أحمد يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4034 - 2013 / 3 / 17 - 01:26
المحور:
القضية الكردية
إنّها لمِبذَلةٌ ما بعدها مِبذَلة أن تظنَّ العِضاهُ وما يدور في فلكها من حشائش ومُتسلّقات بأنّها قادرة على النّخرِ في جسدِ البُطمِ والزيتون.
مازالت ذاكرة الشعب الكردستاني تحتفظ بصور جحوش صدّام الذين كان لهم الدّور الأكبر في أنفَلة الكُرد في جنوبي كردستان, ذاكرةٌ ذاخرة بالألم والمرارة من جرائم أفواج الفرسان من الكُرد الصدّاميّين الذّين عملوا كقوّادين لجحافل الجيش العراقي صوب معاقل البيشمركة في جبال كردستان العصيّة, مستغلّين معرفتهم بشِعابها والتواءاتها ومغاورها. أطلقوا على أنفسهم كلمة الفرسان وما هم إلّا جحوشٌ عُجرٌ تمتَهِن الخيانة والعمالة, كعجيرٍ يستعيرُ تيساً لقرينته بل ويدفع له أيضاً.
واليوم يُدَوّن تاريخٌ آخر من العمالة في غربي كردستان وسوريا, يحمل لواءه من أطلقوا على أنفسهم اسم صقور آزادي على غرار فرسان صدّام في جنوبنا المحرّر, صقورٌ يقودهم من وصف انتفاضة غربي كردستان عام 2004 بإنّها " مجرّد هبّةٍ شعبيّة قام بها غوغائيّون وأجّجتها بعض الأطراف ونحن عملنا على تهدئتها " - وهذا الكلام موثّق- هؤلاء الصقور يتبنّاهم من ثمِل على أرواح شهداء نوروز محافظة الرقّة عام 2008 في جلسة سُكرٍ وسمر- والفيديو موثّق أيضاً-
اسمهم صقور آزادي وما هم إلا بُغاثٌ وخفافيش, لا يدّخرون جهداً لضرب مكتسبات الشعب الكردي في غربي كردستان وسوريا, فشاركوا مع المرتزقة الغزاة السلفيّين في قتال الكرد في سريه كانية / رأس العين, قاموا بجلب الجيش الحرّ إلى الأحياء الكُردية بحلب وهي تعجّ بآلاف النازحين من المناطق الساخنة, وبذلك استحضروا صواريخ جيش الأسد وقذائفه الغادرة وتسبّبوا في إشعال المناطق المحرّرة أصلاً من سلطة البعث, كما هاجموا مظاهرةً في أشرفيّة حلب قام بها الكُرد والنازحون لإجبارهم على الخروج من الأحياء الآمنة خوفاً من قصف النظام. وكذلك عملوا كقوّادين لمرتزقةٍ قادمين من تركيّا لدخول مدينة عفرين عبر قرية القسطل. بأيّة كلماتٍ يمكن لنا أن نستر عورة هؤلاء الجحوش, وهل التجحيش والعمالة هي إلّا أن تكون بيدقاً بيد الشوفينيّين والعنصريّين!؟
صقور آزادي, كتيبة صلاح الدين, كتيبة المشعل, تعدّدت الأسماء والتجحيش واحد, ينكبّون على أحذية الآخرين لتقديم صكوك الوطنيّة والثوريّة لهم, وكأنّ الثورة تحتّم علينا أن ندمّر مدننا ونضع شعبنا في مرمى نيران النظام والمعارضة على حدّ سواء. في ثورتنا السورّيّة التي لم يتبقّ منها إلّا عنوان الطائفيّة, تهاجمك المعارضة الثوريّة وتقتلك بذات عقليّة النظام وأساليبه, فثورةٌ لا تعمل على تغيير البنى الفكرية والذهنية السائدة هي ليست ثورة مهما تمّ تجميلها بوعودٍ كاذبة ورفاهيّة مزيّفة وديمقراطيّة مبتورة, فالنظام قاتل الكُرد واضطهدهم بحجّة الانفصاليّة, واليوم تفعل المعارضة ذات الشيء وبذات الحجّة, ثم ياتي البعض من جحوش غربي كردستان المتمثّلين ببعض الأطراف السياسيّة التي تبحث لها عن موطىء قدم في الشارع الكردي