أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد المنعم شلبي - تريف المجتمع و السياسة فى مصر















المزيد.....

تريف المجتمع و السياسة فى مصر


محمد عبد المنعم شلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3966 - 2013 / 1 / 8 - 09:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



التريف هو عكس التحضر ، وكما أن التحضر مقرون بالمدينة ، فإن التريف مرتبط بالقرية . و لعل من يتابع التطور الإجتماعى – الثقافى لمصر على إمتداد عقود طويلة مضت ، يجد أن مسار التحول من الريف الى المدينة ، و ما يصاحبه من عمليات تمدين الثقافة ، عن طريق آليتى التعليم و العمل ، قد صاحبت نهضة محمد على و الخديو اسماعيل ، حيث ظهرت فئة الأفندية . و هم المتعلمون - فى الغالب تعليماً متوسطاً - الذين يشغلون وظائف حكومية و عامة ، والذين شكلوا ، الى جانب غيرهم من أرباب الحرف و الصنائع ، خميرة الشرائح الطبقية الوسطى المصرية منذ بدايات القرن التاسع عشر . ومع إزدياد التعقد المجتمعى ، وتطور نظم التعليم ، و ظهور مهن الطبقة الوسطى ؛ المدرسون ، و الأطباء ، و المهندسون ، و المحامون ...الخ ، ازداد ثقل و حضور الفئات الوسطى المدينية ، بكل ما يحمله ذلك من معان و رموز تتعلق بالزي ، و طريقة تناول الطعام ، و السكن ، و الترفيه ، إضافة الى اللهجة القاهرية ، فضلاً عن تمتع البعض بمعرفة لغة أجنبية واحدة على الأقل ...و غيره مما أصطلح بعض المتشددين على تسميته بالفرنجة أو التغريب .
و قد لعبت الفنون و الآداب منذ ذلك الحين دوراً محورياً فى عملية التمدن و التحضر ؛ فنجد السينما و المسرح والغناء و الصحافة و الرواية و قد ازدهرت ، بل و ساهمت بقدر كبير للغاية فى تشكيل شخصية مصر و حضورها الإقليمى ، خاصة العربي . و من ثم كانت الشخصيات و الرموز فى هذه المجالات بمثابة القدوات و المثل العليا للغالبية من الجماهير التى تتعاطى مع إبداعاتها المختلفة و المتنوعة ، حيث تبرز أسماء التنويريين أمثال محمد عبده و قاسم أمين و سيد درويش والعقاد و طه حسين و محمد كريم و أم كلثوم و عبد الوهاب و نجيب محفوظ و يوسف وهبى و نجيب الريحانى و روزاليوسف ...و كثيرين غيرهم ينتمون الى جنسيات و ثقافات متعددة ؛ وجدوا فى مصر البيئة الثقافية و الحضارية الحاضنة لإبداعاتهم بكافة أنواعها .
و إذا ما ذكرت السياسة فى ذاك العهد تطفر الى الذهن أحزاباً أهمها الوفد ، والسعديين ، والأحرار الدستوريين ، الى جانب الحركات و التنظيمات الإسلام- سياسية " الإخوان المسلمون تحديداً" ، و اليسارية و القومية المتشددة ، تلك التى ارتبطت بالأفندية و البهوات و البشوات ، و مركزها الرئيس كان القاهرة – العاصمة ، فلم تكن السياسة مهنة و لا شغلاً شاغلاً للريف و أهله الا لدى القليلين منهم ؛ تحديداً شريحة الأعيان .
و مع ثورة 1952 و ما حملته من مشروع طموح للتنمية الإجتماعية و الإقتصادية تعمق التحول صوب المدينة ؛ ذلك أن التعليم المجانى قد قام بدور ثوري بحق فى عملية الإنتقال ، حيث غدا التوق الشعبى العام للحراك الإجتماعى والثقافى و كذا الطبقي – الإلتحاق بشرائح الطبقة الوسطى تحديداً - ممكناً و ميسراً .
لا نقصد بالحراك الإجتماعي هنا – بالطبع – المعنى الجغرافى للإنتقال من ريف الوجهين البحري و القبلي صوب المدينة ، خصوصاً العاصمة - القاهرة ، بل عملية تمثل و استدماج اجتماعي لمنظومة قيم ، و عادات و تقاليد جديدة ، ذات توجه حداثى ، لتحل محل غيرها التقليدية التى ارتبطت تاريخياً و اجتماعياً و ثقافياً بالريف .
