سيناريوهات السكان في القرن الواحد والعشرين "
عرض د. هاشم نعمة
صدر بلغة الانكليزية كتاب ( أوروبا : قارة واحدة وعوالم مختلفة.. سيناريوهات السكان في القرن الواحد والعشرين ) لمجموعة من الباحثين الهولنديين. ويتكون من ثمانية فصول اشتملت على الجداول الإحصائية والخرائط والرسوم البيانية إضافة إلى الببلوغرافيا والملاحق. والكتاب ذو منهج أكاديمي وهو مفيد للباحثين والدارسين والمخططين. ويقع في 189 صفحة. إعداد الباحثين يوب دوبير و ليوفان فيسن. الناشر دار كلوفر الاكاديمية دوردرخت |بوسطن |لندن |
يبين الباحثون في المقدمة إنه سوف يكون للتطورات الديمغرافية في المستقبل تأثيرا رئيسيا على الظروف الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا. فازدياد شيخوخة السكان مثلا سيؤثر في أنماط الاستهلاك وطلب الرعاية الاجتماعية والتقاعد وعرض العمل. ونمو السكان له تأثير على ظروف البيئة الطبيعية وعلى سوق السكن بينما الزيادة في السكان ذوي الأصول الأجنبية سيكون لها نتائج اجتماعية بعيدة المدى.
يعرض هذا الكتاب سيناريوهين للسكان للنصف الأول من القرن الواحد والعشرين تشمل 33 بلدا أوروبيا وقد تم تقسيم هذه البلدان إلى خمس مناطق تسهيلا للدراسة هي: شمال وغرب وجنوب ووسط وشرق أوروبا. وتختلف الدراسة هنا عن الاسقاطات projections في حقل الديمغرافيا إذ أن السيناريو لا يقوم على تقدير أو استنباط نمو السكان ولكن يتجذر في الافتراضات المتعلقة بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المؤثرة في السلوك الديمغرافي. في أوروبا هناك بعض الاتجاهات تكون متشابهة في معظم بلدانها مثل التغير الذي حصل في البنى الاقتصادية وتراجع دور الدين وتحسن وضعية المرأة. كذلك شهدت معظم الدول اتجاهات ديمغرافية متشابهة مثل الانخفاض القوي الذي حدث في الخصوبة السكانية ( متوسط عدد الأطفال لكل امرأة ) منذ بداية القرن العشرين وارتفاع متوسط العمر وزيادة أعداد المهاجرين نحو أوروبا. وبالرغم من ذلك تبقى هناك اختلافات مهمة بين الدول الأوروبية. أحد الأمثلة الواضحة لذلك، الاختلاف في مستويات المعيشة بين الدول الاشتراكية سابقا ودول غرب أوروبا. وتباين البنى الاقتصادية والمؤسساتية. إضافة لذلك توجد اختلافات ثقافية كبيرة مثلا في مجال أهمية القيم العائلية والمسؤولية الشخصية وتحرر المرأة والنظر إلى الأمور المادية. هذه الاختلافات الاقتصادية والثقافية تجد لها انعكاسا في التباين الديمغرافي فعلى سبيل المثال تكون الخصوبة عالية في شمال أوروبا ومنخفضة في جنوبها ومتوسط العمر مرتفع في شمال وجنوب أوروبا ومنخفض في شرقها.
السؤال الرئيسي بالنسبة للمستقبل هو فيما إذا ستتميز أوروبا بالتشابه أو الاختلاف. لسوء الحظ يقول الباحثون إننا لا نستطيع الإجابة على هذا السؤال بشكل واضح.لذلك قمنا بصياغة كلا من سيناريو التشابه أو الاتساق وسيناريو الاختلاف في هذا الكتاب لنعبر عن عدم يقيننا فيما يتعلق بالمستقبل الديمغرافي لاوروبا. في الحقيقة أن الاتجاهات الديمغرافية غير المؤكدة تنبع من حقيقة كون القارة تمر حاليا بمرحلة انتقالية فيما يتعلق بالتطورات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فعملية الاندماج في إطار الاتحاد الأوروبي يمكن أن تنقل القارة بما فيها دول وسط وشرق القارة إلى منطقة أكثر ازدهارا وأقل تجزأ. لكن توجد أيضا في الدول المشاركة قوى رئيسية يمكن أن تعوق مزيدا من الاندماج أو حتى تعكسه. إضافة لذلك فأن محصلة عملية التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي في وسط وشرق أوروبا تظل غير مؤكدة بدرجة كبيرة ويمكن أن تقود إلى قيام أوضاع سياسية جديدة والعودة مرة ثانية إلى أوروبا المقسمة. غير أنه مهما تكن الحصيلة فسوف يتغير المجتمع الأوروبي بشكل أساسي في العقود القادمة مفرزا عددا من التغيرات الديمغرافية الرئيسية.
