أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسن عبد الحافظ - الشعر مدينة خربانة؛ السيرة الشعبية وقضايا النوع الأدبي















المزيد.....



الشعر مدينة خربانة؛ السيرة الشعبية وقضايا النوع الأدبي


محمد حسن عبد الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 1151 - 2005 / 3 / 29 - 11:56
المحور: الادب والفن
    


1. السيرة الشعبية وقضايا النوع الأدبي
1. 1- مدخل
تثير نظرية النوع (الجنس الأدبي) الحديثة، على تعدد طروحاتها، نزاعًا لا ينتهي بين مقولاتها ومرجعياتها الفلسفية، من أجل تحقيق السيادة المطلقة على ميدان الأدب.
قد يكون هذا النزاع مفيدًا في النطاق الذي يسمح بالقبض على مشكلات الطروح النظرية كل على حدة، وعلى ما تنطوي عليه أية مقولة نظرية من ثغرات، وعلى حقيقة تناقض المقولات جميعًا في ما بينها، على نحوٍ لا يفرض على أنواعنا رؤية تجنيسية بعينها - منغلقة ومكتفية بذاتها – ويجعل منها جوابًا حاسمًا ونهائيًا عن أسئلة الجنس الأدبي التي هي - في حقيقتها - أسئلة متجددة ومتوالدة بصورة تبدو لانهائية.
إن واحدًا من أهم نتائج ذلك النزاع: بزوغ اتجاهات تشكك في مقولة النوع نفسها، باعتبارها واحدة من المقولات الثابتة. ليس من شك في أن مصطلح "نوع" لا يخلو من خطر؛ فاليوم يوضع مضمونه موضع الشك والمساءلة من كل حدب وصوب، إذ هو محمَّل بقيم اصطلاحية خاصة بالثقافة الغربية "الكلاسيكية". وبالتالي، فإنه ينبغي أن يستعصي على محاولات التعميم الكوني.
بالرغم من ذلك، فإنه لا يسعنا التغاضي بسهولة عن هذا المفهوم، بصيغته التي تسمح بالإحاطة ببعض أشكال الخطاب، أيًا ما كان المحيط الثقافي الذي تُولد الخطابات من رحمه ، تلك التي:
1. يتم التعرف عليها تلقائيًا بوصفها أنواعًا من الخطاب.
2. تشير لمعرفة اجتماعية متعلقة بأفعال ذات دلالة.
يُمارس التشكيك في نظرية النوع على نحو حيوي إذن؛ أي دون الإقدام على إعدام فكرة النوع، بل السعي إلى استثمارها وتنميتها، وبيان إمكان تطويرها، إذا كان هدفنا حقًّا: فهم ما تطرحه ثقافة ما من نصوص، في سياق اجتماعي خاص . فمن شأن هذه النتيجة كسر تنميط فكرة النوع، وتنميط الأنواع، في حدود الرؤى النقدية الغربية فحسب، حيث تتيح لثقافات الجنوب - التي تنتمي إليها الثقافة المصرية - أن تتعامل مع مقولات النوع بمرونة، بحسب الأنواع الأدبية الخاصة بكل ثقافة منها.
لايزال في الوسع مساءلة نظرية النوع، بما تتضمنه من إجراءات مرنة، عن مصير الفنون غير اللغوية، وموقف قضايا النوع منها؟ وعن مصير الممارسات اللغوية اليومية العادية "غير الأدبية"؟ وعن دور السلطة النقدية، المؤسسية أو الأيديولوجية، في تحديد آليات اشتغال النوع، وفي العمل على تفوق أنواع بعينها على أنواع أخرى، تبعًا للإعلاء من شأن قيم ثقافية ما، على حساب قيم ثقافية أخرى؟
في ضوء هذه الأسئلة، بإمكاننا أن نعقد صلة بين نظرية النوع ومصادر سلطتها، وبين حالة اللاتكافؤ (الخلل) في ميزان القوى الثقافي بين الأنواع التي تعيش في مضمار الثقافة العالمة أو الرفيعة أو الحديثة، والأنواع الأدبية التي تعيش في مضمار الثقافة الشعبية، حيث تعيد نظرية النوع إنتاج التجافي التاريخي المصطنع بين هذين الرافدين الثقافيين.
قد يمنح النقاش النقدي الراهن لنظرية النوع حيِّزًا متسعًا من الوسائل والأهداف، إذا ما وضعت في نسق منهجي أكثر شمولاً وتماسكًا، لمعالجة الكثير من قضايا النوع الأدبي وموضوعاته الملائمة. لكن العمل في مجال الأجناس الأدبية الحديث - على تعدد طروحه - لا يفضي، في مجال الأنواع الفولكلورية تحديدًا، إلى معرفة علمية حقيقية يمكن تطبيقها، فجميع نماذجه - باستثناء إسهامات نوعية محدودة - يقع تحت وطأة الكتابة، وخارج المدار الذي تقع فيه المأثورات الشعبية الأدبية، بعد انسحاب (إزاحة) الشفاهية من دائرة الفعل الإبداعي، وسيادة الكتابية على آليات تخلقه. ومن ثم، يبدو فعل التجنيس هاجسًا كتابيًّا، فرضه التغير المفهومي الذي جاءت به الكتابة: المبدع الفرد، النص، القارئ، القراءة... إلخ . بينما يحتاج النوع الفولكلوري - إذا قُدِّرَ له أن يدخل في نطاق العمل في مجال الأجناس الأدبية أو التحليل النوعي - إلى مفردات مفهومية ملائمة لطبيعته: الراوي/المؤدي، الرواية، الجمهور، الأداء، الحدث الشفاهي، العلامات الشفاهية، الإيماءات والحركات... إلخ.
2. 1- موقف دراسات النوع من الأنواع الأدبية الشعبية
لم تناقش نظرية النوع الحديثة المجال الشفاهي للأدب الشعبي بوصفه مجالاً مستقلاً ينطوي على أنواع أدبية معيشة وقائمة بالفعل؛ وإنما نظرت إليه بوصفه مجالاً هامشيًا يحتوي على نماذج أوليَّة، بدائية، أو باعتباره ينبوعًا لإجراءات شفاهية يمكن استلهامها في النصوص الأدبية المكتوبة المتفوقة، أو مرحلة بدائية لامناص من تثبيتها بالكتابة كي يتم الاعتراف بها. وفقًا لهذا الاتجاه، لا نجد غرابة في تصريح الباحث الفرنسي جان ماري شيفير بأنه يميل بصورة كاملة إلى ثقافة الكتابة، وإلى نسيان المجال الواسع للأدب الشفاهي، حيث لا وجود للأخير إلا عبر تثبيته بالأول .
وخلت نظرية النوع الكلاسيكية من تعليقات جوهرية على الأنواع الأدبية الفولكلورية (أنواع الأدب الشعبي)، فقد كانت تنظر إلى الفولكلور (= المأثورات الشعبية) بوصفه مستودعًا لنماذج من مراحل الفن الأولى. وبالرغم من أن نظرية النوع التي تمثلها جماليات هيجل تتضمن توضيحات بالغة الأهمية، استحقت - ولاتزال تستحق - عناية الفولكلوريين، حول العناصر الشكلية لأنواع بعينها، وحول قيمتها الاجتماعية، مثل الأغنية البطولية، اللغز، الخرافة، الحكاية... إلخ، فإنها لا تشكل - في نهاية المطاف - مقولات متجانسة، أو مفهومًا متماسكًا للأنواع في الفولكلور، يمكن تعميمهما . والواقع أنه من المستحيل أن تكون هناك نظرية للجنس الأدبي يمكن تعميمها على صعيد كوني، لتشمل كل أنواع الأدب الشعبي في كل ثقافات الإنسان على الأرض.
أما ميخائيل باختين Bakhtine M. (1895-1975)، فإننا نراه أكثر نزاهة وتجردًا تجاه الأنواع الشفاهية، ويبدو تعاطفه مع الثقافة الشعبية - في إنجازه النقدي المهم - واضحًا تمامًا؛ فقد رأى أن التقليد الشعبي قد تجوهل إلى حد بعيد من قبل؛ لأسباب يمكن فهمها بسهولة: إن التاريخ والدراسة الأدبية يشتركان معًا في الأيديولوجية الرسمية، والجدية العابسة، والكلاسيكية. ونتيجة لذلك، فهما يشددان على الأمور التي تقترب من نموذجها المثالي . وعدَّ باختين أعمال الروائي الفرنسي فرانسوا رابليه Rabelais F. في القرن السادس عشر، والروائي الروسي فيودور دوستيوفسكي Dostoyevsky V.، ضربًا من الأدب الشعبي، أطلق عليه فن الكرنفالThe Carnival من منطلق حواره المضاد مع الأدب الرسمي بقيمه السائدة، ويحدد باختين سمات هذا الكرنفال الأساسية في الازدواج القيمي بين الجليل والسوقي، الموت والحياة، المقدس والدنيوي، الملك والمجنون، الزهد والشهرة، المديح والسباب . وقد استعار باختين مصطلح البولوفونية Polyphony من موسيقى الاحتفالات الشعبية (الكرنفالية)، ليتخذها أداة لمعالجة ظاهرة تعدد الأصوات في الرواية. كما استعار من علم الرياضيات مقولته النظرية حول مفهوم الزمكانية Coronotup (الكرونوتوب)، ليمثل مقولة أدبية للشكل والمضمون . ويتبدى هذا الكرنفال بصورة جلية خلال فترات التحول الاجتماعي، سواء في المرحلة الانتقالية بين العصور الوسطى والنهضة، كما تتجسد في أعمال رابليه، بوصف الكرنفال نوعًا من احتجاج العامة على سيطرة النبلاء، أو في المرحلة الانتقالية بين روسيا القيصرية والسوفيتية كما تترجمها أعمال دستيوفسكي .
