أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - تحقيق في اخر اللحظات التي عاشها المسيح















المزيد.....



تحقيق في اخر اللحظات التي عاشها المسيح


أحمد القبانجي

الحوار المتمدن-العدد: 3950 - 2012 / 12 / 23 - 12:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نهاية المسيح(عليه السلام)

يتفق المسلمون والمسيحيون أنّ السيد المسيح (عليه السلام) حي يرزق، واصبح هذا المبدأ عقيدة ضرورية في كلتا الديانتين، ولكن هناك إختلاف في تصوير النهاية المؤلمة لحياته(عليه السلام)، وهل أنّه صلب وبقي على الصليب حتى مات فانزلوه ودفنوه ثم أفاق وخرج من قبره ـ كما يقول أرباب الكنيسة ـ أو أنّه رفع من بين أتباعه وهم ينظرون إليه كما تصرح به الروايات الإسلامية.

النظرية المسيحية

المسيحيون قاطبة لايعتريهم أدنى شك في الرأي الأول إستناداً إلى كتب الأناجيل والنصوص التاريخية القديمة التي تذكر القصة بما خلاصته، إنهم ألقوا القبض على عيسى (عليه السلام)وساقوه إلى ساحة الإعدام وصلبوه مع إثنين من اللصوص بعد أن ألبسه علماء اليهود تاجاً من الشوك إمعاناً في السخرية منه لأنه كان يريد حسب زعمهم أن يكون ملكاً على بني إسرائيل وبقي معلقاً عدة ساعات، وقد إحتشد الناس حوله بين شامت وحزين وباك، وكان من بينهم بعض الحواريين أمثال بطرس وكذلك اُمه مريم بنت عمران ومريم المجدلية، ثم تقول الروايات إن الجنود الرومان أجبروهم على تخلية المكان، فانصرف جمع كثير ومعهم نسوة يندبن ويقرعن صدورهن، فتشفّع أحدهم إلى الحاكم الروماني في أنزال جثته من الصليب ودفنها، فأجازه وهو متعجب من المدة القصيرة التي لا يموت فيها المصلوب عادة، ونترك الباقي لانجيل يوحنا ليقصّ لنا واقعة الدفن وقيام المسيح من القبر، يقول:
«وكان في المكان الذي صلب يسوع فيه بستان، وفي البستان قبر جديد لم يسبق أن دفن فيه أحد، فدفن يسوع في ذلك القبر، لأنّه كان قريباً... وفي اليوم الأول من الاسبوع بكرّت مريم المجدلية إلى قبر يسوع وكان الظلام لا يزال مخيماً، فرأت الحجر قد رفع عن باب القبر، فأسرعت وجاءت إلى سمعان بطرس والتلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبّه وقالت لهما: «أخذوا الربّ من القبر ولا ندري أين وضعوه»... أما مريم فظلت واقفة في الخارج عند القبر... والتفتت إلى الوراء فرأت يسوع واقفاً...فناداها يسوع: يا مريم! فالتفتت وهتفت بالعبرية، أبوّني أي يا معلم، فقال لها: لا تمسكي بي فإنّي لم أصعد بعد إلى الآب، بل اذهبي إلى أخوتي وقولي لهم: إني سأصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم...».
ولم تقتصر رؤيته حياً على مريم الجدلية، بل رآه بعد ذلك بعض الحواريين في فترات مختلفة وتحدثوا معه وقد ورد في معجم اللاهوت في الصفحة (870) ما يلي:
«عندما صار التلاميذ على صلة بالمسيح الحي أمكنهم أن يعلنوا أنّ الله أقامه من بين الأموات ..».
هذه هي مجمل القصة التي يرويها المسيحيون للنهاية المأساوية لحياة السيد المسيح(عليه السلام)، ودليلهم على ذلك هو حكاية الصلب هذه في الاناجيل وأنّ المسيح فدى البشرية وأنقذهم بموته بهذه الصورة.

نظرية المسلمين

أمّا أصحاب الرأي الثاني فقد ذهب إليه أصحاب التفاسير والمؤرخون من المسلمين، والجامع المشترك لكلا النظرتين هو أنّ المسيح حيّ يرزق كما تقدم وانه سوف يعود آخر الزمان( )، وأمّا جهة الاختلاف فهي أنّ المسلمين يؤكدون على أنّ المسيح (عليه السلام) لم يقتل ولم يصلب، بل إنّ الله تعالى ألقى شبهه على شخص آخر فصلبوه ونجا المسيح (عليه السلام)ورفعه الله وهو حي إلى السماء.
أدلّة المسلمين
والأدلة على ذلك، القرآن الكريم والروايات الشريفة.
أمّا القرآن الكريم فيقول:
(وَمَا قَتَلوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ...).
وفي آية اُخرى يقول:
(إنّي مُتَوَفِيكَ وَرَافِعُكَ إليّ...).
أمّا الأحاديث الشريفة، فنقتصر على ذكر روايتين من ثمان روايات وردت في كيفية وقوع الشبه ورفعه إلى السماء، أحدها: الرواية الواردة عن حمران بن أعين عن الإمام الباقر (عليه السلام)قال:
«إن عيسى (عليه السلام)وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند الماء وهم إثنا عشر رجلاً فادخلهم بيتاً، ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء فقال: إنّ الله أوحى إليَّ أنّه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود، فأيكم يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي، فقال شاب منهم: أنا يا روح الله، قال: فأنت هو ذا. فقال لهم عيسى، أمّا أنّ منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح إثنتي عشر كفرة، فقال له رجل منهم: أنا هو يا نبي الله. فقال له عيسى: أتحسّ بذلك في نفسك، فلتكن هو، ثمّ قال لهم عيسى: أمّا أنكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق: فرقتين مفتريتين على الله في النار، وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة. ثم رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه، ثم قال(عليه السلام): إن اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى: إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح إثنتي عشر كفرة، وأخذوا الشاب الذي اُلقي عليه شبه عيسى فقتل وصلب، وكفر الذي قال له عيسى: تكفر قبل أن تصبح إثنتي عشرة كفرة.
وثانيها: وهي ما ذهب إليه ابن عباس، وذكره الطبري في تفسيره وتؤيده إحدى الروايات الثمان في البحار في تفسير قوله تعالى: وايدناه بروح القدس، هو جبرئيل وذلك حين رفعه من روزنة بيته إلى السماء، واُلقي شبهه على من رام قتله فقتل بدلاً منه.
ويشرح ابن عباس كيفية ذلك ويقول:
«لما مسخ الله الذين سبّوا عيسى وامه بدعائه بلغ ذلك يهودا، وهو رأس اليهود فخاف أن يدعو عليه، فجمع اليهود واتفقوا على قتله، فبعث الله جبرئيل يمنعه منهم ويعينه عليهم. وذلك معنى قوله «وايدناه بروح القدس» فاجتمع اليهود حول عيسى (عليه السلام)فجعلوا يسألونه، فيقول لهم يا معشر اليهود إن الله تعالى يبغضكم، فثاروا إليه ليقتلوه، فادخله جبرئيل(عليه السلام)خوخة البيت الداخل لها روزنة في سقفها، فرفعه جبرئيل إلى السماء فبعث يهودا رأس اليهود رجلاً من أصحابه إسمه ططيانوس، ليدخل عليه الخوخة فيقتله فدخل فلم يره فأبطأ عليهم فظنوا أنّه يقاتله في الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى ولم يلق عليه شبه جسده، فقال البعض: إن الوجه وجه عيسى والجسد جسد ططيانوس، وقال بعضهم: إن كان هذا ططيانوس فأين عيسى؟ وإن كان هذا عيسى فأين ططيانوس: فاشتبه الأمر عليهم».
ويؤيد هذا الرأي أبو علي الجبائي وكذلك المروي عن السدّي، ويشتركان مع ابن عباس في أنّ المصلوب واحد من اليهود وهو الذي دلّ الأعداء على مكان المسيح لقاء دريهمات معدودة.
* * *
مناقشة النظريتين:

أمّا الاولى: وهي مقولة المسيحيين فبطلانها لا يحتاج إلى كثير مؤونة بعد تصريح القرآن الكريم بعدم قتله وصلبه، فلا حاجة إلى مزيد أدلة وبراهين على ذلك وخاصّة بالنسبة لنا نحن المسلمين.
وأمّا الثانية: وهي مقولة المسلمين فقد يبدو في الظاهر أنّها سليمة، إلاّأنّه يمكن الخدشة فيها، بل استبعادها جدّاً وذلك لما يلي:
أمّا الرواية الأولى وهي رواية حمران بن أعين ففيها عدة ثغرات تخلّ بمتانتها وتضعف الإعتماد عليها.
أولاً: إنها ضعيفة السند لأنّ صاحب البحار يرويها عن تفسير القمي علي بن إبراهيم، والرجاليون لا يعتمدون رواياته لأنّ تلميذه العباس قد تصرّف في الكتاب وأدخل فيه ما ليس منه وفقدت النسخة الأصلية.
ثانياً: أنها تصرّح بأنه رفع من بينهم وهم ينظرون إليه، فإذا كان الحواريون قد شاهدوا نهاية المسيح (عليه السلام)بهذه الصورة فكيف لم يتحدث به أحد إلى الناس، بل كيف اتفقوا على رواية خبر صلب عيسى (عليه السلام)في الأناجيل وهم يعلمون بعدم مطابقته للواقع، فهذا ينافي مقامهم ومنزلتهم بما هم حواريي عيسى (عليه السلام)والثلة المخلصة التي نشرت تعاليمه إلى العالم، فكيف لا يوجد لهذه الحادثة عين ولا أثر في مقولاتهم؟ بل وجد التأكيد على صلب عيسى (عليه السلام)في أحاديثهم وكتاباتهم، ومن البعيد أيضاً أتفاقهم على إظهار خلاف الحقيقة مع أنّه لا داعي إلى ذلك، بل تكون شهادتهم جميعاً على أنّه رفع من بينهم كرامة ومعجزة عظيمة تضاف إلى معاجزه السابقة، فما أجاب عنه العلامة المجلسي (ره) من أنّ المسيحيين واليهود شاهدوا شبيه عيسى (عليه السلام)مصلوباً فظنوه هو فاجمعوا على القول بصلبه صحيح فيما لو لم يره أحد وهو يرتفع إلى السماء، فكيف باثني عشر من خلّص أتباعه؟ وكذلك اُمّه مريم فلابد وأن قال لها شيئاً عما سيجري عليه وأنّ عندها الخبر اليقين كما للحواريين ومع ذلك لا توجد لها شهادة بهذا المعنى.
ثالثاً: لماذا هذا التبذير في الكوادر المهمة المؤمنة، فالحواريون على قلّتهم يؤخذ منهم من هو أشدّهم اخلاصاً ليُقتل لا لشيء، لانه بامكان المسيح (عليه السلام) أن يغيب أو يرفع الى السماء من دون أن يقتل عوضاً عنه شخص آخر كما هو الحال في الإمام صاحب الزمان وتكون المعجزة أقوى.
وبعبارة اُخرى: إنّ البديل إمّا أن يكون من الاعداء فهو غير معقول لما سيأتي من عدم معقولية أن يكون لدم حقير كل هذه البركة في إيمان عدّة مليارات من الناس ولعدة قرون مديدة، وأمّا أن يكون من المؤمنين الخلّص فهو من الاسراف والتبذير لانّه لا داعي له.
رابعاً: إنّ وجود البديل سيؤدي الى اضلال النّاس والاتباع بأن المسيح قد قتل والحال أنّه لم يقتل، فلماذا هذا التشويش والاضلال للنّاس من قبل اللّه تعالى والسيد المسيح(عليه السلام)؟
خامساً: إن الرواية تصرح بأن المسيحيين سيفترقون ثلاث فرق، والحال أنّ الفرق المسيحية في القرون الأولى بعد غيبة المسيح(عليه السلام)تجاوزت المائة فرقة، وحتى في زماننا هذا لا تنحصر الفرق المسيحية بثلاث فرق واحدة منها مهتدية.
سادساً: التأكيد على أنّ أحد الحواريين سيكفر إثني عشر كفرة قبل أن يصبح، فلماذا هذا العدد ويكفيه أن يكفر مرة واحدة ويرتد إلى اليهودية، أمّا لو كان المقصود أنّه يكفر ويرجع ثم يكفر ويرجع وهكذا إلى أن يتم العدد قبل أن يصبح فهو أشنع من الأوّل.
سابعاً: إن هذه الرواية لا تذكر الوفاة إطلاقاً، مع أنّ الثابت لدى المؤرخين والمفسرين أنّ الله تعالى قد توفاه ثم رفعه إليه بصريح الآية الشريفة:
(يا عِيسى إنّي مُتَوفيكَ وَرَافِعُكَ إليّ).
وهذا يقتضي حدوث أمرين إثنين، أولهما الوفاة، والثاني الرفع، وفي البحار عن ابن عباس ووهب بن منبه أنّ الله تعالى أماته ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه الله إليه.
ثامناً: أنّها معارضة ببعض الروايات التي تؤيد النظرية الثالثة التي سنذكرها بعد قليل كرواية أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام)قال:
«لما كانت الليلة التي قتل فيها عليّ (عليه السلام) لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون (عليه السلام)وكذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم (عليه السلام)وكذلك الليلة التي قتل فيها الحسين (عليه السلام).
فهذه الرواية تشير إشارة تكاد تكون صريحة على أنّ عيسى (عليه السلام)لاقى في آخر ليلة من حياته مثل ما لاقاه أخوته من أولياء الله وسفك دمه على الأرض. وإنما لم يصرح أهل البيت (عليه السلام) صراحة قاطعة لأنّ مفاهيم الشبيه والبديل التي زرعها ابن عباس وغيره في أفكار المسلمين في تفسيرهم للآية الشريفة تجعل من يقول بغير ذلك مخالفاً للقرآن الكريم، والمسألة ليست بتلك الأهمية التي تستدعي أن يثير أهل البيت (عليهم السلام)موضوعاً كهذا في الأوساط العلمية للمسلمين.
وأبعد من قول ابن عباس ووهب قول أبي علي الجبائي: إن رؤساء اليهود أخذوا إنساناً فقتلوه وصلبوه على موضع عال ولم يمكنوا أحداً من الدنو إليه، فتغيّرت حليته وقالوا: قد قتلنا عيسى ليوهموا بذلك على عوامهم... وهذا الكلام يصلح أن يكون قصة للأطفال، فهو يشابه ما إذا قيل أن نمرود قد أخذ رجلاً بدل ابراهيم(عليه السلام) وقتله ليتخلص من ابراهيم(عليه السلام)وهو يعلم أنّه حيّ يرزق حيث أنّ اليهود لم يؤمنوا بعيسى ولا بقصة رفعه إلى السماء فما يمنعه أن يرجع إليهم ويستمر في إثارة الناس عليهم، وذلك أخزى لهم.
تاسعاً: أنّها معارضة لروايات اُخرى تذكر أنّ الشبيه كان من أعدائه كما في الرواية العاشرة من البحار ج14 عن تفسير الإمام العسكري(عليه السلام)قال: «في قوله تعالى:(وأيدّناه بروح القدس) هو جبرائيل، وذلك حين رفعه من روزنة بيته الى السماء، والقي شبهه على من رام قتله فقتل بدلاً منه» وهذا الاختلاف في الشبيه لا يمكن جمعه أو حلّه.
* * *

الآيات الشّريفة:

بقي الكلام في الآيات الشريفة، فهي الأصل والأساس لمعرفة التاريخ على حقيقته، وقد وردت حادثة الرفع والصلب في موردين أحدهما في سورة آل عمران الآية (55) حيث يقول تعالى:
(إذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إنّي مُتَوَفيكَ وَرَافِعُكَ إليّ وَمُطَهرُكَ مِنَ الّذينَ كَفَرُوا)
والآخر في سورة النساء الآية (157)، يقول تعالى:
(وَقَوْلَهُم إنّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى بنَ مَرْيَم رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبوهُ وَلكِنْ شُبّهَ لَهُمْ، وَإنّ الّذينَ اختَلَفوا فِيهِ لَفي شَك مِنْهُ مَالَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إلاّ اتبَاعَ الظَّنِ وَمَا قَتَلُوهُ يَقينَاً، بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزيزاً حَكيمَاً).
الآية الأولى تذكر ثلاث مفردات أنعم الله تعالى بها على عيسى(عليه السلام)وهي الوفاة والرفع والتطهير، ومن الواضح أنّ المفردة الثالثة لا تؤثر في مجرى المناقشة لأنّها مسلمّة عند الفريقين ومن لوزام الأوليين، بقي الكلام في الأولى والثانية.
أمّا الأولى وهي (إنّي متوفّيك) فالتوفي والإستيفاء بمعنى الأخذ في اللغة، وقد ورد في القرآن بمعنى إستيفاء الروح أي أخذها من الإنسان في موردين:
عند الموت وعند النوم، لقوله تعالى:
(اللهُ يَتَوَفّى الأنْفُسَ حِينَ مَوتِهَا والّتي لَمْ تمُت في مَنَامَهَا فَيُمسِكُ الّتي قَضى عَلَيْها المَوْتَ ويُرْسِلُ الأخرى إلى أَجَل مُسَمّىً ...).
وقد وقع هذا الأمر لعيسى قبل رفعه إلى السماء بمقتضى تقديمه في الآية الشريفة على الرفع «متوفيك ورافعك»، ومن المعلوم أنّ الوفاة بمعنى النوم غير مقصود في هذه الآية الشريفة لأنّ إجماع الفريقين على أنّ عيسى لم يرفع إلى السماء وهو نائم، وكذلك لا معنى للقول بأنه نام قبل الرفع، فهذا ليس بالمهم كي يذكره القرآن خاصّة وأنّ جميع الناس ومنهم الانبياء(عليهم السلام)يتوفاهم اللّه بهذا المعنى كلّ يوم فلا امتياز لعيسى(عليه السلام)على غيره بذلك، والآية الشريفة توحي بالاختصاص، وكذلك وردت الأخبار المتواترة وإجماع الفريقين كذلك على بقائه حياً وسوف يعود إلى الأرض لينصر المهدي(عج)، فلم يبق إلاّ حالة واحدة وهي الإغماءة الشديدة التي أصابته وهو على الصليب بما يقرب من الموت حتى ظنوه قد مات، وعندما يطلق القرآن الكريم لفظ الوفاة على حالة النوم فبطريق أولى أن تكون الإغماءة الشديدة كذلك، فهذه الآية الشريفة تصرّح بأن عيسى (عليه السلام)قد توفي ثم رفع إلى السماء بالمعنى المتقدم.
أمّا الآية الاُخرى فهي ظاهرة إن لم تكن صريحة في عدم قتله وصلبه (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبوُهُ...) أمّا القتل فهو مورد إتفاق، وإن الله تعالى أنقذه من القتل في اللحظات الأخيرة، وأمّا الصلب فيمكن القول بأن المقصود به الصلب حتى الموت، كما في إستعمالاتنا لكلمة الاعدام التي يقصد بها الشنق حتى الموت، بينما يسعى أصحاب القول الثاني إلى التمسك بحرفية هذه الآية، وتأويل الآية السابقة إمّا على أساس أنّه توفي بعد رفعه فيلزم التصرف في التقديم والتأخير، أو أنّ الوفاة هنا بمعنى الرفع نفسه فيلزم التكرار المخلّ، فنحن بين أمرين أو محذورين، أمّا الأخذ بكامل الآية، الاولى والتصرف في الثانية، أو الأخذ بالثانية مع تأويل الأولى، ولا مرجّح لأحدهما على الاُخرى سوى أن الأدلة والشواهد التاريخية تؤيد الأولى على الثانية، فلابد من تأويل الثانية بما ذكر وخاصّة أنّ القرآن الكريم استخدم هذه الكلمة في مواطن اُخرى وأراد بها الصلب حتى الموت كقوله تعالى (...لأصلبنّكُم أجمعين...) ومعلوم هنا أنّ الصلب لا يعني التعليق على الصليب فحسب، بل ما ينتهي إلى الموت..
وقد نجد ما يؤيد هذا المعنى من نفس الآية الثانية حيث يقول تعالى «وَإنّ الّذينَ إخْتَلَفُوا فِيهِ لَفي شَكٍّ مِنْهُ»، ومعلوم أنّه لو كان قد رفع أمام الحواريين قبل الصلب كما يدعي أصحاب الرأي الثاني لما إختلفوا فيه أو وقعوا في شك منه، ومعلوم أنّ الذين إختلفوا فيه هم أتباعه، وإلاّ فإنّ اليهود لم يختلفوا فيه كما يدعي بعض المفسرين لأنّهم قتلوه بأيديهم ودفنوه وأقاموا الحرس حول قبره، ولا مجال لتفسير الإختلاف باختلاف النصارى في ألوهيته أو بشريته كما يدعي البعض لأنّ السياق يحكم بغير ذلك وأنّ الخلاف إنما كان في موته تماماً على الصليب ثم نفخ الروح فيه بعد دفنه، أو كان قد اُغمي عليه حين صلبه فانزلوه ودفنوه، ثم أنتبه وخرج من قبره.
وهناك مؤشر آخر في نفس هذه الآية على ذلك، وهو قوله تعالى «وما قتلوه يقيناً»، حيث أنّ هذه الجملة بعد قوله (وما قتلوه...) يمكن أن تكون أشارة إلى إنهم حاولوا قتله، بل قتلوه ظاهراً إلاّ أنّه في الواقع لم يمت، ولهذا أكّد بقوله «يقيناً» فلو كان المقصود قتل الشبيه فهو تكرار لصدر الآية لا أكثر.
وقد يقال: ماذا نصنع مع إجماع المفسّرين والمؤرخين المسلمين الذي يؤيد الرأي الثاني، وأنّ عيسى قد رفع إلى السماء قبل أن يصاب بأذى ووقع الصلب على الشبيه؟
فجوابه: إن هذا الإجماع إجماع مدركي ونعلم جذوره وأسبابه وهي الروايات المذكورة آنفاً، فلا يفيد شيئاً إضافياً وراء دلالة هذه الروايات، والعلماء لا يلتزمون بحجية مثل هذا الإجماع.
