مدخل
تميزت العقود الأخيرة بالتدهور الحاد في مكونات البيئة الطبيعية كتلوث الهواء والماء والتربة وزيادة مستوى الضوضاء ،خصوصا في المدن،وتراكم أنواع كثيرة من الفضلات على مساحات واسعة، وتنامي الاستعمال لكثير من الموارد الطبيعية،و انقراض بعض أصناف الحيوانات و النباتات،و انجراف التربة إضافة إلى أشكال أخرى من تحطيم التوازن الطبيعي. رغم أن مشاكل البيئة والنتائج المترتبة عليها لا تكون متطابقة في كل البلدان، إذ لكل حالة خاصة ملامحها المميزة، إلا أنها باتت تنال جميع بلدان المعمورة، فمثلا حرق أبار النفط في الكويت الذي أقدم عليه النظام العراقي المنهار في 1991 والذي كان أكبر كارثة نفطية في التاريخ لم تقتصر تأثيراته الضارة في الكويت والدول المجاورة ؛ إذ شملت دائرة يصل محيطها إلى مدينة موسكو و أثرت في المناخ والطقس . فمثلا انحباس الأمطار في اليمن كان من نتائجها . فكميات النفط المحترقة والمتدفقة - تكونت 300 بحيرة نفطية داخلية - بلغت 4,6 مليون برميل في اليوم وتعادل استيراد الولايات المتحدة يوميا حينذاك من النفط . إذ كانت الحرارة الناتجة من الحرائق تعادل 86 مليار واط وكان غاز ثاني اوكسيد الكربون المنبعث 1,9 مليون طن متري في اليوم يساوي 2% من الانبعاث العالمي لهذا الغاز من احتراق الوقود الحفري و الكتلة العضوية وانبعاث 20,000 طن متري من غاز ثاني اوكسيد الكبريت. كذلك نتجت كميات كبيرة من السخام والنفط غير المحترق على شكل غبار نفطي والذي انتقل إلى مناطق بعيدة .واستخدام الأسلحة المتطورة التي يدخل في تصنيعها اليورانيوم المنضب في حرب الخليج الثانية في 1991 والثالثة في 2003 باتت أبعاده الخطيرة تتضح في تلويث الهواء والماء والتربة ومن ثم تعريضها السكان إلى شتى الأمراض الفتاكة . ولم تقتصر تأثيرات ذلك على مسرح العمليات العسكرية ، فمثلا تلوث أنهار العراق يساهم في انتقال الملوثات إلى الخليج العربي ثم إلى خليج عمان والمحيط الهندي وباقي المحيطات. وساهم قصف المفاعلات المحملة بالوقود النووي في تلوث حتى المناطق القريبة المكتظة بالسكان .كذلك تخزين واستخدام وإتلاف أسلحة الدمار الشامل العراقية أدى إلى تلوث التربة والمياه والأغذية .عموما فقد ارتفعت نسبة الملوثات في العراق 11 مرة مقارنة بعام 1987 بسبب الحروب واستخدام الأسلحة الكيميائية وتجفيف الاهوار حسب وزير البيئة العراقي . بالطبع تأثيرات ذلك لابد أن تنتقل إلى المناطق المحيطة بالعراق على أقل تقدير .
اختلال التوازن الديناميكي
التأثيرات الخطرة الناتجة عن النشاطات البشرية واضحة في معظم مكونات البيئة كالغلاف الحيوي والجوي، والمائي و أجزاء من الغلاف الصخري، مما يعني أن التناقض بين المجتمع والطبيعة أصبح حادا وخطرا. فنشاطات الإنسان التحويلية (مثل استعمال الموارد الطبيعية، وتصريف المخلفات، وتغيير المظهر الطبيعي للأرض وخلق أنظمة بيئية جديدة …الخ) تتعارض مع تنظيم التوازن الديناميكي. وقد ينتج عنها تغيرات خطيرة في الأنظمة الطبيعية لا يمكن إلغاؤها محليا وعالميا. ويؤثر ذلك على سيرة الحياة للأجيال الحالية والقادمة.
تتميز المرحلة الحالية بانبثاق مظاهر جديدة لمشاكل البيئة، سواء تلك التي لم تكن موجودة، أو التي كانت مستترة، مما زاد من مشاكل مكونات البيئة بشكل يتعذر قياسه أو الحد منه، وفرض بالتالي وضعية اجتماعية-سياسية ذات بعد عالمي، ذلك إن التأثيرات الضارة لنشاطات الإنسان كانت قبل وقت قريب محصورة في الحياة البرية، والغطاء النباتي، والمظهر الطبيعي، خلافا للوقت الحاضر حيث أصبح التلوث البيئي المكثف ، واستنزاف الموارد الطبيعية أيضا جزءا من مكونات الصورة التي نعيشها اليوم.