إن ذلك ينسجم مع اختيارات باختين المنهجية ومقولاته الأساسية ، والتي يمكن إجمالها في النقط التالية:
1- عدم انفصال الشكل عن المضمون.
2- هيمنة الاجتماعي على الفردي.
3- وقوع أسلوبيات النوع في مجال الجمعي والاجتماعي (علم اجتماع النوع).
4- إن فكرة النوع ليست امتيازًا حصريًّا خاصًا بالأدب؛ إنها شيء يغوص عميقًا، واصلاً إلى جذور الاستخدام اليومي للغة.
5- إن لكل نوع منهجه، وطرائقه لرؤية الواقع وفهمه، هذا المنهج وهذه الطريقة هما خصيصته الحصرية.
6- للزمكانية (الكرونوتوب) في الأدب دلالة نوعية وجوهرية. فبواسطة الزمكانية يتحدد النوع وضروب النوع.
إن أعمال باختين، بالإضافة إلى التجارب النقدية العربية التي أفادت من الفكر النقدي الباختيني (د. سيد البحراوي، د. أمينة رشيد، د. جمال شحيد، على سبيل المثال)، تضمن للباحث النقدي في مجال الأنواع الحديثة رعاية خاصة للشفاهية. في الوقت نفسه، تضمن للباحثين في ميدان تحليل أنواع الأدب الشعبي الحصول على طقم من الوسائل والأدوات، ضمن العدة البحثية التي يعتمدونها.
تعد دراسة "فيلموس فويجت" مهمة في مضمار رصد جهود الفولكلوريين المعاصرين في معالجة مشكلة الجنس الأدبي الشعبي، حيث استخلص عددًا من نتائجها، مستهدفًا تطوير هذه المنطقة من البحث الفولكلوري. وينهض عمل فويجت على مخطط مقترح يتضمن عددًا من الوسائل التي يمكن أن تسد ثغرات الدراسات السابقة التي أشار إليها بإيجاز شديد (برونيسلاف مالينوفسكي، أ. ن. فيشولوفسكي، إيفانز بريتشارد، شيرزر، فون سيدوف، روجر أبرامز، باربارا أبرامز، ريتشارد باومن، دان بن عاموس، دل هايمس، روبرت جورج، باربارا جمبلت، روبرت أولترليتز، روبرت ماندرو، لوري هونكو، وغيرهم). وقد حرص "فويجت" على أن يكون مخططه عامًا، باعتبار أن دراسة النوع ينبغي أن تكون مشروعًا يتجاوز الثقافة الواحدة، وباعتبار أن للثقافات أنواعها المحددة المخصوصة، وأنظمتها في الأنواع، وأسماءها المحلية للأنواع... إلخ. ومن ثم، يعتمد "فويجت" على تعاون الفولكلوريين في العالم، من أجل مناقشة هذا المخطط وتطويره، وتحديد السمات الخاصة التي تطرحها أنواع كل ثقافة .
يمثل إسهاما الفولكلوري الروسي فلاديمير بروب Vladimir Propp (1895 - 1970) والفولكلوري الأمريكي آلان دندس Alan Dundes (1927-؟) اثنين من الإسهامات المهمة، لكن فويجت عَبَرَ عليهما عبورًا سريعًا لا يكشف – ولو بإيجاز - عما قدماه في مضمار دراسات النوع الفولكلوري.
أفرد بروب دراسة مطولة لأمر تحديد مصطلح النوع (أو الجنس) في الفولكلور، استهلها بمحاولة وضع أسس لتصنيف النوع الفولكلوري، وذهب إلى أنه بالرغم من أهمية مفهوم النوع في الفولكلور، فإنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بخصوص النوع الفولكلوري ومعناه، ويشير كذلك إلى أنه من الصعوبة بمكان إيجاد تحديد قاطع لما يقصد بالنوع، خارج دائرة تصنيف هذا النوع. وللخروج من هذه المعضلة، يقترح بروب ضرورة تحديد كل نوع في ذاته، وفي علاقته بالأجناس الأخرى التي يتميز عنها. ولعل أهم النتائج التي توصل إليها بروب النتيجة القائلة بضرورة التركيز على الأسلوب الذي يُؤدَّى به هذا النمط الفولكلوري المراد تحديده نوعيًا، ويرى أن الأداء الخاص للنمط - كأن يكون قوليًا أو موسيقيًا أو حركيًا - ذو شأن كبير في إمكان تعريف النمط وتصنيفه على نحو أدق. وتفضي فكرة بروب إلى معيارية صارمة لتعريف النوع تعتمد على ملامح أربعة، هي: شاعرية النوع، تطبيق النوع، الأسلوب الذي يؤدى به النوع، وأخيرًا علاقة النوع بالموسيقى. بذلك يحاول بروب مجاوزة المناهج السابقة في تصنيف النوع - خاصة الحكاية الشعبية - حيث كانت هذه المناهج في الغالب الأعم تركز على محتوى الحكاية، بينما يقترح بروب التصنيف باستخدام معايير عدة تركز على شكل النوع وعلى مضمونه في آن معًا .
عمل ألجير جريماس Griemas .A (1917- 1992) على تطوير هذا الجانب من إنجاز بروب؛ فبينما كان هدف بروب منصبًا على دراسة نوع معين من القص (الحكاية الخرافية)، كان هدف جريماس الوصول إلى القواعد الكلية للقص عمومًا، منطلقًا من مفهوم واسع للبنية السردية، وصولاً إلى اكتشاف بنى سردية في كل تنويعات القص، ولعل أهم ما يميز دراساته طابعها التطبيقي لجعل المفاهيم أكثر استيعابًا وإمكانيةً للاستخدام، وتركز جهده التطبيقي في تحليل تقنين أنماط الخطاب المختلفة. وبالرغم من اهتمامه بالخطاب المكتوب، فإنه انشغل أساسًا بالعلاقة بين المكتوب بوصفه منظومة مجردة، أي قواعد النحو والتعبير، لتحيد العلاقات بين المفردات والجمل، من أجل تحقيق دقة نسبية لمعانٍ محددة، ونقل المعاني، وبين اللغة المتجسدة كلامًا منطوقًا أو مكتوبًا. ومن ثم، فإن الغالب على عمله هو موضوع تلك العلاقة، مع التركيز على اللغة المنطوقة .
يعد دندس أول من قام بتطبيق منهج بروب على مجموعة الحكايات الشعبية لهنود أمريكا الشمالية، في رسالته التي حصل بها على درجة الدكتوراة، ولم يكتفِ باتباع المنهج كما هو، ولكنه حاول تغذيته بمفاهيم جديدة استلهمها من اللغوي بايك Pike. كما حاول تحقيق خطوة أبعد من الاهتمام بالملامح الشكلية التي توصل إليها بروب، وذلك ببحث العلاقة بين شكل الحكايات من جانب، والثقافة التي أنتجت الحكايات من جانب آخر .
تتميز تصورات دندس في مجال تحديد مصطلح النوع الفولكلوري، فهو - ابتداءً - يركز على مشكلة تحديد المصطلح، وليس على المصطلح نفسه، ويذهب إلى أن المعضلة تكمن أصلاً في تأطير الفولكلور بوصفه علمًا قائمًا بذاته، ويُرجِع هذا الأمر إلى النظرة التقليدية التي نظرت إلى الفولكلور على أنه علم للثقافات الآبدة، حُشِدَت في داخله أنماط مثل الأسطورة والخرافة وحكايات الزوجات القديمة. وفي هذا الصدد، يعتقد دندس أن هذه النظرة الضيقة جعلت من كل ما ظل متأخرًا عن التقدم العلمي فولكلورًا. ويضيف دندس أنه مما زاد الأمر تعقيدًا أن الحركات الرومانسية والقومية المعاصرة خلقت جماعات أبدت حماسًا للفولكلور مشبوبًا بالحنين للماضي والحاجة لتأجيج الوعي. وهكذا نلحظ أن دندس يحاول أن يرد مشكلة تحديد المصطلح إلى جذورها .
في دراسة أخرى، يواصل دندس مسعاه في معالجة مصطلح النوع الفولكلوري على نحو يثير اهتمامنا، إذ يعزز دندس من أهمية "الوصف" في تحديد الأنواع الفولكلورية، بل لن يتم تأطير الفولكلور، بوصفه علمًا، ما لم يتم وصف كل نوع على حدة، ويقترح أن يتم تصنيف الجنس عبر ثلاث مراحل، بحيث تتوقف كل مرحلة أمام واحد من ملامح ثلاثة، هي: الشكل، ثم النص، وأخيرًا السياق. ويقصد دندس بشكل النوع: المادة التي يتركب منها النوع، ويقصد بنص النوع: رواية ما لحكاية أو أداء لأغنية. أما السياق، فيعني بالنسبة له الإطار الاجتماعي الذي يؤدي فيه الجنس. كما يركز دندس في هذا المنهج على ضرورة الفصل بين السياق والوظيفة، حيث يرى أن الوظيفة تجريد بُنِيَ على العديد من السياقات. ويصل اهتمام دندس بالأداء وسياقات تجسده إلى حد قوله بأن لكل مناسبة النوع الخاص بها. لقد تمتعت إسهامات دندس برعاية خاصة بعد ذلك، استهدفت تطوير أفكاره حول قضايا الفولكلور إجمالاً، ومنها قضية النوع الفولكلوري، على نحو ما نجد لدى روجر أبراهامز Roger Abrahams وليندا ديغ Linda Degh ، على سبيل المثال.