يفترض سيناريو التشابه أن جميع الدول الأوروبية ستشهد نموا اقتصاديا قويا وتقدما تكنولوجيا أساسيا ونزعة نحو توسيع الاتحاد الأوروبي وتأكيدا على القيم غير المادية. واستنادا إلى هذه الافتراضات يتوقع هذا السيناريو في عام 2050 بأن الخصوبة سوف تكون نسبيا عالية في كل الدول (1.8 طفل لكل امرأة ) وسيرتفع متوسط العمر إلى 83 سنة للرجال و86 للنساء وصافي الهجرة (الفرق بين الهجرة الداخلة والخارجة) سوف يكون موجبا بشكل قوي (3-4 بالألف من السكان). وسوف يحدث تقارب في مستويات المعيشة في أوروبا يتضمن نموا اقتصاديا أعلى في دول وسط وشرق أوروبا مقارنة بما في شمال وغرب وجنوب القارة. وبناءا عليه فأن الخصوبة ومتوسط العمر وصافي الهجرة سوف ترتفع بقوة أكثر في المناطق الأولى مقارنة بالأخيرة.
ومن الملاحظ أن الهجرة الداخلة تكون بشكل عام أكثر استجابة للنمو الاقتصادي من الهجرة الخارجة.فالفجوة الكبيرة في النمو الاقتصادي بين الدول الأوروبية وكثير من دول العالم الثالث ستكون عاملا محفزا للمهاجرين للهجرة إلى أوروبا.إضافة لذلك فالمستويات العالية للنمو الاقتصادي يمكن أن تحفز مواطني الدول الأوروبية الأثرياء للهجرة إلى مناطق الجذب في القارة.
يفترض سيناريو الاختلاف حدوث ركود في النمو الاقتصادي خصوصا في دول وسط وشرق أوروبا واستمرار الاختلافات الثقافية. ويفترض أيضا بان الظروف الاقتصادية سوف تكون السبب الرئيسي للاختلاف بين غرب وشرق أوروبا. والجانب الثقافي سوف يكون المصدر الرئيسي للتباين بين شمال وجنوب القارة. ونتيجة لهذه الاتجاهات الاقتصادية والثقافية المفترضة يتوقع أن تكون معدلات الخصوبة أقل مما في سيناريو التشابه إذ ستتراوح بين 1.1في شرق أوروبا و1.6 في شمالها. و سيكون متوسط العمر أقل إذ يتراوح بين 70 سنة للرجال في شرق أوروبا و80 سنة في شمال وغرب وجنوب أوروبا وبالنسبة للنساء سيكون 78 سنة و84 سنة في نفس هذه المجموعات على التوالي. وأخيرا سوف يكون صافي الهجرة موجبا لكن أقل مما في السيناريو الأول نتيجة سياسات تحديد الهجرة الداخلة من خارج أوروبا. وبسبب التباين في النمو الاقتصادي فسوف يتحرك المهاجرون من وسط وشرق أوروبا باتجاه شمال وغرب وجنوب القارة. ومن هنا سوف تكون معدلات صافي الهجرة سالبة في شرق أوروبا (-1.5 بالألف من السكان) وموجبة في الجزء الغربي وخصوصا في جنوب أوروبا (3بالألف من السكان) طبقا لسيناريو الاختلاف.