وثانياً: إن هذه المسألة ليست من المسائل الفقهية التي لا سبيل لنا إلاّالتعبّد بها، بل هي من الموضوعات الخارجية التي يكون العقل والشواهد الموضوعية الخارجية هي الفصل، كما في قوله تعالى «وَإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» الذي لابدّ من تأويله وعدم الجمود على ظاهره طبقاً للمشاهدات العلمية الثابتة، وهكذا في قوله «يَدُ اللهِ فَوْقَ أيْديهِمْ» وأمثال ذلك كثير، وهكذا في القضايا التاريخية، فلو قام الإجماع على أنّ خديجة (س) كان لها من العمر حين زواجها من الرسول (40 سنة) أو أن رقية واُم كلثوم بنات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم ثبت من خلال الأدلة والشواهد التاريخية بطلان هذا الرأي كما صنع العلامة المعاصر السيد العاملي في كتبه، فإنّ ذلك يخدش بالإجماع ويكون حاله كالإجماع على أنّ الأرض مسطحة، أو أنّ القارات خمس قبل إكتشاف الأمريكيتين.
وثالثاً: إن هذا الإجماع أساساً غير موجود، فقد خالفه غير واحد من المؤرخين الإسلاميين من أصحاب الخبرة والإحاطة أمثال المؤرخ الشهير العلاّ مة محمد تقي سبهر من علماء القرن الثالث عشر الهجري في كتابه «ناسخ التواريخ» الذي تتجاوز عدد مجلداته السبعين ولم يكتمل، حيث يذكر في الجزء الأوّل من حياة عيسى (عليه السلام)كيفية القاء القبض عليه ومحاكمته وصلبه بما يثير مكامن العواطف، فتجيش المشاعر الإنسانية لمظلومية هذه النبي العظيم، ويقلّد تاريخ الأنبياء وساماً ذهبياً آخر لما تحملوه وعانوا منه في سبيل إنقاذ البشرية من الجهالة والطواغيت، ويقول ما ملخصّه إن كبار اليهود صمموا على قتل عيسى(عليه السلام)، ودلّهم على مكانه يهودا الإستخريوطي الذي كان من حواريي عيسى لقاء دريهمات معدودة (30 درهماً).
وبينما كان المسيح (عليه السلام)يتحدث مع الحواريين إذ هجم عليه اليهود بالسيوف والعصي ومعهم يهودا الذي قال لهم أنّ من أسلّم عليه وأقبّل يده فهو عيسى، فلما هموا بأخذه حدثت معركة وجرّد أحد الحواريين سيفاً فضرب به غلام كبير اليهود فقطع اُذنه، فنهاه المسيح عن الدفاع وقال له: لو أردت لدعوت أبي الذي في السماء ولأغاثني باثني عشر جوقاً من الملائكة، ولكني لا أرى ضرورة لذلك، ثم إنّهم أخذوه إلى (قيافا) كبيرهم بعد أن فرّ الحواريون وتخلّوا عنه إلاّ بطرس كان يتبعهم من بعيد، ولما قبضوا عليه أنكر أن يكون أحد أتباع المسيح، ثم إن اليهود شكلوا محكمة ميدانية لعيسى (عليه السلام)أمام الناس وجميع خدام بيت الله (هيكل سليمان) وكل واحد منهم أدلى باتهامه حتى قال رجلان منهم: إن هذا الرجل يقول: بامكاني تخريب هذا الهيكل وبنائه من جديد خلال ثلاثة أيّام.
فقام رئيس الكهنة من مقامه وصرخ بعيسى: لماذا لا تقول شيئاً وتردّ هؤلاء الشهود، ولكن عيسى (عليه السلام)بقى صامتاً، فقال قيافا: أقسم عليك بالله أنت القائل أن أبي في السماء؟ فقال عيسى: أنت تقول هذا، ولكني أقول لكم إن ابن الإنسان سيجلس على يمين القدرة وسوف ترونه قادماً من بين السحاب.
فلما أتم كلامه شقّ رئيس الكهنة جيبه من الغضب وقال: لقد نطقت بالكفر فلا حاجة إلى الشهود بعد هذا، وخاطب أحبار اليهود قائلاً: الآن وقد علمتم كفره فماذا ترون؟ فقالوا جميعاً: أنّه إستوجب القتل، وقاموا إليه يلطمونه على وجهه ويبصقون عليه، كل ذلك وبطرس ينظر إليه من بعيد، وندم يهودا على خيانته وارجع الدراهم إلى الهيكل ورجع إلى مكانه وأخذ حبلاً وخنق به نفسه حتى مات.
ثم إنّهم أخذوا عيسى يجرونه بالحبال إلى الحاكم الرومي «بيلاطس» التي شاهدت زوجته ليلتها حلماً مفزعاً وحذرت زوجها من قتل عيسى، فلما أحضر بين يديه وقدم خدام بيت الله اليهود الأدلة على وجوب قتله، قال لهم بيلاطس: إن هذه أيّام عيد، فأمهلوه أيّاماً قليلة.
فلما رأى إصرارهم أمر بإناء فيه ماء وغسل يديه في الماء وقال: إني أغسل يدي من أنّ الوّثها بدم هذا الرجل العادل، فقالوا جميعاً: إن دمه في رقابنا وإثم ذلك علينا وعلى أبنائنا، فضاق ذرعاً بهم فسلمّه إليهم ليقتلوه بعد أن أمر بضربه عدة سياط.
فأخذوه يجرونه ويسخرون منه. وألبسوه تاجاً من الشوك ويحنون قاماتهم أمامه استهزاءً به ويقولون: السلام عليك يا ملك بني إسرائيل ويبصقون عليه حتى جاءوا به إلى مكان الصلب وصلبوه بعد أن خلعوا عنه لباسه وألبسوه خرقة لتستر عورته وعلقوا فوق رأسه قرار المحكمة والتهم الموجهة إليه، وصلب معه لصّان أيضاً ووضعوا عليه الحرس وقالوا له: أنت الذي تدعي أن بامكانك هدم الهيكل واعادته في ثلاثة أيّام، وانت ابن الله فانقذ نفسك من القتل إن كنت صادقاً، وذهبوا، وبعد مدة من مقاساة الألم صرخ عيسى: إلهي إلهي لم تركتني؟! وغاب عن وعيه، فتغيرت السماء وأظلم الجو عند الصباح وزلزلت الأرض وعرج عيسى إلى السماء...».
الى هنا تبدو القصّة معقولة ولكن هذا المؤرخ لم يستطع حلّ مسألة الشبيه الواردة في القرآن، فأضاف إلى هذه القصّة قوله: «وفي ذلك الوقت اُلقي شبح عيسى على من قام بصلبه وهو شمعون القورنئي وحلّ مكانه على الصليب ودُقّت رجلاه بالمسامير على الصليب فلما إنجلت الغبرة ظن الحراس أنّ المصلوب هو عيسى (عليه السلام)وكلما صرخ بهم بأني لست بعيسى لم يصدقه أحد حتى مات وهو قوله تعالى: (وَقَولهُم إنّا قَتَلْنا المَسِيحَ عِيسَى بنَ مَرْيَم رَسُولَ اللهِ، وَمَا قَتَلوهُ وَمَا صَلَبوهُ وَلكِنْ شُبّه لَهُم)( ).
ولكن إذا قلنا بأن المقصود من قوله :(شبّه لهم) هو أنّه اشتبه عليهم أنّه اُغمي عليه فظنوا أنّه مات وشبّه لهم موته فانزلوه من الصليب ودفنوه، فأفاق في القبر من إغمائه وخرج منه ثمّ رفع إلى السماء فسوف تنحل المشكلة ولا داعي إلى فرضية الشبيه.
النظرية الثالثة الأقرب للصواب:
بعد ابطال النظرية الاولى واستبعاد الثانية لضعف أدلتها نصل إلى نظرية ثالثة وهي ما تقدم من التأكيد على عدم موت عيسى بالصلب أو القتل، كما يقول القرآن الكريم ولكن لا بمعنى القاء الصلب على الشبيه، بل أنّه(عليه السلام)علّق على الصليب لكنه لم يمت، بل اُغمي عليه فظنوا موته.
* * *

