أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عمر البستاني - حزب الله والفشل في وعي حركة الشعوب العربية















المزيد.....


حزب الله والفشل في وعي حركة الشعوب العربية


محمد عمر البستاني

الحوار المتمدن-العدد: 3977 - 2013 / 1 / 19 - 10:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان يوجد في يوم من الأيام شيء اسمه "مقاومة وطنية أو إسلامية" حقيقية وجدية وأصيلة، تفجرت في جنوب لبنان، اعتزت بها الشعوب العربية قاطبة من المحيط إلى الخليج، وتفاخر بها ودافع عنها ومجدها كل فرد عربي حر تطلع للتحرر والاستقلال والخروج من الهيمنة والتسلط الداخلي والخارجي..
وهذا الاعتزاز بالمقاومة جاء على خلفية فعل وإنجاز تاريخي حقيقي يسجل لها، وهو أنها واجهت العدو الصهيوني المحتل للأرض والمغتصب لكرامة الشعب الفلسطيني، وانتصرت عليه في معظم المواجهات البطولية التي خاضتها ضده على مدار سنوات طويلة، من خلال محاربتها له في نقاط ضعفه من خلال نقاط قوتها.. حتى حررت قسماً من الأرض اللبنانية المحتلة في العام 2000م.

وكان هناك في يوم من الأيام –ولا يزال بالطبع ككائن إنساني وقائد لمقاومة لبنانية- رجل اسمه "حسن نصر الله" ارتبط اسمه في المخيال الاجتماعي الشعبي بأسماء القادة التاريخيين الكبار في عالمنا العربي والإسلامي، مما جعل الناس تحجز له مكانة مرموقة في عالم السياسة العربية، حيث باتت صوره تعلق على الجدران في بيوت العرب -من السنة قبل الشيعة- إلى جانب صور القادة والزعماء الآخرين ممن ارتبط وجودهم –زوراً وبهتاناً- بخطابات وأجواء ومناخات المقاومة التاريخية لما يسمى بالمشاريع "الصهيو-أمريكية" في المنطقة العربية والإسلامية كجمال عبد الناصر وصدام حسين وهواري بومدين والقذافي وحافظ الأسد وآية الله الخميني.. إلى غيرهم من "ديكتاتوريي" التاريخ العربي والإسلامي.

وكانت هناك في يوم من الأيام أيضاً قيم إسلامية وإنسانية كبرى كالكرامة والحرية والعدالة والعفة والطهارة وإغاثة المظلوم ونصرته ومواجهة الظالم والعمل على إسقاطه، جعلتنا المقاومة اللبنانية -وخاصة مقاومة حزب الله بسلوكها الأخلاقي المتعالي عن دنس ورزايا السياسة والسياسيين- نعاين ونشاهد التطبيق الحي لتلك القيم في واقعنا العربي من خلال عملياتها التي جسدت واقعياً تلك القيم التضحوية الكبرى.. حيث كنا نسمع ونقرأ ونرى تعالي وترفُّع هذه المقاومة عن الانخراط في داخل الحقل والميدان والمستنقع السياسي الداخلي والخارجي اليومي اللبناني والعربي المليء بالأوحال والعفن واللعب السياسي والخداع والتضليل والنفاق وتمسيح الجوخ والتملق للسوري والإيراني وغيرهما..