أما دراسة بول زومتور Paul Zumthor المعنونة بـ"مدخل إلى الشعر الشفاهي"، والتي طُبعت ترجمتها للعربية نهاية القرن العشرين بالقاهرة، وكان قد سبق نشر أجزاء منها منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، فقد كانت مثار اهتمام كبير من قبل الباحث، حيث تمثل هضمًا جيدًا لإنجازات الباحثين في الأنثروبولوجيا، والفولكلور، وعلم الأعراق، واللسـانيات، والنقد الأدبي، وهي ثمرة عمل ميداني طويل في مختلف الفنون الشفاهية في ثقافات العالم، خاصة ما يسمى بثقافات شعوب الجنوب العالمي. وتعد أفريقيا بالنسبة إليه نموذجًا فائق الجمال لفنون الصوت والأداء. وتنطلق الدراسة - على نحو ما يذكر في المقدمة - من عمل الباحثة الأمريكية روت فننيجان Ruth Finnegan: الشعر الشفاهي Oral Poetry الذي طبع في عام 1977، وألحقته في العام التالي بمجموعة ثرية من مختارات الشعر الشفاهي.
3. 1- مشكلة أسماء الأنواع
على الصعيد العالمي، يرى شيفير أن الوضع الحالي لموازين القوى الثقافية يشهد بالتفوق الأوروبي في الاستقطاب وتعميم المفاهيم. ومن ثم، فإن أسماء الأجناس في التراث الأوروبي هي التي سيطرت عامةً على وصف ظواهر الثقافات الأخرى، ويضرب شيفير مثالاً على ذلك بعمل فننيجان، حيث يقول:
"تستخدم روث فيننيجان مصطلح قصيدة ملحمية لوصف قصيدة قصصية لـ "جزر فيجي"، كذلك تطلق مصطلح "الحكايات الغنائية" على مختلف الأشكال الأدبية غير الغربية التي يتعاقب فيها مقاطع سردية ومقاطع مغناة (نعلم أنه في فرنسا التي جاء منها المصطلح، هناك مثال واحد باقٍ هو أوكسان ونيكوليت). لا يمكن تجنب الانتقالات؛ لأنه، حتى عندما نقرر الاحتفاظ بالأسماء الأصلية، لا يمكننا تجنب إعطاء اسم موازٍ في لغتنا، هذا من أجل أن يكون للمصطلح معنى بالنسبة للقارئ الغربي: لذلك سنقول إن "إيزونغو" قصيدة من مدائح "زولو"، وإن "الغابوي، والبالو" هما قصيدتان غنائيتان صوماليتان، إلخ. مع ذلك، يمكن أن يثير هذا الانتقال مشاكل، خاصة عندما يتعلق بمصطلحات مرتبطة بتقاليد جنسية بقوة متميزة وخصوصية" .
يشير الدكتور أحمد مرسي إلى أن موضوع كتاب فننيجان هو الأدب الشفاهي في إفريقيا: Oral Literature in Africa، وأنها أضافت إلى مكتبة أكسفورد مجلدًا ضخمًا تحت عنوان: Limba Stories and Story-telling in Sierra Leone اعتمدت فيه على عملها الميداني في سيراليون. ولكن فننيجان في الحقيقة كانت تفتقد في أعمالها إلى المنهج الفولكلوري، حيث تنظر إلى الأنواع الأدبية الفولكلورية بالنظرة نفسها التي يُنظر بها إلى الأنواع الأدبية الحديثة، متجاهلة الطبيعة الخاصة للفولكلور .
وبرغم انطلاق زومتور من عمل فننيجان، وإعجابه به، فإننا نراه ممسكًا بالمشكلات المنهجية البادية في عملها، حيث يقوم زومتور بمعالجتها في عمله الجميل، عبر تركيزه على محور الأداء - بأركانه المتعددة - بوصفه المحدد الرئيسي للأنواع الشفاهية، واهتمامه برصد خصوصيات الأنواع التي عاينها ميدانيًا في مختلف جهات العالم وثقافاته، ومنها خصوصية الأسماء المحلية لهذه الأنواع. وسوف نعود لمناقشة قضية أسماء النوع لاحقًا، في سياق تناول الجهود العربية لدراسة السيرة الشعبية، والهلالية على وجه الخصوص.
4. 1- السيرة الشعبية وقضايا النوع الشفاهي
في الإسهامات الفولكلورية والنقدية العربية
على صعيد الجهود الفولكلورية العربية، فإننا لا نبدأ من فراغ، حيث إننا نستكمل البناء على فيض من الإسهامات المهمة في مجال دراسة أنواع المأثورات الشعبية الأدبية عمومًا، سواءً تحدث بعض هذه الإسهامات عن موضوع النوع ومشكلاته بصورة مباشرة، أو ركز بعضها الآخر على تحديد: الخصائص الفنية؛ السمات الأدبية؛ القيم الجمالية والاجتماعية، لأنواع الأدب الشعبي، دون الانشغال بذكر مصطلح "النوع" تحديدًا، حيث يصبح النوع: لونًا أدبيًا، أو شكلاً أدبيًّا، أو شكلاً تعبيريًّا... إلخ. نشير على سبيل المثال إلى الدراسة الرائدة في مجال الأنواع القصصية في التراث الشفاهي العربي، وموقف التراث النقدي منها . تلك التي قدمتها د. ألفت الروبي، وتوفرت فيها على الكشف عن موقف النقاد القدامى من القص والأشكال القصصية الشفاهية والمكتوبة، وكذلك علي الأركان الأساسية لعملية الأداء (القاص، المادة القصصية، الجمهور).
في موازاة ريادته لمدرسة العمل الميداني في مجال الأدب الشعبي، اهتم د. أحمد مرسي بتحليل نصوص الأنواع الشفاهية التي تم جمعها بالفعل، وقد اتسقت دراساته في هذا المجال مع الأهداف التي يمكن أن تعمل على تشكيل تصورات خاصة بالأنواع الأدبية الشعبية، فهناك إضاءات تجنيسية تندرج في معظم أعماله - "مقدمة في الفولكلور" و "من مأثوراتنا الشعبية" مثلان بارزان - استهدفت توضيح سمات الأنواع الأدبية الشعبية، وطرائق تداخلها، ودور المتلقي (الجمهور) في تحديد خصوصية الأنواع، والفروق الأساسية بين الأدب الخاص المكتوب والأنواع الأدبية الشعبية، وبين مبدعي الأدب الخاص ومبدعي الأدب الشعبي، فضلاً عن إبراز التقاليد الشفاهية والجمالية والاجتماعية التي تتسم بها أنواع الأدب الشعبي.
أما عن الدراسات التي تناولت السيرة الشعبية، فتمثل قضية التجنيس واحدة من القضايا التي حاولت بعض هذه الدراسات معالجتها، حيث يدافع د. أحمد شمس الدين الحجاجي عن السيرة الشعبية بوصفها نوعًا أدبيًا "من أنواع الأدب العربي الذي أُهمل، أو أُغفل؛ ذلك لأنه لم يندرج ضمن الأنواع الأدبية المعروفة، وقد اشترك في هذا الإهمال كثير من الباحثين، عربًا كانوا أم غير عرب. وقد أدى ذلك إلى التهاون في جمع نصوصها، فضاعت النصوص التي كانت تُروي في الأربعينيات عن عنترة، وسيف بن ذي يزن، والمهلهل، بوفاة رواتها. كما ضاع كثير من النصوص المختلفة لسيرة بني هلال لوفاة رواتها" . وينفى د. الحجاجي أن تكون السيرة رواية، حيث إن السيرة فن "نبت وتطور وارتقى قبل أن تظهر الرواية وغيرها من الأنواع الأدبية، فإضافة لفظ رواية لعمل له قوانينه الخاصة التي استقرت، يُعَدُ إضافة بعيدة عن الموصوف؛ فالرواية فن لم يستقر بعد،...، ولا يمكن تطبيق قواعد فن لم يكتمل على فن اكتمل منذ أمد بعيد" .
إن أوجه الاتفاق بين الرواية والسيرة لا تجعل من السيرة رواية بالمعنى الاصطلاحي للرواية. كما أن أوجه الاتفاق بين السيرة والنوع الملحمي لا يجعل منها ملحمة في نهاية المطاف. فضلاً عن أن تقاطع السيرة مع التاريخ الوقائعي لا يجعل منه نصًا تاريخيًا على الإطلاق. ولعلنا نذكر في هذا المقام اهتمام عدد من دراسات السيرة الهلالية - تحديدًا - بالمدخل التاريخي، بدءًا من دراسة د. عبد الحميد يونس (1910 - 1988) "الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي"، التي طبعت بالقاهرة عام 1956، وهي في الأصل بحثه الجامعي الرائد للحصول على الدكتوراه عام 1950، بعد مرور أربع سنوات على تقدمه بموضوع "سيرة الظاهر بيبرس". ونرى أن الدافع الرئيس وراء ذلك – وفي هذه المرحلة تحديدًا - هو تأصيل السيرة الشعبية، من أجل العمل على ترسيخها والاعتراف بها في المجال الثقافي والأكاديمي.