أمّا الدليل
الأوّل: إن أصحاب الأناجيل والمؤرخين من اليهود والنصارى قد أجمعوا في كتبهم على وقوع الصلب على المسيح نفسه، ولا يوجد أدنى أختلاف في ذلك بينهم على الأصل، وهذه الواقعة من الوقائع القليلة التي إتفق فيها المؤرخون بهذا الشكل المتواتر، فلو أبطلناها لما بقي شيء نعتمد عليه في التاريخ سوى ما ذكرها القرآن الكريم، وهو قليل جدّاً.
وقد يجاب عن هذا الوجه بجوابين:
الأوّل: ما أورده العلاّمة المجلسي(رحمه الله) بأن هؤلاء دخلت عليهم الشبهة،كما أخبر سبحانه وتعالى عنهم بذلك، فلم يكن اليهود يعرفون عيسى (عليه السلام)بعينه، وإنما أخبروا أنّهم قتلوا رجلاً قيل لهم إنّه عيسى، فهم في خبرهم صادقون وإن لم يكن المقتول عيسى، وإنما إشتبه الأمر على النصارى لأن شبه عيسى اُلقي على غيره فرأوا من هو على صورته مقتولاً مصلوباً، فلا يؤدي ذلك إلى بطلان الأخبار بحال( ).
الثانى: أنّه لا يوجد مثل هذا الاجماع لدى المسيحيين انفسهم، فقد ذكر إنجيل (برنابا) ـ وهو من حواري المسيح (عليه السلام)الأوائل واستاذ بولس ـ قصة نهاية المسيح (عليه السلام)كما ذكرها المؤرخون المسلمون بالضبط، وأكدّ فيه على أنّ اليهود عندما هجموا على عيسى (عليه السلام)أخرجه جبرئيل من خوخة البيت ووقع شبهه على يهودا فاخذوه وصلبوه.
ويمكن ردّ كلا الجوابين:
أمّا الأوّل وهو جواب العلامة المجلسي(رحمه الله) فقد تقدّم أنّ الحواريين شاهدوا عيسى(عليه السلام) وهو يصعد إلى السماء كما تقول الروايات، فهم يعلمون أنّ هذا المصلوب غير عيسى، فلماذا لم يذكروا هذا المعنى في الاناجيل أو الكتب الاُخرى ولم يتحدّثوا به إلى أحد من المسيحيين مع أنّه معجزة وكرامة من اللّه لنبيّهم، فلا معنى لسكوتهم، بل لا يصحّ منهم عقلا ً تحريف هذه الحقيقة والكرامة واستبدالها بكرامة اُخرى أقل منها وهي قولهم أنّه أحياه اللّه في القبر بعد ثلاثة أيّام!! ثمّ إنّ قوله أنّ اليهود لم يكونوا يعرفون عيسى هو من غريب الكلام، بل من سخيف الكلام، ولذا كان الأجدر تركه.
أمّا الجواب الثاني فإنّ إنجيل برنابا لم يكن معروفاً حتى القرن السادس عشر، حيث إستخرجه القس (فرامارينو) عام 1590م( ) من المكتبة البابوية في روما في قصة طويلة حيث خدع البابا حتى نام واستخرجه من كمّه، وكان بالخط الايطالي فترجمه إلى الإنجليزية بعد أن كان هذا الانجيل باعثاً على إسلامه لما يحتوي فيه من مفاهيم مطابقة إلى العقائد الإسلامية من التوحيد ورفض التثليث وعبودية عيسى (عليه السلام) وغير ذلك.
ونلاحظ على هذا الإنجيل أنّه لا يمكن الإعتماد عليه، لأنه من المستبعد جداً أن يبقى هذا الأنجيل لا تمسه يد التحريف مدة 16 قرناً من الزمان مع أنّ الايدي الأثيمة لم تدع كتاباً مقدساً إلاّ وعبثت به، ومعه نحتمل أنّ هذا القسّ المسلم أضاف عليه هذه العبارات بعد أن اقتبسها من الكتب الإسلامية ونشره قاصداً خدمة الإنسانية حسب عقيدته لا سيما وأنّه لا يوجد له أصل في المكتبات الخطية للكنيسة البابوية،
مضافاً إلى أنّ هذه المكتبة قد وجدت أساساً ـ كما يقول المؤرخ الشهير «ول دورانت» ـ في القرن الخامس عشر، «وقد بدأت المكتبة البابوية في عهد الباب رمسوس (366 ـ 384) ثم فقدت مخطوطاتها الثمينة ومحفوظاتها القيمة في فوضى القرن الثالث عشر ـ ولهذا يرجع تاريخ مكتبة الفاتيكان الحاضرة إلى القرن الخامس عشر»( ).
الثاني: إنّ الذي خلّد الدين المسيحي وبعث في الاُمم الوثنية حياة جديدة وأمواج هادرة وعزيمة على تحمل الصعاب ورفض الدنيا والعشق للخير والآخرة إنما هو الدم الطاهر المبارك للسيد المسيح(عليه السلام)، ولا يعقل أن يكون كل هذا التأثير الإيجابي لمدة قرون مديدة ولا أقل إلى مجيء الإسلام ونسخ الدين المسيحي كان بركة دم إنسان غير المسيح (عليه السلام) وهل يعقل أن تكون ملحمة كربلاء التي نفخت في الأجيال البشرية روح الشرف والإباء والثورة على الظالمين نتيجة دم غير دم الحسين (عليه السلام) ولنفرض أنّه إنسان عادي أو جندي من أوغاد الكوفة اُلقي عليه شبه الحسين (عليه السلام) فقتل هناك!؟ فكذلك الكلام في ملحمة الصليب.
وقد يناقش هذا الوجه أيضاً. بأن هذا الكلام سليم ومعقول إذا كان البديل هو يهودا الخائن كما في روايات المؤرخين والمفسرين من الطائفة الثانية ولا يخفى سخافة هذا الرأي وأنّه من بنات أفكارهم، لا سيما وأنه لا يستند إلى روايات من طرف أهل البيت (عليهم السلام)وتهافت حديثهم بما يشبه قصص العجائز بأن هذا البديل اُلقي على وجهه شبه عيسى دون بدنه!! أو أنه كان في بعضها من الحواريين فخان بعيسى ودلّ اليهود على مكانه، أو أنه كان في الأصل من جنود يهودا أكبر اليهود، وعلى أية حال فإنّ هذا الإشكال غير وارد على الرواية الأولى الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)وفيها يكون البديل أحد حواريي المسيح (عليه السلام)المفضّلين، ولعله كان أفضلهم وهو الذي لم يتردد في أن يفدي المسيح (عليه السلام) بدمه لينقذ روح الله (عليه السلام) كما نام الإمام علي(عليه السلام) في فراش النبي ووقاه بنفسه من سيوف المشركين وقد جعل الله تعالى البركة في دم هذا الحواري الطاهر.
وهذه المناقشة قابلة للتأمل، فحتى لو كان دم البديل شريفاً فمع ذلك ليس له ذلك الأثر العظيم الذي امتدّ عدّة قرون، هذا وقد تقدم أنّ الرواية ضعيفة سنداً ودلالة، مضافاً الى الاسراف في الكوادر المخلصة القليلة وتعريضها للقتل بالرّغم من نجاة المسيح(عليه السلام)، وهذا الموقف يختلف مع مبيت علي(عليه السلام) على الفراش، لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله)لم يرفع إلى السماء، بل ظلّ يواصل دعوته وجهاده، فكانت الحاجة ماسة إلى من ينام على فراشه لعدّة ساعات لإيهام الأعداء بأنه مازال في مكة ولم يهاجر، فيكفّون عن مطاردته واللحوق به فينجو من شرّهم ويواصل طريقه إلى المدينة.
الثالث: أنّ هذا البديل سرعان ما يكتشف أمر غيابه لدى أهله ورفاقه، ولم يرد أدنى خبر في كتب التاريخ عن ذلك، بل يكتشف أمره قبل ذلك من كلماته المسترحمة وصرخاته الرافضة وبكائه المستعطف، فيتبدد إيمان المسيحيين أو المتعاطفين مع المسيح (عليه السلام)الذين تجمعوا في مكان الصلب، ولزالت مسحة القدسية وهالة العظمة التي كانت تحيط به في أذهان أتباعه.
الرابع: إن الله تعالى قد جعل البركة في المسيح (عليه السلام)بأن جعل دينه يغطي نصف الكرة الأرضية منذ الفي عام وإلى يومنا هذا لأجل أنّ هذا النبي الكريم قد صدق الله تعالى في عزمه وتحمل في سبيله أذى الصليب كما أختار الله تعالى إبراهيم خليلاً وإماماً حينما أمتثل أمره تعالى «حسب تصوره» في ذبح ولده، فقال تعالى في حقه:
(وَنَادَيْنَاهُ أنْ يَاإبْرَاهِيم* قَدْ صدَّقْتَ الرُؤيَا إنّا كَذلِكَ نَجْزي الُمحْسِنينَ)( ).
فهو (عليه السلام)وإن لم يذبح ابنه واقعاً، إلاّ أنّه وصل إلى تلك المرتبة العظيمة لأنه أقدم عملياً على تلك التضحية الفذّة، ولولاها لما حاز تلك المنزلة الرفيعة، فكذلك الحال في عيسى(عليه السلام)، فقد إستقام في دعوته إلى آخر مراحلها وهي القتل في سبيل الله بتلك الصورة المفجعة والمؤلمة، إلاّ أنّ الله تعالى أنقذه في آخر اللحظات بأن شبّه على الأعداء فتصوروا موته وأنزلوه من الصليب ودفنوه في مغارة ولمّا يمت بعد، وهو قوله تعالى: (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ).
ويمكن الجواب عنه أن نصرة نبي معين وشريعة خاصة وإنتخابها من بين الشرايع المختلفة لا ترتبط بالظروف الموضوعية التي نفهمها عن ذلك النبي، بل هي من شؤون الغيب ولا يطلع على غيبه أحداً إلاّ من إرتضى من رسول، وإلاّ لكان معاصره يحيى (عليه السلام)أولى بذلك ـ لأنه قد سلك ذلك الطريق حتى النهاية وقطع رأسه الشريف وأهدي إلى بغي.
مناقشة بعض المفسرين:
ولا بأس بايراد الوجوه التي ذكرها بعض المفسّرين لدعم النظرية الإسلامية في قضية صلب المسيح، فقد ذكر صاحب التفسير الأمثل في الجزء الثالث في ذيل الآية 158 من سورة النساء ما هذا نصه:
«هناك قرائن موجودة تثبت وهن وضعف قضية الاعتقاد بصلب المسيح(عليه السلام) وهي:
1 ـ المعروف أنّ الأناجيل الأربعة المتداولة في الوقت الحاضر، والتي تشهد بصلب المسيح(عليه السلام) كانت قد دوّنت بعده بسنين طويلة، وقد دوّنها حواريون أو التالون من أنصاره(عليه السلام) وهذه حقيقة يعترف بها حتى المؤرخون المسيحيون.
كما نعرف أيضاً أنّ حواري المسيح قد هربوا حين هجم الأعداء عليهم، والأناجيل نفسها تشهد بهذا الأمر، وعلى هذا الأساس فإنّ هؤلاء الحواريين قد تلقفوا مسألة صلب عيسى المسيح(عليه السلام) من أفواه الناس الآخرين ولم يكونوا حاضرين أثناء تنفيذ عملية الصلب، وقد أدّت التطورات التي حصلت آنذاك إلى تهيئة الأجواء المساعدة للإشتباه بشخص آخر وصلبه بدل المسيح(عليه السلام)»( ).
ونلاحظ عليه: إنّ كتابة واقعة تاريخية مهمّة وثابتة بالتواتر بعد عدّة سنوات من وقوعها لا يستلزم الشك في أصل وقوعها خاصة إذا كانت من الأهمية والشياع الموجب للعلم والقطع مثل مسألة صلب المسيح في ذلك الوقت، وإلاّ لوجب الشك في جميع ما ورد في كتب السير والتواريخ الإسلامية التي تتحدث عن غزوات النبي وهجرته وتولّي الخلفاء الراشدين أمر الحكومة بعده وما جرى من واقعة الجمل وصفين والنهروان وصلح الحسن ومقتل الحسين وأمثالها، وذلك لمجرّد أنّ هذه الوقائع كتبت بعد ثلاثة أو أربعة قرون من وقوعها.
أما أنّ الحواريين هربوا حين هجم الأعداء عليهم ولم يشهدوا عملية الصلب بأنفسهم بل سمعوها من الناس، فهو أمر أغرب من سابقه، وإن هو من قبيل أن ننكر قتل صدام حسين للشهيد الصدر بعد أن تفرق الناس عنه وتركه أصحابه ولم يشهدوا عملية إعدامه بأنفسهم!! ثم إنّ هربهم لا يعني أنّهم لم يشاهدوا الجند يقبضون عليه ويسوقونه إلى المحكمة، والأناجيل تصرح بذلك، مثلاً ينقل مرقس في انجيله واقعة القبض على المسيح بهذه الصورة:
«وفي الحال، فيما هو يتكلم، وصل يهوذا، أحد الاثني عشر (الذي خان بالمسيح) ومعه جمع عظيم يحملون السيوف والعصي، وقد أرسلهم رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ.. فلما أن وصل يهوذا، حتى تقدم إليه، وقال: «سيدي» وقبّله بحرارة فألقوا القبض عليه (أي على عيسى) ولكن واحداً من الواقفين هناك استلّ سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه.. عندئذ تركه الجميع وهربوا، وتبعه شاب لا يلبس غير ازار على عرية، فأمسكوه، فترك الازار وهرب منهم عرياناً..وتبعه بطرس من بعيد إلى داخل دار رئيس الكهنة»( ).
وهذه الواقعة نفسها وردت في انجيل لوقا حيث يقول بعدها: «وإذ قبضوا عليه ساقوه حتى دخلوا به قصر رئيس الكهنة وتبعه بطرس من بعيد»( ).
ومعلوم أنّ بطرس من كبار الحواريين، ونجد الحادثة مرّة أخرى في انجيل يوحنا حيث يقول بعد إلقاء القبض على عيسى وهو جالس بين تلاميذه: «وتبع يسوع سمعان بطرس وتلميذ آخر كان رئيس الكهنة يعرفه، فدخل ذلك التلميذ مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة، أمّا بطرس فوقف بالباب خارجاً»( ).
ومثله وبتفصيل أكثر ما ذكره انجيل متى عن هذه الواقعة، أما على أساس السرد الإسلامي للواقعة فإنّ الحواريين شاهدوا باُم أعينهم عيسى(عليه السلام) وهو يحلّق في الفضاء قبل إلقاء القبض عليه وعندئذ ألقى الله شبهة على يهوذا أو شخص آخر فساقوه إلى المحكمة وصلبوه، فإذا كان كذلك فلماذا يتبعه بطرس ولماذا لم يذكروا عملية الرفع إلى السماء إلى اُمه وأنصاره الذين وقفوا يشاهدون صلبه بحزن بالغ ولا مجال للخوف عليه بعد أن صعد إلى السماء وصار بعيداً عن متناول الأعداء؟
وقال في الأمثل:
«2 ـ إنّ العامل الآخر الذي يجعل من الاشتباه بشخص آخر بدل المسيح(عليه السلام) أمراً محتملاً هو أنّ المجموعة التي كلّفت بالقبض على عيسى المسيح(عليه السلام) والتي ذهبت إلى بستان «جسيتماني» هذه المجموعة كانت تتشكل من أفراد الجيش الرومي الذين كانوا منهمكين في أمور عسكرية، فهم لم يكونوا يعرفون اليهود ولغتهم وتقاليدهم، كما لم يميزوا بين حواري المسيح وبين المسيح نفسه»( ).
أقول: وهذا عجيب من أمثال صاحب الأمثل، وكأنّه لم يقرأ الانجيل ولا مرة واحدة، وقد قرأنا قبل قليل ما أورده انجيل مرقس من أنّ المهاجمين كانوا مجموعة من اليهود الذين أرسلهم الكهنة والأحبار للقبض على عيسى وتسليمه إلى الرومان دون أن يتدخل جندي روماني واحد لالقاء القبض عليه، ونقرأ أيضاً ما نقله متى في هذا الصدد:
«وفيما هو يتكلم، وصل يهوذا، أحد الاثني عشر (الذي خان بالمسيح) ومعه جمع عظيم يحملون السيوف والعصي، وقد أرسلهم رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب.. فتقدم الجمع وألقوا القبض على يسوع، وإذا واحد من الذين كانوا مع يسوع قد مدّ يده واستلّ سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة (أي الأحبار) فقطع اذنه.. فقال يسوع له: ردّ سيفك إلى غمده فإنّ الذين يلجأون إلى السيف، بالسيف يهلكون»( ).
وقال صاحب الأمثل:
«3 ـ تذكر الأناجيل أنّ الهجوم على مقر عيسى المسيح(عليه السلام) قد تمّ ليلاً وبديهي أنّ ظلام الليل يعتبر خير ساتر للشخص المطلوب ليتخفى ويهرب وليقع شخص آخر في أيدي المهاجمين»( ).
ونلاحظ عليه: إنّ المسرحية لا تنتهي بهرب المطلوب وإلقاء القبض على غيره بل تستمر لعدّة أيّام تتخللها العديد من الحوادث والمحاكمات التي يظهر فيها المسيح يدافع عن نفسه وعلى مرآى من الأعداء والأصدقاء الذين يعرفونه جيداً، وعلى سبيل المثال نقرأ في انجيل متى عن عملية استجواب المسيح:
«فعاد رئيس الكهنة يسأله: قال: استلحفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ فأجابه يسوع: أنت قلت! وأقول لكم أيضاً أنّكم منه الآن سوف ترون ابن الإنسان جالساً عن يمين القدرة ثم آتيا على سحب السماء»( ).
ونقرأ في انجيل يوحنا:
«وسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه، فأجابه يسوع: «علناً تكلمت إلى العالم، ودائماً علّمت في المجمع والهيكل حيث يجتمع اليهود كلّهم ولم أقل شيئاً في السرّ، فلماذا تسألني أنا؟ إسأل الذين سمعوا ما تكلمت به إليهم فهم يعرفون ما قلت»( ).
بعد هذا هل يعقل أن يتكلم الشبيه بهذا الكلام ولا يدفع عن نفسه التهمة وهو يعلم أنّه مصلوب؟! وإذا أراد الله تعالى انقاذ عيسى من أعدائه فلا حاجة للتستر بظلام الليل والهرب منهم بصورة ذليلة ومخزية، بل ينقذه الله كما أنقذ إبراهيم من النار أو موسى من فرعون، أي أمام أعين أعدائه؟ ثم إنّ جميع المفسرين ومنهم صاحب الأمثل يقرون أنّ عيسى صعد إلى السماء أمام أعين الحواريين، فكيف يقول صاحبنا أنّ المطلوب هرب في جنح الليل والقي القبض على شخص آخر؟
ويقول صاحب الأمثل:
«4 ـ يستنتج من نصوص جميع الأناجيل أنّ المقبوض عليه قد اختار الصمت أمام «بيلاطس» الحاكم الرومي لبيت المقدس ـ آنذاك ـ ولم يتفوه إلاّ بالقليل دفاعاً عن نفسه، ويستبعد كثيراً أن يقع عيسى(عليه السلام) في خطر كهذا ولا يدافع عن نفسه بما يستحقه الدفاع عن النفس، وهو المعروف بالفصاحة والبلاغة والشجاعة والشهامة، ألا يحتمل في هذا المجال أن يكون شخص آخر ـ كيهوذاالاسخربوطي ـ الذي خان ووشى بعيسى المسيح(عليه السلام) وكان يشبهه كثيراً ـ وقد وقع هو بدل المسيح في الأسر وأنّه لهول الموقف قد استولى عليه الخوف والرعب فعجز عن الدفاع عن نفسه أو التحدث أمام الجلادين بشيء.
ونقرأ في الأناجيل أنّ «يهوذا الاستخربوطي» لم يظهر بعد حادثة الصلب أبداً، وإنّه كما تقول الأناجيل قد قتل نفسه وانتحر»( ).
ونلاحظ عليه: أولاً: إنّ عيسى ـ كما تقدم آنفاً ـ قد دافع عن نفسه أمام رؤساء الهيكل من الكهنة ورأينا أنّهم كانوا مصرّين على قتله، وهو يعلم بذلك، ولهذا لا فائدة من الإكثار في الجدال والمناقشة، وأما عدم دفاعه أمام الحاكم الروماني فلأنّه يعلم أنّ ذلك لا ينفعه بأي شكل من الأشكال، لأنّ هذا الحاكم لم يكن بيده شيء سوى تنفيذ ما يقوله له أحبار اليهود حسب وظيفته في تهدئة الأجواء واستتباب الأمن في فلسطين، ونقرأ في الانجيل أنّه لم يكن مقتنعاً بلزوم صلب المسيح وأراد اطلاق سراحه، إلاّ أنّ إصرار علماء اليهود على قتله اضطره لاصدار الأمر بصلبه:
«وكان من عادة الحاكم في كل عيد أن يطلق لجمهور الشعب أي سجين يريدونه، وكان عندهم وقتئذ سجين مشهور اسمه باراباس، ففيما هو مجتمعون سألهم بيلاطيس: من تريدون أن أطلق لكم: باراباس أم يسوع الذي يدعي المسيح؟ إذ كان يعلم أنّهم سلّموه عن حسد، وفيما هو جالس على منصة القضاء أرسلت إليه زوجته تقول: «إيّاك وذلك البار، فقد تضايقت اليوم كثيراً في حلم بسببه» ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع أن يطالبوا باطلاق باراباس وقتل يسوع، فسألهم بيلاطس: أي الاثنين تريدون أن اطلق لكم؟ أجابوا: باراباس، فعاد يسأل: فماذا أفعل بيسوع الذي يدعي المسيح؟ أجابوا جميعاً: ليصلب! فسأل الحاكم: وأي شرّ فعل؟ فازدادوا صراحاً: ليصلب! فلما رأى بيلاطس أنّه لا فائدة، وأنّ فتنة تكاد تنشب بالأخرى، أخذ ماء وغسل يديه أمام الجمع وقال: أنا بريء من دم هذا البار، فانظروا أنتم في الأمر! فأجاب الشعب بأجمعه: ليكن دمه علينا وعلى أولادنا؟ فأطلق لهم باراباس، وأما يسوع فجلده ثم سلّمه إلى الصلب»( ).
بعد هذا هل يصح أن نستوحي من سكوت عيسى أمام الحاكم أنّه لم يكن هو المسيح وإنّما كان غيره، وأنّ هذا الغير هو يهوذا الذي كان يشبه عيسى؟ ومن أين علمنا بوجود شبه لولا الروايات الإسلامية؟ وهل يعقل أنّ هول الموقف يمنع الإنسان من النطق وهو يواجه الحكم بالاعدام لا لشيء إلاّ مجرّد الشبه؟ ونحن نرى أنّ الإنسان في مثل هذه الظروف الصعبة يصرخ ويستغيث ويحلف بالإيمان المغلظة أنّه بريء وأنّ المطلوب غيره لا أن يلتزم الصمت وهو يرى أنّهم يقودونه إلى ساحة الإعدام!!
ثم إنّ هذا المفسّر الجليل يقول: إنّه قرأ في الأناجيل أنّ يهوذا الاستخربوطي لم يظهر بعد حادثة الصلب أبداً، ممّا يوحي للقاريء بأن المصلوب هو يهوذا، في حين أنّ هذا الادعاء خلاف الواقع ويثير
الاستغراب واقعاً لا سيما أنّ المدّعي ليس كاتباً عادياً بل عالم وفقيه من فقهاء الإسلام!! فهذا انجيل متى يقول عن يهوذا بعد إلقاء القبض على عيسى:
«فلما رأى يهوذا مسلّمه (أي مسلّم عيسى إلى أعدائه) أنّ الحكم عليه قد صدر، ندم وردّ الثلاثين قطعة من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ وقال: قد أخطأت إذا سلّمتكم دماً بريئاً، فأجابوه: ليس هذا شأننا نحن بل هو شأنك أنت! فألقى قطع الفضة في الهيكل وانصرف، ثم ذهب وشنق نفسه..».
فهنا نرى أن يهوذا ظهر لأحبار اليهود وكلّمهم وكلّموه ثم شنق نفسه، فكيف يقول هذا الفقيه المفسّر أنّه قرأ الأناجيل ووجد أن يهوذا لم يظهر بعد حادثة الصلب أبداً؟!
ويقول أيضاً: «5 ـ لقد بيّنا أنّ حواري المسيح(عليه السلام) ـ وكما ذكرت الأناجيل ـ قد هربوا حين أحسّوا بالخطر يحدق بهم، كما هرب واختفى الأنصار الآخرون وأخذوا يراقبون الأوضاع عن بعد، بحيث أصبح الشخص المقبوض عليه وحيداً بين الجنود الرومان، ولم يكن أي من أصحابه قريباً منه، ولذلك لا يستبعد ولا يبدو غريباً أن يقع خطأ أو سهو في تشخيص هوية الشخص المقبوض عليه».
أقول: لقد بيّن سماحته هذا الأمر في الدليل الأول، وأجبنا عنه، ولا أعلم السبب في هذا التكرار بدون مسوّغ!! ثم إنّ وقوع الشبه إذا كان بمعجزة، فلا يختلف الحال أن يكون النظر إليه من قريب أو بعيد لأنّ الله قد جعل يهودا كالمسيح تماماً كما يدّعون.
«6 ـ ونقرأ في الأناجيل أيضاً، أنّ الشخص المصلوب قد اشتكى من ربّه (وليس لربّه) لأنّه ـ بحسب قوله ـ قد جفاه وتركه بأيدي الأعداء ليقتلوه! فلو صدّقنا مقولة أنّ المسيح جاء لهذه الدنيا ليصلب ولينقذ بصلبه البشرية من عواقب خطاياهم وآثامهم، فلا يليق لمن يحمل هدفاً سامياً كهذا الهدف أن يصدر منه هذا الكلام، وهذا دليل على أنّ الشخص المصلوب لم يكن المسيح نفسه، بل كان إنساناً ضعيفاً وجباناً وعاجزاً، ومثل هذا الإنسان يمكن أن يصدر منه الكلام الذي سبق ولا يمكن أن يكون هذا الإنسان هو المسيح».
أقول: ورد في انجيل متى في حالة المسيح وهو معلّق على الصليب:
«ومن الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الساعة الثالثة ـ بعد الظهر، حل الظلام على الأرض كلها، ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم: «ايلي، ايلي، لما شبقتني، أي «إلهي، إلهي، لماذا تركتني»( ).
ومن الواضح أنّ هذه العبارة تحمل العتب الممزوج بالألم والمرارة، وهذا طبيعي جدّاً في مثل هذا الموقف الصعب ولا ينافي مقام النبوة ولا يدل على أنّ هذا الشخص إنسان ضعيف وجبان وعاجز كما يدعي سماحة الشيخ، بل إنّ القرآن الكريم يصرّح بهذه الحقيقة وهي أنّ النصر قد يتأخر حتى ييأس النبي ويدخل إلى نفسه الشك من الوعد الإلهي:
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)( ).
ويقول تعالى في مورد آخر:
(وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)( ).
ومعلوم أنّ الله تعالى قد وعد عيسى بأن ينقذه وينصره على أعدائه، فعندما تأخر النصر على عيسى وكان يقاسي أشدّ الآلام من جراء الصلب، فلا مانع من مخاطبة ربّه بلحن ممزوج بالعتب، كما نقرأ هذا في المعنى في خطاب أيوب لربّه:
(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْب وَعَذَاب)( ).
أو خطاب موسى(عليه السلام) لربّه بعدما أهلك الله تعالى السبعين الذين اختارهم موسى:
(فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّاىَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ)( ).
ثم إنّ هذا المصلوب كان يتحدث قبل صلبه وعندما كانوا يقودونه إلى ساحة الإعدام بكلمات لا يشك معها أحد أنّ المتكلّم عيسى(عليه السلام)، مثلاً نقرأ في انجيل لوقا:
«وقد تبعه جمع كبير من الشعب (إلى مكان الصلب) ومن نساء كنّ يولولن ويندبنه، فالتفت إليهنّ يسوع وقال: يا بنات أورشليم، لا تبكينّ
عليّ، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن! فها إنّ أيّاماً ستأتي فيها يقول الناس: طوبى للعواقر اللواتي ما حملت بطونهنّ ولا أرضعت أثداؤهن! عندئذ يقولون للجبال، اسقطي علينا، وللتلال: غطّينا: فإن كانوا قد فعلوا هذا بالغصن الأخضر، فماذا يجري لليابس؟... ولما وصلوا إلى المكان الذي يدعي الجمجمية، صلبوه هناك مع المجرمين، أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار، وقال يسوع: يا أبي اغفر لهم لأنّهم لا يدرون ما يفعلون»( ).
وفي اعتقادي أنّ هذه العبارة نفسها تدلّ على أنّ المصلوب هو المسيح، لأنّها تشير إلى أنّ هذا المصلوب كان يتوقع أن لا يتركه الله في أوقات الشدّة، والمجرم إذا جيء به لاعدامه أو صلبه لا يتوقع من الله أن ينقذه لأنّه يلاقي جزاءه العادل، فهذه العبارة تعني أنّ هذا المصلوب كان يعيش مع الله دائماً ولهذا لا يتوقع أن يتركه الله في هذه الشدّة، والشاهد على هذا أنّ اللصين اللذين صلبا معه لم يتكلما بهذا الكلام كما سيأتي، وعليه فلا يعقل بالخائن كيهوذا أن ينطق بهذه العبارة ويعتب على الله لأنّه تركه!!
ثم هل يحسن بمحقق يدعي الانصاف والموضوعية أن يقتصر على جملة واحدة من كلام هذا المصلوب ليستدل بها على أنّ هذا الإنسان جبان ولا يمكن أن يكون المسيح؟! ولماذا نرى سماحة الشيخ يشكك في هوية المقبوض عليه لمجرّد حلول الظلام ولا يشكك في صحة هذه الجملة ومعناها، فربّما سمع الحاضرون هذه الجملة خطأ لأنّهم كانوا واقفين بعيداً عنه ومع وجود الضوضاء وبكاء النسوة؟ ولا سيما إذا أخذنا رواية انجيل لوقا حيث لا نجد فيه هذه العبارة بل يقرر هذه الحقيقة:
«.وأظلمت الشمس وانشطر ستار الهيكل من الوسط، وقال يسوع صارخاً بصوت عظيم: يا أبي، في يديك استودع روحي! وإذا قال هذا أسلم الروح»( ).