لقد ارتبط المشروع الناصري بالتمدن و التحضر و التحديث الصناعى خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، فى إعتماد على التعليم المجانى بكافة المراحل ، والتوظيف المكثف بالحكومة و القطاع العام ؛ بكافة أنشطته و تنوع مجالاته . هذا فضلاً عن طموحات لبعث و تجذير لدور مصرى على مستوى إقليمى و عالمى .
و مع إستهداف تحطيم هذا المشروع النهضوى ، غير المرغوب فيه من قبل أطراف و قوى عديدة ؛ محلية و إقليمية و دولية ، كان من اللازم أن تكون هناك هزيمة عسكرية مذلة للكبرياء المصري عامة و للنخبة الحاكمة " ذات الخلفية العسكرية " تحديداً على وجه الخصوص!!
و على خلاف هذا المشروع الحضارى التمدينى الناصرى ، جاء النظام الساداتى منافحاً و مناصراً لشعارات مغايرة ، و التى منها: أخلاق القرية ، و رب العائلة المصرية ، و قانون العيب ، و الإعتكاف ، و الجلباب و العصا ، و الخطاب السياسي ذي المسحة الدينية الواضحة ، فضلاً عما نعلمه من الإستعانة بالتيار الدينى كأداة رئيسة فى الصراع السياسي و الأيديولوجى مع أنصار التيار الناصرى القوى ، و الذي غلب عليه – كما أسلفنا - ميل واضح نحو التحديث و المدنية.
و من بعد حرب أكتوبر 73 ، و صعود أسعار النفط الخليجى، و الإنفتاح الإقتصادى كانت هجرات المصريين الى السعودية و الخليج بكثافة ، و من كافة الفئات الإجتماعية تقريباً ، إلا أن النسبة الغالبة بينهم كانت للفئات الإجتماعية المتواضعة القادمة من الريف المصري ، بوجهيه البحرى و القبلى . و من ثم كان النتاج المتوقع لهذه الخبرة – خبرة الهجرة الى النفط - هو شخصية مركبة ، فهى ذات جذور ريفية تقليدية ، و مستوى تعليمي- ثقافى متواضع ، تزاوجت مع أنساق قيمية و معايير و مظاهر دينية متشددة " ذات طابع حنبلى- وهابى ".
و مع بدايات ثمانينات القرن الماضى ، حقبة حكم مبارك الثلاثينية ، كانت هناك محاولة فى عقده الأول لما أطلق عليه ترشيد الإنفتاح الإقتصادى ، إلا أن العقد الذى تلاه ؛ التسعينات كان العقد الذى شهد تبنى أعمق سياسات الإندماج فى النظام الرأسمالى العالمى ، عبر سياسات و برامج الخصخصة و التكيف الهيكلى ، و هى السياسات التى تم تكريسها عالمياً بوصف أن الرأسمالية غدت نهاية التاريخ ! و هو العقد – التسعينات - الذى يعد واحداً من أهم العقود التاريخية التى مرت بمصر ، فهو العقد الذى شهد أكبر و أعمق عمليات تحول نخبة الحكم للتورط المؤسسي فى الفساد الكبير ، ذلك أن عمليات بيع و خصخصة المؤسسات و الشركات العامة ، و ما صاحبها من فساد مهول قد فتح شهية هذه النخبة على ممارسة الفساد و الإفساد ، و هى العملية التى صارت ممنهجة ، بحيث يصير من اللازم وفقاً لها توريط الجميع ، كبيراً و صغيراً ، موظفاً قيادياً و موظفاً صغيراً فى أدنى الدرجات ، فى كافة ممارسات الفساد الكبير و الصغير . وفى السياق الإجتماعى المصرى الأوسع ساد إهمال التعليم ؛ نوعيته دون الإقتراب كثيراً من كمه ، فأصبح لدينا مخرجات تفتقد الى المستوى اللائق من القدرة على التفكير العلمى الناقد و المبدع . فى الوقت ذاته الذى انحدر فيه الإهتمام بالريف المصرى ، إضافة الى الإزدياد الملحوظ لفقراء الحضر ؛ فكانت ظواهر الهجرة الريفية الى الحضر سعياً الى إيجاد فرص للحياة الأفضل ، دون تأهل كاف للحياة فى المدينة ، خصوصاً تعليمياً ، ومن ثم كان الإنتشار السرطانى للعشوائيات ، و تكوين الجيوب الريفية على أطراف المدينة . و مع تحالف الفقر ، و الجهل ، و الجريمة ، و التردى الأخلاقى ، و التهميش و الإستبعاد الإجتماعى و السياسي و الإقتصادى و الثقافى ...الخ ، تولدت الحاجة الى الخطاب الدينى الشعبوى الذى لم يكن من أهدافه الثورة على نظام سياسي قائم ، بقدر ما كان تركيزه الرئيس على الأخلاقيات الخاصة و العامة المرتبطة بالمظهر الذى من اللازم أن يكون عليه المسلم . و هو الخطاب الذى كان يتم تفريده و تخصيصه فى السنوات الأخيرة ليستهدف فئات إجتماعية بعينها ، ذات تعامل مباشر مع عامة الجماهير ، و من أبرز أمثلتهم سائقو الميكروباص ، على إعتبار أنهم يقلون جماهير واسعة من الناس ، و هى الجماهير التى كانت تستمع الى شرائط الكاسيت ، بخطاباتها الدينية المختارة بعناية ، طوعاً أو كرهاً.