النتائج
لقد حدث تباطأ في نمو السكان في أوروبا في العقود الأخيرة وطبقا لكلا السيناريوهين سوف يستمر هذا الاتجاه في المستقبل. ففي سيناريو التشابه يتوقع أن يحدث نمو سكاني معتدل في أوروبا عموما لكن في عدة دول خصوصا الواقعة في وسط وشرق أوروبا سوف يكون تناقص السكان أمرا لا مفر منه. بينما في سيناريو الاختلاف سوف يكون تناقص السكان قاعدة عامة وسيبلغ مجموعه 20% وهذا في كل المقاييس تناقص ادراماتيكي غير مسبوق في التاريخ الحديث على مستوى جغرافي كبير مثل أوروبا.
وبالنسبة للنمو الطبيعي للسكان (الفرق بين عدد الولادات والوفيات) سيكون منخفضا وسيصبح سالبا في النهاية في مناطق أوروبا الخمسة طبقا لسيناريو التشابه. لذلك سوف يعتمد نمو السكان خلال الخمسين سنة القادمة على الهجرة الداخلة إلى أوروبا. وفي المدى القريب سوف يظل النمو الطبيعي للسكان موجبا في شمال ووسط وغرب أوروبا ويتحول إلى سالب في الجنوب والشرق. النتيجة الواضحة لسيناريو التشابه أن نمو السكان سوف يظل متباينا بقوة بين الدول الأوروبية. ففي شمال وغرب أوروبا سوف ينمو السكان بنسبة 20% في الخمسين سنة القادمة بينما في شرق أوروبا سوف يتناقص السكان بنسبة 10% . ويعود هذا التباين في النمو السكاني إلى الاختلافات الأساسية في البنى الديمغرافية الحالية في الأقطار المختلفة والتي تمتلك تأثيرات طويلة الأجل. أما في سيناريو الاختلاف فسيكون هناك انخفاضا مستمرا في حجم السكان. غير أن زيادة طفيفة فقط تأخذ طريقها في الربع الأول من القرن الحالي في شمال وغرب أوروبا نتيجة الهجرة الداخلة. وبالنسبة لغالبية الدول المسألة سوف لا تكون فيما إذا سيحدث تناقص في السكان أم لا وإنما متى وبأي معدل سيحدث . وسوف يكون انخفاض السكان كبيرا في شرق أوروبا على وجه الخصوص ففي 2050 سيكون عدد السكان أقل من مستواه الحالي بنسبة 40%. هذا التوقع لتناقص السكان سوف يكون التحدي الرئيسي الذي ستواجهه دول هذه المنطقة في المستقبل. وستترب عليه الكثير من المشاكل مثل الحفاظ على مستويات ملائمة للخدمات وكيفية التعامل مع الانكماش في عدد السكان النشيطين اقتصاديا.
كذلك فإن حجم السكان في سن العمل سوف ينخفض في جميع مناطق أوروبا وفي كلا السيناريوهين وسيكون الانخفاض في شرق أوروبا دراماتيكيا بواقع 30% في سيناريو التشابه و50% في سيناريو الاختلاف وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى الأجور. وسيكون هناك أيضا انخفاض في حجم السكان في عمر المدرسة في معظم المناطق وبالأخص في شرق أوروبا حيث سيكون الانخفاض قويا في عمر 20 سنة والمجموعة العمرية الشابة. وأما في شمال وغرب أوروبا فيتوقع سيناريو التشابه بأن الانخفاض سيكون معتدلا.
وفي كلا السيناريوهين سوف يزداد عدد كبار السن بقوة في جميع المناطق ونتيجة لذلك فان معدل إعالة كبار السن سوف يرتفع بقوة أيضا. وفي معظم الدول سوف تزداد نسبة السكان في سن 60 سنة أو اكثر إلى السكان في سن 20-60 سنة لتكون بين 30 و40 % . وهذه النسبة ستزداد إلى 80 %في جنوب ووسط وشرق أوروبا و أما في شمال وغرب أوروبا ستكون الزيادة أقل لكنها ستتضاعف. لذلك فأن مسألة توفير مستويات ملائمة من الخدمات لكبار السن إضافة إلى مستقبل التقاعد ووسائل تحسينه سوف تبقى في الاجندة السياسية لكل الحكومات الأوروبية في العقود القادمة.
العنوان
H.N.FAYAD
VAN EVERDINGENSTR. 131
2273 JM VOORBURG
HOLLAND
Tel.+Fax : 31 70 3875217
E-mail : [email protected]
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