لينُخّ ويُطأطىء مع كلّ كلمةِ ( طزّ ) يتغوّطها أحد أقطاب المعارضة الغارقة في الثورجيّة- مؤخّراً -بعد أن كان يعمل موظّفاً برتبة ماسح لدى أساطين الفكر القومي العروبي. إنّ جحوش جنوبي وشمالي كردستان وكانّهم لم يملؤوا صفحات تاريخنا الكُرديّ بالقتامة والعار ليظهر فصيلٌ جحشٌ في غربي كردستان أيضاً, لتسرد الوقائع غداً قصصهم كي لا يقول الكُردُ لأحفادهم ذات يوم: قامت ثورةٌ كرديةٌ دون أن يكون ثمّة جحوش وعملاء بين ظهرانيها. هؤلاء حملوا سلاح الشوفينيّين لا ليقاتلوا به نظام الأسد بل ليقاتلوا به الكرد وقوّات حمايته المشروعة, فقط لكي يثبتوا للآخرين بانّهم ثوّار وبأنّهم غير انفصاليّين ولكنهم يثبتون لشعبهم يوماً بعد يوم بأنهم من أبدع ثقافة التجحيش في غربي كردستان,. يتناسى هؤلاء الشراذم المرتدين عباءة التسوّل على عتبات المتسوّلين أنفسهم, يتناسوا بأنّ الكُرد هم من يحتاجون إلى الضمانات, وهم من يحتاجون إلى أن يثبت الآخر حسن نيّته تجاههم, وهم المغدور بهم منذ ابراهيم هنانو ويوسف العظمة الكرديّين, بل هم من يحتاجون أن يقدّم الآخر لهم مواقف وطنيّة سوريّة في حين كانوا طبولاً للبعث وراقصين على دماء قامشلو وقبلها حلبجة.
إنّ ما تراكَم في وعي الكُرديّ خلال سنوات الاضطهاد والقمع, وما نقَلَه له آباءه وأجداده من غدرٍ تعرّضوا له, وما سردوه من حكايات ظلم الأنظمة الغاصبة وعمالة الجحوش, كلّ هذا جعل من الكُرديّ لا يثق إلّا بإرادته, ولا يطمئنّ إلّا لثمرٍ تزرعه يداه, وأنّ زمن تقديم الطّاعة والولاءات قد ولّى. بهذه الخطابيّة وهذه السرديّة المبينة أقول: إنّ كلّ من يرتضي أن يكون بيدقاً بيد النّاكرين لحقوق شعبه, ويسعى إلى أنفلة شعبه ما هو إلّا جحش من جحوش العمالة, ويُخطِىء الكثير من كتّابنا ومثقّفينا الذين يحبّون أن يُظهِروا أنفسهم بمظهر الكاتب المعتدل السّمح الكريم الواعظ حين يصفون بعض الأحداث التي تجري هنا وهناك في غربي كردستان وخاصّة في مدينة عفرين مؤخّراً, يصفونها بأنها اقتتال أخوي بين فصيلين سياسيّيَن, هذه مغالطة كبيرة, وبثّ رمادٍ يعمي عين الحقيقة, لأن ما يجري هو مسألة دفاع عن أرواح الكرد وممتلكاتهم من جانب وحدات الحماية الشعبية العاملة تحت مظلّة الهيئة الكُرديّة العليا, في وجه من يريد أن يجرّ الهدوء الذي تتمتّع به مدننا وتحوي الآلاف من النازحين إلى الهلاك والدمار, أي أنّ هناك صراع بين ثقافة المقاومة والدفاع عن قيم " الكرده ياتي " وثقافة التجحيش والعمالة, ومهما جمّلنا من الكلمات لاعتباراتٍ بريستيجيّة أو دبلوماسيّة فيبقى للعمالة اسم واحد, سواء أكانت من فرسان صدّام أو من صقور آزادي, ولإنّ نثيرَ الجحوش لن يُخيفَ شعباً صامداً وإن رفعوا فراسنهم عالياً.
- الجحوش مفرده جحش وهو مصطلح ظهر إبّان الثورات الكردية في جنوبي كردستان – اقليم كردستان حاليّاً- للتدليل به على العملاء الكُرد الذين وقفوا مع الجيش العراقي الصدّامي لمحاربة الثورة الكرديّة التي قادها القائد الخالد مصطفى البارزاني.
#أحمد_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