أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم التوراني - أكل الكفن














المزيد.....

أكل الكفن


عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)


الحوار المتمدن-العدد: 3945 - 2012 / 12 / 18 - 16:51
المحور: الادب والفن
    


كان أبي رجلا متدينا. متدينا غير متشدد. لكن الدين يسري في نبضه. عندما يعود مرهقا من عمله كنت أراه يتوضأ ويصلي ثم يجلس وحيدا يقرأ القرآن. وقراءة القرآن كانت تعني لي وأنا ولد صغير أن القرآن يتلى مرفقا ببكاء حد النحيب والشهيق، بعدما كبرت أدركت أن أبي كان إنسانا حزينا. مكتئبا. زاهدا في الدنيا. لا يتوقف عن ذم مباذلها واحتقار تفاهاتها. وكنا لا نتمتع بابتسامته الجميلة إلا عندما يبدأ في الحديث عن نعم الجنة ومباهجها.

في أخر الشهر كان والدي يسلم راتبه كاملا إلى أمي. هي المكلفة بتدبير شؤون حياتنا، أو أقول إنه كان يتعفف من الانشغال بتفاهات الدنيا الفانية. يأخذ فقط ما يكفي لبنزين دراجته النارية من نوع "موبيليت بيضاء"، التي ينتقل بواسطتها إلى عمله. لا يجلس في مقهى مثل أصحابه، ولم يكن له أصحابا.

كنت أسمعه يسأل الوالدة أن لا تتصرف في مبلغ معين. فترد عليه:
- حتى لو جعنا لن أمسه.
مما زاد من فضول الصبي الذي كنته حول سر هذا المبلغ المالي الذي سنجوع وهو في ملكنا. كيف يتحول مملوك إلى مالك لصاحبه.
وقادتني تحرياتي لأعرف مكان وضع المبلغ الخطير. ولم يكن كبيرا. بضعة أوراق من فئة عشرة دراهم ورقية عليها صورة محمد الخامس. لم أتردد في سرقة وريقاتها بالتقسيط. كنت أنسل إلى غرفة الوالد في غيابه وأسرق كل مرة ورقة محمد الخامس. بها أعيش ملكا. أذهب إلى سينما مونديال أو مونتي كارلو أو ريكس أو فاميليا، وكانت كلها قاعات سينمائية متجاورة بزنقة جورا بحي المعاريف في الدار البيضاء. أشتري سندويتش "هوت دوك" مع بطاطس "لي فريت"، ألعب البيليار في رينك مارسيل سيردان، أتباهى على أقراني بـأن عائلتنا غنية وأتبرع عليهم بالفنيد والحلوى مع الشوكولا، وقد أشتري لهم كرة لنلعب بها مباراة كرة قدم بعد أن نوزع علينا أسماء أبطال اللعبة المشهورين وقتها في المغرب واسبانيا. عبد اللطيف يصبح ديستسفانو، ومحمد هو خينطو، وأنا العربي بن مبارك، وقد أصبح في مباراة أخرى بلمحجوب الذي كان نجما بملاعب فرنسا.
عندما سيكتشف الوالد والوالدة أن المبلغ السري قد طار سأعرف أني كنت أتصرف في مصاريف الكفن والقبر وليلة عشاء الميت الذي سيكون هو أبي.
لقد أكلت الكفن ولعبت بالقبر وصرفت عشاء الميت إلى حلوى وفنيد.

الدار البيضاء، المعاريف
[email protected]



#عبد_الرحيم_التوراني (هاشتاغ)       Abderrahim_Tourani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: موعدي معي
- قصة: فيروس الجاذبية
- قصة واقعية تقريبا : حكاية شاعر معتقل
- قصة واقعية: اعتقال ابتهال
- إعدام الجثث ذات الدم الحار
- عندما قرر المخزن أن تطيح 20 فبراير بسلالة علال


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم التوراني - أكل الكفن