على أية حال، فقد صار المدخل التاريخي جزءًا رئيسًا من دراسات الهلالية بعد ذلك ، خاصة الدراسات التي أنجزت في المغرب العربي (ليبيا وتونس والجزائر، على وجه الخصوص)، حيث تتصل السيرة الهلالية بالجانب التاريخي لأقطاره. يعبر عن ذلك ما تذكره الباحثة الجزائرية د. روزلين ليلى قريش في مقدمة الطبعة الجزائرية لسيرة بني هلال، حيث ترى أن السيرة الهلالية "توافق التاريخ في خطوطها العريضة، لكنها تركت العنان للخيال على مر الزمان ليبدع ويخترع، إلى أن أصبحت السيرة تسجل لنا قصصًا عجيبة وجذابة في آن واحد، تبث في الأنفس الدهشة والإعجاب وتجعلنا نعيش أحداثها ونتفاعل مع أبطالها، كما تبرهن لنا السيرة من خلال مغامرات أبطالها إلى أنهم أجداد لأغلب أبناء وطننا، وهم يتحركون في سيرتهم المذهبة بين الأسطورة والتاريخ" . وقد خاضت د. روزلين تجربة ميدانية جمعت خلالها عددًا من روايات السيرة الهلالية من منطقة "سيدي خالد" ونواحيها التابعة لولاية "بسكرة" الجزائرية، وحصلت بها على دكتوراة الدولة من جامعة إيكس أن بروفانس (فرنسا) سنة 1986، وطبعت سنة 1989 في ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.
وفي هذا السياق، نذكر دراسة الباحث التونسي أ. محمد المرزوقي حول "منازل الهلاليين في الشمال الإفريقي"، والتي قدم فيها رصدًا للقبائل الحالية التي تنتمي إلى قبائل السيرة الهلالية وبطونها: رياح وهلال ودريد وزغبة وغيرها في كل من تونس والجزائر والمغرب الأقصى وموريتانيا.
تُعد الدراسة التي أعدها الباحث الليبي د. علي محمد برهانة، ونشرتها كلية الآداب والتربية بجامعة سبها الليبية ، نموذجًا للدراسات المهمة في موضوع السيرة الهلالية، وتكمن أهميتها في جمعها لست روايات شفاهية من الرواة الليبيين، وأراد لها الباحث أن تتصل بالمدونات التاريخية التي تحدثت عن بني هلال وأشعارهم وهجرتهم إلى الشمال الأفريقي، ومرجعه الرئيس في ذلك ما ذكره ابن خلدون في مقدمته. وبجانب المدخل التاريخي، يقدم د. برهانة مدخلاً اجتماعيًا، فمدخل الدراسة الأدبية، ثم مدخل الدراسة المقارنة. ويختتم كتابه بملحق بالنصوص الستة المجموعة ميدانيًا.
وبالرغم من المجهود الطيب الذي اكتنف المداخل المذكورة، فإن الروايات التي جمعها الباحث د. برهانة وردت دون شرح للمفردات وللعبارات ودون أية تعليقات تُذكر، مما يصعب فهمها على القارئ غير الليبي، وربما الكثير من الليبيين أنفسهم غير العارفين بلغة البدو وتراكيبها وأصواتها، وهي الملاحظة نفسها التي أكدت عليها د. نبيلة إبراهيم في تقديمها لكتاب د. برهانة؛ حيث تمنت لو اكتمل العمل بالاهتمام بالروايات الشفاهية شرحًا وتعليقًا.
لا يفوتنا هنا الإشارة إلى واحدة من التجارب الجادة في مجال تدوين السيرة الهلالية، وهي التجربة المبكرة التي أجراها الباحث التونسي أ. الطاهر قيقة (1922-1993) على واحد وثلاثين نصًا بدويًا للسيرة الهلالية، جمعها والده أ. عبد الرحمن قيقة عام 1927 من راوٍ ليبي كان يتردد على عمال التراحيل الليبيين بتونس، حيث قام بتدوين هذه النصوص بلهجة راويها التي يغلب عليها طابع المنطقة الصحراوية الليبية التونسية، وعمل على تشكيل حروف كلماتها، تيسيرًا على القارئ غير البدوي. كما قام بنقلها إلى الفصحى في صفحات مقابلة .
بالتأكيد لا تخلو سيرة شعبية من مكونات تاريخية، مهما كانت درجة الكثافة الأسطورية في خطابها. لكن باحثي الأدب الشعبي (الميدانيين) ليسوا معنيين الآن - في حقيقة الأمر - بالبحث عن الأصول، حيث صار الهدف الرئيسي نصب أعينهم - إن لم يكن الهدف الوحيد - قائمًا على المواجهة المباشرة للأنواع الأدبية الشعبية في الثقافة الحية؛ بغية جمع حصيلة وفيرة من نصوصها. لكن أهداف الجمع الميداني لا تنحصر في النصوص فحسب؛ فسياقات أداء هذه النصوص، والرواة الذين أدوها، والجمهور الذي تلقى أداءها؛ تمثل - جميعًا - أهدافًا تتمتع بالأهمية نفسها التي تحظى بها هذه النصوص، الأمر الذي يضع محور الأداء بأركانه المتعددة (الراوي؛ النص؛ الجمهور) على رأس الموضوعات التي تتغيا دراسات السيرة بحثها.
بعد أن قدم د. أحمد مرسي فصلاً ضافيًا خاصًا بالأداء والمؤدين ضمن فصول كتابه "مقدمة في الفولكلور" - وكانت الأعمال البحثية الفولكلورية العربية (الميدانية والنظرية) التي اتخذت من "الأداء" موضوعًا لها، تتسم بالندرة الشديدة - شهدت الدراسات الفولكلورية العربية في مجال تحليل "الأداء الشفاهي" اتساعًا وتطورًا ملحوظين، نخص بالذكر دراستين تخصصا في أداء السيرة الهلالية.
الدراسة الأولى، تتعامد على الأداء الموسيقي للسيرة الهلالية، وهي الدراسة الأكاديمية المهمة التي قدمها د. محمد أحمد عمران حول الوحدة والتنوع في طرائق الأداء الموسيقي للسيرة الهلالية، حيث تعالج مختلف الأساليب وطرائق الأداء التي ارتبطت بالهلالية في مصر (الصعيد الأعلى، الصعيد الأدنى، الوجه البحري). وهي الدراسة الأولى - والوحيدة حتى لحظة كتابة هذا البحث - التي عالجت موضوع أداء الهلالية من الوجهة الموسيقية . وتتمثل نواة (فكرة) الدراسة في الورقة التي قدمها د. عمران تحت عنوان: "الخصائص الموسيقية لرواية السيرة الهلالية في مصر"، ضمن أعمال الندوة العالمية الأولى لسيرة بني هلال التي انعقدت في منطقة الحمامات بتونس عام 1980، ونُشرت أوراقها عام 1990.
أما الدراسة الثانية، فهي دراسة د. محمد حافظ دياب المعنونة بـ "إبداعية الأداء في السيرة الشعبية"، وهي واحدة من الدراسات العربية المهمة في موضوع الأداء، حيث تتسم بالحنكة المنهجية التي أسستها خبرة صاحبها العريضة في مجال الدراسات السوسيولوجية، وعلاقاته الوثيقة بالحقول المعرفية الأخرى، كالأنثروبولوجيا والفولكلور والنقد الأدبي، مما جعل دراسته تتمتع بالاتساع النظري. أما الجانب التطبيقي، فينهض على سيرة بني هلال، حيث قام د. دياب بتجربة ميدانية لجمعها من قرية "زاوية جروان" التابعة لمركز الباجور محافظة المنوفية ، غير أن الكتاب - بجزأيه - قد خلا من الروايات التي أُشير إلى جمعها كثيرًا، كما أن الاستشهاد بها كان نادرًا للغاية. وقد سبقت هذه الدراسة النظرية الموسعة، عددًا من الأوراق البحثية التي شارك بها د. دياب في مؤتمرات وندوات عدة، بدءًا من بحثه: "السيرة الشعبية؛ مقاربة في منهجية إعادة الإنتاج" الذي شارك به في "ندوة السيرة الشعبية العربية" التي عقدتها كلية الآداب، جامعة القاهرة، في يناير 1985، وانتهاءً بالورقة التي قدمها د. دياب تحت عنوان "السيرة الشعبية؛ إبداعية الأداء"، نشرت عام 1993، ولعلها حصيلة مشاركته في مؤتمر "الإبداع والحرية" (طرابلس، ليبيا، 1989).
بالرغم من ذلك، لايزال حقل دراسة الأداء يتسم بالندرة، تبعًا لندرة - أكثر اتساعًا - تعاني منها الدراسات الميدانية في مجال الأدب الشعبي.