هذا الخطاب الدينى الذى تولاه كم كبير ممن يطلق عليهم الدعاة و المشايخ " غير الرسميين "، فهم فى الغالب لم يأتوا من خلال مؤسسة الأزهر ، و هم ممولون من قبل جهات و مصادرغير معلومة بشكل واضح ؛ فهم لا يفصحون عنها صراحة ، حيث تنتج لهم شرائط الكاسيت ، إلى جانب بث القنوات الفضائية الدينية . و قد لاقى خطابهم الدينى هذا استحساناً و قبولاً و تبنياً غير مسبوق من قبل فئات و شرائح اجتماعية و اسعة فى الريف و عشوائيات المدينة بشكل خاص ، فهو خطاب تغلب عليه البساطة و السطحية ، و كذا السمت و اللهجة الريفية ، و التى تصادف شعوراً حميمياً لدى من يتعاطون معها ، لتماسها مع أصولهم الريفية ذاتها ، و ذلك نظراً لشعورهم بالإغتراب فى المدينة التى يعيشون فى عشوائياتها ، هذه المدينة التى استبعدتهم و همشتهم ، فلم يجدوا بداً من خلق أجوائهم و سياقاتهم الخاصة لكى يعيشوا داخلها ، و الذين لاقوا فى الخطاب الدينى للدعاة الجدد – ذوي الأصول الريفية فى غالبيتهم العظمى - خلاصاً من عذابات وضلالات الواقع الذى يعايشونه . و ها هنا لم تعد رموز المجتمع وقدواته مشكلة من رموز الحداثة و التنوير ، من أدباء و فنانين و مثقفين...الخ ، كما كان فى حقبة سابقة ، بل قفز المشايخ و الدعاة من أمثال حسان و الحوينى و أبو اسماعيل و بدر و يعقوب و أبو اسلام وغيرهم ..ليحتلوا مكانهم دون غيرهم .
و إذا ما كان من الطبيعى و المقبول منطقياً أن يصادف الخطاب الدينى التقليدى لهؤلاء المشايخ و الدعاة قبولاً و ترحيباً لدى قطاعات واسعة من أبناء الريف ، نظراً لعوامل و أسباب تنموية بالأساس ، فكيف لنا أن نفهم الإنتشار واسع النطاق لهذا الخطاب ذاته داخل المدن الحضرية ، و على رأسها القاهرة – العاصمة ؟
كانت المدينة – العاصمة فى زمن سابق ، و فى ظل سياسات مغايرة ، ذات معدة قوية حيث تستطيع هضم و تمدين من يفدون اليها من أهالى الريف ، فقد كانت مركزاً للجذب و الصهر الثقافى التحديثى ، إلا أن هذه العاصمة ، و بفعل الإهمال المزدوج ، سواء للريف أو للمدينة ذاتها ، و نظراً لتبنى سياسات عملت على الإستقطاب على كافة المستويات الإجتماعية ، قد فقدت معدتها هذه قدرتها على الهضم و أصيبت بالشيخوخة ، مما أفضى الى فقدانها لأهم وظائفها فى التمدين و التحديث ، لنجد أنفسنا أمام تدفقات غير مسبوقة و لا محسوبة من الهجرات الريفية – الحضرية ، و لكن دون أن يفقد هؤلاء أياً من خصائصهم و سماتهم و قيمهم الريفية ، و التى تبنوها فى موطنهم الأصلى ، ليشكلوا فى مناطقهم على أطراف المدينة جيوباً ريفية متكلسة و متحوصلة ، على كافة المستويات ، فهم مستبعدون إجتماعياً من ناحية ، و غير مؤهلين للمشاركة الإجتماعية ، و الثقافية ، و الإقتصادية ، و السياسية ذات الطابع الحداثى من ناحية أخرى .