وكنا عندما كان حسن نصر الله يخرج حاضراً بجسده للخطابة أمام الجماهير –من دون شاشات عملاقة أضحت بديلاً لغياب الجسد، وربما مقدمة للغياب الروحي والعقلي!- نعلنها بالفم الملآن بأن قيم الصدق والمكاشفة والشفافية والعمل الدؤوب الصادق والصامت هو أساس نجاح عمل المقاومة.. وأن عدم استغراقها في اللعبة السياسية وخضوعها لمشاريع وأجندات سياسية ذاتية سلطوية جانبية تابعة لمحور من هنا وهناك مع هذه الدولة القمعية المستبدة أو ذاك المشروع الإقليمي الخارجي الطامع المهيمن، هو الذي قدم لها الدعم وهيئ لها التربة والبيئة والحاضنة الشعبية المناسبة واللازمة لنجاح سلوكياتها وأعمالها وتضحياتها الرائعة.. وهو الذي أكسبها أيضاً رضا ومحبة ووقوف العرب معها، لتدخل قلوبهم وعقولهم من أوسع الأبواب، وجعلها لاحقاً تحقق الانتصارات المتتالية، ولا تطلب أي ثمن مادي مقابل الفعل والعمل التحريري الفذ.. خاصة مع فشل الجيوش العربية كلها –وعلى رأسها جيوش دول ومحور الممانعة- في إحداث أي نجاح عملي يذكر في مواجهة ما سمي بقوى الاحتلال والهيمنة في المنطقة العربية، مع ما صرف وأنفق على تلك المعركة الزائفة من موارد وثروات وأموال كانت كافية لإحداث تنمية بشرية هائلة، وربما كانت جعلت من تلك الدول والمجتمعات -الممانعة جداً لتطور شعوبها!- على رأس دول العالم الثاني في التحضر والتقدم والتطور العلمي والتقني.

هذا ما كنا نقوله ونكتبه ونعلنه سابقاً، وهو أن المقاومة بالأساس هي فعل ثقافي ومعرفي عام، له أرضيته وامتداداته الجماهيرية الحاضنة، قبل أن يكون حالة سياسوية خاصة ضيقة ومحدودة بحزبها ومصالحها وشخوصها وفكرها وارتباطاتها، وقبل أن تكون حالة خاصة بطائفة معينة، كانت تنهل من نبغ تاريخي ثقافي ديني محدد.. بل هي –كما وعينا وعرفنا وخبرنا- حالة ثقافية وفكرية أساسها وجوهر وجودها وعلتها هذه الثقافة الإسلامية المليئة والحاضنة والمنتجة لقيم التضحية والفداء ورفض الذل والمهانة المتأصلة لدى كل طوائف ومذاهب دين الإسلام، مثل ثقافة الإمام الحسين في كربلاء حيث الشجاعة والبطولة والإقدام والدفاع عن المظلومين، ومواجهة الظلم والظالمين، ورفض الذل والهوان، وعدم الإذعان للقتلة والمستبدين ليس فقط في كربلاء، بل في كل أرض تتعرض لأهوال ومظالم مثل ما تعرض له أهل البيت في كربلاء.. وفي كل هذا التاريخ الذي أنجب وسينجب مستبدين وفراعنة آخرين يماثلون "يزيد بن معاوية" قاتل "الإمام الحسين بن علي" في القتل والتصفية والاستبداد والظلم.. وقد يكونون أشد منه قتلاً وسفكاً للدماء.. لا بل وقد يبزونه بزاً في الدموية والعنف والإجرام..

والحسين كشخصية إنسانية ليس حالة شيعية خاصة بمذهب، بل هو حالة إسلامية عامة عابرة للطوائف والأحزاب والمذهبيات، وهو في خروجه الثوري على طاغوت عصره، لم يخرج ضده بصفة أنه إمام خاص بالشيعة، بل خرج بوصفه ثائراً ضد حاكم عصره (يزيد بن معاوية) المستبد والظالم والذي هو بدوره لا ينتمي للسنة ولا للشيعة، ولا يمثل حالة سنية خاصة في مواجهة حالة شيعية خاصة، بل هو مجرد حاكم مستبد وظالم ومنحرف.