إذا عدنا لطرح قضية الأسماء المحلية للأنواع في ضوء الإسهامات الفولكلورية العربية، فإننا نتساءل عما يحول دون أن يكون اسم النوع محليًا خالصًا؛ أي من صك الثقافة التي يترعرع فيه النوع الأدبي؟
لقد سبق النجاح في التخلص من فخ مصطلح "الملحمة" للدلالة على نوع أدبي شعبي هو "السيرة الشعبية". ويعرف الباحثون الدافع الرئيس وراء ذلك، والمتمثل في ما ذهب إليه عدد من المستشرقين، وعلى رأسهم الفيلسوف الفرنسي إرنست رينان Ernest Renan (1823 - 1892)، من قبيل الدعوى بأن الأدب العربي يفتقر إلى الملحمة، وبأن العقلية العربية تنزع بفطرتها إلى التجريد، وتعجز عن التجسيم والتشخيص والتمثيل، وبأن الثقافة العربية، من وجهة النظر هذه، لم تعرف الأسطورة، ولم تبدع القصة والدراما.
لقيت نظرة رينان صدى في الأوساط الثقافية العربية (أ. العقاد ود. أحمد أمين على سبيل المثال ) ذلك ما أثار حفيظة عدد من رواد دراسات الأدب الشعبي، أبرزهم الدكتور عبد الحميد يونس، الذي لم يعتمد في دراسته: "الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي" اسم "ملحمة" لوسم السيرة الهلالية، حيث يقول:
"من العسير أن نقول إن السيرة الهلالية ملحمة (Epic) لأنها تقوم بالشعر، وتتحدث عن الحرب والبطولة، وأنها صدى لحياة فاعلة، وأنها تثير في المتذوقين من المشاعر ما نجد له ضربًا في الملاحم المشهورة؛ ذلك لأن الطابع الغنائي يزحمها في كل ناحية، ويكاد لا يخلو موضع من هذه السيرة دون أن نجد فيه شعورًا ذاتيًا، وإن صدرت بأكملها عن قوم أو قبيلة. وما نستطيع كذلك أن نحكم عليها بالغنائية الخالصة، وهي في موضعها العام وفي طريقة سردها تتخذ مظهرًا منافيًا للغنائية. وعلى الرغم من ظهور العنصر الدرامي فيها، فإن بدائيته وسذاجته ووقوفه في التطور عند حالة جنينية يباعد بينها وبين أن نسلكها في هذا الضرب من الفن القولي" .
لكن الدكتور يونس بدا عاكفًا - بعد ذلك بسنوات - على الذود عن "الملاحم العربية"، حيث أطلق مصطلح "الملاحم" على كل السير الشعبية، باعتبار ذلك جزءًا مما تقتضيه "الدراسة الموضوعية"، فعمل على إثبات وجود "الملحمة" في تاريخ الثقافة العربية، "وهي وإن تأخرت في الظهور عن ملاحم شعوب أخرى في الشرقين الأوسط والأدنى، فذلك لأسباب تتصل بالتطور الثقافي" ، ثم يردف في سياق آخر قائلاً:
"لم يكن العرب بدعًا بين الشعوب الإنسانية، فقد مروا بطور نزع الفكر فيه إلى التجسيم والتشخيص وضروب من الطقوس المتوسلة بالتمثيل. وبرز البطل الملحمي في أكثر من بيئة من بيئات العرب، وفي أكثر من مرحلة من مراحل تاريخهم. ومن المفيد أن نميز منذ اللحظة الأولى بين ضربين من الملاحم، كما يقرر مؤرخو الآداب ونقادها. فهناك الملحمة الشعبية Folk Epic التي ينسب تأليفها إلى الجماعة أكثر مما ينسب إلى فرد بعينه. وهناك الملحمة الفنية Art Epic أو الأدبية، وهي التي تنسب إلى مؤلف معروف. والضرب الأخير يُحاكي الأول، وتبدو فيه ملامح شخصية الأديب الذي أبدعها. أما الضرب الأول، فتقليدي، ويقتطع من التاريخ، وإن جنح في عالم الخيال، والشخصية التي اشتهرت بتأليف إحدى ملاحمه غامضة، لا يستطيع تاريخ الأدب أو الحضارة أن يميز لها واقعًا محددًا. وباحثو الأدب المقارن يمثلون للضرب الأول بأشهر ملحمة وهي إلياذة هوميروس، ويستشهدون على الضرب الثاني بإنيادة فرجيل. وأيًّا كانت التعريفات التي ينتهي إليها باحثو الأدب، فإن هذا الجنس الأدبي كان قد اختفى من عالم الإبداع في أكثر بلاد العالم، ولكنه مستمر عند الشعوب التي يقوي فيها الشعور الوطني أو القومي، ويبعث استجابة لما بدأت تحسه الجماعات المتحضرة من وجوب التحام الأدب بالجماهير، وهو الالتحام الذي يعتصم بتصور جديد للبطل الملحمي، والذي يتوسع في تصويره، ويقرن القصيدة القصصية الطويلة ببعض مقومات الأدب الدرامي، ومن حوار وحركة ونشيد جمعي" .
ويؤكد د. محمد رجب النجار أنه مهما وضع النقاد من فروق لا يُستهان ببعضها بين الملحمة العربية والملحمة الغربية، فإنها لا ترتفع إلى مستوى الخلاف النوعي، ويكفي أن يكون هذا التطابق بينهما قائمًا في الهدف والوظيفة، وإن تزيَّا كل منهما بزي يتلاءم وبيئته، وزمان نشأته ومزاجه القومي، ومعتقداته وموروثاته، وأنماطه الثقافية .
يبدو لنا الأمر لدى الدكتور يونس - على موضوعيته - دفاعًا عن الثقافة العربية ومنافحة عن آدابها، وهو مسلك ناجم عن رفض دعاوى رينان ورد فعل له. لكن رد الفعل هذا أثار حفيظة تلميذه - وأستاذنا الجليل - د. أحمد علي مرسي الذي حمل بذور التوجهات الميدانية في دراسة الأدب الشعبي من أستاذه الجليل د. يونس ، فراد طريق الدراسات الميدانية في الجامعة المصرية، وكان بديهيًا أن يتجاوز توجهات المدرسة الوظيفية التي نأت عن وصف مكونات الظاهرة الأدبية الشعبية، لينحاز إلى العمل الميداني، وإلى نتائجه المحصودة من وصف خصوصيات الظاهرة الأدبية الشعبية وصفًا دقيقًا كما هي معيشة في حياة الناس، كي يتسنى لباحثي الأدب الشعبي أن يقيموا معرفتهم النظرية بالأنواع الشفاهية - من بعد - على أُسس أكثر رسوخًا.
قدم د. أحمد شمس الدين الحجاجي معالجة ضافية لهذه النقطة المتعلقة بدعوى وسم السيرة الشعبية بالملاحم، حيث يقول:
"الملحمة مصطلح أطلق أول ما أطلق على الإلياذة والأوديسة، ثم أطلق من بعدهما على أعمال أوروبية أخرى مثل ملحمة رولان وملحمة السيد، وقد ظهرت ملاحم غيرها في أرجاء مختلفة في العالم الأوروبي. وهناك عناصر مشتركة بين الملحمة الأوروبية والسيرة الشعبية العربية، ولكن بينهما أيضًا اختلافًا كبيرًا، فالسيرة عالم متسع أكبر بكثير من الملحمة، وهي الشكل الأول الذي نبتت منه الملحمة، فالسيرة حين تبدأ في التكسر تتحول إلى ملحمة، فهي جزء من السيرة، السيرة هي الكل والملحمة هي الجزء، ولو قارنا على سبيل المثال بين سيرة بني هلال وبين كل من الإلياذة والأوديسة مجتمعتين، لوجدنا أن كلاً منهما تمثل حلقة من حلقات سيرة واحدة، فالإلياذة تتوازى مع التغريبة، ولا تتسع اتساعها، في تقترب من الجزء الخاص بحصار تونس في كثير من أبعاده، وتلتقي معها في كثير من عواطف المتحاربين المحاصِرين، وعواطف [المحاصَرين] والعالم الذي [يعيشونه]: الحب والكره والبطولة والخيانة. وتلتقي كثير من الشخصيات بينهما مع كثير من الفوارق أيضًا، قصة حب عزيزة الجميلة ويونس لا تتساوى مع قصة حب هيلين الجميلة وباريس، ولكن هناك توافقًا كبيرًا بينهما، وحتى غضبة دياب لمقتل صديقه عامر الخفاجي، فيعود بعد اعتزاله الحرب ليقاتل مع الهلالية، وهي تمثل غضبة أخيل لمقتل صديقه بتروكليس، وعودته ليحارب مع اليونان؛ لينتقم لصديقه. الإلياذة كلها لا تزيد في بنيتها عن بنية التغريبة، الوحدة الزمانية والمكانية لمعركة تدور لمدة أربعة عشر عامُا حول أسوار تونس المرية، تقابل معركة تدور عشرة أعوام حول أسوار طروادة، ولا شك [في] أن هناك فروقًا كبيرة بين العالمين. وعند النظر إلى الأوديسة، فهي لا تزيد عن الريادة: رحلة أوليس إلى في البحر للعودة إلى وطنه. والثانية رحلة أبي زيد لاستكشاف بر تونس والعودة إلى وطنه. رجلان يغتربان؛ اليوناني في البحر، والعربي في البر. ليس الشعر هو الفرق الوحيد بين [الملاحم والسيرة العربية]؛ فالسيرة العربية شعر... بعض الشعراء يروون نصوصها شعرًا، وقد يتكسر الشعر بفعل إضافات الراوي المستمرة وجمله الاعتراضية؛ مثل رواية النادي عثمان وعوض الله. وأهم فرق هو اتساع السيرة الذي يشمل في طياته أكثر من ملحمة، لولا أنها تتكسر لتصبح مستقلة الموضوع بعيدًا عن الجوانب الأخرى. ليس هناك ملحمة واحدة فيها هذا الفصل المتسع عن مواليد البطل ثم التدرج السلمي نحو المراحل المختلفة لعمره كما يوجد في هذه السيرة. وسيرة بني هلال تبدأ بفصل مواليد البطل وتنتهي بفصل الأيتام ،الذي يمكن أن يعد فصلاً من فصول مواليد البطل أيضًا، فمرحلة الميلاد تتكرر ثانية في بطل الهلالية الجديد علي أبو الحلقان" .
