علاقة تسلسل. و ينبثق عنه فيأخذ شكلاً آخر وفي كل مرحلة تشكّل جديدة تصبح الأشياء أكثر تعقيدا فتكثر صفاتها وتتبدّل خصائصها وتزداد أهميّة. ويصور لنا الأشياء في تدرجها ( نبات، حيوان، إنسان، معادن، الخ......) (6). حيث أن الإنسان أرقى ما يتوصل إليه التدرج من كائنات وأسمى ما ينتج عن تكوّن المادة في طريقها التسلسلي عبر الزمن، فهو قمّة التطور القادر على تسيّر كل الكائنات الأخرى وفق مصلحته الخاصة ومشيئته. (7)
وكأنّ الكون كله مسيّر لخدمته فقد عرف الإنسان منذ القدم بسيادته على باقي الكائنات، ولا يسعنا إلا أن نذكر الأهمية الكبرى التي أعطاها الشميّل للإنسان وفكره ليس كروح بل كجسد تشكلت المادة عبر السنين ليصبح بالصورة التي هو عليها.
وينطلق الشميّل في أطروحته من الطبيعة بكونها المعطى الوحيد والحقيقي في الكون الذي يساهم في تشكّل المادة وتكوّنها وتطورها حتى يصل إلى الإنسان؛ الغاية العليا لتسلسل الكائنات، ولا يقبل بأيّ علة أخرى مفارقة للمادة يعلل بها الوجود، كما يظهر في "فلسفة النشوء والارتقاء"،"أنّ الموجود في الطبيعة لا يسلّم بشيء غريب عنها، فاعل فيها أو مفعول عنها". (8)
كذلك تظهر فكرة الوحدة في فكر الشميّل بشكل جلي حيث يؤكد على أنّ البقاء في هذا الوجود للكل، باعتبار أنّ الحوادث التي تحدث في الطبيعة كلها منها وإليها، وهي لا تستقر على حال ولا تثبت على صورة، والبقاء غير متوفّر فيها إلاّ للكل.(9)
ويشرح فكرة الكل في تشبيهه، للطبيعة والمجتمع بالجسد الذي تتكامل أجزاءه، والذي يحكمه قانوني "التكافؤ" و"التكافل".
ومن هذا القانون سننطلق في دراسة أبعاد فكر الشميل النهضوية، وما يترتب عليها من نتائج اجتماعية وسياسية باعتبار أنّ الشميّل انطلق من القانون الطبيعي ليدعو إلى نهضة جديدة في العالم الشرقي خصوصاً، وترك المقدسات التي لا تمت إلى المادة بصلة حيث تبّنى القانون الطبيعي والعلم، كونه الدين الوحيد والمعطى الوحيد والوسيلة الوحيدة لحل لغز الكون وثغراته بعيداً عن كل العلوم الإنسانية الغير حقيقية والغير واقعية.

المبحث الثاني

أولاً: انحلال الجسد في الشرق

يسعى الكثير من المفكرين النهضويين العرب إلى إيجاد سبب تطور الغرب وتقدمه، مريدين بذلك مجاراته والسير في أقصر السبل للحاق بركب الحداثة والتطور. فكان شبلي الشميّل من الدعاة إلى مثل هذه النهضة.
يصور لنا الشميّل المجتمع كجسد تتكامل أعضاءه، ومن الطبيعي أنّ مدى استمرارية الحياة في هذا الجسد، تتعلق بمدى اتفاق هذه الأعضاء مع بعضها البعض. ويعزى سبب انحلاله وضعفه إلى سببين: الأوّل ضعف في الرأس، والثاني غياب ما يسميه الشميّل التكافؤ والتكافل بين أعضاءه. كذلك الجسد في الشرق "المجتمع الشرقي" إنما يعود سبب تأخره وتراجعه الفكري والثقافي والحضارة إلى ضعف الرأس الحاكم بالإضافة إلى غياب التكامل والتعاون وعدم الوحدة بين أبناءه. والخطأ في ذلك برأي الشميّل يعود إلى ترفيع المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. ويميز هنا بين الخطأ والحقيقة، فالخطأ هو مصدر كل دمار يصيب المجتمع، أمّا الحقيقة فهي الهدف والخير الأسمى ومصدر كل شيء.(1)
وبواسطة هذه الحقيقة سينهض الشرق ويتحرر من الجمود الذي حلّ بجسده وكيانه.