وهكذا ومنذ بداية الأحداث الخطيرة التي مرت ولا تزال تمر بها سوريا، الدولة الجارة والشقيقة للبنان المتأثر بها سلباً وإيجاباً (حتى لو اتبع سياسة غبية اسمها "النأي بالنفس")، وهي أحداث الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة ورفض الظلم ومقارعة المستبدين الظالمين، كنا نقول بأن حزب الله -كتيار جذري صلب مقاوم، رافع لشعار التضحية والفداء والعدالة ومواجهة الظلم والظالمين- سيكون على قدر المسؤولية، وعلى مستوى الفعل والتحدي والمسؤولية التاريخية، والاستجابة الفاعلة لقناعاته وخياراته الفكرية المتركزة حول معاني الحرية والاستقلال والتحرر والعدالة ورفع الظلم والاضطهاد، بما يصب في مصلحة الشعب والجماهير السورية المظلومة التي خرجت –منذ أول مظاهرة في حي "الحريقة" الدمشقي في شباط 2011- رافعة شعار الإمام الحسين في كربلاء "الموت ولا المذلة"، مطالبةً بالتغيير في مواجهة نظام فاجر قاتل دموي وافر الغطرسة والغرور والحقد على شعبة وعلى محيطه، وعلى كل ما هو إنساني وجميل في هذه الحياة.. وكنا نعزي أنفسنا بأن ثقافة حزب الله –كما عهدناها وعرفناها وخبرناها سابقاً- هي ثقافة إسلامية أصيلة ثابتة غير مطواعة للآني واللحظي، وغير مساومة على المبدأ الطهراني الثابت، وغير متغيرة تبعاً لتغير وتبدل المصالح والأهواء الحزبية والشخصية، لأنها –بحسب ما اعتقدنا، وقد كنا مخطئين- لا تخضع للمصلحي والنفعي، مهما واجهتها المصاعب والتحديات الداخلية والخارجية، وبالتالي ظننا بأنهم سيقفون مع ثورة شعب مظلوم ومستضعف اسمه شعب سوريا بكل أطيافه ومكوناته وقومياته ومذاهبه وأديانه.. خاصة وأنهم وقفوا –قبل ثورة سوريا- مع ثورات الربيع العربي كلها من تونس إلى البحرين علناً وعلى رؤوس الأشهاد، حتى وصل الأمر برأس محور الممانعة الإيراني أن قال بأن تلك الثورات تقتدي بثورة إيران، وتريد إقامة حكم إسلامي رشيد مثلها.

ولكن للأسف لقد خاب أملنا، وتبددت وتحطمت آمالنا المعقودة على صخرة المصالح الفئوية والطائفية الضيقة مع أول تصريح سلبي صدر عن قيادة هذا الحزب الإلهي (المقاوم!)، التي أعلنت وقوفها الكامل في صف القتلة والمجرمين واعتبرتهم رفاق سلاح واحد، وقدمت تلك القيادة كامل الدعم الإعلامي والتعبوي والمادي لنظام الأسد الموغل سفكاً وذبحاً وتدميراً في كل أنحاء جسد الشعب السوري البطل.. خاصةً وأن هذا النظام الدموي المفلس قد بات على شفير هاوية كبرى عميقة وسحيقة لا قرار لها.

وهنا بدأنا نفكر ونتساءل عن الأسباب الخفية الكامنة وراء وقوف حزب الله إلى جانب النظام "البعثو-أسدي" مخالفاً بذلك قيمه وخطابات وتقاليده الفكرية وثوابت المرجعية الدينية المؤسسة؟!! وإلى أين يأخذ هذا الحزب الطائفي طائفته والمنطقة ككل؟! ولماذا ضحى ويضحي الحزب "الإلهي!" بما كان قد تبقى له من رصيد إيجابي طيب لدى الشعوب والجماهير العربية "السنية" بالتحديد؟! ولماذا دعم ثورة البحرين "الشيعية" بقوة، بينما واجه بعنف ثورة سورية السنية (مع أنها غير ذلك، بل هي ثورة شعب ضد نظام جائر)؟!! ولماذا بات حزب الله يعتبر مسألة الدفاع عن هكذا نظام همجي متوحش -لا ينتمي بسلوكية قيادته العسكرية والأمنية إلى عالم البشر العاديين- واجباً جهادياً كما ذكرت قيادته لدى تشييعها لأحد قتلى مواجهات الحزب في مدينة القصير السورية مؤخراً؟!! ثم لماذا يتورط حزب الله أكثر فأكثر في المستنقع الداخلي السوري مع نسيانه الرسمي شبه الكامل لجبهة العدو الإسرائيلي واستبدالها بجبهة العدو (السني!) السوري؟! هل هو فائض القوة والعنف المحمل بشحنات مذهبية طائفية، تدفع حزباً مدججاً بالسلاح حتى النخاع إلى الشعور بالغطرسة والغرور والتشفي والانتقام؟! وهل لأن هذا الحزب والنظام السوري هما من نفس الطينة والعجينة العنفية الدموية؟!! أو لأنه والنظام السوري واقعان في نفس المطب، ومشتركان بعمليات أمنية قذرة يخشى افتضاحها وانكشافها إذا ما ابتعد الحزب عن النظام؟! بمعنى هل لأن رجليهما في "الفلقة" ذاتها ومتورطان في الدم نفسه، هو ما يمكن أن يفسر لنا بعض هذه الحالة الكاملة من الاندماج والتماهي بينهما؟!! مع أنه لا يوجد أي وجه فكري وأيديولوجي يجمع بين نظام علماني بعثي شبه ملحد (لا يقيم للأديان والروحانيات وزناً)، وحزب إسلامي متشدد.. أي أن ما يفرق بينهما هو أكثر بكثير مما يجمع..

