أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - الاستبداد في مواجهة الثورة السورية















المزيد.....

الاستبداد في مواجهة الثورة السورية


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 4040 - 2013 / 3 / 23 - 09:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية هو ثورة على الاستبداد السياسي الذي كان منتشراً في عقود مضت، وإذا كان الإبداع الثوري الذي أظهره ربيع الثورات العربية مازالت تجلياته في تصاعد، فإنّ رياح التغيير تعصف في الأقطار العربية كلها، بحيث يمكن أن نقول: إننا دخلنا الموجة الرابعة من موجات التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي سورية، في بداية السنة الثالثة للثورة السورية، وبعد سيل التضحيات التي قدمها أبناء الشعب السوري وبناته، فإنّ الثورة كغيرها من ثورات الشعوب العربية جاءت من وعي تشكّل في مكان عميق من العقل والوجدان الشعبيين، وهو مكان لم يعد قادراً على تحمّل أو فهم دواعي استمرار الاستبداد المستفحل منذ أربعة عقود.
فعلى امتداد 43 عاماً هيمن نمط من الأجهزة الأمنية الأخطبوطية، التي يبلغ عددها سبعة عشر جهازاً، على مجمل نواحي الحياة السورية، بحيث تم ابتلاع كل المظاهر الأولية لوجود المجتمع المدني السوري. فقد اعتادت السلطة على مصادرة المجتمع وإخضاعه كلياً، وأقامت في سبيل ذلك منظماتها الشعبية كامتداد لسلطتها، بحيث لم يعد من الممكن الحديث عن دولة ومجتمع بالمعنى الحديث. ومرد كل ذلك هو النظام السلطوي الذي حكم البلاد والعباد، والذي تميز بالتماهي بين الدولة والسلطة والمجتمع والحزب، واندمجت كلها في شخصية الحاكم المستبد، بعيداً عن أية مؤسسات رقابية حقيقية، بل بوجود مراتبية تلعب فيها الأجهزة الأمنية الدور الأهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تقرّب أهل الولاء وتنفّر أهل الكفاءة.
إنّ نظام الاستبداد الذي نصبّ من نفسه وصياً على مصالح الوطن السوري تمكّن من سحق وتفتيت بذور الحرية والتعددية السياسية، بدعوى أنها تهدد أمن المجتمع وتضعفه في مواجهة الهجمة الإمبريالية. والمؤلم أنّ سلطة الاستبداد لم تراكم سوى المحن، ولم تنتج سوى الأزمات، بما فيها العزلة الدولية والعربية، مما قاد إلى انسداد كل أفق ممكن لإيجاد حلول ومعالجات ناجعة للأزمات الناشئة في المجتمع السوري.
إنّ الطبعة الوحيدة من الوطنية التي يُطلب من جميع السوريين إعلان ولائهم لها وانتمائهم إليها، والالتحام عبرها بالرئيس والنظام والحزب، بصرف النظر عن موقعهم ومصالحهم وحقوقهم ومستقبلهم، لا تبدو الوطنية فيها مرتبطة بحقوق وواجبات ومصالح ومسؤوليات والتزامات تخص الجميع وكل مواطن، وتحتمل النقاش والتطوير والتجديد والتحسين، وإنما سقفاً تفرضه مقتضيات أمن النظام، ويتجسد عبر تعزيز القيود والحدود التي تؤمّن وحدها الوحدة والالتحام والانتظام.
وهكذا، في ظل احتكام سلطة الاستبداد إلى الخيار الأمني، كما وجدناه منذ انطلاق الثورة السورية في 15 آذار 2011، وغياب أي أفق حقيقي لإجراء إصلاحات عميقة، وصل الشعب السوري إلى قناعة مفادها أنّ انتهاء ثورته من دون الحصول على نتائج سياسية حقيقية، تنطوي على تفكيك النظام الأمني والتوجه نحو نظام سياسي معاصر قوامه عقد اجتماعي وسياسي جديد يقوم على تعددية سياسية حقيقية ومؤسسات تؤمّن الكرامة والحرية للمواطن السوري، سيؤدي إلى الانتقال لمرحلة أسوأ مما كانت عليه الأمور قبل بداية الثورة.