فمن المسؤول عن خذا الخطأ؟
1- أنظمة الحكم: فالجسد المريض يحكمه رأس فاسد. والمجتمع المتأخر تحكمه أنظمة سياسية فاسدة، تكرس أوضاع الظلم والقهر والعبودية، حيث نجد الاستبداد سيّد الحكم فيها وقانونها الحتمي والوحيد ويتخذ بذلك شكلين: السلطة على الفرد على أساس الدين والثاني فكرة الحكم الملكي التسلطي الذي يظهر بكثرة في العالم الشرقي حتى يكاد يصبح منبعه الأصلي.
2- الحاكم: فالكثير من الحكام الاستبداديين، هم حكام جاهلين أشرار فاسدون، يرهبون الناس ويحرمونهم من أدنى حقوقهم، فيميتون الحب في نفوسهم والشهامة والشجاعة ليبقوا خاضعين لهم مدى الدهر، فهم لا يملكون سوى السلطة ليسخرون كل شيء من أجل أمجادهم ومصالحهم.(2)
3- المحكوم: فهو المسؤول عن الظلم الذي يعيشه، فبجهله كان مستعبداً ومهانا، ميت النفس، منحط الهمّة والخلق، يسيطر عليه الرياء والتزلف، يؤمن بطاعة ظالميه (3). وهو لجهله مطيع، ومستعد للتضحية في سبيل ظالميه دون أي مقاومة أو محاولة رفض لواقعه الأليم.
4- الفلسفة: بالنسبة للشميّل إن الفلسفة وراء الواقع السياسي المتردي في المجتمعات الإنسانية. حيث تدرس في الجامعات والمدارس فيتربى الناشئة عليها، حتى رسخت على أساساتها علومنا وأنظمتنا الاجتماعية والسياسية.(4)
ومن البديهي أن تتأثر الحالة الاجتماعية بهذه الأوضاع السياسية السيئة و تنحط عقول أفراده و يطعن الإنسان في كرامته وحريته، ثم يصاب بحالة التقهقر والجمود. و يصنف الشميّل الفلسفة من بين العلوم الزائفة، وعندما نستنبط منها الشرائع تكون هذه الأخيرة زائفة أيضاً و غير طبيعية وغير حقيقة، وتؤدي إلى أنظمة حكم زائفة. فكل ما يناقض العلوم الطبيعية هو حكم غير طبيعي وغير صحيح.(5)
5- الدين: يعتقد الشميّل أنّ الدين يضع الطبيعة والكائنات في قبضة قوة إلهية أبدعت الكون وأجرت في حركته ونظامه مشيئتها وهذا ما يصادر جزء كبير من الحرية الإنسانية بالإضافة إلى أنّ الدين هو المسؤول عن الأنظمة الثيوقراطية حيث يستغلونه الحكام لخدمة مصالحهم وهي المسؤولة عن كل ما لحق الاجتماع البشري من تقهقر واستبداد. وكذلك النظرة المتخلّفة للدين عند المؤمنين المتعصبين تخلق أحقاد تعطل فكر المجتمع وتحول دون تطوره. والدور الكبير في ذلك لرؤساء ورجال الدين الذين يجدون مصالحهم في خضم هذا التعصب الأعمى .الذي يؤدي فيما بعد إلى تعصب فكري يمنع المجتمع من الإتطلاع على كل ما هو مناقض لفكره الميتافيزيقي ويقصد العلوم الطبيعية كونها شعلة الأمل الوحيدة في طريقنا إلى التقدم والنهضة والتطور الطبيعي الذي يحكم الكون.
ما هي أقصر السبل المؤدية إلى الحقيقة الشميلية؟ وكيف نتجنب الخطأ بعد معرفة أسبابه؟