يختتم د. الحجاجي إضاءته الكاشفة بقوله: "إن علينا أن نتقبل كلمة سيرة وصفًا لهذا الفن الذي أبدعته العقلية العربية، دون أن نسبغ عليها أسماء أخرى لا تنطبق عليه إلا في بعض الجوانب دون غيرها" .
بالرغم مما أُنجز في سياق عودة الاسم المحلي للدلالة على النوع ووسمه به، فقد ظل اسم "الملحمة" - ولايزال - مدرجًا في عدد من الدراسات المعاصرة التي تناولت السيرة، لكن اسم "السيرة" أضحى الآن أكثر استقرارًا، وليس غريبًا أن يعتمده عدد من الدراسات في الإنجليزية والفرنسية والروسية والأوزباكستية ، ولاسيما في العقدين الأخيرين من القرن العشرين. والواقع أن كثيرًا من المستشرقين الأوروبيين - منذ القرن التاسع عشر - قد احتفوا بالسير الشعبية من زوايا مختلفة، لكن أعمالهم جميعًا تتفق على النظر إليها بوصفها سير شعبية ذات مكونات تاريخية وأسطورية وأدبية خاصة.
إذا ضربنا مثلاً بالهلالية، فإننا نذكر الفرنسي "رينيه باسيه" Rene Basset الذي قدم فصلاً ضافيًا تحدث فيه عن الهلالية عام 1885، ثم الألماني "و. أهلوارد" W. Ahlward الذي أصدر فهرسًا جامعًا للمخطوطات العربية بمكتبة برلين عام 1896، تضمَّن وصفًا دقيقًا لمخطوطات الهلالية البالغ عددها مائة وأربعة وسبعين مخطوطة، كما أورد كثيرًا من محتوياتها وذكر بعض أعلامها. وبعد ذلك بعامين، أي في عام 1898، نشر المستشرق الألماني مارتن هارتمان Martin Hartmann بحثًا مستفيضًا تحت عنوان "سيرة بني هلال"، استند فيه إلى الطبعات التي صدرت إلى عهده لسيرة بني هلال، بجانب البيانات التي أوردها أهلوارد في فهرسه المذكور. أما المستشرق ألفرد بل A. Bel، فقد أفرد لسيرة بني هلال كتابًا قائمًا برأسه عنوانه "الجازية"، أصدره في باريس عام 1903، وحاول فيه أن يفيد من أبحاث من تقدموه، فعرض لها في شيء من الإيجاز، واعتمد فيه على نص مغاربي جمعه من أهالي منطقة تلمسان (غرب الجزائر على وجه التحديد) . ولم يُطلق بترسنPetterson مصطلح "الملحمة" على النصوص التي جمعها من عرب الشوا في شمال نيجيريا، حيث عنونها بـ"قصص أبي زيد الهلالي" (Stories of Abu Zaid The Hilali) .
ليس بالوسع أن نستصغر من شأن النجاح في الحفاظ على خصوصية الأسماء المحلية لأنواعنا الأدبية الشعبية وفرضها على المستشرقين الجدد في مختلف أنحاء العالم، حيث نرى ذلك ركنًا أساسيًا من أركان صناعة الثقافة المصرية الحقيقية. ونعتقد أنه من الصعوبة أن يحترم "الآخر" أنواعنا الأدبية، ما لم نحترمها "نحن"، وبديهي أن يجهل أسماءها، ما دمنا لا نعمل على الاعتراف بها وترسيخها.
كلما اتسعت الدراسات الميدانية في مجال الأدب الشعبي، تأكدنا أن الميدان لايزال مكتنزًا بالأسماء والمصطلحات والمفاهيم الدالة على تحولات أنواع الفولكلور وتنويعاتها.
على سبيل المثال، ثمة رواة يطلقون على الجزء من السيرة الهلالية "قصة"، حتى في حالة اعتماد هذا الجزء على الشكل الشعري، وآخرون يحبذون استخدام مصطلح "قصيدة"، حتى إذا لم تحتوِ الرواية على بيت شعري واحد، ويقول بعض الرواة إن السيرة الهلالية "مرسومة على قصايد شعر"، يحددها الراوي عنتر عز العرب (من منشأة همام مركز البداري محافظة أسيوط) بقوله: "مرسومة على تسعين قصيدة"، وهو ما يجعلنا نفترض أن أصل بناء السيرة الهلالية - في وعي رواتها - هو الشعر، وأن الشعر هو النوع الأدبي الذي استوعب السيرة قبل أن يخلع عليه الرواة المتعددون تشكيلاتهم الفنية الخاصة التي امتزج فيها النثر بأشكال مختلفة من الشعر الشعبي. وربما كان معنى "قصيدة" بعيدًا تمامًا عن هذا التفسير، حيث يشير مصطلح "قصيدة" إلى وحدة سردية من وحدات السيرة، أي على جزء محدد من متنها. ومعنى أن الهلالية "مرسومة على تسعين قصيدة" مرتبط بتقسيم الراوي للسيرة بطريقة تمكن ذاكرته من حفظها، فهذا الأمر أشبه بتنظيم السيرة على شكل وحدات حكائية تمكِّن الذاكرة من استدعائها، على نحو ما تشي به كلمة "مرسومة".
كما أننا لا نجد اسم "التغريبة" لدى رواة السيرة في منطقة الجمع (محافظة أسيوط)، وهو الاسم الدال على قسم كبير من أقسام السيرة الهلالية، يقص وقائع رحيل بني هلال إلى الغرب (تونس). الراوي حسني جاد يستبدل به مصطلح "الرحلة". والرواة في قرية "قاو النواورة" التابعة لمركز "البداري" يسمون هذا الجزء "روزة". وتقول الراوية رتيبة فرغلي (النخيلة، أبوتيج): الروزة؛ يروز الغرب؛ يروزو الغرب... إلخ. أما الراوي عبد العاطي نايل (النخيلة، أبوتيج)، فيرى أن الحلقات التي تلي حلقة المواليد هي سلسلة ريادات: الأولى، والوسطانية، والأخيرة.
قد يتردد سؤال هنا: هل يعني ذلك خلع صفة المصداقية المطلقة - التي لا تقبل التمحيص - على التعبيرات والأسماء والمصطلحات المحلية، وعلى آراء الرواة والجمهور حول فنية السيرة وأدائها؟
فلنحاول تقديم الجواب عن هذا السؤال عبر ملاحظات عدة:
1. إن وجهة النظر هذه (اعتماد الأسماء المحلية والمصطلحات الفنية الخاصة بالأنواع الأدبية الفولكلورية) تعني تحديدًا منح الاعتبار لنتائج الدراسات الميدانية، والعمل على إدراجها ضمن الدراسات النظرية في مجال الأدب الشعبي، دون إقصاء ما تم إنجازه علميًا في دراسات سابقة قامت به أجيال عدة من باحثي الأدب الشعبي، بل إنه يمثل اتجاهًا نرى أسسه فيما سبق إنجازه من دراسات شعبية تناولت الظواهر الأدبية الشعبية الحية، غير أن الباحث يسعى إلى تأكيد الانتماء إليه في عمله الراهن.
2. في تصورنا، لا يجوز للجامع الميداني أن يطلق أحكامًا قيمية على ما يجمعه. كما لا يجوز له أيضًا أن يغفل معلومة قام بجمعها، ولا يُقدم على تدوينها استنادًا إلى أحكام قيمية. ومن الخطأ الفادح أن يمتنع عن تسجيل عنصر ما (نص، تعليق، مفهوم، رأي... إلخ) بدعوى أنه قد سبق جمعه، أو لأن قيمته ضئيلة.
3. لا يعني التباين الحاصل بين الرواة في مستوى الأداء، أو مستوى الوعي الفني لدى كل منهم، أن يقيم الجامع مفاضلةً بين راوٍ وآخر، كأن يسجل شيئًا من أحدهم، ولا يهتم بتسجيل الشيء نفسه (إذا تسنى ذلك) من راوٍ آخر، بدعوى أن مستوى الأخير أقل. فإذا كان الجامع معنيًا بالكشف عن هذا التباين وتحليله، فإنه مطالب أولاً بجمع ما يستطيع من الروايات؛ كي يتسنى له - من بعد - القبض على عناصر التباين في ما بينها.