لنجد المحصلة متمثلة فى فئات و شرائح إجتماعية غالبة ، تمتد من الريف الى المدينة ، تغلب عليها الخصائص الريفية ، لا تجد لها من مصدر ثقافى للمعرفة ، و التحصين إلا الخطاب الدينى للدعاة و المشايخ ، و الذين هم منهم و اليهم ، و هو ما يحدث و تتفاعل أبعاده و مكوناته منذ عقود عدة . و من ثم ، وجدنا أنفسنا إزاء حالة غالبة من تريف المجتمع المصري بأكمله ، فالنخبة خطابها نخبوي ، و السياسات التنموية المتبعة إستقطابية تباعد بين الطبقات الإجتماعية بضراوة . و النتيجة المتوقعة غالبية من الجماهير المفقرة ، المستبعدة ، ذات الأصول الريفية ، و المسلحة بقناعات دينية أن خلاصها فى الدنيا و الآخرة لن يتحقق إلا بإتباع التعاليم الدينية الأكثر تشدداً ، و التى قد لا يستشهدون فى التدليل على صحتها بما ورد فى الكتاب و السنة ، بقدر ما يقومون بذلك من خلال ما ذكره الشيخ فلان أو الداعية علان ، فهؤلاء المشايخ و الدعاة فرضوا على أتباعهم وصاية فكرية سميكة ، و أصبحوا المفوضين ، دون غيرهم ، بتفسير و تأويل النص الدينى حسب ما يرتأون ، كما يفعلون نفس الشئ دنيوياً ، سواء بالتحليل أو بالتحريم . و هم يجدون آلافاً من المؤيدين و المناصرين المستعدين لفعل أى شئ يأمرهم به هذا الشيخ أو الداعية " المقدس" ، و الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه !!
ما أعنيه بالتريف هنا عبارة عن إنتقال مجموعة من السمات و الخصائص التي تتسم بها الشخصية الريفية المنوالية – فى الغالب – في مصر الى المدن عامة ، والعاصمة- القاهرة على وجه الخصوص. ولعل من أبرز هذه السمات و الخصائص الريفية سمة المحافظة ، و قد تكون فى معظمها ظاهرية ، على القيم و الأخلاق و الدين ، و هو ما يعبر عنه من خلال الإلتزام بالسلوكيات و الطقوس المتعارف عليها فى هذا الصدد ، و محاولة الدفاع عنها بطرق متعددة ، قد يكون العنف أحد أبرز صورها . ما أعنيه بكونها قد تكون ظاهرية ، أن وجودها الظاهر و الحاضر فى أحيان عديدة ، لا يحول دون وجود قيم و سلوكيات تتخذ مسارات مغايرة تماماً ، و إلا ما وجدنا ميلاً ريفياً ذكورياً نحو حرمان إناث العائلة من ميراثهن " الشرعي" من الأراضي و العقارات ، حسب ما تنص عليه الشريعة الإسلامية!! .
و إضافة الى سمة المحافظة نجد سماتاً إجتماعية أخرى وثيقة الصلة بالشخصية المصرية الريفية ، خاصة تلك التى تكونت و تم توارثها عبر أجيال عايشت حقباً من القهر ، و الحرمان المادى و المعنوى ، حيث تجد سماتاً كلاسيكية متداولة بين عامة المصريين بشأن الريفيين منهم ، أبرزها : (1) اللف و الدوران و عدم المباشرة فى الحديث عن أمر ما (2) المحاكاة الفجة (3) إدعاء المعرفة فى كافة الأمور " أبو العريف" (4) المبالغة و التضخيم (5) الإعتقاد فى السحر و الخرافة (6) تطويع الدين للمعتقد و التقليد الإجتماعى (7) الفضول للمعرفة بشأن الآخر ( سلوكياته و أوضاعه و أسراره ) (8) تقديم التنازلات من أجل تحقيق الأهداف (9 ) التسلط عند التمكن .