ثانياً: التعاون ناموس المجتمع الأعلى
"كما أن الجسد يكون صالحاً للبقاء عندما تعمل كل أجزاءه بتعاون هكذا يقوم المجتمع بعمله على أحسن وجه عندما تعمل أجزاؤه معاً في سبيل خير المجتمع، فالتعاون ناموس المجتمع الأعلى".(6)
هذا ما قاله الشميّل مؤكداً على أهمية الحفاظ على بقاء الجسد وكذلك المجتمع، فعندما يتعاون أبناء المجتمع الواحد يمكن للأمة أن تنهض، فبالتعاون قوة و قد جعله الشميّل قانون المجتمع الأعلى، حيث تتمكن الرعية بقوّته هذه من التخلص من الحكم الاستبدادي، وسيطرة الحكام عليهم لضعفهم وعدم جرأتهم على مقاومتهم. وإرادة التغيير هذه لا تكون عامة إلاّ إذا صاحبتها وحدة اجتماعية، تنبع عن الرغبة في التحرر والتطور، والمحبة الحتمية بين الأفراد، وهذه المحبة لا ترتقي إلا بالتجارب والثقافة العلمية الصحيحة، و هذا لا يحصل إلاّ إذا تزود الذهن بالمعارف ليحصل على حريته الفكرية ثم الإنسانية. و التي تعد من أهم الحقوق التي تنادي بها المجتمعات الحديثة منها حرية المعتقد. "حرية القلم"؛ حق الإنسان في التعبير بحرية، وهي تساعد على نقل الأفكار من حيز الذهن إلى حيّز الوجود المحسوس. والاعتداء عليه هو اعتداء على الإنسان، على عضو من أعضاءه. لذا يؤكد الشميّل على أهمية التعاون بين أبناء الشعب الواحد نظراً لأهميته على صعيد الفرد بحد ذاته والمجتمع بشكل عام. فالوحدة قانون الوجود الطبيعي وكل الأشياء تتعاون فيما بينها في وحدة.

أهمية التعاون: بين الحكم والمحكوم
بدايةً يجب أن يبنى التعاون بين الحاكم والمحكوم على قاعدة الوعي بعدم التناقض بين المصلحة الخاصة ومصلحة المجتمع الواحد، وعندما نتحرى عن حقيقة النظام الطبيعي في المجتمع يتضح لنا بنظره هو النظام الجمهوري الاشتراكي، أي انه نظام المواطنين جميعاً ليس الفرد أو الطبقة، و الذي يقوم على ثلاثة مبادئ:
- حكم الشعب أو الأغلبية.
- العدالة المساوية بين الجميع في الحقوق والواجبات.
- الحرية الفردية و الكرامة الإنسانية.
هذا هو النظام المستقبلي الذي يمثل أقصى ما يمكن للطاقة البشرية إدراكه بالفعل(7).
فالشميّل يؤمن بحرية الرأي و التعبير عن إرادة الشعب الذي يعتبر مصدر السلطات وهدفها الأخير، ويؤيد الحكم الديمقراطي كأفضل حكم يعبر عن إرادة المحكومين من خلال قانون الانتخاب الذي ينص عليه. وهو يرفض بشدة التفرد بالحكم والاستبداد بالرأي كما هو الحال في أكثرية المجتمعات الشرقية ليؤكد على أهمية التعاون بين أبناء المجتمع الواحد حيث يخضعون للقانون والقانون الطبيعي وحده، الذي يجب أن يصبح من وجهة نظره قانون المجتمعات جميعها. و كما أنّ كل ما في الوجود في حالة تتطور دائمة، كذلك القوانين لا يجب أن تبقى ثابتة بل يجب أن تخضع للتغيير وفق ما تقتضيه مصلحة الأمّة.(8) فنجاحها مرتبط بمقدار ما تخدم المصلحة العامة والخير العام، وتعبّر عن إرادة الشعوب. حيث تتكسّر قيود العقل وتفتح آفاق التطور والانطلاق في ركب المدنية، عندها سيصبح العلم دين العالم الأوحد. والقانون الطبيعي هو القانون الحقيقي والحتمي لتطور المجتمعات واستمرار مسيرة الحياة الطبيعية والموجودة منذ الأزل.

