أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم التوراني - بيصارة كسيح بلا شواء














المزيد.....

بيصارة كسيح بلا شواء


عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)


الحوار المتمدن-العدد: 3959 - 2013 / 1 / 1 - 23:31
المحور: الادب والفن
    


كان الوقت غروب الشمس، والشارع به زحمة سير. وكان يمشي باتجاه كشك الجرائد المقابل لحانة "ريش بار", حين لمح رجلا فوق كرسي متحرك يدفع عجلته ثم يقف أمام بائع السندويتشات. شم الرجل دخان الشواء ومضى يدفع كرسيه. لم يذكره أبدا هذا المشهد بحكاية الفقير وائتدامه برائحة الشواء وهو يأكل كسرة رغيفه اليابس، ولما هم بالانصراف، طالبه الشواء بثمن ماشم من رائحة، وما كان من الفقير إلا أن أخرج درهما، ورماه على مصطبة حجرية أمام الشواء، وهو يقول له: استمع إلى رنين الدرهم فهو ثمن رائحة الشواء.
لا لم تحضره هذه الحكاية الساخرة التي طالعها في كتاب المقامات وهو في مرحلة الثانوية. إلا أن ملامح الرجل الكسيح ذكرته في وجه يعرفه جيدا، يعرفه عز المعرفة كما يقولون. كان الكسيح متسولا. أو هكذا يذهب كل من قد يلتقيه فلا يتردد في التصدق عليه. أما هو فتبعه غير مصدق. متمنيا أن يكون مجرد شبه عابر بين ملامح الكسيح وصديقه القديم. لكنه وجد نفسه عاجزا على أن يواجهه. توجس من أن يكون هو. لم يلتقيا منذ أعوام. وقد بلغه أن مشاريعه أفلست، وأن صاحبته تركته بعدما تخلت عنه من قبل زوجته وأخذت الأولاد وغادرت البلد.
وقف عند سارية بالشارع ونادى باسم صديقه القديم.
- "عبد الرحيم.. عبد الرحيم..".
ومن الصدف أنهما يشتركان معا في نفس الاسم. تذكر مرة عندما قدم له صديقا له يحمل نفس اسمهما، فلم يكن منه إلا أن صاح في وجه الثالث ضاحكا: "الترينكا"، وهو اسم لعبة ورق تشترط جمع ثلاث أوراق متشابهة...
أعاد نداءه بصوت أكثر ارتفاعا.
- عبد الرحيم.. عبد الرحيم..
اقترب منه قليلا. تغطيه السارية الأقرب. تنفس الصعداء وحمد الله أن الكسيح لم يلتفت إلى النداء ولم يأبه بالمنادي. فعاد متابعا سيره صوب الكشك يبحث عن مجلته الفرنسية الأسبوعية التي تأخر وصولها. وصديقه الذي تأكد قبل قليل من سلامته مولع باللغة الفرنسية، ولا يتخاطب إلا بها منقوعة بكلمات عربية دارجة.
مرت أسابيع. نسي فيها قصة المتسول الكسيح والشواء، وأنسته مشاغله اليومية أن يسأل عن صديقه المفلس. إلى أن حل يوم أمس. كان خارجا من ممر لا يعرف اسما له، لكن الجميع يطلق عليه اسم ممر ورزازات، لأن به حانة تحمل اسم هذه المدينة الجنوبية التي قيل للناس إنها هوليود المغرب، إذ يتم استغلال طبيعتها وساكنتها لتصوير عدة أفلام أجنبية، أمريكية وغير أمريكية. وعند رأس الممر يقع دكان صغير يبيع حساء "البيصارة"، حين التقت عيناه بعيني الكسيح. هو نفس الكسيح. كان جالسا فوق كرسيه الحديدي يغمس كسرة خبز في بيصارته. فاتحا فمه المسوس الأضراس. فم يعتليه شنب طويل. أسرع في مشيته كمستعجل أو هارب من خطر داهم. كان يبتعد مهرولا خائفا أن يسمع نداءه باسمه. اسمهما. إنه هو. لم يعد له مجال للشك. كيف تخفى عنه نظرته. صارت خواء. أوأكثر حدة وغضبا.
الكسيح أيضا لم يكن يرغب في أن يراه على هذه الحالة. لقد التقت عيناهما وقالتا كل ما يمكن لهما أن يقولاه من كلام. كلام لا وصف لديه الآن.
ومع ذلك منى النفس أن يكون مخطئا وواهما. اتصل بأقرب الناس إلى الكسيح المفترض. حسن صديقه. عاشا طفولتهما ومراهقتهما وشبابهما معا. وعاشا بعضا من كهولتها أيضا معا، وبعدها فرقتهما الأيام، لكنهما ظلا يتتبعان عن بعد أخبار بعضها.

- ألو السي حسن.. هل لك أخبار عن صديقنا عبد الرحيم ل...
° هل التقيت به يتسول عند الممر...؟
- لكنه.. لكنه بلا رجلين.. كيف.. ومتى..؟
° آه.. كان المسكين أصيب بداء السكري و.....
- لكن كيف حدث هذا لصديقنا..؟
° حدث ذلك كما يحدث لجميع الناس من هم في حالته..
-لكن...
° اتركك من هذه "اللكن". أتعتقد أن ذلك لا يحصل إلا للغرباء الذين لا تعرفهم...؟...

انقطعت المكالمة. ولم يفارق وجه الكسيح صاحبنا. لم يعد قادرا على شم رائحة الشواء ولا اشتهاء حساء البيصارة. غير الكشك الذي يقتني منه المجلات والجرائد. واشترى من كشك آخر كتابا عن داء السكري.
(الحسيمة، المغرب)



#عبد_الرحيم_التوراني (هاشتاغ)       Abderrahim_Tourani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حب ضاحك كالحزن
- الفرز العظيم
- أكل الكفن
- قصة: موعدي معي
- قصة: فيروس الجاذبية
- قصة واقعية تقريبا : حكاية شاعر معتقل
- قصة واقعية: اعتقال ابتهال
- إعدام الجثث ذات الدم الحار
- عندما قرر المخزن أن تطيح 20 فبراير بسلالة علال


المزيد.....




- وَجْهٌ فِي مَرَايَا حُلْم
- أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة ...
- نظارة ذكية -تخذل- زوكربيرغ.. موقف محرج على المسرح
- -قوة التفاوض- عراقجي يكشف خفايا بمفاوضات الملف النووي
- سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و-متنبي- فلسطين
- سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و-متنبي- فلسطين
- -أنخاب الأصائل-.. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى
- -الأشرار 2- مغامرات من الأرض إلى الفضاء تمنح عائلتك لحظات ما ...
- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...
- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم التوراني - بيصارة كسيح بلا شواء