إنّ مؤرخ منصف إذا أراد تحري الحقيقة ووجد نفسه بين فريضتين: إمّا أنّ يأخذ بالجملة الأولى وينكر أن يكون هذه المصلوب هو المسيح بل شخص آخر، وإما أن يأخذ بالجملة الثانية التي تنسجم مع كون المصلوب عيسى المسيح ومؤيّده من قبل عشرات الشواهد والقرائن الأخرى، فلا يجد بدّاً من الأخذ بالثانية لموافقتها للعقل والشواهد التاريخية الكثيرة، وخاصة عندما يسمع حديث المسيح وهو على الصليب مع اللصين وكذلك موقف الناس من هذا المصلوب وأكثرهم كانوا يعرفونه حق المعرفة، فقد ذكر انجيل لوقا أنّ أحد اللصين المصلوبين معه طلب منه أن يخلصه إذا كان هو المسيح وقال له: «ألست أنت المسيح؟ إذن خلّص نفسك وخلصنا! ولكن الآخر كلّمه زاجراً فقال: أحتى أنت لا تخاف الله وأنت تعاني العقوبة نفسها؟ أما نحن فعقوبتنا عادلة لأننا ننال الجزاء العادل لقاء ما فعلنا، وأما هذا الإنسان فلم يفعل شيئاً في غير محلّه، ثم قال: يا يسوع، اذكرني عندما تجيء في ملكوتك، فقال له يسوع: الحق أقول لك، اليوم ستكون معي في الفردوس... ويضيف انجيل لوقا في بيان مجريات الحوادث بعدما أسلم
عيسى الروح: فلما رأي قائد المئة ما حدث مجدّ الله قائلاً:
«بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً» كذلك الجموع الذين احتشدوا ليراقبوا مشهد الصلب، لما رأوا ما حدث رجعوا قارعين الصدور.. أما جميع معارفه، بمن فيهم النساء اللواتي تبعنه من الجليل فقد كانوا واقفين من بعيد يراقبون هذه الأمور»( ).
فهل يعقل بعد هذا نصرّ أن على أنّ المصلوب هو يهوذا الاسخربوطي؟!
ويقول سماحته: «7 ـ لقد نفت بعض الأناجيل الموجودة مثل انجيل «برنابا» قضية صلب المسيح(عليه السلام) (وهذا الانجيل هو غير الأناجيل الأربعة التي يقبلها المسيحيون) كما أنّ بعض الطوائف المسيحية أبدت شكوكاً حول قضية الصلب، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أبعد من هذا، فادعوا بأنّ التاريخ قد ذكر شخصين باسم «عيسى» أحدهما عيسى المصلوب والآخر هو عيسى غير المصلوب وبينهما فاصل زمني يقدر بخمسمائة عام»( ).
أقول: أما ما ذهب إليه من تشكيك بعض الطوائف المسيحية حول قضية الصلب، فأجنبي عن المقام، فالآراء والنظريات في أوساط العالم والمعرفة في الغرب كثيرة ومتباينة بسبب أجواء الانفتاح العلمي هناك، بل هناك نظريات تنكر أصل وجود المسيح وتعتبره اسطورة صنعتها أقلام المؤرخين وكتّاب الأناجيل، وعلى أية حال فالموضوع فيما نحن فيه يدور حول هوية المصلوب: عيسى المسيح أو يهوذا الاستخربوطي، بعد
التسليم بأصل وقوع الصلب، وبعبارة أخرى: الخلاف في عبارة «شبّه لهم» الواردة في الآية الشريفة، وهل أنّها تعني القاء شبه عيسى على غيره وهو يهوذا فصلب مكانه ـ كما هو المشهور بين المسلمين ـ أو تعني شبّه لهم أنّه مات، والحقيقة أنّه أغمي عليه ولم يمت، كما نذهب إلى هذا الرأي؟ فعلى كلا القولين هناك شخص مصلوب، فلا تأثير لتشكيك البعض في هذه الحقيقة.
وأما انجيل برنابا فقد تقدم أنّه إنجيل منحول ولا أساس له من الصحة وقد وضعه البعض لدعم موقف المسلمين وتأييد نبوّة محمد وحقانية الإسلام، وإلاّ فإنّ جميع النصارى ينكرونه ويعتبرونه من دسائس الوضاعين، فكيف نستدل ضدهم بكتاب لا يعترفون به ولا يعرفونه، بل يصرحون بأنّه منحول ولا أساس له من الصحة، فقد ذكر الأب «جاك جومييه» في كتابه «القرآن نصوص مختارة لها صلة بالكتاب المقدس» شواهد عديدة لإثبات مجعولية هذا الانجيل، وقال في ملحق كتابه هذا:
«ترددّنا كثيراً قبل أن نضيف هذا الملحق، فإنّ قضية هذا الانجيل الذي هو منحول والذي وضع في زمن متأخر جدّاً، لا تصدّق، كان بودّنا أن تنتهي هذه القضية من تلقاء نفسها، فكان الأفضل أن نسكت عنها، لكن هذا الانجيل المزوّر يستخدم، منذ نحو ثلاثين سنة، في سبيل دعاية تعادي المسيحية صراحة، فإنّه يُعرض على المسيحيين الذين يميلون إلى الإسلام، وغير مطلعين على المسألة، بهدف اجتذابهم، فمن الأفضل أن يعلم جميع المسؤولين المسيحيين على شتى المستويات، حقيقة هذا الانجيل المنحول، وهي أنّ مؤلّفه قد نقّح طبعات قديمة جدّاً لتنسجم مع ما ورد في القرآن.
وفي القرن الثامن عشر، عثر بعض العلماء الهولنديين على نصّ كتاب باللغة الايطالية، لانجيل يزعم أنّ برنابا حرره بأمر من يسوع، إنّ برنابا معروف في العهد الجديد بصفته لاوياً قبرصياً رافق القديس بولس في قسم من خدمته الرسولية، أما في الانجيل المنحول، فهو يعدّ أحد الرسل الاثني عشر منذ بداية حياة يسوع العلنية، فيكون شاهداً لكل ما عمل يشوع وعلّم.
تساءل العلماء الهولنديين لأول وهلة: هل هم أمام انجيل قديم كان معروفاً عند العرب في أيّام محمد؟ لكنّهم لم يستطيعوا البثّ في هذه المسألة، لشعورهم بحاجة إلى مزيد من الدرس.
وفي 1907 نشر الكتاب مع تحقيق بارع وترجمة انكليزية، كان من الواضح أنّ المؤلَّف هو نص حُرّر ما بين القرن الرابع عشر والسادس عشر، إما المخطوط الايطالي فقد وضع بعد 1575، أي بعد صنع الورق الذي خطّ فيه.
ولقد دلّ التحقيق على أنّ مولّف الانجيل المنحول كان يجهل جغرافية فلسطين، فإنّه قد استعمل الأناجيل بحسب دياطسّرون ططيانس، مقسّما إيّاها بحسب أرائه اللاهوتية ومضيفاً خطباً كثيرة ذات طابع روحاني مسيحي غربي، ومعيداً صياغة الأناجيل بحسب نظرته الإسلامية.
وفي سنة 1908 ترجم هذا الكتاب المنحول إلى العربية فلقي نجاحاً
كبيراً في دار الإسلام، واُعيدت ترجمته إلى لغات إسلامية أخرى كما اُعيد طبعه مرات كثيرة».
وأخيراً لا بأس بالإشارة إلى أنني كنت أتصفح التفسير المعروف بتفسير المنار للإمام محمد رشيد رضا لأرى ما يذكره عن صلب المسيح، فرأيت أنّ رشيد رضا بعد أن أكد على النظرية المشهورة للمسلمين في باب صلب الشبيه قال:
«يروي عن بعض المدققين من علماء اُروبة الأحرار وكذا الذين يسمّون المسيحيين العقليين أنّ الذي صلب لم يمت بل اُغمي عليه، فلما أنزل ولفّ باللفائف ووضع في ذلك الناووس أفاق وألقى اللفائف حتى إذا جاء الذين رفعوا الحجر لافتقاده خرج واختفى عن الناس حتى لا يعلم به أعداؤه، ومما أوردوا من التقريب على هذا أنّ المصلوب لم يجرح منه إلاّكفّاه ورجلاه وهي ليست من المقاتل ولم يمكث معلّقاً إلاّ ثلاث ساعات وكان يمكن أن يعيش على هذه الصفة عدّة أيّام، وأنّه لما جرح بالحربة خرج دم وماء والميت لا يخرج منه ذلك، بل قالوا إنّ ذلك لم يكن صلباً تاماً كالمعتاد في تلك الأزمنة.
ومن النقول المصرحة بشيوع هذا الرأي ما جاء في (ص 563 كم كتاب ذخيرة الألباب في بيان الكتاب) وهو: «فللكفرة والجاحدين في تكذيب تلك المعجزة مذاهب شتى، فمنهم من استفزتهم مع بهردوان وبولس تغلّب حماقة الجهل ووساوس الكفر إلى أن قالوا أن يسوع نزل عن الصليب حيّاً ودفن في القبر حيّاً»( ).
هذا وقد أورد صاحب المنار أدلة وشواهد على ردّ مسألة الصلب كلها تقوم على أساس ردّ مسألة الفداء التي يقول بها النصارى، وقد تقدم أنّ هذا هو الباعث على تأكيد القرآن الكريم على نفي الصلب، أي إن الغرض هو نفي ما يدعيه النصارى من أنّ المسيح مات على الصليب فداء للبشر( ).
هذا تمام الكلام الناقص في مأساة المسيح(عليه السلام) وقد تركنا كثيراً من الردود والاشكالات رعاية للاختصار، وليتولاّها أهل العلم بالدراسة والتدقيق، ومن الانصاف أن لا نستعجل بقبول هذه النظرية وطرح الأقوال والرّوايات الواردة إلاّ بعد التثبّت والدراسة والدقيقة، فإنّ لكل جواب جواباً واللّه العالم

* * *



#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد برهان النظم
- التقليد والتحقيق في سلوك طلاب الجامعة - د. عبد الكريم سروش
- نظرة عامة في براهين وجود الله
- دوافع جعل الحديث عند الشيعة
- مدرسة الجشتلت ... علم نفس الشكل
- المجتمع المدني مجتمع تحت سلطة القانون
- القرآن والتحدي بمجموع الآيات
- التفسير السيكولوجي لظاهرة الايمان بالله
- منهج العقل الديني في التعامل مع المعارف والمطالب الدينية
- التفسير السسيولوجي لظاهرة الايمان بالله
- التجربة الدينية للنبي
- هل الدين معيار للعدالة أو العدالة معيار للدين؟
- القراءة السطحية للنصوص
- -لا للديمقراطية- هو الشعار الحقيقي للإسلام السياسي
- صورة الله عند الفلاسفة
- من انجازات النبي ... توحيد القبائل والشعوب
- المنهج الجديد في تفسير النص
- اسطورة الفيل وحرب أبرهة الحبشي
- العلاقة المتبادلة بين الدين والأخلاق
- من انجازات النبي ... تشكيل الدولة


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - تحقيق في اخر اللحظات التي عاشها المسيح