ثالثاً: حتمية الارتقاء، ثورة لنهضة جديدة.
جرت العادة في كل حكم استبدادي، أن يسيطر عضو من أعضاء المجتمع على الآخرين متجاهلاً الإرادة العاقلة في الاجتماع البشري، فيحكم وفق قوانينه الخاصة والآخرين ينصاعون لأوامره بسبب جهلهم بالعلوم الطبيعية التي تشكّل لديهم وعي لحقوقهم وواجباتهم، والأفضل لمجتمعهم، فيسيطر عليهم مستغلاً بذلك غياب التعاون وضعف الإرادة في المجتمع الإنساني، الأمر الذي يعبّر عن جهل الأفراد وعدم اتطلاعهم على الحقائق العلمية، التي ترسي مبادئ المحبة ثمّ التعاون، فتنمّي الإرادة العاقلة عند الشعوب والتي تعتبر هدف مرجو ووسيلة للتعبير والإصلاح والنهوض، وبلوغ السعادة القصوى للإنسان وهي أمر لا يكون إلاّ في ظل مجتمع كامل يتحقق به التعاون الكلي بين الناس بغية التطور والنهوض. والغاية القصوى من التدرج في المجتمعات هي الاتحاد بين الأوطان .
لكن كيف نحصل على هذه الغاية النهضوية ؟
عبر الارتقاء، أي التبدّلات المتلاحقة بين الأشياء حيث يؤذن سابقها بلاحقها في سير تصاعدي يتجه نحو الكمال(9). ومن صور الارتقاء في الاجتماع البشري؛ الانتخاب, فكما تنتخب الطبيعة أشكال الكائنات وتغيرها، كذلك الفرد في المجتمع، يرتقي الأفراد و الجماعات عن طريق الانتخاب في علومهم وقوانينهم وشرائعهم وحتى أنظمة حكوماتهم .(10) "أعظم وسائط الارتقاء بالنشوء، إنّما هو الاتفاق الّذي لا يقرّر شيئاً إلاّ تدريجيّا، بعد أن يتم التراضي عليه "(11) .
إذن يأخذ الإرتقاء في نظرية الشميّل شكله التدريجي فتنتقل من حال إلى حال ومن شكل إلى شكل وتسير بخط تقدمي نحو الأفضل، ففي كل مرحلة من مراحل التدرج أو الارتقاء، تكتسب الأشياء صفات جديدة مغايرة للتي سبقتها لكنها أفضل منها وأرقى. وهذا التدرّج والارتقاء يكون متصاحباً مع تطور العلوم الطبيعيّة التي من شأنها أن تدفع بعجلة الارتقاء في خط سريع، وهذا ما يميّز المجتمعات الأوروبية عن المجتمعات الشرقية التي تسير ببطء المتخفي الخائف من التغيير. ولا يخفي الشميّل حتميّة الارتقاء في قوله:" إنّ التحوّل آت لا ريب فيه وأنّ الارتقاء ضرورة حتميّة. "(12) لذا فالنهضة لا تحصل عبر الثورة بل بالتدرج، في خط تقدمي إمّا أن تبطئ خطاه أو تسرع. وما يحول دون تقدمها بعض الصفات التي تستفحل في النفوس، كالأنانيّة والجهل، وقلة الشهامة والجرأة، وغياب الإرادة وحبّ التعاون، والتعصّب الديني والاجتماعي، هذا على الصعيد الفردي أمّا بالنسبة للأنظمة، فالاستبداد في الحكم والسلطة الدينية والشرائع الزائفة التي تنبع من العلوم الإنسانية الزائفة، وإهمال العلوم الطبيعية، وبالتالي الفوضى.