وحقيقة لا أدري كيف حسبها حزب الله الذي بات بسلوكه الفئوي الأقلوي الأرعن والمكلف –نتيجة انحيازه الأعمى لنظام القتل السوري- يهدد طائفة طويلة عريضة بأكملها، ويأخذها معه إلى استحكامات واستقطابات دينية حادة، عبر وضعها على شفير الحرب الأهلية مع الطائفة الأكبر وهي السنة التي كان يتغنى بها يوماً من منطلق الوحدة والأخوة الإسلامية.. ففي النهاية الثورة السورية الجارية حالياً على كامل مساحة سوريا، وبغض النظر عما شابها من شوائب، وطالها من تعقيدات وسلوكيات تطرفية شاذة عن المجتمع السوري المنفتح والحضاري، (كان للنظام الدور الرئيسي في انبعاثها أو قدومها من خارج الحدود، خاصةً مع إطلاقه لسراح آلاف المسجونين عنده من المتطرفين الإسلاميين، وسماحه بدخول عناصر تنظيم القاعدة منذ زمن المواجهة مع الأميركان في العراق، وافتتاحه لهم بالتعاون مع إيران لمعسكرات تدريب وغيره).. أقول بغض النظر عن ذلك كله، تعتبر الثورة السورية ثورة شعب مظلوم ومضطهد منذ أكثر من خمسين سنة (والسنتين الأخيرتين بالأخص منها تعادل بالعدوانية والقتل والتشريد والتدمير كل تلك السنوات)، وهو يناضل للانعتاق والتحرر من ربقة ماضٍ قاسٍ وظالم ومتخلف يمثله نظام طاغوتي بشع يدّعي التقدمية والثورية والعلمانية، وهو –في حقيقته- ليس نظاماً بقدر ما هو عصابة مافيوزية ومركب أمني وسياسي عائلي زبائني، يقوم على عبادة فرد متغطرس مهووس بالسلطة، بلغ من التخلف حداً جعله يضحي بالشعب في سبيل كرسيه، بدل أن يضحي بنفسه وبكرسيه في سبيل من يسميه شعبه الذي هو المعيار والفيصل في مسألة الحكم والسياسة.. إنه نظام يمثل ماضياً اندثر في كل مكان تقريباً من هذا العالم، سمته الرئيسية مخالفته لطبيعة الإنسان السياسية والمجتمعية والإنسانية، ومجافاته لسنن التطور والتقدم، وسيره عكس التاريخ، واحتجازه مواطنيه في سجن وقفص حديدي ضيق من الرعب والإفساد والعنف والتجهيل والتمييز، وتصميمه على فرض نفسه عليهم بوسائل همجية عنيفة لا تمت إلى الإنسانية بأية صلة.
فهل هذه المعادلة الفكرية البسيطة الواضحة والشفافة، وهذا الوعي المعرفي بطبيعة هذا النظام، خفية وغائبة عن قيادات حزب الله التي أرعبت –كما ادعت- بتخطيطها العلمي العقلاني أرباب وعقول المخابرات والعسكرية الإسرائيلية!!..