إنّ الثورة السورية تتصاعد وهي تشطب كل يوم أساطير شاعت عن المؤامرة الخارجية، وعن الجهات الداخلية التي كادت تبدو كأنها ميليشيات علنية مسلحة، أو خلايا سرية نائمة استفاقت فجأة لحظة اندلاع الحراك الشعبي. ويبحث نشطاؤها عن أفضل السبل لتفكيك " مملكة الخوف " وإعادة بناء جمهورية المواطنة، والانتقال بسورية إلى دولة مدنية ديمقراطية لكل أبنائها.
إنّ عناد الديكتاتور السوري ووحشيته جعلا من الثورة السورية مدرسة في البطولة والتحدي، ففي مدن سورية وبلداتها وأريافها فرض النظام المتغول أشكالاً نضالية متنوعة، بدأت بالمظاهرات السلمية واتخذت أشكالا عسكرية متعددة للدفاع عن المدنيين العزل.
إنّ أغلب المشكلات التي تواجه سورية في المجال الداخلي هي من ثمار النهج الذي اتبعه الحزب الحاكم خلال وجوده في السلطة منذ العام 1963 في إقامة نظام استبدادي استئصالي، حين حوّل سورية إلى دولة فئوية تقودها نخبة من أصحاب الامتيازات الذين يرفضون المساواة بين السوريين. كما أنّ مجتمع الحزب الواحد أشاع حالة من السلبية والعزوف عن الانخراط في الشأن العام، إذ غابت لدى غالبية الأفراد والجماعات المبادرة الذاتية والتفكير المستقل، وحصلت حالة من القطيعة بين أغلبية أفراد المجتمع والنخبة السياسية، بعدما بطشت السلطة بقوى المعارضة وأماتت أي تعبير أو مؤشر على حياة سياسية طبيعية.
إنّ التغيير الشامل في سورية، بعد سنتين من الحراك الشعبي المتواصل الذي تتسع قاعدته الاجتماعية، وبعد عشرات آلاف الشهداء والجرحى ومئات آلاف اللاجئين إلى دول الجوار وملايين النازحين داخلياً، أصبح مهمة إنقاذية لا تقبل التردد ولا التأجيل، وأية محاولة إلى إفراغه من محتواه الحقيقي، أو محاولة تقزيمه إلى إصلاح جزئي، أو تغيير أشخاص بآخرين، أو تلميع صور عتيقة، لن تفعل إلا أن تفاقم في سوء الأوضاع، وتضع سورية على حافة المجهول. وبالتالي فإنّ تعثر تلبية مطالب التغيير هو مجازفة خطيرة بمستقبل الدولة والمجتمع في سورية. فالحاجة ملحة إلى إعادة بناء السلطة على أسس جديدة تعطي الدولة طابعاً آخر يوحد المطامح الوطنية العامة، ويؤسس لفاعلية جديدة تستوعب مكوّنات المجتمع كافة.
إنّ نجاح أي مشروع للتغيير في سورية مقدماته الضرورية تقوم على الانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي، بما ينطوي عليه ذلك الانتقال من إلغاء كل القيود على الحريات الديمقراطية، وعلى الدعوة إلى استقلال القضاء وسيادة القانون، بما يضمن قيام دولة حق وقانون عادلة وقوية، دولة المواطنين الأحرار. من خلال صياغة معادلة جديدة في الحياة الداخلية تأخذ بعين الاعتبار تعاظم التحديات، في ظل علاقة بين السلطة والمجتمع قائمة على القناعة والثقة والتفاعل الحر، علاقة مقننة في إطار عقد اجتماعي جديد يوفر الشفافية والمؤسسية والقانون، هي وحدها الكفيلة بوضع سورية على أولى درجات الإصلاح والتغيير المنشودين، وإلا فإننا أمام حالة إعادة إنتاج الماضي بكل مآسيه.