أمّا العوامل التي تساهم في تسريع عجلة التقدم والتطوّر،هي التربية والتعليم أو الثقافة التي يكتسبها الفرد من المجتمع والأسرة والمدرسة، والتي تنطلق من العلوم الطبيعية حيث تؤثّر بدورها في أعمال الفرد واختياراته وقراراته فيبني بموجبها شخصيته وإرادته ومعارفه. ومع كل خطوة يخطوها الفرد إلى الأمام يقترب الاجتماع البشري من هدفه، ومع كل خطوة تتكسّر القيود (الدينية، والاجتماعية و السياسية، وحتّى الثقافية)، التي تحول دون تطور العقل البشري والإرادة العاقلة التي تسعى إلى وطن واحد ودين واحد؛ وطن الاشتراكيّة ودين العلم.
أمّا إذا اصطدمت الإرادة الإنسانية بعوائق الأنظمة الفاسدة والاستبدادية، واستفحل الخطر على الشعوب واستعبد الإنسان وسيطرت المصالح وسفكت الدماء، عندها لا بدّ من الإصلاح. وهنا يميّز الشميّل بين نمطين الإصلاح: النمط السِّلمي، النمط الثوروي. أمّا السِّلمي؛ هو النمط الطبيعي الذي تسير عليه الطبيعة في تحسين كائناتها وهو أسلوب من أساليب التوعية والنضال لتغليب مبادئ الفكر العلمي على ما زرعته الشرائع الفاسدة في أذهان الناس. وهذا النمط يفضي إلى تغيير تدريجي في المجتمع البشري وهو يتطلب إرادة قوية وقد لا يكون ممكننا غالباً بسبب ترسخ المبادئ والشرائع.. ويظهر الشميّل تفضيله لهذا النمط من الثورة. أمّا النمط الثاني، النمط الثوروي يمثّل عند الشميّل خروجاً عن القاعدة الأساسية في الإصلاح، و هذا النمط في الإصلاح قد يؤدي إلى أخطار جسيمة في الظروف الطبيعية تهدد المجتمع البشري في وجوده. لكنه ليس مضراً دائما بل يصبح في بعض الظروف حاجة ماسّة، حيث تكون تعبير صريح عن إرادة الشعب، يقفز فيها التقدّم قفزات سريعة واسعة . (13)
فالارتقاء هو النمط الطبيعي في الإصلاح وأيّ نمط آخر يعدّ غير طبيعي وخروج عن القاعدة الأساسية للإصلاح وهي النضال السلمي. الذي يستهدف العقول والمعتقدات البالية ليحل مكانها العلوم الطبيعية والشرائع الطبيعية.