هذا و إذا ما كان الغالب على هذه السمات الريفية المذكورة هو السلبي دون الإيجابي ، فإن ذلك راجع الى أن فترات التراجع التاريخي- الإجتماعي تستدعى كافة الفواعل التى من شأنها إنتاج ، و كذا إعادة إنتاج سمات و خصائص التخلف ، حيث تولد سياقات التخلف كافة أجوائها المصاحبة . و لعل المثال على ما نذكر ما قد نلاحظه فى هذه الفترات من التخلى النسبي لفئات و قطاعات مقدرة من المجتمع ، فى الريف و كذا المدن ، عن التعاطى العلمى مع الواقع ، فى الوقت الذى نجد فيه حضوراً مكثفاً لكافة أنماط التعاطى مع هذا الواقع من خلال كافة أنماط المعارف غير العلمية ؛ من قبيل الثيولوجية و الخرافية و الأسطورية و السحرية .
قد يقول البعض أن هذه السمات هى سمات عامة المصريين في الوقت الحالى و ليست سمات الريفيون منهم فقط ! و هنا أيضاً يكون بيت القصيد لهذا المقال ؛ فالسمات التى كانت غالبة على الشخصية الريفية التقليدية صارت سماتاً عامة لقطاعات واسعة من المصريين ؛ فلم تعد المدينة " العاصمة تحديداً " بقيمها و رموزها و سلوكياتها و آدابها و فنونها ...الخ هى مركز الجذب ، و من ثم تمدين الريف ، بل الريف بكافة خصائصه و سماته غدا يُريف المدينة !!
و إذا ما كانت هذه السمات قد غدت مجتمعية بشكل عام ، فإنها الأكثر إلتصاقاً بالفئات التى تمارس السياسة فى الراهن من منطلقات ذات طابع دينى – اسلاموى ، و التى تضم الإخوان المسلمون ، و السلفيون ، و الجهاديون ..الخ . حيث تجدهم ، سواء على مستوى قياداتهم أو قواعدهم و الجماهير التى تناصرهم ، ذوى إنتماءات ريفية واضحة لا تخطئها العين و الأذن . و لكن الأدهى من ذلك أنهم يمارسون السياسة بالطريقة الريفية ذاتها التى قد تجدها فى القرى المصرية التقليدية ، حيث أفكار و قيم ؛ كالعزوة ، و العفيجية ، و الريبة و الشك فى كافة مظاهر الحداثة التى لا يرتاحون لها كثيراً ، رغم ارتداء بعضهم للملابس العصرية ..اضف الى ذلك السمات و الخصائص الريفية التى سبق لنا عرضها و الحديث بشأنها . و هو ما يتجلى بادياً للعيان ، سواء فى خطاب دينى يعتمد لغة تهديدية متدنية فى بعض المساجد أو الفضائيات الإسلاموية . و كذا فى تظاهراتهم و حشودهم التى تتخلف من ورائها القاذورات ؛ كأنه الإنتقام من المدينة التى لا يشعرون بالإنتماء اليها ، فى إفتراق عن المظاهرات التى تنظمها القوى المدنية ، والتى يحرص المشاركون فيها على تنظيف أماكنها و مواقعها من بعد إنتهاء فعالياتها !
إن النخبة التى تحكم الآن ، و تتحرك فى مناصرتها و مساندتها جماعات ضخمة ، يتم شحنها من الريف الى العاصمة ، أصبحت على قناعة بأن فرصتهم الذهبية قد تحققت بالتمكن من بلوغ ذروة الحكم ، بعد عقود ، بل قرون من الإضطهاد و الإستبعاد الهيكلى !! إن عقدة نفسية - إجتماعية – ثقافية – حضارية تجاه المدينة تحركهم فى علاقتهم بأفكار الهوية ! إنها ليست مسألة تتعلق بالدين أو الشريعة ، بل هى أعمق من ذلك ، حيث تتحالف هنا المصالح الإقتصادية الواعدة ، وإغراءات السلطة ، من بعد إزاحة النخبة المدينية لكى يحلوا مكانها . و هو ما لن يتم التمكن منه إلا بتصدير الهدف و الخطاب الدينى الذى يكفر و يوصم كل ناقد له . إنهم بإختصار لا يريدون التنازل عما وصلوا اليه ، فلأول مرة فى تاريخ هذا البلد ينتصر الريف على المدينة !!



#محمد_عبد_المنعم_شلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تريف المجتمع و السياسة فى مصر


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد المنعم شلبي - تريف المجتمع و السياسة فى مصر