4. مثلما يؤكد واقع العمل الميداني في جمع السيرة بأن لكل راوٍ سمات أدائية تميزه عن غيره، فإن لدى كل راوٍ - أيضًا - وعيًا خاصًا تجاه ما يحفظ، كما أن لكل جماعة بل لكل فرد من أفراد الجماعة ذوقًا خاصًا إزاء تلقي السيرة. ولأن الجامع الميداني هو كائن اجتماعي بالأساس، يحكم على الأشياء بوعي وذوق خاصين كغيره، فإن من متطلبات مهامه في الجمع أن يكون حذرًا من تدخل وعيه وذائقته الخاصين في الحكم على وعي وأذواق الأفراد والجماعات في المجتمع محل الدراسة. ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى مشكلة التقاء عالمين متباينين، حيث يأتي الباحث من "عالم الكتابة" وفنونها، غريبًا عن الفضاء الاجتماعي الذي حلَّ عليه، ليستقصي ظاهرة فنية تعيش في "عالم الشفاهة". ربما يكون الباحث المتخصص قد تلقى – نظريًا - بعض مناهج العمل الميداني وأساليب جمع المادة الشعبية، إلا أن عدم حصوله على الدُربة الميدانية الكافية التي تتيح له تطبيق تحصيله النظري، تجعل مواجهته الأولى للميدان أمرًا بالغ الصعوبة، فكلاهما – الباحث والميدان - غرباء.
لامناص من شرط تمتع الباحث الميداني بمهارات خاصة، نضيف إلى ما سبق ذكره: القدرة على إدارة التنوع الذي يتسم به موضوع السيرة على مختلف الأصعدة، والعمل على استبطان كل ما يتعلق بالسيرة في الميدان، وتنظيم المعلومات التي قام بجمعها دون أن يغفل شيئًا منها. الأمانة والحيدة صفتان يجب تلازمهما مع مهمة الباحث الميداني. مع التأكيد على أن ذلك لا ينفي تداخل الجانب الذاتي للباحث في الموضوع محل الدراسة، غير أن هذا الأمر (الموضوعية) يُرام دومًا أن يتحقق على نحو إيجابي لصالح نجاح العمل الميداني.
إن هذه الرؤية (العمل الميداني: وصف الظواهر والوقائع الميدانية وصفًا دقيقًا، جمع النصوص الشفاهية، والتركيز على محور الأداء بأركانه وعناصره المتضافرة) تمثل امتدادًا راسخًا لريادة قسم اللغة العربية وآدابها في دراسة الأدب الشعبي، وتتبدى هذه الريادة في علامات كثيرة ومحطات متتالية خلال القرن العشرين، من أهمها: الاعتراف بدراسة الأدب الشعبي (د. سهير القلماوي) في الأربعينيات، إنشاء كرسي أستاذ الأدب الشعبي (د. عبد الحميد يونس) في الخمسينيات، ريادة المدرسة الميدانية لجمع الأدب الشعبي (د. أحمد مرسي) في الستينيات. وفي مطلع الثمانينيات (فبراير 1980)، يدخل الراوي الشعبي إلى أروقة الجامعة للمرة الأولى في تاريخها، ثم تتوالى عروضهم للسيرة في الجامعة خلال عقد التسعينيات؛ 1993 و1996 (د. أحمد شمس الدين الحجاجي).
ختامًا للنقطة الخاصة بقضايا تجنيس السيرة الشعبية التي تمثل الهلالية واحدًا من نصوصها المعيشة في الثقافة، يتصور الباحث أن معظم دراسات السيرة الشعبية قد خلا من مناقشة السيرة من زاوية التجنيس، مقارنة بالجهود البحثية التي بذلت في تجنيس الأنواع الأدبية الحديثة، بل أيضًا بالدراسات التي اهتمت بأنواع الأدب الشعبي الأخرى، ربما لأن السيرة تعد موضوعًا بالغ التعقيد بالمقارنة بمحاولات تجنيس الأنواع الأخرى من الأدب الشعبي، فنحن - أمام السيرة - نواجه شبكة عريضة من النصوص والمتون، ما بين مدون ومطبوع من جانب، وروايات شفاهية دائمة التغير من جانب آخر. ونواجه أيضًا عددًا من التنويعات والسياقات وأساليب التداخل والتآزر بين الأشكال (الأنواع) الأدبية داخل فضاء النص السيري. وإذا شئنا، أفدنا من مفهوم "تضمين المأثورات" الذي صكه مليمان باري M. Parry (1902-1935) وتلميذاه ألبرت لورد A. Lord (1917-؟) وديفيد بينوم D. Bynum، لتحليل ظاهرة تناص مجموعة من الموتيفات المنتمية إلى أجناس أدبية شعبية عدة داخل الأنواع الشعبية التي تتسم بالضخامة النصية . فالأنواع الأدبية الشعبية ليست منفصلة في ما بينها، بل تتعايش وتتآزر في علاقات داخلية شديدة الحيوية والتركيب.
لهذه الأسباب، تقع أية محاولة لوضع السيرة/السير الشعبية في لب قضايا النوع الأدبي في حيرة من الأمر، خاصة أن موضوع النوع، في جانب من جوانبه، هو عملية اختزال وتقنين ، يرفضها تداخل الأنواع (النثرية والشعرية) في السيرة، وتراوغها التشكيلات النصية المتعددة لها. أضف إلى ذلك: الطبيعة الخاصة للروايات الشفاهية على مستوى الأداء، والتلقي (الجمهور)، والسياق الزماني/المكاني لكل رواية شفاهية، كما ذكرنا سابقًا.
لكن هذه الشبكة المعقدة لم تحل دون وضع نصوص السيرة الشعبية، على تعددها، في إطار "النوع الجامع" الذي يتضمن قوانين رئيسية، أو موضوعات عامة، تنسحب على مجمل نصوص السيرة السير الشعبية، سواء الشفاهية أو المدونة والمطبوعة (د. أحمد شمس الدين الحجاجي، د. أحمد مرسي، أ. فاروق خورشيد، د. محمد حافظ دياب، د. محمد رجب النجار، وغيرهم). وهناك دراسات انتخبت نماذج محددة من السيرة الشعبية، كسيرة الظاهر بيبرس (د.عبد الحميد يونس)، وسيرة بني هلال (أ. أحمد ممّو، د. روزلين ليلى قريش، أ. شوقي عبد الحكيم، أ. الطاهر قيقة، أ. عبد الحميد بورايو، أ. عبد الحميد حواس، د. عبد الحميد يونس، عادل مقديش، د. عبد الرحمن أيوب، أ. عبد الرحمن قيقة، د. محمد علي برهانة، أ. محمد فهمي عبد اللطيف، أ. محمد المرزوقي، وغيرهم). وسيرة ذات الهمة (د. نبيلة إبراهيم)، وسيرة عنترة (د. شكري عياد، د. عبد الحميد يونس، د. محمود الحفني ذهني، وغيرهم)، وسيرة الملك سيف بن ذي يزن (د. خُطري عرابي أبو ليفة، د. سعيد يقطين). كما نلاحظ اهتمام بعض الدراسات بقسم بعينه من أقسام السيرة الشعبية، أو حلقة من حلقاتها، كحلقة ميلاد البطل (د. أحمد شمس الدين الحجاجي)، أو الجزء الخاص بعزيزة ويونس في الهلالية (د. صلاح الراوي)، أو شخصية من شخصيات إحدى السير، مثال شخصية عامر الخفاجي بن درغام حاكم العراق (باسم عبد الحميد حمودي)، وشخصية الزناتي خليفة في الهلالية (د. أحمد شمس الدين الحجاجي).
لقد تباينت مداخل دراسات السيرة الهلالية، حيث اهتم بعضها بدراسة السيرة من حيث هي "سيرة" في سياقها الثقافي والاجتماعي المعيش (د. أحمد شمس الدين الحجاجي، د. محمد حافظ دياب، على سبيل المثال)؛ أي الاعتماد على المعاينة الميدانية للسيرة الهلالية، والتركيز على موضوع الأداء وأركانه المختلفة (الرواة، الروايات، الجمهور)، بينما نجد القسم الأكبر من الدراسات يتجه إلى دراسة السيرة من حيث هي ملحمة، أو أدب بطولة، أو أقاصيص، أو أسطورة، أو رواية، أو نص سردي، أو مخطوطات أصلية، الأمر الذي يثير عددًا من القضايا الجديرة بالمناقشة.

الهوامش
1 - بول زومتور، مدخل إلى الشعر الشفاهي، ترجمة: د. وليد الخشاب، دار شرقيات، القاهرة، الطبعة الأولى، 1999، ص 45.
2 - مجموعة باحثين، القصة – الرواية - المؤلف: دراسات في نظرية الأنواع الأدبية، ترجمة: د. خيري دومة، مراجعة: د. سيد البحراوي، دار شرقيات، القاهرة، 1997، ص17.
3 - د. محمد فكري الجزار، فقه الاختلاف: مقدمة تأسيسية في نظرية الأدب، سلسلة كتابات نقدية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1999، ص 146 – 148.
4 - أ. جان ماري شيفير، ما الجنس الأدبي، ترجمة: د. غسان السيد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، المغرب، 1997، ص 29.
5 - أ. فيلموس فويجت، نحو نظرية للأنواع في الفولكلور، ترجمة: د. خيري دومة، الفنون الشعبية (القاهرة)، العدد54 - 55، يناير/يونيو1997، ص 72.
6 - تزيفتان تودوروف، باختين: المبدأ لحواري، ترجمة: أ. فخري صالح، سلسلة آفاق الترجمة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1996، ص 173.