المبحث الثالث

أوّلاً: علمانيّة الشميّل
لقد عرف الشميّل في جرأته في طرح فكره المادي وتأييده للداروينية رغم الرفض الذي لاقاه من المجتمع الشرقي، الأمر الذي دفع البعض إلى القول بعلمانيته. فالشميّل ينظر إلى الدين كظاهرة اجتماعية شأنها شأن الظواهر الأخرى حيث ينطبق عليها مبادئ النشوء والارتقاء، ويعلن رفضه للممارسات الدينية في المجتمعات التي تحدّ من الحريّات ويعتبرها سبب من بين الأسباب التي تحول دون تقدّم المجتمعات وتطورها. بالإضافة إلى أنها تميت الحراك العقلي وتقتله فيمسي جامداً لا حياة فيه غير قادر على تخطي لحظات الجهل والفشل والانحطاط التي تصيبه.

من أبرز الأفكار التي تدلّ على علمانية الشميّل:
1- الاشتراكية: والاشتراكية بالنسبة للشميّل هي تطبيق للقانونين اللذين يسير عليهما المجتمع، التكافؤ والتكافل. وهي تعمل على تطبيق قوانين الطبيعة في المجتمع، وهي دعامة للقيم الأخلاقية فيه لما توفره من عدل ومساواة بين الأفراد عبر الاشتراك في العمل والمنفعة على نسبة هذا العمل. فالاشتراكية تؤمن حاجات المجتمع الأساسيّة من مأكل ومشرب وكساء وفق عدد السكان مما يخلق جو من الاستقرار الاجتماعي. فهي الحل الأمثل لمسألة الظلم اللاحق بالإنسان لما توفره من فرص عمل تراعي المقدرة والكفاءة والتي نؤدي إلى إنقاذ الإنسان من استعباد المال والأفراد و ضمانة حقوقهم المغتصبة.(1)
2- فصل الدين عن الدولة: يرى الشميّل في النظام الجمهوري الحكم الأمثل في المستقبل فهو يقوم على مبادئ الديمقراطيّة والحريّة الفردية والمساواة والعدالة؟ و يعلن رفضه الشديد للحكم الملكي الجائر، الذي يستمدّ قوته من السلطة الدينيّة الداعمة والمشجعة له. و في نظره أنّه مع النظام الجمهوري سيكون مصير الشعور الديني إلى الزوال لأنه ينشأ عن خوف الإنسان وضعفه أمام سلطة الدين العمياء لذا نجد الشميّل يدعو دعوة صريحة لفصل الدين عن الدولة.
3- العلم هو الدين الحقيقي: من الأسباب التي تدفع بالإنسان إلى الإيمان بقوة خارقة للطبيعة محركة لها هو الخوف من المجهول، وجهله لما تكشفه العلوم من حقائق في الكون، ومع العلم سيتمكن الإنسان من ترك الإيمان في كل ما هو غير طبيعي وغير واقعي، وتتأكّد لديه فكرة تسلسل الكائنات ونسبتها بعضها إلى بعض، ويدرك ما خلفته العصبيّات الدينية من أخطار هددت مسيرة التقدّم.(2) فيحل دين العلم في مكان الديانات القديمة، فالعلم أساس التطور في المجتمع لذا يجب أن نؤمن به ولا ندين بدين غيره.
4- تعارض الدين مع الحريّة الإنسانية: حيث أنّ الدين يؤدّي دور المقييد لحريّة الإنسان الفكريّة مما يسبب له الشقاء، يقول الشميّل: "ولو لم يكن في الديانات سوى تقييد حريّة الفكر لكفى أن تكون علّة شقاء الإنسان".(3) فالدين يخلق للإنسان فكرة الأرواح فيجد نفسه محاطاً بها تراه و لا يراها فكيف له أن يعمل بحريّة، و هو يسعى إلى التقرّب منها ونيل رضاها.(4)
إذن فالشميّل يدعو إلى تحرير العقل من السلطة الدينية لما يراه في هذه الحرّية من فوائد فردية وجماعيّة مؤكدة .

