أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المديوني - الظل والأنشوطة














المزيد.....

الظل والأنشوطة


محمد المديوني

الحوار المتمدن-العدد: 4001 - 2013 / 2 / 12 - 00:56
المحور: الادب والفن
    


حين دخلت المقهى، كان كأس القهوة فارغا أمامه. وما أن بادرته بالتحية حتى انفجر في وجهي:
- سأقتله.. هل تسمع يا عزيز؟ سأ قــ ـتـ ـلـ ـه .
- إهدأ يا أحمد. من هذا البائس الذي تريد أن تقتله؟
رد بعصبية: اللعين، لا بد أن أتخلص منه.
فهمت أنه عاد لحكاية الظل. ظننت في البدء أنها مجرد تسلية ابتدعها يقتل بها الصمت الذي يخيم على جلساتنا أحيانا، غير أنها أضحت ترخي بظلالها على أغلب لقاءاتنا.
" أنت مجرد ظل تابع. هل تفهم؟؟"
قلت مجاريا مزاحه: هل عاد اللعين لمشاكستك؟
- سيوقعني حتما في ورطة.. هذا الظل العنيد. أصبحت أعرف على وجه الدقة ردود أفعاله. أتوقعها. عندما – مثلا- أقف داخل مصلحة عمومية متأدبا بما يكفي، والرأس محني، والظهر مقوس، حتى أرضي غرور المسؤول، أعرف أنه – أعني ظلي- سيكون متشامخا مستقيما، والصدر مدفوع إلى الأمام. هل تذكر سلمى؟
فاجأني سؤاله. فكرت لحظة، ثم أجبت: آه، بالطبع.. فراشة النور. كنت تحبها وأبدا لم تتجرأ على مصارحتها بذلك بالرغم من أنها كانت تميل إليك بشكل واضح..
قاطعني: دعك من ذلك. صادفتها الأسبوع السابق عند حديقة الجامعة. صافحتها، وتحدثنا قليلا ثم ودعتها. فهل تعرف ما الذي حصل؟ فوجئت باللعين يميل عليها. ولا أدري أي كلام أهوج همس به في أذنها. الأدهى من ذلك أنه لم يتزحزح ويتبعني إلا بعد أن طبع على خدها قبلة حارة احمر منها خدها... والغريب أني حين التفت نحوها كانت تبتسم بدلال. ألم تقتنع بعد كل هذا بأنه سيورطني يوما في موقف قد لا أقوى على احتماله؟ المصيبة أني فكرت يوما في أن أسجنه لأرتاح من نزواته. احتلت عليه في إحدى لحظات غفلته، ورميت عليه قطعة واسعة من شباك الصيد كنت جمعتها على الشط لهذا الغرض. ولففت الخيوط بإحكام. في الصباح حين خرجت إلى فناء الدار كان هناك يمد نحوي لسانه ساخرا.
حين انتبهت إلى أن الأمر غدا جديا حاولت أن أنبهه:
" توقف يا أحمد. أنت تعرف أن الظل مجرد انعكاس للجسم عند سقوط الأشعة عليه، وأنه لا يملك وجوده المستقل. الدليل أنه يختفي باختفاء الضوء، ويتحول بتحول زاوية سقوط الأشعة و.."
قاطعني: " ها أنت تؤكد: يختفي.. يتحول.. أنت تجهل مكر الظلال. احترس من ظلك يا صاحبي."
والتفت إلى ظله الذي استطال تحت أشعة الغروب، وانصرف بسرعة مفاجئة كما لو أن أشباحا كانت تطارده.
" سـأ قــ تــ ـلـ ـــه"
كانت جملته قد أثارت بعض زبائن المقهى. جذبته نحو الباب " دعنا نخرج من هنا، ثم أفهمني ما يحدث"
ما كدنا نتجاوز الرصيف حتى انطلق:
" في الليلة الماضية، وقد أسلمت جسدي للسرير وللظلام، تناهت إلى سمعي خربشة لم تكن عادية. أضأت النور، فهل تخمن ماذا وجدت؟ هل تذكر تلك الكتب التي كنا نتداولها سرا أيام الدراسة؟ كنت قد جمعت ما تبقى لدي منها وأخفيته في علبة كرطون لا أدري ما أفعله بها. كان اللعين هناك، وكانت الخربشة حركة يديه وهو يتصفح بعضها. ومن أدراني أنه كان يقرأ محتوياتها في غفلة مني؟
لم أتردد لحظة واحدة. أخرجتها جميعها، وضعتها في المرحاض، وأشعلت النار فيها ثم أفرغت على رمادها سطل ماء."
- مهلا.. لكن تلك الكتب على ما أعلم ما عادت ممنوعة. وهي معروضة في المكتبات، ووجودها لديك ليس جريمة
- ولو.. لم يتغير شيء كي أصدق الخدعة وأقع في الفخ.
بدا لي من العبث أن أتابع محاورته. رافقته حتى المنزل، وعدت وحدي أنبش في ماضيه لعلي أجد تفسيرا مقنعا لهذا التحول الغريب في سلوكه.
حين عدت بعد سفر طارئ عرجت على بيته. فتحت لي أمي فاظمة. كانت مرهقة تماما. قادتني إلى غرفته: " أنت الوحيد الذي ما تزال تزوره. حاول يا ولدي أن تخرجه. هوهناك منذ ثلاثة أيام. يرفض أن يكلمنا، ويرفض أيضا أن ندخل له أي طعام."
قرعت باب الغرفة: " أحمد، أنا عزيز. ألا تفتح لي؟"
لم يكن صوته الذي نطق. كانت حشرجة قاسية:
" اذهب يا عزيز. لن أفتح الباب لأي كان. هل تريد أن يخرج اللعين ليورطني. والله لن أفتح الباب حتى يتوب ويتوسل بالدموع".
- طيب.. طيب يا أحمد، اهدأ، سأذهب الآن وأعود في الغد لنرى معا ما يمكن أن نفعله.
كانت أمي فاظمة تبكي بصمت. ربت على كتفها: "لا تقلقي، أزمة ولا بد أن تمر. سأعود غدا بصحبة الطبيب، فربما تطلب الأمر أن ننقله إلى مصحة"
في الصباح دخلت بصحبة الطبيب. قرعت الباب. ناديته مرة وثانية.. وثالثة. لم يجبني غير الصمت وأجراس قلق رهيب. ووجدتني أخلع الباب بقوة. لم تكن للغرفة أية نافذة. تحسست على الجدار زر الإضاءة. ضغطت عليه. وحين تبددت الظلمة ردد البيت صرخة ملتاعة للوالدة. وعلى الجدار الداخلي كان خيط أسود ينتهي بأنشوطة سوداء يتدلى منها ظل أحمد.



#محمد_المديوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحمار(الأخيرة)
- المدرسة الموجهة.. وتوجيه المدرسة
- بيداغوجيا المقهورين لباولو فريري- ترجمة تلخيص آن مينو


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المديوني - الظل والأنشوطة