وبالإضافة إلى التلوث البيئي، (الذي يخص البيئة الطبيعية والمراكز السكنية والصناعية) والمستويات العالية من التلوث البايولوجي (الفضلات العضوية) ثمة أيضا زيادة حادة في التلوث الكيميائي والفيزيائي، إذ يشمل الإنتاج الصناعي على عشرات الآلاف من المواد الكيميائية، وتضاف إليها سنويا مئات أخرى جديدة التي يؤدي إنتاجها واستعمالها إلى زيادة حدة التلوث. وهناك تأكيدات على خطر التلوث الفيزيائي مثل ارتفاع الحرارة (من ادفأ سنوات المائة سنة الأخيرة :1980، 1981، 1983، 1987 ،1988 ، 1990) والضوضاء و الإشعاع والتلوث الكهرومغناطيسي.
تغير المناخ سوف تكون له تأثيرات هامة على البيئة . فهناك سيناريو يتوقع ارتفاع حرارة الأرض 5,8 درجة مئوية في القرن الحالي بسبب التلوث وهو معدل لم تصل إليه خلال 10,000 سنة الماضية . ويتوقع ارتفاع مستوى مياه البحار نصف متر في سنة 2100 نتيجة لذوبان المياه المتجمدة وهو أكبر من الزيادة خلال القرن الماضي. فقد حذر علماء سويسريون في دراسة نشرت في نهاية عام 2003 بأن التغير في المناخ يهدد مناطق التزحلق على الجليد في أوروبا وشمال أمريكا واستراليا وإن مستوى الثلوج في مناطق رياضة الشتاء في أوروبا سوف ينخفض بشكل حاد في الثلاثين أو الخمسين سنة القادمة . نتائج ارتفاع مياه البحار سوف تتمثل في زيادة الفيضانات وتعرية السواحل وارتفاع ملوحة الطبقات الصخرية المائية والأنهار وفقدان الأراضي الزراعية الساحلية ونزوح السكان وغيرها . وإذا حدث ذلك فسوف يكون العراق من بين الدول التي تتأثر به .
تلوث الموارد الطبيعية
يتأثر عدد من الموارد الطبيعية خصوصا بالتلوث. فمثلا، يزيد انبعاث الدخان الصناعي والغازات من حموضة التربة من خلال تساقط ما يسمى بالمطر الحامضي ،إضافة إلى ارتفاع الحموضة في الأنهار وخزانات المياه العذبة، وتسبب هذه الأمطار أضرار كبيرة في الدول الصناعية خصوصا كندا وبولندا والدول الاسكندنافية . ففي أوروبا تعاني 60% من الغابات التجارية من ترسبات الكبريت .وفي السويد أُصيبت 20,000 بحيرة من مجموع 90,000 بالتحمض إلى حد ما . وفي كندا تحمضت 48,000 بحيرة . وأصبح المطر الحامضي أيضا مشكلة كبيرة في الدول النامية مثل في جنوب- شرق الصين وشمال- شرق الهند وكوريا الجنوبية وتايلاند . كذلك تصريف الفضلات السائلة نحو الأنظمة المائية ينتج عنه تلوث المياه العذبة وتقليل التنوع البايولوجي (الاحيائي) في الأنهار والبحيرات والبحار. ففي الدول النامية تصرف 90-95% من مياه المجاري و70% من المخلفات الصناعية إلى المياه السطحية دون معالجتها.
وفي العراق ينذر تلوث المياه بالخطر فالملوحة تتزايد ففي بغداد ارتفعت 42% وفي الموصل 20% في 1967- 1979 وفي شط العرب عند السيبة 13,5 % في 1996-2000 . نتج هذا من الأسباب التالية : إقامة السدود والخزانات على نهري دجلة والفرات في العراق وتركيا وسوريا التي تؤثر على كمية ونوعية الأملاح . تقدم مياه الخليج العربي المالحة في شط العرب نتيجة قلة مياهه . صرف مياه المعامل ومشاريع التصنيع العسكري في عهد النظام السابق إلى الأنهار دون معالجتها كيمياويا لضعف الرقابة وإهمالها إن وجدت . قلة معالجة مجاري المدن التي تصرف إلى الأنهار. صرف مياه البزل المالحة إلى الأنهار .