ثانياً: مغالطات نظرية التطوّر الشميليّة.
يذهب الشميّل في إسقاط مفهوم النشوء والارتقاء إلى أبعد الحدود على نظريته في الكون والمجتمع. ممّا دفعه إلى الوقوع بالمغالطات والتناقضات في بعض من جوانب فلسفته .
ويمكننا تلخيص هذه المغالطات في :
1- يجعل من التعاون قانون المجتمع الأعلى وينفي وجود الفرد لذاته بل يجعل وجوده مقترن بوجود الأفراد.
2- القول بقانون التكافؤ والتكافل يترتب عليه نتيجة وفحواها أنّ الاجتماع بين الأفراد حاصل بالجبر لا بالاختيار.
3- يرى الشميّل أنّ المادة أصل الأشياء وتتكوّن عبر التطور والانتقال من حال إلى حال (معادن، نبات، حيوان، إنسان) وهو بذلك يلغي وجود الروح في الكون ويجعل المادة السبب والنتيجة لوجود الأشياء. ومن المعروف أنّ الإنسان كغيره من الكائنات مكوّن من جسد وروح. فكيف للمادة أن تكون ماهية وجود الروح وهذا تناقض.
4- يدعو الفرد إلى رفض السلطة الدينية والتحرر منها لأنها تحدّ من حرّيته ثم يعود فيخضعه لسلطة أخرى وهي سلطة الطبيعة وقوانينها. (التكافؤ والتكافل، الانتخاب، الارتقاء، ...).
5- يدعو إلى الحريّة ثمّ يعلن رفضه للعلوم الإنسانية وكل ما ينتج عنها من شرائع ويحولها إلى علوم زائفة، فيرفض كل ما ينتجه الإنسان من أدب، وفلسفة، وفن يعبّر عن فكره وأحاسيسه ويقضي على المنفذ الوحيد الذي يعبّر فيه الإنسان عن إنسانيته.

الخاتمة:

لقد بنى الشميّل كل أفكاره ذات الطابع الشمولي على نظرية داروين في تكوّن الأشياء، معلناً أهمية العلم في السير على طريق النهضة. داعياً للثورة المتخفيّة تحت شعار التطوّر الحتمي. وعلى الرغم من التناقض الذي اتسمت فيه فلسفته إلاّ أننا لا نستطيع تجاوز أهميّة الدور الذي يلعبه الشميّل في تبنّي نظرية داروين واتخاذها منهجاً أساسياً في دراسة قضايا الواقع من الاجتماع إلى السياسة متجاوزاً بذلك الواقع البيولوجي.
وبعد أن قمنا بدراسة نظرية الشميّل هذه وجدنا أنفسنا أمام أفكار وآراء متناثرة هنا وهناك، جاءت كنتيجة مشابهة بين المجتمع والجسم الحي دون سواه. مما يجعلنا مضطرين للتسليم بها لنتمكّن من فهم أفكار الشميّل في المجتمع والسياسة والاقتصاد وكذلك الدين، الذي يتنكّر له معلناً بذلك رفضه لقمع الحريّات الذي يعد السبب الأوّل فيه وكونه العائق الأكبر أمام النهضة التي يدعو إليها والتي تعتبر ثمرة فكره المادي الذي يتجلى في نظريّة النشوء والارتقاء، فيستبدل هذا الأخير بالعلم كونه الدين الوحيد الذي يتمكن الإنسان من خلاله حل معضلة الوجود وتخطي الخوف الناتج عن جهل الإنسان للقوى الخارقة في الطبيعة. ويطبق الشميّل كل مبادئ القانون الطبيعي على الاجتماع البشري، و يؤكّد على الوحدة التي تنبثق مما يسميه "الشوق الأعمى الحاصل في المثل إلى مثله". فوحدة الوجود كما وحدة المجتمع تنبع من المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع التجلي الأوّل لهذه الوحدة الطبيعيّة، وما لها من أهمية كبرى في انتشال المجتمع البشري من حالة الركود التي قد يعاني منها بسبب غياب هذا القانون. هذا على الصعيد الإجتماعي أمّا على صعيد السياسة فالاشتراكية كذلك هي احدى تجليات هذه الوحدة.
لم تكن أفكار الشميّل سوى نظرية قام من خلالها بشرح أفكار داروين المتخفية بين سطور كتاباته، فإذا نظرت إلى أفكار الشميّل لا ترى منها سوى داروينيته، وإن قرأت داروين لا يسعك إلاّ أن تتذكر الشميّل "داروين العربي".
إلا أنّ موقفاً كهذا يحملنا إلى التساؤل: هل يصلح تطبيق النظرة البيولوجية للأشياء على واقع الشميّل الاجتماعي؟ وإلى أيّ مدى يمكن لمبدأ التطوّر والإرتقاء الشميلي أن يساهم في إصلاح الأوضاع المتأزّمة في الدول العربية؟