7 - د. محمد حافظ دياب، إبداعية الأداء في السيرة الشعبية، الجزء الثاني، سلسلة مكتبة الدراسات الشعبية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1996، ص 357.
8 - د. أمينة رشيد، تشظي الزمن في الرواية الحديثة، سلسلة دراسات أدبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998، ص11.
9 - د. دياب، مرجع سبق ذكره، ص 358.
10 - تودوروف، مرجع سبق ذكره، ص ص 173 - 193.
11 - فويجت، مرجع سبق ذكره، ص 71- 80.
12 - نقلاً عن: د. محمد المهدي بشرى، بعض إشكالات تعريف الجنس الفولكلوري، المأثورات الشعبية (الدوحة)، السنة الثامنة، العدد التاسع والعشرون، يناير 1993، ص 28 - 29.
13 - د. دياب، مرجع سبق ذكره، ص ص 280 - 284.
14 - المرجع نفسه، ص 175.
15 - نقلاً عن: بشري، مرجع سبق ذكره، ص 29.
16 - نقلاً عن: المرجع نفسه.
17 - Linda Degh, Folk life Narrative in Richard, The University of London
18 - شيفير، مرجع سبق ذكره، ص 33.
19 - راجع دراسة د. أحمد على مرسي التي صدَّر بها ترجمته لكتاب يان فانسينا، المأثورات الشفاهية، دار الثقافة، القاهرة، 1981، ص 14.
20 - د. ألفت كمال الروبي، الموقف من القص في تراثنا النقدي، مركز البحوث العربية، القاهرة، 1991.
21 - د. أحمد شمس الدين الحجاجي، مولد البطل في السيرة الشعبية، دار الهلال، القاهرة، 1996، ص 5.
22 - المرجع نفسه، ص 28 .
23 - راجع على سبيل المثال : أ. إبراهيم اسحق إبراهيم، السيرة الهلالية بين التاريخ والأسطوري: محاولة في التخيل المقارن، المأثورات الشعبية (الدوحة)، السنة الخامسة، العدد 20، 1990، ص 37.
24 - د. روزلين ليلى قريش (تقديم)، سيرة بني هلال، موفم للنشر، الجزائر، 1988، ص 7. وحول علاقة التاريخ بالمأثورات الشعبية، يراجع:
أ?. أ. صفوت كمال، المأثورات الشعبية: علم وفن، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2000، ص ص 179-209.
ب. د. عبد الباسط عبد المعطي، التدين والإبداع: الوعي الشعبي في مصر، المأثورات الشعبية (الدوحة)، العدد الرابع والعشرون، أكتوبر 1991، ص ص 69-81.
ج. وانظر جزءًا من دراسة د. أحمد مرسي تحت عنوان "الفولكلور والتاريخ"، في: يان فانسينا، مرجع سبق ذكره، ص ص 29-40.
25 - د. علي محمد برهانة (إعداد)، سيرة بني هلال: دراسة أدبية لغوية مقارنة. تقديم: د. نبيلة إبراهيم، منشورات كلية الآداب والتربية بجامعة سبها، 1994.
26 - انظر: د. دياب، مرجع سبق ذكره، ج1، ص 91. ج2، ص 285.
27 - د. مرسي، مقدمة في الفولكلور، عين للدراسات والبحوث الإنسانية، القاهرة، 1995، ص ص 109 - 127. وراجع له أيضًا: المبدعون والمؤدون: التدريب والأداء، التراث الشعبي (بغداد)، العدد الفصلي الأول، شتاء 1987.، ص ص 157- 169.
28 - د. محمد أحمد عمران، موسيقا السيرة الهلالية، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1999.
29 - د. دياب، إبداعية الأداء في السيرة الشعبية، مرجع سبق ذكره، ج1، ص 228.
30 - د. الحجاجي، مرجع سبق ذكره، ص 8.
31 - د. عبد الحميد يونس، الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي، دار الكتب المصرية، ط2، القاهرة، 1995، ص 156.
32 - د. يونس، الأسطورة والفن الشعبي، المركز الثقافي الجامعي، القاهرة، 1980، ص 98. وراجع كذلك: د. يونس، دفاع عن الفولكلور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1971 (انظر: سيرة بني هلال أو قصة أبو زيد الهلالي، ص ص 175 - 198).
33 - د. يونس، الأسطورة ...، مرجع سبق ذكره، 99-100 .
34 - د. محمد رجب النجار، الملاحم العربية، كتاب تحت الطبع.
35 - يقول د. يونس: "إن دائرة البحث يجب أن تتجاوز المخطوطات والمطبوعات إلى الميدان (...) ذلك لأن أدبًا جماعيًا شعبيًا كسيرة بني هلال يختلف في طبيعته عن الأنواع الأدبية الفردية التي أثرت عن اللسان الفصيح المعتمد معظمه على التدوين، فاكتسب بذلك خصائص معينة في صورته ومنهجه (...) ومن العبث أن ننظر إلى السيرة على أنها أثر مستكمل الصورة منذ الوجود، أو أن ما أصابها من التغير بعد فترة معينة أو [في] بيئة معينة، إنما هو زيادة يجب فصلها، أو أن نتوسل بها إلى فهم شيء آخر. والصحيح أن ندرسها لذاتها على أنها كائن حي ينبض بالحياة، (...) وقد دعانا هذا إلى أن نستعين بأحد المنشدين البارزين المختصين بسيرة بني هلال [يقصد به الدكتور يونس الراوي السيد فرج السيد]، ولم نكتف بأن نثقف منه طرائق الإنشاد، ولكنا سمعنا منه معظم هذه السيرة كما يحفظها ويرويها، وتبينا معه دواوينها الأساسية وسياقها في الإنشاد من حيث الأهمية والتتابع الزمني معًا". انظر: د. يونس، الهلالية...، مرجع سبق ذكره، ص 122 – 123.
36 - د. الحجاجي، مولد البطل...، مرجع سبق ذكره، ص 25-27.
37 - المرجع نفسه، ص 28.
38 - انظر دراسة الباحث الأوزباكستاني د. نعمة الله إبراهيم، السير الشعبية العربية، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، ط1، 1994. ويذكر د. إبراهيم في كتابه أن سيرة الهلاليين كانت موضوع بحث رسالة الدكتوراة التي أنجزهتا الباحثة د. ا. أو. نايفا والمعنونة بـ" سيرة بني هلال"، وااتي طبعت في موسكو عام 1972. ويشير د. محمد حافظ دياب إلى أن هناك دراسات تقرن السيرة بالكلمة الإسكندنافية "ساجا" Saga، والتي تعني: "أي شكل من القص أو الخبر بغض النظر عن طوله أو طموحه الأدبي، وإن اعتبرت في استعمالها الحديث قصة تشبه الحكاية النثرية التي ترجع إلى العصر الأوروبي الحديث" كما " تختلف الساجا عن الخرافات اختلافًا بينًا؛ لأن الساجا مع احتوائها على قدر كبير من الخرافات تقوم على أساس من الواقع التاريخي. وبعبارة أخرى: هي قصص يمتزج فيها الخيال بالحقيقة التاريخية، فهي حقائق تاريخية محرفة بدرجات متفاوتة، وغالبًا ما تتضمن أعمال بطولية ومغامرات خارقة" (نقلاً عن: د. دياب، مرجع سبق ذكره، الجزء الأول، ص 43-44). ومن ثم، انحاز عدد من المستشرقين إلى استبدال الساجا بالسيرة، نظرًا لأوجه الشبه بينهما، ولأن "الساجا" بوصفها نوعًا أدبيًا أقرب كثيرًا للسيرة من النوع الملحمي. انظر مثالاً للدراسات الفرنسية التي اعتمدت على السيرة الهلالية في بحث علاقة رحلة بني هلال بالشمال الأفريقي، خاصة الصحراء الجزائرية، في: Mr. Youssef Nacib, Une geste en fragments, La saga hilalienne, des Hauts Plateaux algeriens, Paris, 1995. وتحتوى الدراسة على ملحق بالنصوص المجموعة من الميدان باللهجة الجزائرية مع ترجمة إلى الفرنسية. لكن الباحث يلاحظ أن النصوص المجموعة لا تحتوي على تفسير للمفردات المستعصية على غير الجزائري، كما أننا لا نعرف عن رواتها سوى أسمائهم دون أية معلومات أخرى عنهم. وانظر كذلك بحث الباحثة الأمريكية أنتينا بيكر حول الهلالية في الجنوب التونسي، وهو موضوعها للدكتوراة من جامعة إنديانا: Dr. Antina Becker, The Hilili saga in The Tunisian south, Indiana university press, Bloomington, 1978.
39 - د. يونس، الهلالية...، مرجع سبق ذكره، ص ص 115- 122.
40 - د. الحجاجي، مولد البطل ...، مرجع سبق ذكره، ص198.
41 - انظر: زومتور، مرجع سبق ذكره، ص 112.
42 - د. دياب، مرجع سبق ذكره، ص



#محمد_حسن_عبد_الحافظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طــريـق الــهـلالـيـة
- الثقافة الشعبية والمجتمع المدني؛ نحو مدخل فولكلوري للتنمية
- حرية الشفاهي ؛ حرية المكتوب


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسن عبد الحافظ - الشعر مدينة خربانة؛ السيرة الشعبية وقضايا النوع الأدبي