وهل سيدرك هذا الحزب أنه لم يعد هناك من مجال للتسوية بين عقليتين في داخل سوريا، عقلية شعب خرج متمرداً على بيت الطاعة "البعثو-الأسدي"، ولن يعود إلى بيته وقريته ومدنه إلا وهو محملاً برايات النصر المؤزر، وبين عقلية نظام حدي إقصائي غير تسووي يعتبر أن الشعب مجرد خدام وعبيد عنده، وأنه ليس هو من يمنحه الشرعية وهو أصلاً ليس مصدرها، بل إنه –كما يظن نفسه- يستمد شرعية وجوده من حاكم فرد مطلق يحق له القضاء عليه، إن هو قاومه أو عارضه وطالبه بالرحيل.
وهل سيدرك حزب الله أنه عليه واجب حماية وجوده ووجود طائفته وبالتالي عليه ألا يقامر بمستقبله –في محيط سني هادر- في ظل قيادة نظام طاغوتي لا تتوفر فيها الحدود الدنيا من مقومات الشعور بالمسؤولية الإنسانية، ولا تزال ترفض الاقتناع بأن الشعب لا يريدهم حكاماً له من جديد حتى لو دفعوا ضحايا وأثماناً باهظة أعلى وأكثر من ذلك بكثير؟!!.
ثم متى سيقتنع حزب الله بأن نظام الأسد هو غير نظام الدولة بالرغم من التماهي -في منطق الأسدية- بينهما، حيث هناك اتصال ولا انفصال بين السلطة والوطن؟!..

من هنا يجب أن يدرك ما تبقى من عقلاء الحزب –إن بقي فيهم واحد عاقل، باعتبار أنه حزب منظم حديدياً، ولا مجال فيه للعقلنة والرشد إلا كما يرى الولي الفقيه نائب الإمام المعصوم!- أن نظاماً سياسياً يمثل مثل هذه الأيديولوجيا الخلاصية التمامية القاتلة المنافية للأخلاق الوطنية والعملية والواقعية، بكل ما تضمره من أفكار ونصوص وممارسات وسلوكيات شاذة تسوغ قتل الشعب وتدمير الوطن لمجرد الرغبة بالإصلاح، لن يكون لها أي وجود معنوي أو عضوي في مستقبل سوريا، خاصةً وأنها أضحت تمثل سلطة احتلال بكل معنى الكلمة في نظر وعرف عموم السوريين.. بعدما فعلت ما فعلته من أعمال قتل وتدمير بدائية همجية لا تنتمي أو لم تعد تنتمي إلى عوالم التوافق والتحضر السياسي والمدني، بل هي في أصلها وفصلها مجرد أفكار بدائية تنتمي إلى عالم التصارع الحيواني زمن الكهوف والمغاور..

إن المعركة التي ينبغي على حزب الله، وعلى كل من يدعم النظام السوري، إدراكها، هي "معركة مستقبل" كما قال عنها المعارض الوطني السوري ميشيل كيلو، معركة مستقبل لشعب سوري يريد الإفلات من أوزار ماضٍ ثقيل وعنيف، ومحاسبة شخوصه ورموزه القتلة، والانطلاق باتجاه إنجاز معركة مواطن يريد الخروج من رداء سلطة احتلالية، وعقل يطلب التحرر من سلطان اللاعقل، ومدنية تحاول الخروج من سجن الهمجية، وإنسان حر ينسف أغلال عبوديته، وها هو يدمرها كي يعيش أخيرا حياته كإنسان هو ركيزة وحامل أي نظام سياسي ومجتمعي، وأية دولة تستحق اسمها.

