|
النار بغير لظاها
بتول قاسم ناصر
الحوار المتمدن-العدد: 3998 - 2013 / 2 / 9 - 11:38
المحور:
الادب والفن
النار بغير لظاها .. كتبت عند عودة الشاعر الكبير مظفر النواب .. عاد زعيم الفقراء والغرباء متعبا من خرقة الدنيا على أكتافه , قد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا ، خريف تساقطت أوراقه ، شمعة منطفئة لا تبدد الوحشة .. عاد كالمخلص بغير خلاص ، أبو ذر لا يرفع قبضة الثورة ، نوح لا يبشر بالطوفان ولا يدعو أتباعه إلى بناء سفينة الخلاص .. المنقذ يأتي بلا لغة ، بيان الثورة بلا عبارات الثورة .. انتظرنا إعصار الثورة ، قلنا سيجيء يحمل رايته الحمراء معبأ بالثورة والغضب ولكنه انساب بكل هدوء ، خفت صوت الثورة ..عرفناه ينتمي للهيب الدهور وها هو نار بغير لظاها .. سيهتز الأعداء من النشوة .. ظنوا أن قد توقف نبض الثورة .. قلنا : جاء ليبحث في وجوه الناس عن الثورة .. فالثائر لا ينتهي ولا ييأس ، أمضى حياته وهو ينفخ نار الرماد ، يثبت حق الشعب بالحياة ، يشهر صوته ضد الصمت ، يشعل غضبه وأوار روحه ويتوعد الظالمين بغضب ، ولم يخف العواقب فيما يقول ، يقض مضاجع الطغاة ، من صوته تهرب حيات وحكومات وعقارب .. سيجتمع الشعب للإنصات إليه ، فالشعب بلا صديق وهو يحب جرأته .. جاء يعلمنا فصاحة ( المحبة والحقد) ويقول : متى الوثبة ؟ سنرفع قبضاتنا ، ألوف ستسير وراءه تنتظر في الدروب .. لمقدمه فاح عطر البنفسج ، فتحت الأبواب ، هو قضية الوطن ، يسقي بكلماته يباب روحه ، أمين لمعدنه معدن الفقراء ، يعرفه الأيتام والجياع ، يبحث في الجنوب وبيوت الصفيح عن الجوع أكبر آبائنا الثائرين ، يطوف في خرائب المدينة يقول : الناس سواء .. لا تتركنا فالناس هنا في غربة ، وكل شيء طعمه طعم الفراق ، والحزن وجه جميع الناس .. ماسة العراق تعود إلى العقد ، لم ينس قط ، العراق دموع عينيه ، احترق بحزن العراق ، صاحب غربة كالنار ، جسمه ما وسع جروح الهجر ، مشفق ألا يرى نخيل العراق .. كان العراق لطول المجافاة حلما ، منعوه يرى جسر الكرخ الخشبي .. حلمه أن يضع أقدامه على عتبات العراق ، أن يحط على كل باب خده ويلثمها ، يريد تقبيل بغداد ، صار شوقا مخيفا لفرط ما اشتاق .. جاء من رحلته القصية يتزود القوة لقلب جريح ، لعمر بين الفنادق لا يستريح ، يسأل أهل الحي : هل لعشقه ترياق ، هل خليل لوحشته ، أما سنحت فرصة للقاء ، أما يقترب النأي ؟ .. تشرد وما سلا وما فارق الأمل ، ما ارتاب قلبه وما تعبت روحه وما أخطأت بوصلة حكمته ، تقدم به العمر وما انثنى وما أطاع السلطان : ( كل الأشياء رضيت سوى الذل ، وان يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان ) .. كان شارة في طريق الجماهير ضد النظام .. أسرف في الهوى ، أحب بلادا تقتل العاشقين ، تقصيهم إلى المنافي ، وما هزم عشقه للعراق ، يلهث عمره ليلقى العراق وهو سراب .. له أمنية أن يعود والمنفيون الى أهل ووطن ، لم يعدل بنخلة أهله الدنيا وما ارتوى بغير مائهم ، أفناه عشقه ، عراقي هواه وميزة فيه الهوى خبل وفناء ، بلاد ما بها توسط في الهوى ، و لذا لم نجده إلا في ذروة الانتماء .. سافر وله أمل وما وصل ، من بعد يستقريء أخبار البلاد ، لا يعرف طعما للرقاد ، يدور قلبه مع الأيام والثوار والعشاق ، ما تعب ينتظر أن يقوم العراق من رماده ، يبشر أن سيقوم العراق بجراحاته النازفة أكثر عافية ، سيهزم زمان المهزومين .. يعلمنا من لا تراب له لا سماء له ، كثيرون باعوا ورقصوا كلما جاء بغداد وال جديد لكنه ارتفع قمرا عربيا في زمان الاختباء والانحناء ، قرأ على أبواب بلاده خيانات ذوي القربى وشراكتهم للأعداء ، سألوه أن يشارك في الحل السلمي قليلا ، قال : ( كل على قدر الزيت الذي فيه يضاء ) ..
يا مغني المحطات والعربات التي لا مصابيح فيها ، يا غريب الدار : كفاك تطرق الأبواب ، تنطوي على جمر الغضا ، فلك وطن كما للناس وأحباب ، تعال الى العراق انزع فيه تعبك .. ولكن زمن العراق الجديد لا ينتمي اليك ، العراق ليس معافى ، تحيط الكلاب بقلبه ، والذئاب غرست مخالبها في روحه ، قاحل ليس فيه سوى الحزن ، يهيلون رماد الموت عليه ، أضحى حصصا ، يحتفل فيه الأعداء ، أعلنوا عنه في المزادات ، يقدمونه لمغتصب ، نزلوا به الى الهوة ، خيانات ذوي القربى وشراكتهم للأعداء جعلته بلد الفوضى والخراب الطائفي .. مر بنا سيدي نستمد الشجاعة فحين ( يمر الشجاع بشيء يصبح شيئا شجاع ) .. انشد آخر أغنية للثورة .. فالعراق ينوح ، ورأس الحسين ما زال فوق رمح لا يستريح ..
د. بتول قاسم ناصر
#بتول_قاسم_ناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العولمة وفن الأغنية
-
الأدب والسياسة
المزيد.....
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
-
-الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم -
...
-
أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج
...
-
الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
-
وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على
...
-
البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل
...
-
الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب
...
-
كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي
...
-
وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
-
-نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|