قائمة المصادر والمراجع

المبحث الأول

(1) الشميّل ، شبلي، النشوء والارتقاء، المقتطف، القاهرة، 1910، الديباجة، ص "د" .
(2) انظر، الشميّل، شبلي، المجموعة، الجزء الثاني، دار نظير عبود، طبعة جديدة، بيروت،1991، ص 40 .
(3) المرجع نفسه، ص 35 – 36.
(4) انظر، المسلماني، محمود، الفلسفة النشوئية وأبعادها الاجتماعية، قراءة في تجربة شبلي الشميّل الفلسفية،الطبعة الأولى، دار نظير عبود، بيروت، 2003، ص 26 – 27 – 28 – 29.
(5) انظر، نصّار، ناصيف، نحو مجتمع جديد، دار الطليعة، بيروت، 1955، ص40 – 41.
(6) انظر، الشميّل، شبلي، فلسفة النشوء والارتقاء، طبعة جديدة، دار مارون عبّود، بيروت، 1983، ص 25 .
(7) انظر، المرجع نفسه، ص 41.
(8) الشميّل، شبلي،فلسفة النشوء والارتقاء، ص 31 .
(9) انظر، المرجع نفسه، ص 31 .

المبحث الثاني

(1) الحافظ، مجدي،" التطورية عند الشميّل"، مجلة الفكر العربي، معهد الإنماء العربي، بيروت، العدد 63، 1991، ص 7.
(2) الشميّل، شبلي، فلسفة النشوء والارتقاء، ص 36 – 37 – 51 – 199 – 319.
(3) المرجع نفسه، ص 51 – 25 .
(4) المرجع نفسه، ص 397 .
(5) المرجع نفسه، ص 10 .
(6) الجابري، محمد عابد، إشكالية الفكر العربي المعاصر.
(7) شميّل، شبلي، مباحث علمية واجتماعية، طبعة جديدة، بيروت، دار نظير عبود، 1991، ص 29 .
(8) الشميّل، شبلي، فلسفة النشوء والإرتقاء، ص 57 – 40 .
(9) جميل صليبا، معجم اللغة العربية، المعجم الفلسفي، مادة تطور.
(10) الشميّل، شبلي، فلسفة النشوء والارتقاء، ص 190- 195 .
(11) المرجع نفسه، ص 41 .
(12) المرجع نفسه، ص 401 .
(13) المرجع نفسه، ص 41- 42 .

الفصل الثالث

(1) انظر، الشميّل شبلي، المجموعة، الجزء الثاني، دار نظير عبّود، طبعة جديدة، بيروت، 1991، ص 153- 184 .
(2) الشميّل، شبلي، فلسفة النشوء و الإرتقاء، ص 404.
(3) الشميّل، شبلي، المجموعة، الجزء الأوّل، ص 53.
(4) المرجع نفسه، ص 52 .



#جوزف_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثر الدين في تقدم الحضارة من الناحية البسيكولوجية
- اسبينوزا
- الحرية في فكر زكي نجيب محمود
- مدخل إلى الأناركية
- مقتطفات من بيان المجتمع الصناعي ومستقبله: ثيودور كازنسكي
- الأناركية والسينديكالية: أريكو مالاتيستا
- ما هي السلطة؟ ميخائيل باكونين


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جوزف أيوب - إشكالية النهضة في فكر شبلي الشميّل