من هنا أقول بأنني كمثقف سوري وقف يوماً ما بقوة إلى جانب مقاومة الحزب ضد إٍسرائيل كدولة محتلة وغازية، أؤكد على رفض وقوف حزب الله إلى جانب النظام السوري في سياسة القمع والاعتماد على الحلول العسكرية والأمنية في مواجهة حركة الشعب السوري التحررية المطالبة بالإصلاح.. وهذه السياسة التي يعتمدها هذا الحزب ستكون لها انعكاسات ونتائج سلبية على لبنان وسوريا وعموم المنطقة ككل.. ولن يكون أولها سوى إشعال فتائل الفتنة المذهبية، كمقدمة لإحداث شرخ وصدع طائفي سني شيعي عميق في سوريا ولبنان وعموم المنطقة.

فهل حزب الله قادر على تحمل عبء فتنة طائفية بدأت تتظهر وتتوضح معالمها في لبنان بالتحديد قبل سوريا، مع أنه مطالب دينياً بحسب اعتقاداته بأن يمتنع عن إيقاظ الفتنة (قول النبي محمد: "الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها")؟!. ألا يسمع ويرى ويشاهد حزب الله ما يكتبه وينشده ويرفعه كثير من السوريين المنكوبين بدعم الحزب للنظام السوري، من لافتات مكتوب عليها شعارات وكلمات مهينة مؤسفة بحق الحزب وإيران؟!!
يعني حقيقة أمر مستغرب، كيف يعلن الحزب ليلاً ونهاراً وجهاراً وعياناً وقوفه بجانب نظام متداع وآيل للسقوط، مع أن كافة أفكاره وقناعاته وأدبياته وخطاباته التي عرفناها ودرسناها وعايناها تحض على الثورة ضد الظالمين والمستكبرين، وترفع ألوية مقاومة الاستبداد والفساد والإفساد في الأرض... وببساطة نقول ونسأل: هل نظام دمشق نظام عادل وحر وديمقراطي ومحب لشعبه؟!.. وهل نجح هذا النظام لو لمرة واحدة في معالجة أزمات مجتمعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟!! ألم تكن الثورة عليه من أجل المشاركة في القرار ومعالجة أزمات البطالة والعطالة والتنمية القيمة الفاشلة التي حققها وأنجزها له ولنخبته فقط مع ترك مدن وأرياف بطولها وعرضها عرضة للحرمان والعوز والفقر والإذلال والمهانة اليومية؟!! ألم يكن حزب الله يرى بأم أعين قواعده وقيادته يومياً مئات آلاف السوريين الفقراء يعملون عنده وعند غيره في لبنان بأحقر المهن من أجل الحصول على كفاف العيش، وليقبضوا بعض الدولارات ليسدوا بها رمق عيش عائلاتهم وأسرهم في الريف السوري؟ أليست تنمية بشار (العظيمة والناجحة جداً!) لمدنهم وقراهم هي التي دفعتهم للهجرة إلى لبنان وغير لبنان طلباً للعمل وبعض المال؟!! فهل باستطاعة حزب الله إدراك هذه الحقيقة المرة التي قبلها في باقي دول الربيع العربي، بعيداً عن جدلية وثنائية الخير والشر، والحق والباطل، والاستكبار والاستضعاف التي يتقوم بها وجوده وجوهرانيته الطهورية؟!!.
ألم يكن من الأجدى بالحزب –وهو العارف ببواطن وخفايا الأمور والسياسة في دمشق والمنطقة- أن ينأى بنفسه اتباعاً لقول النبي محمد "إذا قال أحدكم شيئاً فليقل خيراً أو فليصمت".. بدلاً عن وقوفه غير المبرر والمدان مع نظام غارق في الدم والإجرام والقمع الهمجي البدائي حتى أذنيه؟!!.


ولكن على ما يبدو أن كل تلك التساؤلات لم تعد تجدي نفعاً، فهذا الحزب في النهاية هو حزب أيديولوجي ديني يتعيش على طروحات مفاهيمية غيبية، تقسم العالم إلى قسمين، واحد خير وجميل، والآخر شرير وقبيح، قسم من أتباع الحق وآخر من أتباع الباطل.. وهذه الرؤية الكونية الميتافيزيقية لهم تدفعهم دوماً للدخول إلى عالم الحياة والواقع المعاش، عالم الواقع المادي وعالم السياسات والمصالح والعلاقات بين الناس وطبيعة الاجتماع البشري من مدخل ضيق جداً، لا يتسع لحركية المصالح والمناطق الرمادية الواسعة بين الناس، وكأن هؤلاء البشر في سوريا وفي غير سوريا يجب أن يبقوا في حالة حرب وصراع دائم ضد موجودات وعوالم ذئبية شريرة..

