العثماني والغازي
الحوار المتمدن-العدد: 3987 - 2013 / 1 / 29 - 21:12
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تكتسي دراسة موضوع الطاعون أهمية كبرى في المغرب نظرا لما خلفه من كوارث ونتائج وخيمة على المجال والمجتمع ، ولاستمراره على مر تاريخ المغرب، كما تتجلى أهميته في تكوين وتفسخ دول ، والجدير بالذكر أن المصادر والمراجع التي اهتمت بتاريخ الأوبئة بالمغرب متعددة وخاصة الأجنبية منها ، وسوف أقتصر هنا على الطواعين التي ضربت المغرب منذ القرن الثامن عشر ، موليا الاهتمام لطاعون طنجة 1799والذي انتشر بعد ذلك على مناطق شاسعة من التراب المغربي، وقد تناوله الدكتور محمد الأمين البزاز لنيل دكتوراته والناصري في الإستقصا...، وسوف أقتصر هنا بدرجة كبيرة على مقال للطبيب الفرنسي رونو المنشور بمجلة هسبيريس تامودا.
إن الطبيب الفرنسي رونو حاول الإحاطة الشاملة بالموضوع "الطاعون" الذي ضرب مدينة طنجة بحيث اطلع على أرشيف القنصليات، ويؤكد من خلال هذا المقال أن الطاعون كان مستمرا في المغرب حيث اعتبره أضخم الطواعين التي ضربت المغرب نظرا لما خلفه من وفيات كثيرة ولطول المدة التي استغرقها، حيث بين لنا فرضيتين حول أصل الوباء ففيما تقول الفرضية الأولى أن الوباء أتى به الحجاج المغاربة من الشرق ، تقول الفرضية الثانية أن الوباء حمله تاجر اسباني للسواحل المغربية ، ولكننا نرجح الفرضية الأولى لاتفاق المصادر حولها.
ومهما يكن فإن هذا الطاعون كانت نتائجه كارثية على المغاربة ، وجاكسون أعطى تفاصيل مهمة عليه حيث قلص من التزايد الديمغرافي في المدن والبوادي المغربية، وأعاد في توزيع الثروة حيث العديد من الفقراء أصبحوا أغنياء ، ويعتبر الفقير أن ما يتيح له الطاعون من ثروات حلال عليه باعتباره إرث من إخوانه .
إن التفسير الفقهي لهذا الوباء حسب رونو يقول أن الوباء هو من سخط إلهي مبررين ذلك بعدم إخراج الزكاة ومنه اتى الغضب الإلهي على عبده لخروجهم عن طاعته.
إن هذا الطاعون خلف أعدادا مهولة من الوفيات حيث اليد العاملة قليلة ولجوء الأغنياء إلى الأعمال الشاقة التي كان يقوم بها العمال ذلك أنه يصيب الشباب والنساء بالدرجة الأولى ، ثم الأطفال والشيوخ.
وقد قدم لنا رونو وصفا دقيقا حول أعراض المصابين بالطاعون ، إذ تتكون قشور حمراء على أجسادهم وعدم تحكمهم في اللعب، وحبيبات سوداء مليئة بالدم وهو ما يسمى بالطاعون الأسود.
ويعود بنا رونو كذلك في مقاله إلى طاعون عرفه المغرب في مارس 1742-1744، الذي دخل إلى المغرب في مارس 1742 عبر الطريق البري من الجزائر ، وقد حملته قافلة تجارية إلى قرية قرب فاس ومنها انتقل إلى باقي البلاد ، فهذا الطاعون تزامن مع الحرب الأهلية وعدم الاستقرار التي كان يعيشها المغرب بعد وفاة السلطان إسماعيل ( أزمة الثلاثين سنة 1727-1757)حيث انتشر الوباء بين أفراد الوحدات التجارية، وقد شمل كل أطراف المغرب واكتسح الشمال ، وقد كان وباءا مدمرا خاصة بالقصر الكبير ووزان والضعيف ألرباطي يؤكد لنا ذلك من خلال مؤلفه"تاريخ الدولة السعيدة" حيث يقول"كثر الموت وضاع من الخلائق ما لا يحصى عدد حتى قيل مات من أهل القصر أربعة عشر ألف بالطاعون، أما طنجة فكان عدد الضحايا مابين ثلاثين إلى أربعين في اليوم..."