جدول رقم ( 1 ) تركز الملوثات في أنهار دجلة والفرات وشط العرب لعام 2001 ( ملغم / لتر )
العنصر |
دجلة قبل الملتقى |
الفرات قبل الملتقى |
ملتقى النهرين |
التركز في شط العرب بعد الملتقى " الشافي " |
الحامضية PH |
8 |
7,98 |
8,10 |
8,00 |
التوصيل الكهربائي |
2410 |
1970 |
2610 |
3140 |
العكارة |
47,0 |
36,3 |
44,3 |
35,0 |
العسرة الكلية |
510 |
570 |
520 |
610 |
عسرة الكالسيوم |
190 |
220 |
200 |
240 |
عسرة المغنيسيوم |
123 |
119 |
125 |
123 |
الكلورايد |
606 |
789 |
691 |
846 |
الكبريتات |
319 |
280 |
348 |
464 |
السيليكات |
16,09 |
15,5 |
16,9 |
99 |
المواد الصلبة الذائبة T.D.S |
1620 |
2000 |
1800 |
2200 |
الحديد |
2,64 |
1,31 |
2,15 |
1,17 |
المصدر: وزارة الصحة، قسم حماية وتحسين البيئة، البصرة، بيانات غير منشورة، 2001، نقلا عن د. كاظم عبد الوهاب حسن و بشرى رمضان ياسين، مجلة البحوث الجغرافية، جامعة الكوفة، العدد الرابع، 2002، جدول ( 2 )، ص 97.
يتضح من رقم الجدول ( 1 ) إن تركز الملوثات في نهري دجلة والفرات قبل الملتقى فوق الحدود المسموح بها وهذا يعني إن شط العرب يحصل على مياه ملوثه أصلا قبل أن تلعب البيئة الجغرافية المحيطة به بزيادة تركزها.
جدول رقم ( 2 ) كمية المياه الثقيلة المطروحة في شط العرب من أقضية البصرة وإيران.
الوحدات الإدارية |
كمية مياه الصرف الصحي "لتر / يوم " * |
القرنة |
27635760 |
البصرة |
148691340 ** |
شط العرب |
15196500 |
أبو الخصيب |
24138180 |
الفاو |
278820 |
الأحواز " إيران " |
571680000 |
* حسبت الكمية بضرب عدد السكان في 180( معدل تصريف الفرد للمياه الثقيلة في المحافظة )
** يتم تصفية 40% من هذه الكمية قبل طرحها إلى شط العرب في محطة تصفية المياه الثقيلة في حمدان .
المصدر: د. كاظم عبد الوهاب حسن وبشرى رمضان ياسين، نفس المصدر، جدول ( 6 )، ص 102.
يبلغ عدد العراقيين الذين تصرف مياههم الثقيلة إلى شط العرب 1199670 نسمة بمعدل تصريف 215940600 لتر/يوم بينما يبلغ عدد سكان الاحواز 3176000 نسمة بمعدل 571680000 لتر/يوم .جدول رقم ( 2 ) وهذه المياه تحتوي على ملوثات بايولوجية وكيميائية وملوثات صلبة تصرف مباشرة إلى النهر دون معالجتها سوى لـ 59476653 لتر/يوم لمدينة البصرة .
انعكست أثار التلوث على مختلف الكائنات الحية فقد أشارت دراسة إلى أن تركز العناصر الثقيلة في عضلات الأسماك في شط العرب تجاوز بكثير الحدود المسموح بها عالميا ؛ إذ يصل المنغنيز إلى أكثر من سبعة أضعاف والكروم خمسة وأربعين ضعفا والرصاص ستة أضعاف . جدول رقم ( 3 )
جدول رقم ( 3 ) تركز العناصر الثقيلة في عضلات الأسماك في شط العرب ( مايروغرام / غرام )
العنصر |
كادميوم |
خارصين |
كروم |
منغنيز |
نيكل |
رصاص |
فناديوم |
شط العرب |
0,10 |
13,0 |
4,5 |
7,3 |
4,1 |
3,0 |
1,7 |
المقياس العالمي |
0,10 |
8,0 |
0,10 |
1,0 |
7,8 |
0,46 |
1,0 |
المصدر: AL-Saad H.T. and others نقلا عن د. كاظم عبد الوهاب حسن وبشرى رمضان ياسين، نفس المصدر، الجدول ( 12 )، ص 117.
وعلى مستوى العالم يُضعف تلوث الهواء بالفريون Freon ( مواد هدروكاربونية مشبعة يدخل في تركيبها الفلور والكلور وهي إما أن تكون على شكل غازات أو سوائل عديمة اللون والرائحة) والكاربوهدرات من طبقة الأوزون التي تعمل على الوقاية من الإشعاع فوق البنفسجي . ويؤثر ذلك على صحة الإنسان بالأخص تزايد الإصابة بالسرطان وأمراض العيون . باختصار، يؤدي التلوث إلى تدهور إعادة الإنتاج الطبيعي لكثير من الموارد المتجددة مثل الهواء، والماء، والنبات والحيوان.
* أستاذ جامعي وباحث