إن هذه اللاعقلانية والأسطرة للسلوك والوعي السياسي من جانب هذا الحزب –وكل نظائره المشابهة له من أحزاب ثقافة القوة والعنف والانقلاب والدم القومجية واليسارية- تجعل مجتمعاتنا تعيش حالة من الاستقطاب الدائم، وتدفع ناسنا وطوائفنا –التي لا تزال قاصرة الوعي في نظر الحزب وقيادته، ولابد بالتالي من توجيهها والإشراف عليها عبر فتاوى الحلال والحرام على الدوام!- للعيش الدائم في أتون من الصراعات الطائفية والحزبية، وكأنهم لا عيش ولا وجود لهم سوى للمدافعة والدخول في الحروب والمنازعات ودفع الأثمان الباهظة بين وقت وآخر لمغامرات رجالات عادية التفكير والسلوك.

إن هذا النوع من الاعتقاد "الميثي" اللاعقلاني المؤسطر المكبل لإرادة الشعوب العربية، يرسم صورةً سلبية عن الوضع البنيوي الحقيقي القائم لحزب ما فتئ يحدثنا عن الواقعية السياسية، وأهمية انخراط الإسلاميين في حركة الواقع المعاش من داخله وعياً ثقافة وتنمية وتطوراً، بينما هو يريد الإبقاء على تخلف الناس والمجتمعات بجعلها تسير فقط على عمود الدين بأنماطه التفكيرية العتيقة، من خلال ربط تلك المجتمعات قطيعياً بأفكار وطروحات قيادات نخبوية بائسة، تفتقر الحد الأدنى للتفكير السياسي الإنساني الواعي والمسؤول.. أثبت الزمن والتجربة فشلها وعقمها ولا شرعيتها ولا إنسانيتها..

والحزب الذي ارتضى لنفسه أن يكون وجوده مربوطاً بوجود أفكار تمامية مطلقة لا تخضع للراهن والمعاصر، وقبل أن يكون في جوار نظام ظالم مفلس ودموي، بعيداً عن الجماهير الواسعة والعريضة التي أيدته ووقفت معه في يوم ما، سيرحل مع حزب البعث ونظام الأسد إلى الهاوية في العاجل أو الآجل.. بأسف أو بغير أسف.. والتاريخ يسجل.. ولا يرحم إلا من رحم نفسه وشعبه!..



#محمد_عمر_البستاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا إلى أين؟ بين إنكار السلطة الديكتاتورية، وفشل المعارضة ...
- لماذا لم يشارك -العلويون- في الثورة السورية؟ لا أمن وأمان لل ...


المزيد.....




- بتدوينة عن حال العالم العربي.. رغد صدام حسين: رؤية والدي سبق ...
- وزير الخارجية السعودي: الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غز ...
- صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد ...
- وزير الطاقة الإسرائيلي من دبي: أثبتت أحداث الأسابيع الماضية ...
- -بعضها مخيف للغاية-.. مسؤول أمريكي: أي تطور جديد بين إسرائيل ...
- السفارة الروسية في باريس: لم نتلق دعوة لحضور الاحتفال بذكرى ...
- أردوغان يحمل نتنياهو المسؤولية عن تصعيد التوتر في الشرق الأو ...
- سلطنة عمان.. مشاهد تحبس الأنفاس لإنقاذ عالقين وسط السيول وار ...
- -سي إن إن-: الولايات المتحدة قد تختلف مع إسرائيل إذا قررت ال ...
- مجلة -نيوزويك- تكشف عن مصير المحتمل لـ-عاصمة أوكرانيا الثاني ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عمر البستاني - حزب الله والفشل في وعي حركة الشعوب العربية