رونو تحدث كذلك عن طاعون 1818 حيث أن هذا الوباء دخل إلى المغرب كذلك عبر مدينة طنجة بعد وصول باخرة على متنها حجاج قادمين من الحج ، حيث انتشر بالسواحل ومنها شاع في الحواضر والبوادي ، وبعد مرور سنة أتى طاعون أخر 1819 من مدينة تطوان، وانتشر بالمغرب .
وبجرد لهذه الطواعين والتي تز امن جلها مع فترة حكم السلطان سليمان (1792-1822)، يقارعنا الطبيب الفرنسي رونو، أن الوباء ينشط عندما تتوفر الشروط الملائمة له : كثرة الجرذان والبراغيث المنقلة للوباء، انتشار الجفاف ، حرارة ملائمة ... حيث يؤكد أن الفئران مقاومين للوباء رغم حملهم له ، وتحتفظ به حتى تتوفر الشروط الملائمة لانتشاره حيث يصيب الحيوانات قبل الإنسان ، ويقدم لنا أدلة من دكالة ، والطاعون الذ ي ضربها في 1912- تاريخ توقيع معاهدة الحماية مع السلطات الفرنسية – مخلفا أربعة عشر ألف وفاة من بينهم خبير أوربي حيث الظروف ملائمة لانتشاره في هذه المنطقة ( منطقة خصبة منتجة للحبوب تنشط فيها الفئران والبراغيث...)
ومما لاريب فيه فلم يكن معروفا أن الفئران والبراغيث تنقل الوباء ، رغم ان الصينيين اكتشفوا ذلك قبل الأوربيين حسب رونو، إذ ينتقل الوباء مباشرة بالاحتكاك مع الآخرين ومشاركتهم الأطعمة والأشربة.
إن من أسباب تفشي الوباء هروب الناس عن الحجر الصحي الذي وضعه الأوربيون (الكرنتينة) ، ولا شك أن الموقف من الكرنتينة يدخل في إطار ردود الفعل اتجاه المستجدات الأوربية للتعامل مع مشكل الوباء داخل المغرب ، فالكرنتينة ظاهرة جديدة لا عهد للمغاربة بها. فالهروب من الحجر الصحي راجع إلى تحريم بعض الفقهاء لها معتبرين الوفاة بالوباء شهادة، كما اعتبرها البعض مصدر من الكفار النصارى.
ورغم الحجر الصحي المفروض على مدينة طنجة ، فسماح إدارة الميناء من ذرية السلطان بدخول طنجة دون فحص ، انتشر الطاعون وسط خدم الأميرين منهيا حياتهم ، قبل أن ينتشر في شمال المغرب.
ولا غرو أن نجد الحركات التي كان يقوم بها المخزن لاستثباب الأمن تساهم بانتشار الطاعون ، فالسلطان سليمان ـ يذكر رونوـ أنه كان مصابا مرتين بالوباء ونجى منه لاستنجاده بالأطباء الأوربيين ، رغم أن التطبيب غير قادر على فهم الظاهرة في المغرب.
إن الوسائل التي استعملها المغاربة للنجاة من الطاعون كثيرة ومتعددة ولعل اهمها زيت الزيتون ، ورغم أن هذه الوسيلة لا تقضي عليه بالمرة إلا أنها تخنقه، علاوة على أوراق الكاليبتوس...
ومجمل القول فما سببته هذه الكوارث بالمغرب الشمالي من إعادة لتوزيع الثروة ، والنزيف الديمغرافي والهجرة ، وتوسع النهب الرأسمالي ، وثقل الضرائب وتفكيك التحالف القبلي وتدهور الأمن ... كل ذلك ساهم في ضعف السلطة المركزية ، في الوقت الذي كانت أوربا تعيش الثورة الصناعية، مما أدى إلى تغيير موازين القوى في حوض الأبيض المتوسط ، وتزايد الاهتمام الأوربي بشمال إفريقياّ.
#العثماني_والغازي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