ولن ينعم المجتمع السوري بلحمة وطنية صحية إلا في حال البدء بتحرير السياسة من السيطرة الشمولية للسلطة، من الوصاية والنمطية، ومن سيادة الرأي الواحد والصوت الواحد والحزب الواحد، بما يعني الاستعداد لخطوات جريئة، على صعيد حقوق المواطنة والعدالة وسيادة القانون، والقبول بالتعددية والاختلاف كمقدمة لا غنى عنها لصياغة عقد اجتماعي متوازن يوفق بين نزاعات بشر تتباين همومهم ومصالحهم، ويضمن للجميع حقوقهم على قدم المساواة في المشاركة السياسية وإدارة الشؤون العامة.
ويبدو أنّ رفض الاتعاظ من مصائر المستبدين السابقين هو لعنة مسلطة على رؤوس الأنظمة المستبدة التي لا تنتهي إلا وفق سيناريوهات تراجيدية ومأساوية كان يمكن تجنبها بكل تكاليفها وتداعياتها مبكراً فيما لو اتعظ الطغاة، ولكن هيهات أن يفعلوا. فالنظام السوري، وهو يمعن في قتل الأبرياء ويحاول تخليد وحماية عرش سلطوي انتهت أيامه ودالت دولته، لا يقرأ التاريخ ولا يحسب حساب المتغيّرات، وهو بالتالي لا يقيم وزناً ولا احتراماً لدماء الشعب الذي يحكمه ولا حرمة لأرواحه وهو يبحث عن انتصار تاريخي مزيف على شعبه، وذلك معناه نهايته الحتمية التي لن تختلف عن نهايات الطغاة عبر التاريخ.
وبذلك فإنّ الثورة السورية تتجاوز ساحتها الأصلية لتتحول إلى الأداة الأهم في تغيير المشرق العربي ورسم صورته لعقود طويلة مقبلة، وربما هذا بالذات ما يجعلها على تلك الدرجة من الصعوبة وما يزيد من الآمال المعلقة عليها.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أي آفاق للثورة السورية ؟
- سورية مقبلة على التغيير .. ما مضمونه ؟
- جردة حساب للثورة السورية وآفاقها
- توصيف أولي لسلطة آل الأسد وتفاعلاتها
- خيار سلطة آل الأسد أم خيار الشعب السوري ؟
- سلطة آل الأسد تهرب إلى الأمام
- جذور الاتحاد المغاربي ومعوقاته وآفاقه
- هل تعيد الحالة الإسلامية تعريف دورها في مصر ؟
- ضوء على كونية وشمولية حقوق الإنسان
- رجال دولة أم عصابة سلطة في سورية ؟
- بشأن إشكالية العلاقة بين الدين والدولة
- ارتباك أداء قيادة المجلس حتّم إعادة هيكلته
- الأخضر الإبراهيمي أمام الامتحان الأصعب
- أية عدالة انتقالية بعد التغيير في سورية ؟
- عندما يحاول عنان - قضم - الثورة السورية
- إشكالية الدولة السورية وأهم أسئلتها
- هل ستدفع روسيا ثمن خطأ خيارها في سورية ؟
- نحو ثقافة سياسية متجددة في سورية
- سلطة آل الأسد أفشلت خطة عنان
- الرهان على الوطنية السورية الجامعة


المزيد.....




- منها مدينة عربية.. أي المدن يقصدها المزيد من أصحاب الملايين؟ ...
- طائرات تهبط فوق رؤوس المصطافين على شاطئ -ماهو- الكاريبي.. شا ...
- حصريًا لـCNN.. الصفدي: نتنياهو يتجاهل حتى داعمه الأول.. وموا ...
- إسرائيل تعلن إعادة فتح معبر كرم أبو سالم لدخول المساعدات الإ ...
- ملف المعارين يؤرق برشلونة.. فكيف سيديره؟
- الخارجية الروسية تحذر: القوات الفرنسية في حال تواجدها في أوك ...
- عبداللهيان: يمكن التوصل لاتفاق هدنة لكن نتنياهو يسعى لإطالة ...
- الأسد يهنئ بوتين بتنصيبه رئيسا
- وفاة -سيد العمليات الدعائية- في كوريا الشمالية
- سفير الاتحاد الأوروبي في مولدوفا: شعرت وكأنني -سارق العيد-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - الاستبداد في مواجهة الثورة السورية